فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الكفن في ثوبين

( بابُُ الكفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ، وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن الثَّلَاثَة لَيْسَ بِوَاجِب.
بل هُوَ كفن السّنة فَإِن اقْتصر على الْإِثْنَيْنِ من غير ضَرُورَة يكون ترك السّنة، وَأما الْوَاحِد فَلَا بُد مِنْهُ.



[ قــ :1218 ... غــ :1265 ]
- حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ عنْ أيُّوبَ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إذْ وَقَعَ عنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أوْ قالَ فأوْقَصَتْهُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وسِدْر وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلاَ تُحَنِّطُوهُ وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأسَهُ فإنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو النُّعْمَان: اسْمه مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، يعرف بعارم.
الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد.
الثَّالِث: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ.
الرَّابِع: سعيد بن جُبَير.
الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: شَيْخه وَحَمَّاد وَأَيوب بصريون وَسَعِيد بن جُبَير كُوفِي.
وَفِيه: شَيْخه بكنيته وَاثْنَانِ بِلَا نِسْبَة.
وَفِيه: حَمَّاد عَن أَيُّوب، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى أَيْضا، فِي الْجَنَائِز عَن قُتَيْبَة ومسدد، وَفِي الْحَج عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَأخرجه مُسلم عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي، وَأخرجه أَبُو دَاوُد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِيهِ عَن سُلَيْمَان وَمُحَمّد بن عبيد ومسدد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة.
عَن حَفْص وَأخرجه ابْن ماجة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
( ذكر الِاخْتِلَاف فِي عدد كَفنه وَفِي صفته) فَفِي البُخَارِيّ مَا ذكر وَفِي مُسلم " عَن عَائِشَة قَالَت أدرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حلَّة يَمَانِية كَانَت لعبد الله بن أبي بكر ثمَّ نزعت عَنهُ وكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب سحُولِيَّة يَمَانِية لَيْسَ فِيهَا عِمَامَة وَلَا قَمِيص " الحَدِيث وَفِي سنَن أبي دَاوُد عَنْهَا " أدرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثوب وَاحِد حبرَة ثمَّ أخرج عَنهُ " وَفِيه أَيْضا مثل رِوَايَة البُخَارِيّ وَفِيه عَن ابْن عَبَّاس " فِي ثَلَاثَة أَثوَاب نجرانية الْحلَّة ثَوْبَان وقميصه الَّذِي مَاتَ فِيهِ " قَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة " فِي ثَلَاثَة أَثوَاب حلَّة حَمْرَاء وقميصه الَّذِي مَاتَ فِيهِ " وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْهَا " كفن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض يَمَانِية وَلَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة " قَالَ فَذكرُوا لعَائِشَة قَوْلهم فِي ثَوْبَيْنِ وَبرد حبرَة فَقَالَت قد أُتِي بالبرد وَلَكنهُمْ ردُّوهُ وَلم يكفنوه فِيهِ وَفِي النَّسَائِيّ عَنْهَا كَذَلِك وَفِي سنَن ابْن ماجة كَذَلِك وَفِي رِوَايَة لَهُ " عَن ابْن عمر قَالَ كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَلَاثَة رياط بيض سحُولِيَّة " وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ " كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَلَاثَة أَثوَاب قَمِيصه الَّذِي مَاتَ فِيهِ وحلة نجرانية " وَفِي مُسْند أَحْمد عَنْهَا " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كفن فِي ثَلَاث رياط بيض يَمَانِية " وَفِيه أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس " كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَوْبَيْنِ أَبيض وَبرد أَحْمَر " وَانْفَرَدَ أَحْمد بِالْحَدِيثين وَعند أبي سعيد بن الْأَعرَابِي " عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ريطتين وَبرد نجراني " وَعند ابْن عَسَاكِر " كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَلَاثَة أَثوَاب لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا قبَاء وَلَا عِمَامَة " وَعند ابْن أبي شيبَة " عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب " وَفِي إِسْنَاده سُوَيْد بن عَمْرو وَثَّقَهُ ابْن معِين وَالْعجلِي وَغَيرهمَا وَضَعفه ابْن حبَان وَفِيه عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل اخْتلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَعند الْبَزَّار " كفن فِي سَبْعَة ثَلَاثَة سحُولِيَّة وقميصه وعمامة وَسَرَاويل والقطيفة الَّتِي جعلت تَحْتَهُ " وَعند ابْن سعد " عَن الشّعبِيّ كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب برد يَمَانِية غِلَاظ إِزَار ورداء ولفافة " وَعَن مرّة بن شُرَحْبِيل " عَن ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما ثقل قُلْنَا فيمَ نكفنك قَالَ فِي ثِيَابِي هَذِه إِن شِئْتُم أَو فِي يَمَانِية أَو فِي ثِيَاب مصر " وَعَن مُحَمَّد بن سِيرِين " عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زر عَلَيْهِ قَمِيصه الَّذِي كفن فِيهِ " قَالَ ابْن سِيرِين وَأَنا زررت على أبي هُرَيْرَة وَعند أبي بشر الدولابي عَن سَالم عَن أَبِيه أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب ثَوْبَيْنِ صحارين وثوب حبرَة " وَعند ابْن عدي " عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كفن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَوْبَيْنِ أبيضين سحولتين ".

