فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب حك المخاط بالحصى من المسجد وقال ابن عباس: «إن وطئت على قذر رطب، فاغسله وإن كان يابسا فلا»

( بابُُ حَكِّ المُخَاطِ بِالحَصَى مِنَ المَسْجِدِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حك المخاط بالحصى من الْمَسْجِد.
فَإِن قلت: ذكر فِي الْبابُُ السَّابِق حك البصاق بِالْيَدِ، وَذكر هَهُنَا حك المخاط بالحصى، فَهَل فِيهِ زِيَادَة فَائِدَة؟ قلت: نعم، وَذَلِكَ أَن المخاط غَالِبا يكون لَهُ جرم لزج فَيحْتَاج فِي قلعه إِلَى معالجة وَهِي بالحصى وَنَحْوه، والبصاق لَيْسَ لَهُ ذَلِك فَيمكن نَزعه بِلَا آلَة، اللَّهُمَّ إلاَّ أَن يخالطه بلغم فحينئذٍ يلْحق بالمخاط.
فَإِن قلت: الْبابُُ مَعْقُود على حك المخاط، والْحَدِيث يدل على حك النخامة.
قلت: لما كَانَا فضلتين طاهرتين لم يفرق بَينهمَا إشعاراً بِأَن حكمهمَا وَاحِد، هَذَا الَّذِي ذكره الْكرْمَانِي، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: وَإِن كَانَ بَينهمَا فرق، وَهُوَ أَن المخاط يكون من الْأنف والنخامة من الصَّدْر، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن ( الْمطَالع) ، لكنه ذكر المخاط فِي التَّرْجَمَة والنخامة فِي الحَدِيث إشعاراً بِأَن بَينهمَا اتحاداً فِي الثخانة واللزوجة، وَأَن حكمهمَا وَاحِد من هَذِه الْحَيْثِيَّة أَيْضا.

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي اعَنْهُما إِن وَطِئْتَ عَلَى قَذَرٍ رَطْبٍ فاغْسِلْهُ وإنْ كَانَ يابِساً فَلاَ.

قَالَ بَعضهم: مطابقته للتَّرْجَمَة الْإِشَارَة إِلَى أَن الْعلَّة فِي النَّهْي احترام الْقبْلَة لَا مُجَرّد التأذي بالبزاق، فَلهَذَا لم يفرق فِيهِ بَين رطب ويابس، بِخِلَاف مَا عِلّة النَّهْي فِيهِ مُجَرّد الاستقذار فَلَا يضر وَطْء الْيَابِس مِنْهُ.
قلت: هَذَا تعسف وبعدٌ عَظِيم، لِأَن قَوْله: الْعلَّة فِي النَّهْي احترام الْقبْلَة لَا مُجَرّد التأذي بالبزاق، غير موجه لِأَن عِلّة النَّهْي فِيهِ احترام الْقبْلَة، وَحُصُول التأذي مِنْهُ كَمَا ذكره فِي حَدِيث أبي سهلة ( أَنَّك آذيت اورسوله) : وَحُصُول الْأَذَى فِيهِ هُوَ مَا ذكره فِي الحَدِيث، ( فَإِن اقبل وَجهه إِذا صلى) ، وبزاقه إِلَى تِلْكَ الْجِهَة أَذَى كبيرٌ وَهُوَ منبابُ ذكر اللَّازِم وَإِرَادَة الْمَلْزُوم، وَمَعْنَاهُ: لَا يرضى ابه وَلَا يرضى بِهِ رَسُوله أَيْضا، وتأذيه من ذَلِك هُوَ أَنه نَهَاهُ عَنهُ وَلم ينْتَه، وَفِيه مَا فِيهِ من الْأَذَى، فَعلم من ذَلِك أَن الْعلَّة الْعُظْمَى هِيَ حُصُول الْأَذَى مَعَ ترك احترام الْقبْلَة، وَالْحكم يثبت بعلل شَتَّى.
وَقَوله بِخِلَاف مَا عِلّة النَّهْي فِيهِ مُجَرّد الاستقذار، فَلَا يضرّهُ وَطْء الْيَابِس غير صَحِيح، لِأَن عِلّة النَّهْي فِيهِ كَونه نجسا، وَلم تسْقط عَنهُ صفة النَّجَاسَة، غير أَن وَطْء يابسه لَا يضرّهُ لعدم التصاقه بالجسم وَعدم التلوث، لَا لمُجَرّد كَونه يَابسا، حَتَّى لَو صلى على مَكَان عَلَيْهِ نجس يَابِس لَا تجوز صلَاته، وَلَو كَانَ على بدنه أَو ثَوْبه نَجَاسَة يابسة لَا يجوز أَيْضا، فَعلم أَن النَّجَاسَة المائعة تضره مُطلقًا، غير أَنه عفى عَن يابسها فِي الْوَطْء، وَيُمكن أَن يُوَجه لَهُ تناسب بِوَجْهِهِ وَهُوَ أَن يُقَال: الْمَذْكُور فِي حَدِيث الْبابُُ حك النخامة بالحصى، وَفِي التَّرْجَمَة حك المخاط بالحصى، وَذَا يدل على أَنه كَانَ يَابسا إِذْ الحك لَا يُفِيد فِي رطبه لِأَنَّهُ ينتشر بِهِ ويزداد التلوث، فَظهر الْفرق بَين رطبه ويابسه وَإِن لم يُصَرح بِهِ فِي ظَاهر الحَدِيث، فَفِي الرطب يزَال بِمَا تمكن إِزَالَته بِهِ، وَفِي الْيَابِس بالحصاة وَنَحْوهَا، فَكَذَلِك فِي أثر ابْن عَبَّاس: الْفرق حَيْثُ قَالَ: إِن كَانَ رطبا فاغسله وَإِن كَانَ يَابسا فَلَا، أَي: فَلَا يَضرك وَطْؤُهُ، فَتكون الْمُنَاسبَة بَينهمَا من هَذِه الْحَيْثِيَّة، وَهَذَا الْقدر كافٍ، لِأَنَّهُ أقناعي غير برهاني، ثمَّ إِن أثر ابْن عَبَّاس ذكره البُخَارِيّ مُعَلّقا، وَوَصله ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح،.

     وَقَالَ  فِي آخِره: وَإِن كَانَ يَابسا لم يضرّهُ.



[ قــ :402 ... غــ :408]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ قَالَ أخبرنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ أخبرنَا ابنُ شِهَابٍ عنْ حُمَيْدٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنَّ أبَا هُريْرةَ وأَبَا سَعِيدٍ حدَّثاه أنَّ رسولَ اللَّهِ رَأى نُخَامَةً فِي جِدَارِ المَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا فقالَ إذَا تَنخَّمَ أحَدُكُمْ فَلاَ يَنَنَخَّمَنَّ قبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عنْ يَمِينِهِ وَليْبصقْ عنْ يَسَارِهِ أَو تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى.
( الحَدِيث 804 طرفاه فِي: 014، 614) ( الحَدِيث 904 طرفاه فِي: 114، 414) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَتَنَاول حَصَاة فحكها) .

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري الْبَصْرِيّ الْمَعْرُوف بالتبوذكي.
الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن سعد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْقرشِي الْمدنِي.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الرَّابِع: حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْقرشِي الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.
السَّادِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، واسْمه: سعد بن مَالك، رَضِي اتعالى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده.
فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة التَّثْنِيَة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون مَا خلا مُوسَى بن إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ بَصرِي.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره.
أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عَليّ بن عبد اعن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ وَلم يذكر سُفْيَان أَبَا هُرَيْرَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن يحيى بن يحيى وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد، ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِهِ، وَعَن زُهَيْر بن حَرْب عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح والْحَارث بن مِسْكين، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن أبي مَرْوَان مُحَمَّد بن عُثْمَان العثماني عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: ( فحكها) أَي: حك النخامة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( فحتها) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، ومعناهما وَاحِد.
قَوْله: ( إِذا تنخم) أَي: إِذا رمى بالنخامة.
وَبَقِيَّة الْكَلَام تقدّمت.