فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب صلاة التطوع على الدابة وحيثما توجهت به

( بابُُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّوَابِّ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم صَلَاة التَّطَوُّع على الدَّابَّة، وَلَفظ: الدَّابَّة، بِالْإِفْرَادِ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي الْوَقْت على الدَّوَابّ، بِصِيغَة الْجمع.
فَإِن قلت: فِي حَدِيثي الْبابُُ، وهما حَدِيث عَامر بن ربيعَة وَحَدِيث عبد الله بن عمر لفظ: الرَّاحِلَة.
وَفِي التَّرْجَمَة لفظ: الدَّابَّة؟ قلت: لفظ الدَّابَّة أَعم من لفظ الرَّاحِلَة، وَفِي الْبابُُ حَدِيث جَابر أَيْضا، وَلَفظه: ( وَهُوَ رَاكب فِي غير الْقبْلَة) ، وَهَذَا اللَّفْظ يتَنَاوَل الدَّابَّة وَالرَّاحِلَة فَاخْتَارَ فِي التَّرْجَمَة لفظا أَعم ليتناول اللَّفْظَيْنِ الْمَذْكُورين، وَهَذَا أوجه من الَّذِي قَالَه ابْن رشيد، وَأورد فِيهِ الصَّلَاة على الرَّاحِلَة لتَكون تَرْجَمته بأعم ليلحق الحكم بِالْقِيَاسِ.



[ قــ :1056 ... غــ :1093 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الأعْلى قَالَ حدَّثنا مَعْمَرٌ عنُ الزُّهْرِيِّ عنْ عَبْدِ الله بنِ عامِرٍ عنْ أبِيهِ.
قَالَ رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الدَّابَّة تَشْمَل الرَّاحِلَة.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وَقد مر غير مرّة.
الثَّانِي: عبد الْأَعْلَى بن عبد الْأَعْلَى أَبُو مُحَمَّد الشَّامي، مر فِي: بابُُ الْمُسلم من سلم الْمُسلمُونَ.
الثَّالِث: معمر، بِفَتْح الميمين، ابْن رَاشد، وَقد مر.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: عبد الله بن عَامر رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ صَغِير، مَاتَ سنة خمس وَثَلَاثِينَ.
السَّادِس: أَبوهُ عَامر بن ربيعَة الْعَنزي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالنُّون وبالزاي: حَلِيف آل عمر بن الْخطاب، كَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، وَشهد بَدْرًا، مَاتَ بعيد مقتل عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: الرُّؤْيَة.
.
وَفِيه: أَن شَيْخه مديني وَعبد الْأَعْلَى بَصرِي وَالزهْرِيّ مدنِي.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ وَرِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ، قَالَ الذَّهَبِيّ: لعبد الله ولأبيه صُحْبَة، وَاسْتشْهدَ عبد الله يَوْم الطَّائِف.
وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب، وَلَيْسَ لعامر بن ربيعَة فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَآخر فِي الْجَنَائِز، وَآخر علقه فِي الصّيام.

وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي تَقْصِير الصَّلَاة عَن يحيى بن بكير عَن لَيْث عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو بن سَواد وحرملة بن يحيى، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ.

ذكر مَعْنَاهُ وَمَا يستنبط مِنْهُ: قَوْله: ( على رَاحِلَته) وَهِي: النَّاقة الَّتِي تصلح لِأَن ترحل، وَكَذَلِكَ الرحول، وَيُقَال: الرَّاحِلَة الْمركب من الْإِبِل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، قَالَه الْجَوْهَرِي.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الرَّاحِلَة من الْإِبِل: الْبَعِير الْقوي على الْأَسْفَار والأحمال وَالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء، وَالْهَاء فِيهِ للْمُبَالَغَة.
قَوْله: ( حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ) أَي: تَوَجَّهت الدَّابَّة، يَعْنِي: إِلَى قِبَلِ الْقبْلَة أَو غَيرهَا.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد عَامَّة أهل الْعلم، لَا نعلم بَينهم اخْتِلَافا، لَا يرَوْنَ بَأْسا أَن يُصَلِّي الرجل على رَاحِلَته تَطَوّعا حَيْثُ مَا كَانَ وَجهه إِلَى الْقبْلَة أَو غَيرهَا قلت: هَذَا بِالْإِجْمَاع فِي السّفر، وَاخْتلفُوا فِي الْحَضَر: فجوزه أَبُو يُوسُف وَأَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي من الشَّافِعِيَّة وَأهل الظَّاهِر، وَعَن بعض الشَّافِعِيَّة: يجوز التَّنَفُّل على الدَّابَّة فِي الْحَضَر لَكِن مَعَ اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي جَمِيع الصَّلَاة، وَفِي وَجه آخر: يجوز للراكب دون الْمَاشِي، وَاسْتدلَّ أَبُو يُوسُف وَمن ذكرنَا مَعَه من جَوَاز التَّنَفُّل على الدَّابَّة فِي الْحَضَر بِعُمُوم حَدِيث الْبابُُ، لِأَنَّهُ لم يُصَرح فِيهِ بِذكر السّفر، وَمنع أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد من ذَلِك فِي الْحَضَر، واحتجا على ذَلِك بِحَدِيث ابْن عمر الْآتِي فِي: بابُُ الْإِيمَاء على الدَّابَّة، عقيب هَذَا الْبابُُ، لِأَن السّفر فِيهِ مَذْكُور، وَفِي إِحْدَى رِوَايَات مُسلم: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَهُوَ مقبل من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة على رَاحِلَته حَيْثُ كَانَ وَجهه) .

وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ: أَنه يجوز ذَلِك للراكب دون الْمَاشِي، لِأَن ذَلِك رخصَة، والرخص لَا يُقَاس عَلَيْهَا، وَجزم أَصْحَاب الشَّافِعِي ترخيص الْمَاشِي فِي السّفر بالتنفل إِلَى جِهَة مقْصده إلاّ أَن مَذْهَبهم اشْتِرَاط اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي تحرمه وَعند الرُّكُوع وَالسُّجُود، وَيشْتَرط كَونهمَا على الأَرْض، وَلَا يشْتَرط استقباله فِي السَّلَام على الْأَصَح.
وَمِمَّا يستنبط من قَوْله: ( على الرَّاحِلَة) : أَن رَاكب السَّفِينَة لَيْسَ كراكب الدَّابَّة لتمكنه من الِاسْتِقْبَال، وَسَوَاء كَانَت السَّفِينَة واقفة أَو سائرة.
.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيّ: وَقيل: يجوز للملاح، وَحَكَاهُ عَن صَاحب ( الْعدة) وَزَاد النَّوَوِيّ فِي ( زيادات الرَّوْضَة) وَفِي ( شرح الْمُهَذّب) حكايته عَن الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره، وَفِي ( التَّحْقِيق) للنووي: الْجَوَاز للملاح فِي حَال تسييرها.
.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: الْمُعْتَبر توجه الرَّاكِب إِلَى جِهَة مقْصده لَا توجه الدَّابَّة حَتَّى لَو كَانَت الدَّابَّة متوجهة إِلَى جِهَة مقْصده وركبها هُوَ مُعْتَرضًا أَو مقلوبا، فَإِنَّهُ لَا يَصح إِلَّا أَن يكون مَا استقبله هُوَ جِهَة الْقبْلَة، فَيصح على الصَّحِيح.
وَقيل: لَا يَصح لِأَن قبلته جِهَة مقْصده.





[ قــ :1057 ... غــ :1094 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ يَحْيى عنْ محَمَّدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ جابِرَ ابنَ عَبْدِ الله أخْبَرَه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وهْوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ القِبْلَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: لأوّل: أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن.
الثَّانِي: شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ.
الثَّالِث: يحيى بن أبي كثير، وَقد مر غير مرّة.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة: العامري الْمدنِي.
الْخَامِس: جَابر بن عبد الله.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين، وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن شَيبَان كُوفِي سكن الْبَصْرَة وَيحيى يماني.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَفِي تَقْصِير الصَّلَاة عَن معَاذ بن فضَالة.

قَوْله: ( وَهُوَ رَاكب) وَفِي الرِّوَايَة الْآتِيَة: ( على رَاحِلَته نَحْو الْمشرق) ، وَزَاد ( وَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة نزل فَاسْتقْبل الْقبْلَة) ، وَبَين فِي الْمَغَازِي من طَرِيق عُثْمَان بن عبد الله بن سراقَة عَن جَابر، أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة أَنْمَار، وَكَانَت أَرضهم قبل الْمشرق لمن يخرج من الْمَدِينَة، فَتكون الْقبْلَة على سَائِر الْمَقَاصِد إِلَيْهِم.
وروى التِّرْمِذِيّ عَن مَحْمُود ابْن غيلَان: حَدثنَا وَكِيع وَيحيى بن آدم، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن أبي الزبير ( عَن جَابر: قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَاجَة فَجئْت وَهُوَ يُصَلِّي على رَاحِلَته نَحْو الْمشرق، السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع) .
وروى أَحْمد فِي ( مُسْنده) من رِوَايَة ابْن أبي ليلى عَن عَطاء أَو عَطِيَّة ( عَن أبي سعيد: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته فِي التَّطَوُّع حَيْثُ مَا تَوَجَّهت بِهِ يومىء إِيمَاء يَجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع) .





