فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب صلاة الليل

( بابُُ صَلاَةِ اللَّيْلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان صَلَاة اللَّيْل، لم تقع هَذِه التَّرْجَمَة على هَذَا الْوَجْه إلاَّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَلَا وَجه لذكرها هَهُنَا، لِأَن الْأَبْوَاب هَهُنَا فِي الصُّفُوف وإقامتها، وَلِهَذَا لَا يُوجد فِي كثير من النّسخ، وَلَا تعرض إِلَيْهِ الشُّرَّاح، ولصلاة اللَّيْل بخصوصها كتاب مُفْرد سَيَأْتِي فِي أَوَاخِر الصَّلَاة، وَقد تكلّف بَعضهم فَذكر مُنَاسبَة لذكر هَذِه التَّرْجَمَة هُنَا فَقَالَ: لما كَانَ الْمُصَلِّي الَّذِي بَينه وَبَين إِمَامه حَائِل من جِدَار وَنَحْوه قد يظنّ أَنه يمْنَع من إِقَامَة الصَّفّ، ذكر هَذِه التَّرْجَمَة بِمَا فِيهَا دفعا لذَلِك.
وَقيل: وَجه ذَلِك أَن من صلى بِاللَّيْلِ مَأْمُوما كَانَ لَهُ فِي ذَلِك شبه بِمن صلى وَرَاء حَائِط.



[ قــ :709 ... غــ :730 ]
- حدَّثنا إبراهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبي فُدَيْكٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ عَن المَقْبَرِيُّ عنْ أبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ بالنَّهَارِ وَيَحْتَجِرُهُ بِاللَّيْلِ فَثَابَ إلَيْهِ ناسٌ فَصَلُّوا وَرَاءَهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فصفوا وَرَاءه) ، لِأَن صفهم وَرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي صَلَاة اللَّيْل.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر أَبُو إِسْحَاق الْمدنِي، وَقد مر ذكره غير مرّة.
الثَّانِي: ابْن أبي الفديك، بِضَم الْفَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره كَاف، وَقد يسْتَعْمل بِالْألف وَاللَّام وبدونها: من فدكت الْقطن إِذا نفشته، وَهُوَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ابْن مُسلم بن أبي فديك، وَاسم أبي فديك: دِينَار الديلِي أَو إِسْمَاعِيل الْمدنِي.
الثَّالِث: ابْن أبي ذِئْب، بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذيب، وَاسم أبي ذيب هِشَام بن شُعْبَة أَبُو الْحَارِث الْمدنِي.
الرَّابِع: المَقْبُري، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسرهَا، وَقيل: بِفَتْحِهَا أَيْضا، وَهِي نِسْبَة إِلَى الْمقْبرَة، وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا، سعيد بن أبي سعيد، وَاسم أبي سعيد: كيسَان أَبُو سعيد الْمدنِي، وَسمي بالمقبري لِأَن سكناهُ كَانَ بجوار الْمقْبرَة.
الْخَامِس: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
السَّادِس: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف أسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون.
وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
وَفِيه: أَرْبَعَة من الروَاة لم يسموا: أحدهم مَذْكُور بِالنِّسْبَةِ، وَالْآخرُونَ مذكورون بالكنية.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن مُحَمَّد بن أبي بكر عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن عبيد الله بن عمر عَن المَقْبُري بِهِ.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن عبيد الله بن عمر بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث عَن ابْن عجلَان عَن سعيد المَقْبُري.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِتَمَامِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن بشر عَن عبيد الله بن عمر مُخْتَصرا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( حَصِير) ، قَالَ الْجَوْهَرِي: الْحَصِير البارية قلت: هُوَ الْمُتَّخذ من البردى وَغَيره، يبسط فِي الْبيُوت.
قَوْله: ( يبسطه بِالنَّهَارِ) جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنه صفة لحصير.
قَوْله: ( ويحتجره) بالراء الْمُهْملَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَمَعْنَاهُ: يَتَّخِذهُ مثل الْحُجْرَة فَيصَلي فِيهَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( يحجزه) ، بالزاي أَي: يَجعله حاجزا بَينه وَبَين غَيره.
قَوْله: ( فَثَابَ إِلَيْهِ نَاس) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة من: ثاب النَّاس إِذا اجْتَمعُوا وجاؤا.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: ثاب الرجل يثوب ثوبا وثوبانا: رَجَعَ بعد ذَهَابه، وثاب النَّاس اجْتَمعُوا وجاؤا، وَكَذَلِكَ: ثاب المَاء إِذا اجْتمع فِي الْحَوْض، وَمِنْه المثابة وَهُوَ الْموضع الَّذِي يُثَاب إِلَيْهِ أَي: يرجع إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس} ( الْبَقَرَة: 125) .
لِأَن أَهله يتصرفون فِي أُمُورهم ثمَّ يثوبون إِلَيْهِ أَي يرجعونن، هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والسرخسي: ( فثار إِلَيْهِ نَاس) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالرَّاء من: ثار يثور ثورا وثورانا إِذا انْتَشَر وارتفع.
قَالَه ابْن الْأَثِير.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: إِذا سَطَعَ،.

