فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الأكل مع الخادم

( بابُُ: { الأكْلِ مَعَ الخَادِمِ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْأكل مَعَ الْخَادِم على قصد التَّوَاضُع والتذلل وَترك الْكبر، وَذَلِكَ من آدَاب الْمُؤمنِينَ وأخلاق الْمُرْسلين وَالْخَادِم يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى، وأعم من أَن يكون رَقِيقا أَو حرا.



[ قــ :5166 ... غــ :5460 ]
- حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إذَا أتَى أحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعامِهِ فَإنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُناولْهُ أُُكْلَةً أوْ أُُكْلَتَيْنِ أوْ لُقْمَةً أوْ لُقْمَتَيْنِ فَإنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلاجَهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث والْحَدِيث مضى فِي الْعتْق عَن حجاج بن منهال.

قَوْله: ( أحدكُم) ، بِالنّصب على المفعولية، ( وخادمه) بِالرَّفْع على الفاعلية.
قَوْله: ( فَإِن لم يجلسه) ، بِضَم الْيَاء من الإجلاس، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فليقعده مَعَه فَليَأْكُل، وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن خَالِد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عِنْد أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ: فليجلسه مَعَه فَإِن لم يجلسه مَعَه فليتناوله، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد عَن عجلَان عَن أبي هُرَيْرَة: فَادعه فَإِن أَُبى فأطعمه مِنْهُ، وفاعل: أَبى، يحْتَمل أَن يكون السَّيِّد، وَالْمعْنَى: إِذا ترفع عَن مواكلة غُلَامه، وَيحْتَمل أَن يكون الْخَادِم يَعْنِي: إِذا تواضع عَن مواكلة سَيّده، وَيُؤَيّد الِاحْتِمَال الأول أَن فِي رِوَايَة جَابر عِنْد أَحْمد: أمرنَا أَن نَدْعُوهُ، فَإِن كره أَحَدنَا أَن يطعم مَعَه فليطعمه فِي يَده.
قَوْله: ( فليناوله أكله) ، بِضَم الْهمزَة اللُّقْمَة قَوْله: ( وأكلتين) ، كلمة أَو، فِيهِ للتقسيم.
وَفِي قَوْله: أَو لقْمَة للشَّكّ من الرَّاوِي وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن خَالِد عَن أَبِيه عَن أبير هُرَيْرَة يُخْبِرهُمْ ذَلِك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِذا كفى أحدكُم خادمه طَعَامه حره ودخانه فليأخذ بِيَدِهِ فليقعده مَعَه، فَإِن أَبى فليأخذ لقْمَة فليطعمها إِيَّاه.
.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَأَبُو خَالِد وَالِد إِسْمَاعِيل اسْمه سعد، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَإِن كَانَ الطَّعَام مشفوها قَلِيلا فليصنع فِي يَده مِنْهُ أَكلَة أَو أكلتين، يَعْنِي: لقْمَة أَو لقمتين.
قَوْله: ( فَإِنَّهُ) ، أَي: فَإِن الْخَادِم ( ولي حره) أَي: حر الطَّعَام حَيْثُ طبخه.
قَوْله: ( وعلاجه) ، أَي: وَولي علاجه.
أَي: تركيبه وتهيئته وإصلاحه وَنَحْو ذَلِك.
وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد فَإِنَّهُ ولي حره ودخانه، وروى أَبُو يعلى من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يَنْبَغِي للرجل أَن يَلِي مَمْلُوكه حر طَعَامه وبرده فَإِذا حضر عَزله عَنهُ، وَفِي إِسْنَاده حُسَيْن بن قيس وَهُوَ مَتْرُوك، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِذا صلى مَمْلُوك أحدكُم طَعَاما فولي حره وَعَمله فقربه إِلَيْهِ فليدعه فَليَأْكُل مَعَه، فَإِن أَبى فليضع فِي يَده مِمَّا يضع، وَإِسْنَاده مُنْقَطع الْأَمر فِي هَذِه الْأَحَادِيث مَحْمُول على الِاسْتِحْبابُُ.

وَقَالَ الْمُهلب: هَذَا الحَدِيث يُفَسر حَدِيث أبي ذَر فِي الْأَمر بالتسوية مَعَ الْخَادِم فِي الْمطعم والملبس فَإِنَّهُ جعل الْخِيَار إِلَى السَّيِّد فِي إجلاس الْخَادِم مَعَه وَتَركه قيل: لَيْسَ فِي الْأَمر فِي قَوْله فِي حَدِيث أبي ذَر: أطعموهم مِمَّا تطْعمُونَ إِلْزَام بمواكلة الْخَادِم، بل فِيهِ أَن لَا يستأثر عَلَيْهِ بِشَيْء بل يشركهُ فِي كل شَيْء لَكِن بِحَسب مَا يدْفع بِهِ شَرّ عَيْنَيْهِ، وَنقل ابْن الْمُنْذر عَن جَمِيع أهل الْعلم أَن الْوَاجِب إطْعَام الْخَادِم من غَالب الْقُوت الَّذِي أكل مِنْهُ مثله فِي تِلْكَ الْبَلدة، وَكَذَلِكَ القَوْل فِي الْأدم وَالْكِسْوَة، وَأَن للسَّيِّد أَن يستأثر بالنفيس من ذَلِك، وَإِن كَانَ الْأَفْضَل أَن يُشْرك مَعَه الْخَادِم فِي ذَلِك وَفِي ( التَّوْضِيح) قَوْله: فَإِن لم يجلسه، دَال على أَنه لَا يجب على الْمَرْء أَن يطعمهُ مِمَّا يَأْكُل، قيل لمَالِك: أيأكل الرجل من طَعَام لَا يَأْكُلهُ أَهله وَعِيَاله ورقيقه ويلبس غير مَا يكسوهم؟ قَالَ: أَي: وَالله، وَأرَاهُ فِي سَعَة من ذَلِك وَلَكِن يحسن إِلَيْهِم.
قيل: فَحَدِيث أبي ذَر؟ قَالَ: كَانَ النَّاس لَيْسَ لَهُم هَذَا الْقُوت.