فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر، فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا، حتى إذا أدركه الغرق قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} [يونس: 90]

(بابٌُ: { جَاوَزْنَا بِبَنِي إسْرَائِيلَ البَحْرَ فَأتْبَعُهُمْ فِرْعَوْنِ وَجُنُودُهُ بَغْيا وَعَدْوا حَتَّى إذَا أدُرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أنَّهُ لَا إلاهَ إلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ وَأنَا مِنَ المُسْلِمِينَ} (يُونُس:

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { وجاوزنا} الْآيَة.
وَلَيْسَ عِنْد أَكثر الروَاة لفظ بابُُ: وَكلهمْ ساقوا هَذِه الْآيَة إِلَى قَوْله: من الْمُسلمين.
قَوْله: (وجاوزنا) ، أَي: قَطعنَا بهم الْبَحْر، وقرىء: وجوزنا.
وَالْبَحْر هُوَ القلزم بِضَم الْقَاف وَهُوَ بَين مصر وَمَكَّة، وَحكى ابْن السَّمْعَانِيّ بِفَتْح الْقَاف وكنيته أَبُو خَالِد، وَفِي (الْمُشْتَرك) القلزم بليدَة بساحل بَحر الْيمن من جِهَة مصر وَمن أَعمال مصر ينْسب الْبَحْر إِلَيْهَا، فَيُقَال: بَحر القلزم، وبالقرب مِنْهَا غرق فِرْعَوْن، وَاسم فِرْعَوْن هَذَا الْوَلِيد بن مُصعب بن الريان أَبُو مرّة،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: أَبُو الْعَبَّاس من بني عمليق بن لاوذ بن أرم بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام.
وَذكر عبد الرَّحْمَن عَن عَمه أبي زرْعَة.
حَدثنَا عَمْرو بن حَمَّاد حَدثنَا أَسْبَاط عَن السّديّ.
قَالَ: خرج مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، فِي سِتّمائَة ألف وَعشْرين ألف مقَاتل لَا يعدون فيهم ابْن عشر سِنِين لصغره وَلَا ابْن سِتِّينَ لكبره.
قَوْله: (فاتبعهم) ، يَعْنِي: فلحقهم، يُقَال: تَبعته حَتَّى اتبعته، وتبعهم فِرْعَوْن وعَلى مقدمته هامان فِي ألف ألف وسِتمِائَة ألف، وَفِيهِمْ مائَة ألف حصان أدهم لَيْسَ فِيهَا أنثي،.

     وَقَالَ  ابْن مرْدَوَيْه بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا.
كَانَ مَعَ فِرْعَوْن سَبْعُونَ قائدا.
مَعَ كل قَائِد سَبْعُونَ ألفا.
قَوْله: (بغيا وعدوا) ، منصوبان على الْحَال.
قَوْله: (حَتَّى إِذا أدْركهُ الْغَرق) ، أَي: حَتَّى إِذا أدْرك فِرْعَوْن الْغَرق، وَكَانَ يَوْم عَاشُورَاء.
قَوْله: (قَالَ آمَنت إِلَى آخِره) ، كرر الْإِيمَان ثَلَاث مَرَّات حرصا على الْقبُول فَلم يَنْفَعهُ ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ فِي حَالَة الِاضْطِرَار، وَلَو كَانَ قَالَهَا مرّة وَاحِدَة فِي حَالَة الِاخْتِيَار لقبل ذَلِك مِنْهُ.

نُنْجِيكَ نُلْقِيكَ عَلَى نَجْوَةٍ مِنَ الأرْضِ وَهُوَ النَّشَزُ المَكَانُ المُرْتَفِعُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فاليوم ننجيك ببدنك لتَكون لمن خَلفك آيَة} وَفسّر (ننجيك) بقوله: (نلقيك) إِلَى آخِره، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن: ننجيك مُشْتَقّ من: النجوة: لَا من النجَاة الَّتِي بِمَعْنى السَّلامَة، وَفسّر النجوة بقوله: هُوَ النشز، بِفَتْح النُّون والشين الْمُعْجَمَة وبالزاي، وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: ننجيك، بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف مَعْنَاهُ: نبعدك مِمَّا وَقع فِيهِ قَوْمك من قَعْر الْبَحْر، وَقيل: نلقيك بنجوة من الأَرْض، وقرىء: ننجيك، بِالْحَاء الْمُهْملَة، مَعْنَاهُ: نلقيك بِنَاحِيَة مِمَّا تلِي الْبَحْر، وَذَلِكَ أَنه طرح بعد الْغَرق بِجَانِب الْبَحْر.
انْتهى.
وَسبب ذَلِك أَن مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصْحَابه لما خَرجُوا من الْبَحْر قَالُوا: من بَقِي فِي الْمَدَائِن من قوم فِرْعَوْن مَا غرق فِرْعَوْن وَإِنَّمَا هُوَ وَأَصْحَابه يصيدون فِي جزائر الْبَحْر، فَأوحى الله تَعَالَى إِلَى الْبَحْر: أَن لفظ فِرْعَوْن عُريَانا فَأَلْقَاهُ على نجوة من الأَرْض على سَاحل الْبَحْر، قَالَ مقَاتل: قَالَ بَنو إِسْرَائِيل: إِن القبط لم يفرقُوا فَأوحى الله إِلَى الْبَحْر فطفا بهم على وَجهه، فنظروا فِرْعَوْن على المَاء، فَمن ذَلِك الْيَوْم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة تطفو الغرقى على المَاء، فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: { ولتكون لمن خَلفك آيَة} يَعْنِي: لمن بعْدك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لما أخْبرهُم مُوسَى بِهَلَاك القبط.
: مَا مَاتَ فِرْعَوْن وَلَا يَمُوت أبدا فَأمر الله تَعَالَى الْبَحْر فَألْقى فِرْعَوْن على السَّاحِل أَحْمَر قَصِيرا كَأَنَّهُ ثَوْر، فَرَآهُ بَنو إِسْرَائِيل فَمن ذَلِك الْوَقْت لَا يقبل الْبَحْر مَيتا أبدا.
فَإِن قيل: فقد ذكر أَن نوحًا، عَلَيْهِ السَّلَام.
لما أرسل الْغُرَاب لينْظر لَهُ الأَرْض رأى جيف الغرقى فلهى بهَا عَن حَاجَة نوح عَلَيْهِ السَّلَام، فَالْجَوَاب: أَن المَاء كَانَ قد نصب فَلهَذَا رأى الْجِيَف، وَهنا إِنَّمَا هُوَ مَعَ وجود المَاء واستقراره.
قَوْله: (ببدنك) ، أَي: بجسدك.
قَالَه مُجَاهِد، وَقيل: المُرَاد بِالْبدنِ الدرْع الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَقيل: كَانَت لَهُ درع من ذهب يعرف بهَا، وَقَرَأَ أَبُو حنيفَة بأبدانك.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: يَعْنِي ببدنك كُله وافيا بأجزائه أَو يُرَاد بدروعك كَأَنَّهُ كَانَ مظَاهر بَينهَا