     وَقَالَ  غَيره: الثوران الهيجان، وَالْمعْنَى هَهُنَا ارْتَفع النَّاس إِلَيْهِ، وَيُقَال: ثار بِهِ النَّاس إِذا وَثبُوا عَلَيْهِ، وَوَقع عِنْد الْخطابِيّ: آبوا، أَي: رجعُوا يُقَال: آب يؤب أوبا وأوبة وإيابا، والأوّاب التائب، والمآب الْمرجع.
قَوْله: ( فصلوا وَرَاءه) أَي: وَرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأخرج هَذَا الحَدِيث مُخْتَصرا، وَلَعَلَّ مُرَاده مِنْهُ بَيَان أَن الْحُجْرَة الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ عَن عمْرَة عَن عَائِشَة الْمَذْكُور قبل هَذَا الْبابُُ كَانَت حَصِيرا، وَالْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا، وكل مَوضِع حجر عَلَيْهِ فَهُوَ حجرَة، وَفِي حَدِيث زيد بن ثَابت الْآتِي ذكره الْآن: ( اتخذ حجرَة، قَالَ: حسبت أَنه قَالَ: من حَصِير) ، وَجَاء فِي رِوَايَة: ( احتجر بخصفة أَو حَصِير فِي الْمَسْجِد) ، وَفِي رِوَايَة: ( صلى فِي حُجْرَتي) ، رَوَاهُ عمْرَة عَن عَائِشَة، وَفِي رِوَايَة: ( فَأمرنِي فَضربت لَهُ حَصِيرا يُصَلِّي عَلَيْهِ) ، وَلَعَلَّ هَذِه كَانَت فِي أَحْوَال.





[ قــ :710 ... غــ :731 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الأعْلَى بنُ حَمَّادٍ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ قَالَ حدَّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ سَالِمٍ أبي النضْرِ عنْ بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ عنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخَذَ حُجْرَةً قَالَ حَسِبْتُ أنَّهُ قَالَ منْ حصِيرٍ فِي رمَضَانَ فَصلَّى فيهَا ليالِيَ فَصَلَّى بِصَلاتِهه ناسٌ مِنْ أصْحَابِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ.
فَقَالَ قَدْ عرَفْتُ الَّذِي رَأيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ فَصَلُّوا أيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فإنَّ أفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلاَّ المَكْتُوبَةَ.
قالَ عفَّانُ حدَّثنا وُهَيْبٌ قَالَ حدَّثنا مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ عنْ بُسْرٍ عنْ زَيْدٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن الحَدِيث فِي صَلَاة اللَّيْل.

ذكر رِجَاله: وهم: كلهم ذكرُوا، فعبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد، بتَشْديد الْمِيم: ابْن نصر أَبُو يحيى، مر فِي: بابُُ الْجنب يخرج، ووهيب ابْن خَالِد مر فِي: بابُُ من أجَاب الْفتيا، ومُوسَى بن عقبَة ابْن أبي عَيَّاش الْأَسدي.
وَسَالم أَبُو النَّضر، بِسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: وَهُوَ ابْن أبي أُميَّة، مر فِي: بابُُ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.
وَبسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: ابْن سعيد، مر فِي: بابُُ الخوخة فِي الْمَسْجِد.
وَزيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ كَاتب الْوَحْي، مر فِي: بابُُ إقبال الْحيض.
ذكر لطائف أسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: ثَلَاثَة مدنيون على نسق وَاحِد من التَّابِعين، أَوَّلهمْ: مُوسَى بن عقبَة ووهيب بَصرِي وَعبد الْأَعْلَى أَصله من الْبَصْرَة، سكن بَغْدَاد.
وَفِيه: عَن سَالم أبي النَّضر، وروى ابْن جريج عَن مُوسَى فَلم يذكر سالما، وَأَبا النَّضر فِي هَذَا الْإِسْنَاد.
أخرجه النَّسَائِيّ.

     وَقَالَ : ذكر فِيهِ من اخْتِلَاف ابْن جريج ووهيب على مُوسَى بن عقبَة فِي خبر زيد بن ثَابت: أَخْبرنِي عبد الله بن مُحَمَّد بن تَمِيم المصِّيصِي، قَالَ: سَمِعت حجاجا قَالَ، قَالَ ابْن جريج: أَخْبرنِي مُوسَى بن عقبَة عَن بسر بن سعيد عَن زيد بن ثَابت: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أفضل الصَّلَاة صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إلاّ الْمَكْتُوبَة) .
أخبرنَا أَحْمد بن سُلَيْمَان، قَالَ حَدثنَا عَفَّان بن مُسلم، قَالَ: حَدثنَا وهيب، قَالَ، سَمِعت مُوسَى بن عقبَة، قَالَ: سَمِعت أَبَا النَّضر يحدث عَن بسر بن سعيد عَن زيد بن ثَابت: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (صلوا أَيهَا النَّاس فِي بُيُوتكُمْ فَإِن أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إلاّ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة) .
ثمَّ قَالَ: وَقفه مَالك.
أخبرنَا قُتَيْبَة بن سعيد عَن مَالك عَن أبي النَّضر عَن بسر بن سعيد أَن زيد بن ثَابت، قَالَ: (أفضل الصَّلَاة صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتكُمْ (.
يَعْنِي: إلاّ صَلَاة الْجَمَاعَة.
قلت: وروى عَن مَالك خَارج (الْمُوَطَّأ) مَرْفُوعا.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن إِسْحَاق عَن عَفَّان، وَفِي الْأَدَب،.

