فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا قيل للمصلي تقدم، أو انتظر، فانتظر، فلا بأس

( بَاب إِذا قيل للْمُصَلِّي تقدم أَو انْتظر فانتظر فَلَا بَأْس)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قيل للْمُصَلِّي تقدم أَي قبل رفيقك أَو انْتظر أَي أَو قيل لَهُ انْتظر أَي تَأَخّر عَنهُ هَكَذَا فسره ابْن بطال وَكَأَنَّهُ أَخذ ذَلِك من حَدِيث الْبَاب وَفِيه فَقيل للنِّسَاء " لَا ترفعن رؤسكن حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا " فمقتضاه تقدم الرِّجَال على النِّسَاء وتأخرهن عَنْهُم وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ هُنَا بقوله ظن أَي البُخَارِيّ أَن المخاطبة للنِّسَاء وَقعت بذلك وَهن فِي الصَّلَاة وَلَيْسَ كَمَا ظن بل هُوَ شَيْء قيل لَهُنَّ قبل أَن يدخلن فِي الصَّلَاة وَأجَاب بَعضهم عَن ذَلِك نصْرَة للْبُخَارِيّ بقوله أَن البُخَارِيّ لم يُصَرح بِكَوْن ذَلِك قيل لَهُنَّ وَهن دَاخل الصَّلَاة أَو خَارِجهَا وَالَّذِي يظْهر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وصاهن بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ بالانتظار الْمَذْكُور قبل أَن يدخلن فِيهَا على علم انْتهى ( قلت) الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور وَالْجَوَاب عَنهُ كِلَاهُمَا واهيان أما الِاعْتِرَاض فَلَيْسَ بوارد لِأَن نَفْيه ظن البُخَارِيّ بذلك غير صَحِيح لِأَن ظَاهر متن الحَدِيث يَقْتَضِي مَا نسبه إِلَى البُخَارِيّ من الظَّن بل هُوَ أَمر ظَاهر وَلَيْسَ بِظَنّ لِأَن قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَقيل للنِّسَاء " إِلَى آخر بفاء الْعَطف على مَا قبله يَقْتَضِي أَن هَذَا القَوْل قيل لَهُنَّ وَالنَّاس يصلونَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَالظَّاهِر أَنَّهُنَّ كن مَعَ النَّاس فِي الصَّلَاة وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يكون هَذَا القَوْل لَهُنَّ عِنْد شروعهن فِي الصَّلَاة مَعَ النَّاس وَلَا يلْتَفت إِلَى الِاحْتِمَال إِذا كَانَ غير ناشىء عَن دَلِيل وَأما الْجَواب فَكَذَلِك هُوَ غير سديد لِأَن قَوْله وَالَّذِي يظْهر إِلَى آخِره غير ظَاهر لَا من التَّرْجَمَة وَلَا من حَدِيث الْبَاب أما التَّرْجَمَة فَلَا شَيْء فِيهَا من الدّلَالَة على ذَلِك وَأما متن الحَدِيث فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا لفظ قيل بِصِيغَة الْمَجْهُول فَمن أَيْن ظهر أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ الَّذِي وصاهن بِهِ بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ وَلَا فِيهِ شَيْء يدل على أَن ذَلِك كَانَ قبل دخولهن فِي الصَّلَاة بل الَّذِي يظْهر من ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ بقضية تركيب متن الحَدِيث فَافْهَم فَإِنَّهُ بحث دَقِيق
[ قــ :1171 ... غــ :1215]
( حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير قَالَ أخبرنَا سُفْيَان عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ.
قَالَ كَانَ النَّاس يصلونَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهم عاقدوا أزرهم على رقابهم من الصغر فَقيل للنِّسَاء لَا ترفعن رؤسكن حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا)
مطابقته للتَّرْجَمَة على مَا قيل أَن النِّسَاء قيل لَهُنَّ ذَلِك أما فِي الصَّلَاة أَو قبلهَا فَإِن كَانَ فِيهَا فقد أَفَادَ الْمَسْأَلَتَيْنِ خطاب الْمُصَلِّي وتربصه بِمَا لَا يضر وَإِن كَانَ قبلهَا أَفَادَ جَوَاز الِانْتِظَار والْحَدِيث أخرجه فِي بَاب إِذا كَانَ الثَّوْب ضيقا.