[ قــ :1058 ... غــ :1095 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الأعْلى بنُ حَمَّادٍ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٍ قَالَ حدَّثنا مُوساى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافَعٍ قَالَ وكانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى راحِلَتِهِ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا وَيُخْبِرُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَفْعَلُهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( يُصَلِّي على رَاحِلَته) ، وَقد ذكرنَا أَن لفظ.
الدَّابَّة، فِي التَّرْجَمَة يتَنَاوَل الرَّاحِلَة وَغَيرهَا، وَعبد الْأَعْلَى ابْن حَمَّاد مر فِي الْغسْل فِي: بابُُ الْجنب يخرج من المغتسل، ووهيب، بِضَم الْوَاو: ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ وَقد مر فِي كتاب الْعلم، ومُوسَى ابْن عقبَة مر فِي إسباغ الْوضُوء.

قَوْله: ( يُصَلِّي على رَاحِلَته) يَعْنِي، فِي السّفر، وَصرح بِهِ فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي فِي الْبابُُ الَّذِي بعده.
قَوْله: ( ويوتر على رَاحِلَته) ، وَقد احْتج عَطاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَسَالم بن عبد الله وَنَافِع مولى بن عمر بِهَذَا الحَدِيث وَأَمْثَاله على أَن الْمُسَافِر يجوز لَهُ أَن يُصَلِّي الْوتر على رَاحِلَته، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق، ويروى ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَكَانَ مَالك يَقُول: لَا يُصَلِّي على الرَّاحِلَة إلاّ فِي سفر تقصر فِيهِ الصَّلَاة.
.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ: قصير السّفر وطويله سَوَاء فِي ذَلِك، يُصَلِّي على رَاحِلَته.
.