     وَقَالَ  الْمَكِّيّ: حَدثنَا عبد الله بن سعيد وَعَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن مُحَمَّد ابْن الْمثنى عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن بهز بن أَسد عَن وهيب بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن هَارُون بن عبد الله عَن مكي بن إِبْرَاهِيم بِهِ، وَعَن أَحْمد بن صَالح عَن ابْن وهب، الْفَصْل الْأَخير.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، الْفَصْل الْأَخير مِنْهُ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن عَفَّان بِهِ، وَعَن عبد الله بن مُحَمَّد بن تَمِيم عَن حجاج عَن ابْن جريج، الْفَصْل الْأَخير مِنْهُ.
وَلما أخرج التِّرْمِذِيّ الْفَصْل الْأَخير قَالَ: وَفِي الْبابُُ عَن عمر بن الْخطاب وَجَابِر وَأبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة وَابْن عمر وَعَائِشَة وَعبد الله بن سعيد وَزيد بن خَالِد قلت: حَدِيث عمر بن الْخطاب عِنْد ابْن مَاجَه وَلَفظه: قَالَ عمر: (سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أما صَلَاة الرجل فِي بَيته فنور، فنوروا بُيُوتكُمْ) ، وَفِيه انْقِطَاع.
وَحَدِيث جَابر عِنْد مُسلم فِي أَفْرَاده، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا قضى أحدكُم الصَّلَاة فِي مَسْجده فليجعل فِي بَيته نَصِيبا من صلَاته) .
وَحَدِيث أبي سعيد عِنْد ابْن مَاجَه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا قضى أحدكُم صلَاته فليجعل لبيته مِنْهَا نَصِيبا، فَإِن الله عز وَجل جَاعل فِي بَيته من صلَاته خيرا) .
وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ فِي (الْكَبِير) وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا تجْعَلُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر، إِن الشَّيْطَان يفر من الْبَيْت الَّذِي تقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة) .
وَحَدِيث ابْن عمر أخرجه الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه.
وَحَدِيث عَائِشَة أخرجه أَحْمد: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: صلوا فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تجعلوها عَلَيْكُم قبورا) .
وَحَدِيث عبد الله بن سعيد أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل، وَابْن مَاجَه قَالَ: (سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيّمَا أفضل: الصَّلَاة فِي بَيْتِي أَو الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد؟ قَالَ: أَلا ترى إِلَى بَيْتِي مَا أقربه من الْمَسْجِد؟ فَلِأَن أُصَلِّي فِي بَيْتِي أحب إِلَيّ من أَن أُصَلِّي فِي الْمَسْجِد إلاَّ أَن تكون صَلَاة مَكْتُوبَة) .
وَحَدِيث زيد بن خَالِد أخرجه أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صلوا فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تتخذوها قبورا) .
قلت: مِمَّا لم يذكرهُ عَن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وصهيب بن النُّعْمَان.
أما حَدِيث الْحسن فَأخْرجهُ أَبُو يعلى.
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صلوا فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تتخذوها قبورا) الحَدِيث.
وَأما حَدِيث صُهَيْب بن النُّعْمَان فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (المعجم الْكَبِير) قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فضل صَلَاة الرجل فِي بَيته على صلَاته حَيْثُ يرَاهُ النَّاس كفضل الْمَكْتُوبَة على النَّافِلَة) .