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ وَقد رُوِيَ فِي كفن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رِوَايَات مُخْتَلفَة حَدِيث عَائِشَة أصح الرِّوَايَات الَّتِي رويت فِي كفن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْعَمَل على حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَغَيرهم ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " يَمَانِية " بتَخْفِيف الْيَاء منسوبة إِلَى الْيمن وَإِنَّمَا خففوا الْيَاء وَإِن كَانَ الْقيَاس تَشْدِيد يَاء النّسَب لأَنهم حذفوا يَاء النّسَب لزِيَادَة الْألف وَكَانَ الأَصْل يمنية قَالَ الْأَزْهَرِي فِي التَّهْذِيب قَوْلهم رجل يمَان مَنْسُوب إِلَى الْيمن وَكَانَ فِي الأَصْل يمني فزادوا الْفَا قبل النُّون وحذفوا يَاء النِّسْبَة قَالَ وَكَذَلِكَ قَالُوا رجل شآم كَانَ فِي الأَصْل شَامي فزادوا الْفَا وحذفوا يَاء النِّسْبَة قَالَ وَهَذَا قَول الْخَلِيل وسيبويه.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ فِي الغريبين يُقَال رجل يمَان وَالْأَصْل يماني فخففوا يَاء النِّسْبَة وَحكى الْجَوْهَرِي فِيهِ التَّشْدِيد مَعَ إِثْبَات الْألف فَيُقَال يماني وَهِي لُغَة حَكَاهَا سِيبَوَيْهٍ أَيْضا وَالتَّخْفِيف أصح قَوْله " سحُولِيَّة " قَالَ الْأَزْهَرِي بِالْفَتْح نَاحيَة بِالْيمن تعْمل فِيهَا الثِّيَاب وبالضم الثِّيَاب الْبيض وَقيل بِالْفَتْح نِسْبَة إِلَى قَرْيَة بِالْيمن وبالضم ثِيَاب الْقطن وَفِي التَّلْخِيص لأبي هِلَال العسكري وَفِي الحَدِيث " كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَوْبَيْنِ سحولين " بِفَتْح السِّين فسحول قَبيلَة بِالْيمن تنْسب إِلَيْهَا هَذِه الثِّيَاب والسحل ثوب أَبيض وَجمعه سحول وسحل وَذكر ابْن سَيّده والقزاز أَن السحل ثوب لَا يبرم غزله طاقين والسحل ثوب أَبيض رَقِيق وَخص بِهِ بَعضهم الْقطن وَجمعه أسحال وَسحُول مَوضِع بِالْيمن تعْمل فِيهِ هَذِه الثِّيَاب وَفِي الْمغرب للمطرزي منسوبة إِلَى سحول قَرْيَة بِالْيمن بِالْفَتْح وَالضَّم قَوْله " من كُرْسُف " بِضَم الْكَاف وَسُكُون الرَّاء وَضم السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره فَاء وَهُوَ الْقطن وَتَفْسِير بَقِيَّة الْأَلْفَاظ الَّتِي فِي أَحَادِيث غير الْبابُُ قَوْله " حبرَة " بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء برد هُوَ يمَان يُقَال برد حبير وَبرد حبرَة على الْوَصْف وَالْإِضَافَة وَالْجمع حبر وحبرات وَقيل الْحبرَة مَا كَانَ من البرود مخططا موشيا وَفِي التَّهْذِيب لَيْسَ حبرَة موضعا أَو شَيْئا مَعْلُوما إِنَّمَا هُوَ وشى كَقَوْلِك ثوب قرمز والقرمز صبغه قَوْله " نجرانية " بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْجِيم نِسْبَة إِلَى نَجْرَان بليدَة فِي الْيمن قَوْله " حلَّة " بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام وَهِي إِزَار ورداء وَلَا تكون الْحلَّة إِلَّا من اثْنَيْنِ قَوْله " رياط " بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف جمع ريطة وَهِي كل ملاءة لَيست بلفقين وكل ثوب رَقِيق لين وَيجمع على ريط أَيْضا والقطيفة بِفَتْح الْقَاف وَكسر الطَّاء كسَاء لَهُ خمل ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) بِهِ احْتج أَصْحَابنَا فِي أَن كفن السّنة فِي حق الرجل ثَلَاثَة أَثوَاب وَلَكِن قَوْلهم فِي الْكتب إِزَار وقميص ولفافة يمْنَع الِاسْتِدْلَال بِهِ فَيكون حجَّة عَلَيْهِم فِي عدم الْقَمِيص وَالشَّافِعِيّ أَخذ بِظَاهِرِهِ وَاحْتج بِهِ على أَن الْمَيِّت يُكفن فِي ثَلَاثَة لفائف وَبِه قَالَ أَحْمد وَلَكِن الَّذِي يتم بِهِ اسْتِدْلَال أَصْحَابنَا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيث جَابر بن سَمُرَة فَإِنَّهُ قَالَ " كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَلَاثَة أَثوَاب قَمِيص وَإِزَار ولفافة " رَوَاهُ ابْن عدي فِي الْكَامِل وَفِيه ترك الْعِمَامَة وَفِي الْمَبْسُوط وَكره بعض مَشَايِخنَا الْعِمَامَة لِأَنَّهُ يصير شفعا وَاسْتَحْسنهُ بعض الْمَشَايِخ لما رُوِيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه كفن ابْنه واقدا فِي خَمْسَة أَثوَاب قَمِيص وعمامة وَثَلَاث لفائف وأدار الْعِمَامَة إِلَى تَحت حنكه رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور



