فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا وهب هبة فقبضها الآخر ولم يقل قبلت

( بابٌُ إِذا وهَبَ هِبةً فقَبَضَهَا الآخَرُ ولَمْ يَقُلْ قَبِلْتُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا وهب رجل هبة فقبضها الآخر، أَي: الْمَوْهُوب لَهُ، وَلم يقل: قبلت.
وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف، وَلم يُصَرح بِهِ لمَكَان الْخلاف فِيهِ.
وَالْجَوَاب: جَازَت، خلافًا لمن يشْتَرط الْقبُول، قَالَ ابْن بطال: لَا يحْتَاج الْقَابِض أَن يَقُول: قبلت، وَهُوَ قد قبضهَا.
قَالَ: وعَلى هَذَا جمَاعَة الْعلمَاء، وَمذهب الشَّافِعِي: لَا بُد من الْإِيجَاب وَالْقَبُول، كَمَا فِي البيع وَسَائِر التمليكات، فَلَا يقوم الْأَخْذ وَالعطَاء مقامهما، كَمَا فِي البيع.
قَالَ: وَلَا شكّ أَن من يصير إِلَى انْعِقَاد البيع بالمعاطاة تجزيه فِي الْهِبَة.
وَاخْتَارَ ابْن الصّباغ من أَصْحَاب الشَّافِعِي: أَن الْهِبَة الْمُطلقَة لَا تتَوَقَّف على إِيجَاب وَقبُول.
.

     وَقَالَ  الْحسن الْبَصْرِيّ: لَا يعْتَبر الْقبُول فِي الْهِبَة كَالْعِتْقِ، وَهُوَ قَول شَاذ خَالف فِيهِ الكافة إلاَّ إِذا أَرَادَ الْهَدِيَّة، وَعند الْحَنَفِيَّة: لَا تصح الْهَدِيَّة إلاَّ بِالْإِيجَابِ، كَقَوْلِه: وهبت وَنَحْوه، هَذَا بِمُجَرَّدِهِ فِي حق الْوَاهِب، وبالقبول كَقَوْلِه: قبلت، وَالْقَبْض، فَلَا يتم فِي حق الْمَوْهُوب لَهُ إلاَّ بِالْقبُولِ وَالْقَبْض، لِأَنَّهُ عقد تبرع فَيتم بالمتبرع، وَلَكِن لَا يملكهُ الْمَوْهُوب لَهُ إلاَّ بِالْقبُولِ وَالْقَبْض، وَثَمَرَة ذَلِك فِيمَن حلف لَا يهب وَلم يقبل الْمَوْهُوب لَهُ يَحْنَث، وَعند زفر لَا يَحْنَث إلاَّ بِقبُول وَقبض كَمَا فِي البيع، أَو حلف على أَن يهب فلَانا، فوهبه، وَلم يقبل بر فِي يَمِينه عندنَا.



[ قــ :2487 ... غــ :2600 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مَحْبُوبٍ قَالَ حدَّثنا عبْدُ الواحِدِ قَالَ حدَّثنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ حُمَيْدِ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ جاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هلَكْتُ فَقَالَ وَمَا ذَاك قَالَ وقعْتُ بأهْلِي فِي رمَضَانَ قَالَ تَجِدُ رَقَبَة قَالَ لَا قَالَ فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَتَسْتَطِيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً قَالَ لَا قَالَ فَجاءَ رجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ بِعَرَقٍ والعرَقَ المِكْتلُ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ اذْهَبْ بِهذا فتَصَدَّقْ بهِ قَالَ عَلَى أحْوَجَ مِنَّا يَا رسولَ الله والَّذِي بعَثَكَ بالحَقِّ مَا بيْنَ لاَبَتيْها أهْلُ بَيتٍ أحْوَجْ مِنَّا قَالَ اذْهَبْ فأطْعِمْهُ أهْلَكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَهُوَ أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أعْطى الرجل التَّمْر الْمَذْكُور فِيهِ فَقَبضهُ، وَلم يقل: قبلت، ثمَّ قَالَ لَهُ: ( إذهب فأطعم أهلك) .
وَاخْتِيَار البُخَارِيّ على هَذَا، وَهُوَ أَن الْقَبْض بِالْهبةِ كافٍ لَا يحْتَاج أَن يَقُول: قبلت، فَلذَلِك عقد التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة وَذكر لَهَا الحَدِيث الْمَذْكُور، ورد عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ.
أَحدهمَا: أَنه لم يُصَرح فِي الحَدِيث بِذكر الْقبُول وَلَا بنفيه.
وَالْآخر: أَن هَذِه كَانَت صَدَقَة لَا هبة، فَلهَذَا لم يحْتَج إِلَى الْقبُول.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي: بابُُ إِذا جَامع فِي رَمَضَان وَلم يكن لَهُ شَيْء، فَتصدق عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره.
وَهنا أخرجه: عَن مُحَمَّد بن مَحْبُوب أبي عبد الله الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
والعرق، بِفتْحَتَيْنِ المكتل، بِكَسْر الْمِيم، وَهُوَ: الزنبيل.
واللابة: الْحرَّة، وَهِي الأَرْض الَّتِي فِيهَا حِجَارَة سود، ولابتا الْمَدِينَة: حرتان تكتنفانها.