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (اتخذ حجرَة) ، بالراء عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بالزاي، أَيْضا، فَمَعْنَاه: شَيْئا حاجزا أَي: مَانِعا بَينه وَبَين النَّاس.
قَوْله: (قد عرفت) ، ويروى: (قد علمت) .
قَوْله: (من صنيعكم) ، بِفَتْح الصَّاد وَكسر النُّون، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (من صنعكم) ، بِضَم الصَّاد وَسُكُون النُّون أَي: حرصكم على إِقَامَة صَلَاة التَّرَاوِيح، وَهَذَا الْكَلَام لَيْسَ لأجل صلَاتهم فَقَط، بل لكَوْنهم رفعوا أَصْوَاتهم وسبحوا بِهِ ليخرج إِلَيْهِم، وحصب بَعضهم الْبابُُ لظنهم أَنه نَائِم، وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي الْأَدَب، وَزَاد فِي الِاعْتِصَام (حَتَّى خشيت أَن يكْتب عَلَيْكُم، وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ) قَوْله: (فَإِن أفضل الصَّلَاة.
.
) آخِره، ظَاهره يَشْمَل جَمِيع النَّوَافِل.
قَوْله: (إلاّ الْمَكْتُوبَة) أَي: الْفَرِيضَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن صَلَاة التَّطَوُّع فعلهَا فِي الْبيُوت أفضل من فعلهَا فِي الْمَسَاجِد، وَلَو كَانَت فِي الْمَسَاجِد الفاضلة الَّتِي تضعف فِيهَا الصَّلَاة على غَيرهَا، وَقد ورد التَّصْرِيح بذلك فِي إِحْدَى روايتي أبي دَاوُد لحَدِيث زيد بن ثَابت، فَقَالَ فِيهَا: (صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته أفضل من صلَاته فِي مَسْجِدي هَذَا إلاّ الْمَكْتُوبَة) ، وإسنادها صَحِيح، فعلى هَذَا: لَو صلى نَافِلَة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة كَانَت بِأَلف صَلَاة على القَوْل بِدُخُول النَّوَافِل فِي عُمُوم الحَدِيث، وَإِذا صلاهَا فِي بَيته كَانَت أفضل من ألف صَلَاة، وَهَكَذَا حكم مَسْجِد مَكَّة وَبَيت الْمُقَدّس إلاّ أَن التَّضْعِيف بِمَكَّة يحصل فِي جَمِيع مَكَّة، بل صحّح النَّوَوِيّ: أَن التَّضْعِيف يحصل فِي جَمِيع الْحرم، وَاسْتثنى من عُمُوم الحَدِيث عدَّة من النَّوَافِل، ففعلها فِي غير الْبَيْت أكمل، وَهِي: مَا تشرع فِيهَا الْجَمَاعَة: كالعيدين وَالِاسْتِسْقَاء والكسوف.
.

     وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة: وَكَذَلِكَ: تَحِيَّة الْمَسْجِد وركعتا الطّواف وركعتا الْإِحْرَام إِن كَانَ عِنْد الْمِيقَات مَسْجِد كذي الحليفة، وَكَذَلِكَ التَّنَفُّل فِي يَوْم الْجُمُعَة قبل الزَّوَال وَبعده.
وَفِيه: حجَّة على من اسْتحبَّ النَّوَافِل فِي الْمَسْجِد ليلية كَانَت أَو نهارية حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض وَالنَّوَوِيّ عَن جمَاعَة من السّلف، وعَلى من اسْتحبَّ نوافل النَّهَار فِي الْمَسْجِد دون نوافل اللَّيْل، وَحكى ذَلِك عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك.
وَفِيه: مَا يدل على أصل التَّرَاوِيح، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صلاهَا فِي رَمَضَان بعض اللَّيَالِي ثمَّ تَركهَا خشيَة أَن تكْتب علينا، ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فِي كَونهَا سنة أَو تَطَوّعا مُبْتَدأ، فَقَالَ الإِمَام حميد الدّين الضَّرِير: نفس التَّرَاوِيح سنة، أما أَدَاؤُهَا بِالْجَمَاعَة فمستحب، وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة: أَن التَّرَاوِيح سنة لَا يجوز تَركهَا.
.

     وَقَالَ  الشَّهِيد: هُوَ الصَّحِيح، وَفِي (جَوَامِع الْفِقْه) : التَّرَاوِيح سنة مُؤَكدَة، وَالْجَمَاعَة فِيهَا وَاجِبَة، وَفِي (الرَّوْضَة) لِأَصْحَابِنَا: إِن الْجَمَاعَة فَضِيلَة.
وَفِي (الذَّخِيرَة) لِأَصْحَابِنَا عَن أَكثر الْمَشَايِخ: إِن إِقَامَتهَا بِالْجَمَاعَة سنة على الْكِفَايَة، وَمن صلى فِي الْبَيْت فقد ترك فَضِيلَة الْمَسْجِد.
وَفِي (الْمَبْسُوط) : لَو صلى إِنْسَان فِي بَيته لَا يَأْثَم، فعلهَا ابْن عمر وَسَالم وَالقَاسِم وَنَافِع وَإِبْرَاهِيم، ثمَّ إِنَّهَا عشرُون رَكْعَة.
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد، وَنَقله القَاضِي عَن جُمْهُور الْعلمَاء، وَحكي أَن الْأسود بن يزِيد كَانَ يقوم بِأَرْبَعِينَ رَكْعَة، ويوتر بِسبع، وَعند مَالك: تسع ترويحات بست وَثَلَاثِينَ رَكْعَة غير الْوتر، وَاحْتج على ذَلِك بِعَمَل أهل الْمَدِينَة، وَاحْتج أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيَّة والحنابلة بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن السَّائِب بن يزِيد الصَّحَابِيّ، قَالَ: كَانُوا يقومُونَ على عهد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِعشْرين رَكْعَة، وعَلى عهد عُثْمَان وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مثله.
فَإِن قلت: قَالَ فِي (الْمُوَطَّأ) : عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ: كَانَ النَّاس فِي زمن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يقومُونَ فِي رَمَضَان بِثَلَاث وَعشْرين رَكْعَة؟ قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالثَّلَاث هُوَ الْوتر، وَيزِيد لم يدْرك عمر، فَفِيهِ انْقِطَاع.