(بابُُ الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن الثَّلَاثَة لَيْسَ بِوَاجِب بل هُوَ كفن السّنة فَإِن اقْتصر على الِاثْنَيْنِ من غير ضَرُورَة يكون ترك السّنة وَأما الْوَاحِد فَلَا بُد مِنْهُ

[ قــ :118 ... غــ :165 ]
- (حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان قَالَ حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم.
قَالَ بَيْنَمَا رجل وَاقِف بِعَرَفَة إِذْ وَقع عَن رَاحِلَته فوقصته أَو قَالَ فأوقصته قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اغسلوه بِمَاء وَسدر وكفنوه فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تحنطوه وَلَا تخمروا رَأسه فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
(ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول أَبُو النُّعْمَان اسْمه مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي يعرف بعارم.
الثَّانِي حَمَّاد بن زيد.
الثَّالِث أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ.
الرَّابِع سعيد بن جُبَير.
الْخَامِس عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
(ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه شَيْخه وَحَمَّاد وَأَيوب بصريون وَسَعِيد بن جُبَير كُوفِي وَفِيه شَيْخه بكنيته وَاثْنَانِ بِلَا نِسْبَة وَفِيه حَمَّاد عَن أَيُّوب وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب.
(ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن قُتَيْبَة ومسدد وَفِي الْحَج عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَأخرجه مُسلم عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي وَأخرجه أَبُو دَاوُد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِيهِ عَن سُلَيْمَان وَمُحَمّد بن عبيد ومسدد وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة -
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بَيْنَمَا) ، أَصله: بَين، فزيدت فِيهِ الْألف وَالْمِيم، وَهُوَ من الظروف الزمانية يُضَاف إِلَى جملَة من فعل وفاعل ومبتدأ وَخبر، وَيحْتَاج إِلَى جَوَاب يتم بِهِ الْمَعْنى، وَجَوَابه هُنَا قَوْله: (إِذْ وَقع) أَي: وَقع رجل وَاقِف.
قَوْله: (فوقصته) (أَو قَالَ: فأوقصته) شكّ من الرَّاوِي: الأول: من الوقص وَهُوَ كسر الْعُنُق، وَهُوَ الْمَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة.
وَالثَّانِي: من الإيقاص وَهُوَ شَاذ، لِأَن الْأَصَح هُوَ الثلاثي.
وَفِي (فصيح ثَعْلَب) : وقص الرجل إِذا سقط عَن دَابَّته فاندقت عُنُقه فَهُوَ موقوص، وَعَن الْكسَائي: وقصا، وَلَا يكون: وقصت الْعُنُق نَفسهَا.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا صرعته فَكسرت عُنُقه،.