     وَقَالَ  ابْن حزم: يُوتر الْمَرْء قَائِما وَقَاعِدا لغير عذر إِن شَاءَ وعَلى دَابَّته،.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: لَا يجوز الْوتر على الرَّاحِلَة، وَلَا يجوز إلاّ على الأَرْض كَمَا فِي الْفَرَائِض، وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين وَعُرْوَة ابْن الزبير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، ويروى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَابْنه عبد الله فِي رِوَايَة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يزِيد بن سِنَان، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم: قَالَ: حَدثنَا حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان عَن نَافِع ( عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته ويوتر بِالْأَرْضِ، وَيَزْعُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَلِك كَانَ يفعل) وَإِسْنَاده صَحِيح، وَيزِيد بن سِنَان شيخ النَّسَائِيّ أَيْضا، وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل شيخ البُخَارِيّ، وحَنْظَلَة روى لَهُ الْجَمَاعَة، فَهَذَا يُعَارض حَدِيث الْبابُُ وَأَمْثَاله، وَيُؤَيّد هَذَا مَا روى عَن ابْن عمر من غير هَذَا الْوَجْه من فعله، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حدثما أَبُو بكرَة قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن عمر وَبكر بن بكار، قَالَا: حَدثنَا عمر بن ذَر ( عَن مُجَاهِد: أَن ابْن عمر كَانَ يُصَلِّي فِي السّفر على بعيره أَيْنَمَا توجه بِهِ، فَإِذا كَانَ فِي السحر نزل فأوتر) ، وَإِسْنَاده صَحِيح.
وَأخرجه أَحْمد أَيْضا فِي ( مُسْنده) من حَدِيث سعيد بن جُبَير: ( ان ابْن عمر كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته تَطَوّعا، فَإِذا أَرَادَ أَن يُوتر نزل فأوتر على الأَرْض.
.
)
، فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك لَا يبْقى لأهل الْمقَالة الأولى حجَّة، وَلَا سِيمَا الرَّاوِي، إِذا فعل بِخِلَاف مَا روى، فَإِنَّهُ يدل على سُقُوط مَا روى.
فَإِن قلت: صَلَاة ابْن عمر الْوتر على الأَرْض لَا تَسْتَلْزِم عدم جَوَازه عِنْده على الرَّاحِلَة.
لِأَنَّهُ يجوز لَهُ أَن يفعل ذَلِك، وَله أَن يُوتر على الرَّاحِلَة.
قلت: يجوز أَن يكون مَا رَوَاهُ ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وتره على الرَّاحِلَة قبل أَن يحكم أَمر الْوتر ويغلظ شَأْنه، لِأَنَّهُ كَانَ أَولا كَسَائِر التطوعات، ثمَّ أكد بعد ذَلِك فنسخ.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَمن هَذِه الْجِهَة ثَبت نسخ الْوتر على الرَّاحِلَة، وَكَانَ مَا فعله ابْن عمر من وتره على الرَّاحِلَة قبل علمه بالنسخ، ثمَّ لما علمه رَجَعَ إِلَيْهِ وَترك الْوتر على الرَّاحِلَة، وَيجوز أَن يكون الْوتر عِنْده كالتطوع، فَلهُ أَن يُصَلِّي على الرَّاحِلَة وعَلى الأَرْض.
فَإِن قلت: مَا وَجه هَذَا النّسخ؟ قلت: بِدلَالَة التَّارِيخ، وَهُوَ أَن يكون أحد النصين مُعَارضا للْآخر بِأَن يكون أَحدهمَا مُوجبا للحظر وَالْآخر للْإِبَاحَة، وينتفي هَذَا التَّعَارُض بالمصير إِلَى دلَالَة التَّارِيخ، وَهُوَ أَن النَّص الْمُوجب للحظر يكون مُتَأَخِّرًا عَن الْمُوجب للْإِبَاحَة، فَكَانَ الْأَخْذ بِهِ أولى وأحق.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قيل: فمذهبكم أَنه وَاجِب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي: الْوتر؟ قُلْنَا: وَإِن كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ، فقد صَحَّ فعله على الرَّاحِلَة، وَلَو كَانَ وَاجِبا على الْعُمُوم لم يَصح على الرَّاحِلَة كالظهر.
فَإِن قَالُوا: الظّهْر فرض وَالْوتر وَاجِب، وَبَينهمَا فرق؟ قُلْنَا: هَذَا الْفرق اصْطِلَاح لكم لَا يُسلمهُ الْجُمْهُور وَلَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع وَلَا اللُّغَة، وَلَو سلم لم يحصل غرضكم هَهُنَا.
انْتهى.
قلت: الحَدِيث رَوَاهُ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، إِنَّه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ( ثَلَاث هن على فَرَائض وَهن لكم تطوع: الْوتر والنحر وركعتا الْفجْر) ، رَوَاهُ أَحْمد فِي ( مُسْنده) وَالْحَاكِم فِي ( مُسْتَدْركه) وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: ( رَكعَتَا الضُّحَى) بدل: ( رَكْعَتي الْفجْر) وَفِي إِسْنَاده أَبُو جناب الْكَلْبِيّ، واسْمه: يحيى بن أبي حَيَّة، وَهُوَ ضَعِيف.
وَلما رَوَاهُ الْحَاكِم سكت عَلَيْهِ، وَلَئِن سلمنَا صِحَّته وخصوصية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوُجُوبِهِ فَالْوَاجِب لَا يُؤدى على الرَّاحِلَة، وَيحْتَمل أَن يكون فعله على الرَّاحِلَة من بابُُ الخصوصية أَيْضا، وَقَوله: لَا يُسلمهُ الْجُمْهُور، وَكَلَام لَا طائل تَحْتَهُ، لِأَن الِاصْطِلَاح لَا يُنَازع فِيهِ، وَقَوله: وَلَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع، أبعد من ذَلِك، لِأَنَّهُ لم يبين مَا المُرَاد من اقْتِضَاء الشَّرْع، وَعدم اقتضائه.
وَقَوله: وَلَا اللُّغَة، كَلَام واهٍ، لِأَن اللُّغَة فرقت بَين الْفَرْض وَالْوَاجِب، فَفِي أَي كتاب من كتب اللُّغَة الْمُعْتَبرَة نَص على أَن الْفَرْض وَالْوَاجِب وَاحِد، وَهَذِه مُكَابَرَة وعناد.
وَقَوله: وَلَو سلم لم يحصل غرضكم هَهُنَا، فَنَقُول لَو اطلع هَذَا على مَا ورد من الْأَحَادِيث الدَّالَّة على وجوب الْوتر وَمَا ورد من الصَّحَابَة لما حصل لَهُ غَرَضه من هَذِه المناقشة بِلَا وَجه.