فَائِدَة: اسْتثِْنَاء الْمَكْتُوبَة مِمَّا يصلى فِي الْبيُوت هُوَ فِي حق الرِّجَال دون النِّسَاء، فَإِن صلاتهن فِي الْبيُوت أفضل، وَإِن أذن لَهُنَّ فِي حُضُور بعض الْجَمَاعَات، وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الحَدِيث الصَّحِيح: (إِذا استأذنكم نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِد فأذنوا لَهُنَّ وبيوتهن خير لَهُنَّ.

أُخْرَى: قَوْله: (فِي بُيُوتكُمْ) ، يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بذلك إِخْرَاج بيُوت الله تَعَالَى، وَهِي الْمَسَاجِد، فَيدْخل فِيهِ بَيت الْمصلى وَبَيت غَيره، كمن يُرِيد أَن يزور قوما فِي بُيُوتهم وَنَحْو ذَلِك.
وَيحْتَمل أَن يُرِيد بَيت الْمُصَلِّي دون بَيت غَيره، وَهُوَ ظَاهر قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته) ، فَيخرج بذلك أَيْضا بَيت غير الْمصلى.

أُخْرَى: اخْتلف فِي المُرَاد بقوله: فِي حَدِيث ابْن عمر: (صلوا فِي بُيُوتكُمْ) ، فَقَالَ الْجُمْهُور فِيمَا حَكَاهُ القَاضِي عَنْهُم: إِن المُرَاد فِي صَلَاة النَّافِلَة اسْتِحْبابُُ إخفائها.
قَالَ: وَقيل هَذَا فِي الْفَرِيضَة، وَمَعْنَاهُ: اجعلوا بعض فرائضكم فِي بُيُوتكُمْ ليقتدي بكم من لَا يخرج إِلَى الْمَسْجِد من نسْوَة وَعبيد ومريض وَنَحْوهم، قَالَ النَّوَوِيّ: وَالصَّوَاب أَن المُرَاد النَّافِلَة فَلَا يجوز حمله على الْفَرِيضَة.

أُخْرَى: إِنَّمَا حث على النَّوَافِل فِي الْبيُوت لكَونهَا أخْفى وَأبْعد من الرِّيَاء، وأصون من المحبطات، وليتبرك الْبَيْت بذلك، وتنزل فِيهِ الرَّحْمَة وَالْمَلَائِكَة، وتنفر مِنْهُ الشَّيَاطِين.
وَالله تَعَالَى أعلم.

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم




[ قــ :710 ... غــ :731 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الأعْلَى بنُ حَمَّادٍ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ قَالَ حدَّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ سَالِمٍ أبي النضْرِ عنْ بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ عنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخَذَ حُجْرَةً قَالَ حَسِبْتُ أنَّهُ قَالَ منْ حصِيرٍ فِي رمَضَانَ فَصلَّى فيهَا ليالِيَ فَصَلَّى بِصَلاتِهه ناسٌ مِنْ أصْحَابِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ.
فَقَالَ قَدْ عرَفْتُ الَّذِي رَأيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ فَصَلُّوا أيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فإنَّ أفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلاَّ المَكْتُوبَةَ.
قالَ عفَّانُ حدَّثنا وُهَيْبٌ قَالَ حدَّثنا مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ عنْ بُسْرٍ عنْ زَيْدٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن الحَدِيث فِي صَلَاة اللَّيْل.

ذكر رِجَاله: وهم: كلهم ذكرُوا، فعبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد، بتَشْديد الْمِيم: ابْن نصر أَبُو يحيى، مر فِي: بابُُ الْجنب يخرج، ووهيب ابْن خَالِد مر فِي: بابُُ من أجَاب الْفتيا، ومُوسَى بن عقبَة ابْن أبي عَيَّاش الْأَسدي.
وَسَالم أَبُو النَّضر، بِسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: وَهُوَ ابْن أبي أُميَّة، مر فِي: بابُُ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.
وَبسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: ابْن سعيد، مر فِي: بابُُ الخوخة فِي الْمَسْجِد.
وَزيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ كَاتب الْوَحْي، مر فِي: بابُُ إقبال الْحيض.