     وَقَالَ : أقصعته بِتَقْدِيم الصَّاد الْمُهْملَة على الْعين الْمُهْملَة، لَيْسَ بِشَيْء، والقصع هُوَ كسر الْعَطش، وَيحْتَمل أَن يستعار لكسر الرَّقَبَة وَأما الإقعاص، أَي: بِتَقْدِيم الْعين فَهُوَ إعجال الْهَلَاك أَي: لم يلبث أَن مَاتَ.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: يُقَال ضربه فأقعصه، أَي: قَتله مَكَانَهُ وَيُقَال: قصع القملة أَي قَتلهَا، وقصع المَاء عطشه أَي: أذهبه وسكنه، وَاعْلَم أَن الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي (فوقصته) ، للراحلة، والمنصوب يرجع إِلَى الرجل.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَيحْتَمل أَن يكون فَاعل: وقصته، الْوَقْعَة أَو الرَّاحِلَة، بِأَن تكون أَصَابَته بعد أَن وَقع قلت: الْفَاعِل هُوَ الرَّاحِلَة، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهر التَّرْكِيب، وَكَون الْفَاعِل هُوَ الْوَقْعَة بعيد) وَخلاف الظَّاهِر،.

     وَقَالَ  أَيْضا:.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فوقصته أَي رَاحِلَته.
قلت: لم يقل الْكرْمَانِي هَذَا، وَإِنَّمَا نقل عَن الْخطابِيّ مَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ آنِفا، والعنق، بِضَمَّتَيْنِ وبسكون النُّون، وَصله مَا بَين الرَّأْس والجسد، وَيذكر وَيُؤَنث، فَمن قَالَ: عنق بِإِسْكَان النُّون ذكر، وَمن قَالَ بِضَم النُّون أنث، وَعند ابْن خالويه: التصغير فِي لُغَة من ذكَّر: عنيق، وَفِي لُغَة من أنث، عنيقة.
وَالْجمع أَعْنَاق.
قَوْله: (وكفنوه فِي ثَوْبَيْنِ) إِنَّمَا لم يزده ثَالِثا إِكْرَاما لَهُ، كَمَا فِي الشَّهِيد لم يزدْ على ثِيَابه.
قَوْله: (وَلَا تحنطوه) بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: لَا تمسوه حنوطا.
قَوْله: (وَلَا تخمروا رَأسه) أَي: وَلَا تغطوها.
وَفِي (أَفْرَاد مُسلم) : (وَلَا تخمروا رَأسه وَلَا وَجهه) .
.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: وَذكر الْوَجْه وهم من بعض رُوَاته فِي الْإِسْنَاد والمتن، وَالصَّحِيح: (لَا تغطوا رَأسه) .
قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي: فَإِن هَذَا الرجل.
قَوْله: (ملبيا) ، نصب على الْحَال، أَي: حَال كَونه قَائِلا لبيْك، وَالْمعْنَى أَنه يحْشر يَوْم الْقِيَامَة على هَيئته الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا ليَكُون ذَلِك عَلامَة لحجه، كالشهيد يَأْتِي وأوداجه تشخب دَمًا.
وَفِي (التَّوْضِيح) : وَفِي رِوَايَة (ملبدا) أَي: على هَيْئَة ملبدا شعره بصمغ وَنَحْوه.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأهل الظَّاهِر فِي أَن الْمحرم على إِحْرَامه بعد الْمَوْت، وَلِهَذَا يحرم ستر رَأسه وتطييبه، وَهُوَ قَول عُثْمَان وَعلي وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَالثَّوْري.
وَذهب أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ إِلَى أَنه يصنع بِهِ مَا يصنع بالحلال، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَائِشَة وَابْن عمر وَطَاوُس لِأَنَّهَا عبَادَة شرعت فبطلت بِالْمَوْتِ: كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَام.
.