     وَقَالَ  حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن سُفْيَان قَالَ حَدثنَا أَبُو حَازِم عَن سهل بن سعد إِلَى آخِره نَحوه قَوْله " على رقابهم " وَهُنَاكَ " على أَعْنَاقهم " قَوْله " من الصغر " أَي من صغر الثِّيَاب وَهَذَا فِي أول الْإِسْلَام حِين الْقلَّة ثمَّ جَاءَ الْفتُوح وَهُنَاكَ فِي مَوضِع من الصغر كَهَيئَةِ الصّبيان وَتقدم قِطْعَة مِنْهُ أَيْضا فِي بَاب عقد الْإِزَار على الْقَفَا مُعَلّقا وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوْفِي وَفِي التَّوْضِيح وَفِيه تقدم الرِّجَال بِالسُّجُود على النِّسَاء لأَنهم إِذا لم يرفعن رُؤْسهنَّ حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا فقد تقدموهن بذلك وصرن منتظرات لَهُم وَفِيه جَوَاز وُقُوع فعل الْمَأْمُوم بعد الإِمَام بِمدَّة وَيصِح ائتمامه كمن زوحم وَلم يقدر على الرُّكُوع وَالسُّجُود حَتَّى قَامَ النَّاس ( قلت) هَذَا مَبْنِيّ على مَذْهَب إِمَامه وَعِنْدنَا إِذا لم يُشَارك الْمَأْمُوم الإِمَام فِي ركن من أَرْكَان الصَّلَاة وَلَو فِي جُزْء مِنْهُ لَا تصح صلَاته قَالَ وَفِيه جَوَاز سبق الْمَأْمُومين بَعضهم لبَعض فِي الْأَفْعَال وَلَا يضر ذَلِك ( قلت) نعم لَا يضر ذَلِك وَلَكِن من أَيْن فهم هَذَا من الحَدِيث قَالَ وَفِيه إنصات الْمُصَلِّي لخَبر يُخبرهُ.
وَفِيه جَوَاز الْفَتْح على الْمُصَلِّي وَإِن كَانَ الفاتح فِي غير صلَاته ( قلت) هَذَا عندنَا على أَرْبَعَة أَقسَام بِحَسب الْقِسْمَة الْعَقْلِيَّة الأول أَن لَا يكون المستفتح وَلَا الفاتح فِي الصَّلَاة وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ وَالثَّانِي أَن يكون كِلَاهُمَا فِي الصَّلَاة ثمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون الصَّلَاة متحدة بِأَن يكون المستفتح إِمَامًا والفاتح مَأْمُوما أَو لَا يكون فَفِي الأول الَّذِي هُوَ الْقسم الثَّالِث لَا تفْسد صَلَاة كل مِنْهُمَا وَفِي الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْقسم الرَّابِع تفْسد صَلَاة كل وَاحِد مِنْهُمَا لِأَنَّهُ تَعْلِيم وَتعلم.

     وَقَالَ  بَعضهم وَيُسْتَفَاد مِنْهُ جَوَاز انْتِظَار الإِمَام فِي الرُّكُوع لمن يدْرك الرَّكْعَة وَفِي التَّشَهُّد لإدراك الصَّلَاة ( قلت) مَذْهَبنَا فِي هَذَا على التَّفْصِيل وَهُوَ أَن الإِمَام إِذا كَانَ يعلم الجائي لَيْسَ لَهُ أَن ينتظره إِلَّا إِذا خَافَ من شَره وَإِن كَانَ لَا يعلم فَلَا بَأْس بالانتظار ليدركه.