ذكر لطائف أسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: ثَلَاثَة مدنيون على نسق وَاحِد من التَّابِعين، أَوَّلهمْ: مُوسَى بن عقبَة ووهيب بَصرِي وَعبد الْأَعْلَى أَصله من الْبَصْرَة، سكن بَغْدَاد.
وَفِيه: عَن سَالم أبي النَّضر، وروى ابْن جريج عَن مُوسَى فَلم يذكر سالما، وَأَبا النَّضر فِي هَذَا الْإِسْنَاد.
أخرجه النَّسَائِيّ.

     وَقَالَ : ذكر فِيهِ من اخْتِلَاف ابْن جريج ووهيب على مُوسَى بن عقبَة فِي خبر زيد بن ثَابت: أَخْبرنِي عبد الله بن مُحَمَّد بن تَمِيم المصِّيصِي، قَالَ: سَمِعت حجاجا قَالَ، قَالَ ابْن جريج: أَخْبرنِي مُوسَى بن عقبَة عَن بسر بن سعيد عَن زيد بن ثَابت: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أفضل الصَّلَاة صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إلاّ الْمَكْتُوبَة) .
أخبرنَا أَحْمد بن سُلَيْمَان، قَالَ حَدثنَا عَفَّان بن مُسلم، قَالَ: حَدثنَا وهيب، قَالَ، سَمِعت مُوسَى بن عقبَة، قَالَ: سَمِعت أَبَا النَّضر يحدث عَن بسر بن سعيد عَن زيد بن ثَابت: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (صلوا أَيهَا النَّاس فِي بُيُوتكُمْ فَإِن أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إلاّ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة) .
ثمَّ قَالَ: وَقفه مَالك.
أخبرنَا قُتَيْبَة بن سعيد عَن مَالك عَن أبي النَّضر عَن بسر بن سعيد أَن زيد بن ثَابت، قَالَ: (أفضل الصَّلَاة صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتكُمْ (.
يَعْنِي: إلاّ صَلَاة الْجَمَاعَة.
قلت: وروى عَن مَالك خَارج (الْمُوَطَّأ) مَرْفُوعا.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن إِسْحَاق عَن عَفَّان، وَفِي الْأَدَب،.

     وَقَالَ  الْمَكِّيّ: حَدثنَا عبد الله بن سعيد وَعَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن مُحَمَّد ابْن الْمثنى عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن بهز بن أَسد عَن وهيب بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن هَارُون بن عبد الله عَن مكي بن إِبْرَاهِيم بِهِ، وَعَن أَحْمد بن صَالح عَن ابْن وهب، الْفَصْل الْأَخير.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، الْفَصْل الْأَخير مِنْهُ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن عَفَّان بِهِ، وَعَن عبد الله بن مُحَمَّد بن تَمِيم عَن حجاج عَن ابْن جريج، الْفَصْل الْأَخير مِنْهُ.
وَلما أخرج التِّرْمِذِيّ الْفَصْل الْأَخير قَالَ: وَفِي الْبابُُ عَن عمر بن الْخطاب وَجَابِر وَأبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة وَابْن عمر وَعَائِشَة وَعبد الله بن سعيد وَزيد بن خَالِد قلت: حَدِيث عمر بن الْخطاب عِنْد ابْن مَاجَه وَلَفظه: قَالَ عمر: (سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أما صَلَاة الرجل فِي بَيته فنور، فنوروا بُيُوتكُمْ) ، وَفِيه انْقِطَاع.
وَحَدِيث جَابر عِنْد مُسلم فِي أَفْرَاده، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا قضى أحدكُم الصَّلَاة فِي مَسْجده فليجعل فِي بَيته نَصِيبا من صلَاته) .
وَحَدِيث أبي سعيد عِنْد ابْن مَاجَه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا قضى أحدكُم صلَاته فليجعل لبيته مِنْهَا نَصِيبا، فَإِن الله عز وَجل جَاعل فِي بَيته من صلَاته خيرا) .
وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ فِي (الْكَبِير) وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا تجْعَلُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر، إِن الشَّيْطَان يفر من الْبَيْت الَّذِي تقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة) .
وَحَدِيث ابْن عمر أخرجه الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه.
وَحَدِيث عَائِشَة أخرجه أَحْمد: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: صلوا فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تجعلوها عَلَيْكُم قبورا) .
وَحَدِيث عبد الله بن سعيد أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل، وَابْن مَاجَه قَالَ: (سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيّمَا أفضل: الصَّلَاة فِي بَيْتِي أَو الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد؟ قَالَ: أَلا ترى إِلَى بَيْتِي مَا أقربه من الْمَسْجِد؟ فَلِأَن أُصَلِّي فِي بَيْتِي أحب إِلَيّ من أَن أُصَلِّي فِي الْمَسْجِد إلاَّ أَن تكون صَلَاة مَكْتُوبَة) .
وَحَدِيث زيد بن خَالِد أخرجه أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صلوا فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تتخذوها قبورا) .
قلت: مِمَّا لم يذكرهُ عَن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وصهيب بن النُّعْمَان.
أما حَدِيث الْحسن فَأخْرجهُ أَبُو يعلى.
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صلوا فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تتخذوها قبورا) الحَدِيث.
وَأما حَدِيث صُهَيْب بن النُّعْمَان فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (المعجم الْكَبِير) قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فضل صَلَاة الرجل فِي بَيته على صلَاته حَيْثُ يرَاهُ النَّاس كفضل الْمَكْتُوبَة على النَّافِلَة) .

