فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب شراء الطعام إلى أجل

( بابُُ شِرَاءِ الطَّعَامِ إِلَى أجَلٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم شِرَاء الطَّعَام إِلَى أجل.



[ قــ :2115 ... غــ :2200 ]
- حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفصِ بنِ غِياثٍ قَالَ حدَّثنا أبِي قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ ذَكَرْنا عِنْدَ إبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَفِ فَقَالَ ل اَ بَأسَ بِهِ ثُمَّ حَدثنَا عنِ الأسْوَدِ عَن عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْتَرَى طَعاما مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى إجَلٍ فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( اشْترى طَعَاما من يَهُودِيّ إِلَى أجل) وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي: بابُُ شِرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنَّسِيئَةِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُعلى بن أَسد عَن عبد الْوَاحِد عَن الْأَعْمَش، وَهُوَ سُلَيْمَان.
وَهنا أخرجه: عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن الْأَعْمَش، وَإِبْرَاهِيم هوالنخعي.
قَوْله: ( فِي السّلف) أَي: السّلم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.
<"

( بابٌُ إذَا أرادَ بَيْعَ تَمْرٍ بِتَمْرٍ خَيْر مِنْهُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا أَرَادَ الشَّخْص بيع تمر بِتَمْر خير من ثمره، وَكِلَاهُمَا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْمِيم، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره: مَاذَا يضع حَتَّى يسلم من الرِّبَا؟


[ قــ :115 ... غــ :0 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ عنْ مالِكٍ عنْ عَبْدِ المَجِيدِ بن سُهَيْلِ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ سَعِيدِ ابنِ المُسَيَّبِ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وعنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعْمَلَ رجُلاً عَلَى خَيْبَرَ فجاءَهُ بِتَمْرٍ جِنيبٍ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكُلُّ تَمْر خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ لاَ وَالله يَا رسولَ الله إنَّا لَنَأخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بالصَّاعَيْنِ بالثَّلاثَةِ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ تَفْعَلْ بِعْ الجَمْعَ بالدَّرَاهِمُ ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنِيبا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( بِعْ الْجمع جنيبا) ، فَإِنَّهُ أسلم من الرِّبَا، فَإِن التَّمْر كُله جنس وَاحِد فَلَا يجوز بيع صَاع مِنْهُ بِصَاع من تمر آخر إلاَّ سَوَاء بِسَوَاء، فَلَا يجوز بالتفاضل.
وَعبد الْمجِيد بن سُهَيْل مصغر سهل، ضد الصعب ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْمدنِي، يكنى أَبَا وهب، وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْوكَالَة عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الْمَغَازِي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَفِي نُسْخَة عَن القعْنبِي، ثَلَاثَتهمْ، أَعنِي قُتَيْبَة وَعبد الله بن يُوسُف وَإِسْمَاعِيل عَن مَالك، وَأخرجه فِي الِاعْتِصَام عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَخِيه عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، كِلَاهُمَا عَن عبد الْمجِيد الْمَذْكُور عَنهُ عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة بِهِ.
وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن القعْنبِي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال بِهِ وَعَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد ابْن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين، كِلَاهُمَا عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك وَعَن نصر بن عَليّ وَإِسْمَاعِيل بن مَسْعُود، كِلَاهُمَا عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن سعيد عَن قَتَادَة عَنهُ عَن أبي سعيد بِمَعْنَاهُ، وَلم يذكر أَبَا هُرَيْرَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( عَن سعيد بن الْمسيب) ، وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال: عَن عبد الْمجِيد أَنه سمع سعيد بن الْمسيب، أخرجه البُخَارِيّ فِي الِاعْتِصَام.
قَوْله: ( عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَعَن أبي هُرَيْرَة) ، وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان الْمَذْكُور أَن أَبَا سعيد وَأَبا هُرَيْرَة حَدَّثَاهُ،.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: ذِكرُ أبي هُرَيْرَة لَا يُوجد فِي هَذَا الحَدِيث إلاَّ لعبد الْمجِيد، وَقد رَوَاهُ قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي سعيد وَحده، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جمَاعَة من أَصْحَاب أبي سعيد عَنهُ.
قَوْله: ( اسْتعْمل رجلا) قيل: هُوَ سَواد بن غزيَّة، وَقيل: مَالك بن صعصعة، ذكره الْخَطِيب.
قلت: سَواد، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وَفِي آخِره دَال مُهْملَة: ابْن غزيَّة، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الزَّاي وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف على وزن عَطِيَّة ابْن وهب حَلِيف الْأَنْصَار، وَهُوَ الَّذِي أسر يَوْمئِذٍ خَالِد بن هِشَام وَمَالك بن صعصعة الخزرجي ثمَّ الْمَازِني.
قَوْله: ( تمر جنيب) ، بِفَتْح الْجِيم وَكسر النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، قَالَ مَالك: هُوَ الكبيس،.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: هُوَ الطّيب، وَقيل: الصلب، وَقيل: الَّذِي أخرج مِنْهُ حشفه ورديئه،.