     وَقَالَ  صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إلاَّ من ثَلَاث.
.
) وإحرامه من عمله، وَلِأَن الْإِحْرَام لَو بَقِي لطيف بِهِ وكملت مَنَاسِكه،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَأجِيب: بِأَن ذَلِك ورد على خلاف الأَصْل، فَيقْتَصر بِهِ على مورد النَّص، وَلَا سِيمَا قد وضح أَن الْحِكْمَة فِي ذَلِك اسْتِبْقَاء شعار الْإِحْرَام كاستبقاء دم الشُّهَدَاء قلت: لَا نسلم أَنه ورد على خلاف الأَصْل، وَكَيف ورد على خلاف الأَصْل وَقد أَمر بِغسْلِهِ بِالْمَاءِ والسدر، وَهُوَ الأَصْل فِي الْمَوْتَى؟ وَأما قَوْله: لَا تحنطوه.
.
إِلَى آخِره فَهُوَ مَخْصُوص بِهِ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله: الْحِكْمَة فِي ذَلِك.
.
إِلَى آخِره.
وَفِيه: الرَّد على كَلَامه، بَيَان ذَلِك أَن اسْتِبْقَاء دم الشَّهِيد مَخْصُوص بِهِ، فَكَذَلِك اسْتِبْقَاء شعار الْإِحْرَام مَخْصُوص بالموقوص.
وَأَجَابُوا عَن الحَدِيث بِأَنَّهُ لَيْسَ عَاما بِلَفْظِهِ، لِأَنَّهُ فِي شخص معِين، وَلِأَنَّهُ لم يقل يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا لِأَنَّهُ محرم، فَلَا يتَعَدَّى حكمه إِلَى غَيره إلاَّ بِدَلِيل.
.

     وَقَالَ : اغسلوه بسدر، وَالْمحرم لَا يجوز غسله بسدر، وَذكر الطرطوشي فِي (كتاب الْحَج) أَن أَبَا الشعْثَاء جَابر بن زيد روى عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لَا تخمروا رَأسه وخمروا وَجهه.
وَقد روى عبد الرَّزَّاق ابْن جريج عَن عَطاء أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (خمروا وُجُوههم وَلَا تتشبهوا باليهود وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ وَحكم ابْن الْقطَّان بِصِحَّتِهِ وَلَفظه (خمروا وُجُوه مَوْتَاكُم) .
وَفِي (الْمُوَطَّأ) أَن عبد الله بن عمر لما مَاتَ ابْنه وَاقد وَهُوَ محرم كَفنه وخمر وَجهه وَرَأسه،.

     وَقَالَ : لَوْلَا أَنا محرمون لحنطناك يَا وَاقد.
وَفِي (المُصَنّف) بأسانيد جِيَاد: عَن عَطاء، قَالَ: وَسُئِلَ عَن الْمحرم يغطى رَأسه إِذا مَاتَ؟ قيل: غطى ابْن عمر وكشف غَيره.
.

