فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الربط والحبس في الحرم

(بابُُ الرَّبْطِ والْحَبْسِ فِي الْحَرَمِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة ربط الْغَرِيم وحبسه فِي الْحرم، وَفِيه رد على طَاوُوس حَيْثُ كره السجْن بِمَكَّة، فروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق قيس بن سعد عَن طَاوُوس: أَنه كَانَ يكره السجْن بِمَكَّة وَيَقُول: لَا يَنْبَغِي لبيت عَذَاب أَن يكون فِي بَيت رَحْمَة.
قلت: هَذَا نظر مليح، وَلَكِن الْعَمَل على خِلَافه.
واشْتَراى نافِعُ بنُ عَبْدِ الْحَرِثِ دَارا لِلْسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ علَى أنَّ عُمَرَ إنْ رَضِيَ فالْبَيْعُ بَيْعُهُ وإنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرَ فلِصَفْوانَ أرْبَعُمَائَةٍ
نَافِع بن عبد الْحَارِث الْخُزَاعِيّ من فضلاء الصَّحَابَة، اسْتَعْملهُ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مَكَّة، وَكَانَ من جملَة عُمَّال عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصَفوَان بن أُميَّة الجُمَحِي الْمَكِّيّ الصَّحَابِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ من طرق: عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عبد الرَّحْمَن بن فروخ بِهِ، وَلَيْسَ لنافع بن عبد الْحَارِث وَلَا لِصَفْوَان فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (للسجن) بِفَتْح السِّين: مصدر من: سجن يسجن، من: بابُُ نصر ينصر، سجناً بِالْفَتْح، والسجن بِالْكَسْرِ وَاحِد السجون.
قَوْله: (على أَن عمر) كلمة: على، دخلت على: أَن، الشّرطِيَّة نظرا إِلَى الْمَعْنى، كَأَنَّهُ قَالَ: على هَذَا الشَّرْط، فَاعْترضَ بِأَن البيع بِمثل هَذَا الشَّرْط فَاسد.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ لم يكن دَاخِلا فِي نفس العقد، بل هُوَ وعد، أَو هُوَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ العقد، أَو كَانَ بيعا بِشَرْط الْخِيَار لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَو إِنَّه كَانَ وَكيلا لعمر، وللوكيل أَن يَأْخُذ لنَفسِهِ إِذا رده الْمُوكل بِالْعَيْبِ وَنَحْوه.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: اشْتَرَاهَا نَافِع من صَفْوَان للسجن، وَشرط عَلَيْهِ: إِن رَضِي عمر بالابتياع فَهِيَ لعمر، وَإِن لم يرض فلك بِالثّمن الْمَذْكُور لنافع، بِأَرْبَع مائَة وَهَذَا بيع جَائِز.
قَوْله: وَإِن لم يرض عمر فلصفوان أَرْبَعمِائَة أَي وَإِن لم يرض عمر بالابتياع الْمَذْكُور يكون لِصَفْوَان أَرْبَعمِائَة فِي مُقَابلَة الِانْتِفَاع بِتِلْكَ الدَّار إِلَى أَن يعود الْجَواب من عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَا يظنّ أَن هَذِه الأربعمائة هِيَ الثّمن، لِأَن الثّمن كَانَ أَرْبَعَة آلَاف.
فَإِن قلت: هَذِه الْأَرْبَعَة آلَاف دَرَاهِم أَو دَنَانِير؟ قلت: يحْتَمل كلاًّ مِنْهُمَا، وَلَكِن الظَّاهِر أَنه دَرَاهِم، وَكَانَت من بَيت مَال الْمُسلمين وبعيد أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَشْتَرِي دَارا للسجن بأَرْبعَة آلَاف دِينَار؟ لشدَّة احترازه على بَيت المَال.

وسَجَنَ ابنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ
أَي: سجن عبد الله بن الزبير بِمَكَّة أَيَّام ولَايَته عَلَيْهَا، ومفعول: سجن، مَحْذُوف تَقْدِيره: سجن الْمَدْيُون وَنَحْوه، وَحذف للْعلم بِهِ، وَهَذَا التَّعْلِيق ذكره ابْن سعد من طَرِيق ضَعِيف عَن مُحَمَّد بن عمر: حَدثنَا ربيعَة بن عُثْمَان وَغَيره عَن سعد بن مُحَمَّد بن جُبَير وَالْحُسَيْن ابْن الْحسن بن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن أَبِيه عَن جده ... فَذكره.



[ قــ :2320 ... غــ :2423 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني سَعِيدُ بنُ أبِي سَعيد قَالَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بَعَثَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ فَجاءَتْ بِرَجُلٍ منْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقالُ لَهُ ثُمامَةُ بنُ أُثَالٍ فرَبَطُوهُ بِسارِيَةٍ مِنْ سَوارِيَ الْمَسْجِدِ.
.


مضى هَذَا الحَدِيث فِي الْبابُُ السَّابِق بأتم مِنْهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث، وَهَهُنَا: (عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث، ومطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فربطوه بِسَارِيَة من سواري الْمَسْجِد) أَي: مَسْجِد الْمَدِينَة، قَالَ الْمُهلب: السّنة فِي مثل قَضِيَّة ثُمَامَة أَن يقتل أَو يستعبد أَو يفادى بِهِ، أَو يمنَّ عَلَيْهِ، فحبسه النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى يرى الْوُجُوه أصلح للْمُسلمين فِي أمره.

بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