     وَقَالَ  التَّيْمِيّ: هُوَ تمر غَرِيب غير الَّذِي كَانُوا يعهدونه،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هُوَ نوع من التَّمْر، وَهُوَ أَجود تمورهم، وَهُوَ بِخِلَاف الْجمع بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم، وَهُوَ كل لون من النّخل لَا يعرف اسْمه، وَقيل: هُوَ تمر مختلط من أَنْوَاع مُتَفَرِّقَة وَلَيْسَ مرغوبا فِيهِ، وَلَا يخْتَلط إلاَّ لرداءته.
قَوْله: ( بالصاعين) ، وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان: بالصاعين من الْجمع، أَي: غير الصاعين اللَّذين هما عوض الصَّاع الَّذِي هُوَ من الجنيب، وَكَون الْمعرفَة الْمُعَادَة عين الأول عِنْد عدم الْقَرِينَة على الْمُغَايرَة، وَهُوَ كَقَوْلِه: { تؤتي الْملك من تشَاء} ( آل عمرَان: 6) .
فَإِنَّهُ فِيهِ غير الأول.
قَوْله: ( بِالثَّلَاثَةِ) ، كَذَا وَفِي رِوَايَة القايسي بِالتَّاءِ وَفِي رِوَايَة أكثرين بِالثلَاثِ بِلَا تَاء وَكِلَاهُمَا جَائِز لِأَن الصَّاع يذكر وَيُؤَنث قَوْله ( لَا تفعل) وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان: وَلَكِن مثلا بِمثل، أَي: بِعْ الْمثل بِالْمثلِ، وَزَاد فِي آخِره: وَكَذَلِكَ الْمِيزَان، أَي: فِي بيع مَا يُوزن من المقتات بِمثلِهِ.
قَوْله: ( بِعْ الْجمع) ، أَي: التَّمْر الَّذِي يُقَال لَهُ: ( الْجمع بِالدَّرَاهِمِ، ثمَّ ابتع) أَي: ثمَّ اشترِ بِالدَّرَاهِمِ جنيبا، وَأمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك ليَكُون بصفقتين، فَلَا يدْخلهُ الرِّبَا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ ابْن عبد الْبر: لَا خلاف بَين أهل الْعلم فِي أَن مَا دخل فِي الْجِنْس الْوَاحِد من جنس التَّفَاضُل وَالزِّيَادَة لم تجز فِيهِ الزِّيَادَة، لَا فِي كيل وَلَا فِي وزن، وَالْوَزْن والكيل فِي ذَلِك سَوَاء عِنْدهم إِلَّا أَن كَانَ أَصله الْكل لَا يُبَاع إِلَّا كَيْلا وَمَا كَانَ أَصله الْوَزْن لَا يُبَاع إلاَّ وزنا، وَمَا كَانَ أَصله الْكَيْل فَبيع وزنا فَهُوَ عِنْدهم مماثلة، وَإِن كَرهُوا ذَلِك.
وَمَا كَانَ مَوْزُونا فَلَا يجوز أَن يُبَاع كَيْلا عِنْد جَمِيعهم، لِأَن الْمُمَاثلَة لَا تدْرك بِالْكَيْلِ إلاَّ فِيمَا كَانَ كَيْلا لَا وزنا اتبَاعا للسّنة، وَأَجْمعُوا أَن الذَّهَب وَالْوَرق والنحاس وَمَا أشبهه لَا يجوز يَبِيع شىء كُله كَيْلا لكيل يُوَجه من الْوُجُوه وَالتَّمْر كُله على اخْتِلَاف انواعه جنس وَاحِد لَا يجوز فِيهِ التَّفَاضُل فِي البيع والمعاوضة، وَكَذَلِكَ الْبر وَالزَّبِيب، وكل طَعَام مَكِيل، هَذَا حكم الطَّعَام المقتات عِنْد مَالك.