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (اتخذ حجرَة) ، بالراء عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بالزاي، أَيْضا، فَمَعْنَاه: شَيْئا حاجزا أَي: مَانِعا بَينه وَبَين النَّاس.
قَوْله: (قد عرفت) ، ويروى: (قد علمت) .
قَوْله: (من صنيعكم) ، بِفَتْح الصَّاد وَكسر النُّون، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (من صنعكم) ، بِضَم الصَّاد وَسُكُون النُّون أَي: حرصكم على إِقَامَة صَلَاة التَّرَاوِيح، وَهَذَا الْكَلَام لَيْسَ لأجل صلَاتهم فَقَط، بل لكَوْنهم رفعوا أَصْوَاتهم وسبحوا بِهِ ليخرج إِلَيْهِم، وحصب بَعضهم الْبابُُ لظنهم أَنه نَائِم، وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي الْأَدَب، وَزَاد فِي الِاعْتِصَام (حَتَّى خشيت أَن يكْتب عَلَيْكُم، وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ) قَوْله: (فَإِن أفضل الصَّلَاة.
.
) آخِره، ظَاهره يَشْمَل جَمِيع النَّوَافِل.
قَوْله: (إلاّ الْمَكْتُوبَة) أَي: الْفَرِيضَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن صَلَاة التَّطَوُّع فعلهَا فِي الْبيُوت أفضل من فعلهَا فِي الْمَسَاجِد، وَلَو كَانَت فِي الْمَسَاجِد الفاضلة الَّتِي تضعف فِيهَا الصَّلَاة على غَيرهَا، وَقد ورد التَّصْرِيح بذلك فِي إِحْدَى روايتي أبي دَاوُد لحَدِيث زيد بن ثَابت، فَقَالَ فِيهَا: (صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته أفضل من صلَاته فِي مَسْجِدي هَذَا إلاّ الْمَكْتُوبَة) ، وإسنادها صَحِيح، فعلى هَذَا: لَو صلى نَافِلَة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة كَانَت بِأَلف صَلَاة على القَوْل بِدُخُول النَّوَافِل فِي عُمُوم الحَدِيث، وَإِذا صلاهَا فِي بَيته كَانَت أفضل من ألف صَلَاة، وَهَكَذَا حكم مَسْجِد مَكَّة وَبَيت الْمُقَدّس إلاّ أَن التَّضْعِيف بِمَكَّة يحصل فِي جَمِيع مَكَّة، بل صحّح النَّوَوِيّ: أَن التَّضْعِيف يحصل فِي جَمِيع الْحرم، وَاسْتثنى من عُمُوم الحَدِيث عدَّة من النَّوَافِل، ففعلها فِي غير الْبَيْت أكمل، وَهِي: مَا تشرع فِيهَا الْجَمَاعَة: كالعيدين وَالِاسْتِسْقَاء والكسوف.
.

     وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة: وَكَذَلِكَ: تَحِيَّة الْمَسْجِد وركعتا الطّواف وركعتا الْإِحْرَام إِن كَانَ عِنْد الْمِيقَات مَسْجِد كذي الحليفة، وَكَذَلِكَ التَّنَفُّل فِي يَوْم الْجُمُعَة قبل الزَّوَال وَبعده.
وَفِيه: حجَّة على من اسْتحبَّ النَّوَافِل فِي الْمَسْجِد ليلية كَانَت أَو نهارية حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض وَالنَّوَوِيّ عَن جمَاعَة من السّلف، وعَلى من اسْتحبَّ نوافل النَّهَار فِي الْمَسْجِد دون نوافل اللَّيْل، وَحكى ذَلِك عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك.
وَفِيه: مَا يدل على أصل التَّرَاوِيح، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صلاهَا فِي رَمَضَان بعض اللَّيَالِي ثمَّ تَركهَا خشيَة أَن تكْتب علينا، ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فِي كَونهَا سنة أَو تَطَوّعا مُبْتَدأ، فَقَالَ الإِمَام حميد الدّين الضَّرِير: نفس التَّرَاوِيح سنة، أما أَدَاؤُهَا بِالْجَمَاعَة فمستحب، وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة: أَن التَّرَاوِيح سنة لَا يجوز تَركهَا.
.