     وَقَالَ  طَاوُوس: يغيب رَأس الْمحرم إِذا مَاتَ.
.

     وَقَالَ  الْحسن: إِذا مَاتَ الْمحرم فَهُوَ حَلَال، وَمن حَدِيث مجَالد عَن عَامر: (إِذا مَاتَ الْمحرم ذهب إِحْرَامه) .
وَمن حَدِيث إِبْرَاهِيم عَن عَائِشَة: إِذا مَاتَ الْمحرم ذهب إِحْرَام صَاحبكُم،.

     وَقَالَ هُ عِكْرِمَة بِسَنَد جيد، وَحكى ابْن حزم أَنه صَحَّ عَن عَائِشَة تحنيط الْمَيِّت الْمحرم إِذا مَاتَ، وتطييبه وتخمير رَأسه، وَعَن جَابر عَن أبي جَعْفَر، قَالَ: الْمحرم يُغطي رَأسه وَلَا يكْشف.
وَفِيه: جَوَاز الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ، وَهُوَ كفن الْكِفَايَة، وكفن الضَّرُورَة وَاحِد.
وَفِيه: فِي قَوْله: (فِي ثَوْبَيْنِ) اسْتِدْلَال بَعضهم على إِبْدَال ثِيَاب الْمحرم.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْحَج بِلَفْظ: فِي ثَوْبه) ، وللنسائي من طَرِيق يُونُس بن نَافِع عَن عَمْرو بن دِينَار: (فِي ثوبيه الَّذين أحرم فيهمَا) .
قلت: ظَاهر متن الحَدِيث هُنَا يدل على صِحَة اسْتِدْلَال بَعضهم على إِبْدَال ثِيَاب الْمحرم، وَهَذَا يدل على أَنه خرج من الْإِحْرَام، وَلَا يضرنا رِوَايَة: ثوبيه، وَلَا رِوَايَة النَّسَائِيّ، لِأَن رِوَايَة: ثَوْبَيْنِ، أقوى لكَون البُخَارِيّ أخرجه من ثَلَاث طرق.
وَفِيه: غسله بالسدر، وَهَذَا يدل على أَنه خرج من الْإِحْرَام، وَعكس صَاحب التَّوْضِيح فَقَالَ: غسله بالسدر يدل على أَنه جَائِز للْمحرمِ.
وَفِيه: رد على مَالك وَأبي حنيفَة وَآخَرين حَيْثُ منعُوهُ.
قلت: ظَاهر الحَدِيث يرد عَلَيْهِ كَلَامه، لِأَن الأَصْل عدم جَوَاز غسل الْمحرم بالسدر، فلولا أَنه خرج عَن لإحرام مَا أَمر بِغسْلِهِ بالسدر.
وَفِيه: إِطْلَاق الْوَاقِف على الرَّاكِب، وَالرجل لم يُوقف على اسْمه، وَكَانَ وُقُوعه عَن رَاحِلَته عِنْد الصخرات موقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَه ابْن حزم وَفِيه: أَن الْكَفَن من رَأس المَال.
وَفِيه: أَن الْمحرم إِذا مَاتَ لَا يكمل عَلَيْهِ غَيره كَالصَّلَاةِ، وَقد وَقع أجره على الله، وَمِنْه أَخذ بَعضهم أَن النِّيَابَة فِي الْحَج لَا تجوز لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْمر أحدا أَن يكمل عَن هَذَا الموقوص أَفعَال الْحَج، وَلَا يخفى مَا فِيهِ من النّظر.
وَفِيه: أَن إِحْرَام الرجل فِي الرَّأْس دون الْوَجْه.
وَفِيه: أَن من شرع فِي طَاعَة ثمَّ حَال بَينه وَبَين إِتْمَامهَا الْمَوْت يُرْجَى لَهُ أَن الله تَعَالَى يَكْتُبهُ فِي الْآخِرَة من أهل ذَلِك الْعَمَل، ويقبله مِنْهُ إِذا صحت النِّيَّة، وَيشْهد لَهُ قَوْله تَعَالَى: { وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله} (النِّسَاء: 001) .
الْآيَة.