وَعند الشَّافِعِي: الطَّعَام كُله مقتات أَو غير مقتات، وَعند الْكُوفِيّين: الطَّعَام الْمكيل وَالْمَوْزُون دون غَيره، وَقد احْتج بِحَدِيث الْبابُُ من أجَاز بيع الطَّعَام من رجل نَقْدا ويبتاع مِنْهُ طَعَاما قبل الِافْتِرَاق وَبعده، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخص فِيهِ بَائِع الطَّعَام وَلَا مبتاعه من غَيره، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة وَأبي ثَوْر، وَلَا يجوز هَذَا عِنْد مَالك.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَزعم قوم أَن بيع الْعَامِل الصاعين بالصاع كَانَ قبل نزُول آيَة الرِّبَا، وَقبل إخبارهم بِتَحْرِيم التَّفَاضُل بذلك، فَلذَلِك لم يَأْمُرهُ بفسخه.
قَالَ: وَهَذِه غَفلَة، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي غَنَائِم خَيْبَر للسعدين: أريتما فَردا، وَفتح خَيْبَر مقدم على مَا كَانَ بعد ذَلِك مِمَّا وَقع فِي ثَمَرهَا وَجَمِيع أمرهَا وَقد احْتج بعض الشَّافِعِيَّة بِهَذَا الحَدِيث على أَن الْعينَة لَيست حَرَامًا، يَعْنِي: الْحِيلَة الَّتِي يعملها بَعضهم توصلاً إِلَى مَقْصُود الرِّبَا، بِأَن يُرِيد أَن يُعْطِيهِ مائَة دِرْهَم بمائتين، فيبيعه ثوبا بمائتين ثمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ بِمِائَة، وَدَلِيل هَذَا من الحَدِيث أَن النبيصلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: بِعْ هَذَا واشتر بِثمنِهِ من هَذَا، وَلم يفرق بَين أَن يَشْتَرِي من المُشْتَرِي أَو من غَيره، فَدلَّ على أَنه لَا فرق.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَهَذَا كُله لَيْسَ بِحرَام عِنْد الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة وَآخَرين،.

     وَقَالَ  مَالك وَأحمد: هُوَ حرَام، وَفِي الحَدِيث حجَّة على من يَقُول: إِن بيع الرِّبَا جَائِز بِأَصْلِهِ من حَيْثُ إِنَّه بيع مَمْنُوع بوصفه من حَيْثُ هُوَ رَبًّا، فَيسْقط الرِّبَا وَيصِح البيع.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَلَو كَانَ على مَا ذكر لما فسخ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذِه الصَّفْقَة، وَلَا أَمر برد الزِّيَادَة على الصَّاع.
وَفِيه: جَوَاز اخْتِيَار طيب الطَّعَام،.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: وَفِي التَّخْيِير لَهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، التَّمْر الطّيب وإقرارهم عَلَيْهِ دَلِيل على أَن النَّفس يرفق بهَا لحقها، وَهُوَ عكس مَا يصنعه جهال المتزهدين من حملهمْ على أنفسهم مَا لَا يُطِيقُونَ، جهلا مِنْهُم بِالسنةِ.
وَفِيه: جَوَاز الْوكَالَة فِي البيع وَغَيره.
وَفِيه: أَن الْبيُوع الْفَاسِدَة تُرَدُّ.