     وَقَالَ  الشَّهِيد: هُوَ الصَّحِيح، وَفِي (جَوَامِع الْفِقْه) : التَّرَاوِيح سنة مُؤَكدَة، وَالْجَمَاعَة فِيهَا وَاجِبَة، وَفِي (الرَّوْضَة) لِأَصْحَابِنَا: إِن الْجَمَاعَة فَضِيلَة.
وَفِي (الذَّخِيرَة) لِأَصْحَابِنَا عَن أَكثر الْمَشَايِخ: إِن إِقَامَتهَا بِالْجَمَاعَة سنة على الْكِفَايَة، وَمن صلى فِي الْبَيْت فقد ترك فَضِيلَة الْمَسْجِد.
وَفِي (الْمَبْسُوط) : لَو صلى إِنْسَان فِي بَيته لَا يَأْثَم، فعلهَا ابْن عمر وَسَالم وَالقَاسِم وَنَافِع وَإِبْرَاهِيم، ثمَّ إِنَّهَا عشرُون رَكْعَة.
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد، وَنَقله القَاضِي عَن جُمْهُور الْعلمَاء، وَحكي أَن الْأسود بن يزِيد كَانَ يقوم بِأَرْبَعِينَ رَكْعَة، ويوتر بِسبع، وَعند مَالك: تسع ترويحات بست وَثَلَاثِينَ رَكْعَة غير الْوتر، وَاحْتج على ذَلِك بِعَمَل أهل الْمَدِينَة، وَاحْتج أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيَّة والحنابلة بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن السَّائِب بن يزِيد الصَّحَابِيّ، قَالَ: كَانُوا يقومُونَ على عهد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِعشْرين رَكْعَة، وعَلى عهد عُثْمَان وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مثله.
فَإِن قلت: قَالَ فِي (الْمُوَطَّأ) : عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ: كَانَ النَّاس فِي زمن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يقومُونَ فِي رَمَضَان بِثَلَاث وَعشْرين رَكْعَة؟ قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالثَّلَاث هُوَ الْوتر، وَيزِيد لم يدْرك عمر، فَفِيهِ انْقِطَاع.

فَائِدَة: اسْتثِْنَاء الْمَكْتُوبَة مِمَّا يصلى فِي الْبيُوت هُوَ فِي حق الرِّجَال دون النِّسَاء، فَإِن صلاتهن فِي الْبيُوت أفضل، وَإِن أذن لَهُنَّ فِي حُضُور بعض الْجَمَاعَات، وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الحَدِيث الصَّحِيح: (إِذا استأذنكم نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِد فأذنوا لَهُنَّ وبيوتهن خير لَهُنَّ.

أُخْرَى: قَوْله: (فِي بُيُوتكُمْ) ، يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بذلك إِخْرَاج بيُوت الله تَعَالَى، وَهِي الْمَسَاجِد، فَيدْخل فِيهِ بَيت الْمصلى وَبَيت غَيره، كمن يُرِيد أَن يزور قوما فِي بُيُوتهم وَنَحْو ذَلِك.
وَيحْتَمل أَن يُرِيد بَيت الْمُصَلِّي دون بَيت غَيره، وَهُوَ ظَاهر قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته) ، فَيخرج بذلك أَيْضا بَيت غير الْمصلى.

أُخْرَى: اخْتلف فِي المُرَاد بقوله: فِي حَدِيث ابْن عمر: (صلوا فِي بُيُوتكُمْ) ، فَقَالَ الْجُمْهُور فِيمَا حَكَاهُ القَاضِي عَنْهُم: إِن المُرَاد فِي صَلَاة النَّافِلَة اسْتِحْبابُُ إخفائها.
قَالَ: وَقيل هَذَا فِي الْفَرِيضَة، وَمَعْنَاهُ: اجعلوا بعض فرائضكم فِي بُيُوتكُمْ ليقتدي بكم من لَا يخرج إِلَى الْمَسْجِد من نسْوَة وَعبيد ومريض وَنَحْوهم، قَالَ النَّوَوِيّ: وَالصَّوَاب أَن المُرَاد النَّافِلَة فَلَا يجوز حمله على الْفَرِيضَة.

أُخْرَى: إِنَّمَا حث على النَّوَافِل فِي الْبيُوت لكَونهَا أخْفى وَأبْعد من الرِّيَاء، وأصون من المحبطات، وليتبرك الْبَيْت بذلك، وتنزل فِيهِ الرَّحْمَة وَالْمَلَائِكَة، وتنفر مِنْهُ الشَّيَاطِين.
وَالله تَعَالَى أعلم.

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

(أبْوابُ صِفَةُ الصَّلاَةِ)
لما فرغ من بَيَان أَحْكَام الْجَمَاعَة وَالْإِقَامَة وتسوية الصُّفُوف الْمُشْتَملَة على مائَة واثنين وَعشْرين حَدِيثا، الْمَوْصُول من ذَلِك سِتَّة وَتسْعُونَ حَدِيثا، وَالْمُعَلّق سِتَّة وَعِشْرُونَ، وعَلى سَبْعَة عشر أثرا من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، شرع فِي بَيَان صفة الصَّلَاة بأنواعها وَسَائِر مَا يتَعَلَّق بهَا بتفاصيلها، فَقَالَ: