فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال

( بابُُ مَنْ كُفَّرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَهْوَ كَمَا قَالَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من كفر أَخَاهُ أَي: دعاة كَافِرًا أَو نسبه إِلَى الْكفْر.
قَوْله: ( بِغَيْر تَأْوِيل) يَعْنِي فِي تكفيره، قيد بِهِ لِأَنَّهُ إِذا تَأَول فِي تكفيره يكون مَعْذُورًا غير آثم، وَلذَلِك عذر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمر رَضِي الله عَنهُ، فِي نِسْبَة النِّفَاق إِلَى حَاطِب بن بلتعة لتأويله، وَذَلِكَ أَن عمر بن الْخطاب ظن أَنه صَار منافقاً بِسَبَب أَنه كَاتب الْمُشْركين كتابا فِيهِ بَيَان أَحْوَال عَسْكَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: فَهُوَ كَمَا قَالَ: جَوَاب كلمة: من المتضمنة معنى الشَّرْط، يَعْنِي: أَن الَّذِي قَالَه يرجع إِلَيْهِ وَكفر نَفسه لِأَن الَّذِي كفره صَحِيح الْإِيمَان، وَلم يتَأَوَّل فِيهِ بِشَيْء يُخرجهُ من الْإِيمَان، فَظهر أَنه أَرَادَ برميه لَهُ بالْكفْر فقد كفر نَفسه، فَافْهَم.



[ قــ :5774 ... غــ :6103 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدٌ وأحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ قَالَا: حدّثنا عُثْمان بنُ عُمَرَ أخبرنَا عَلِيُّ بنُ المبارَك عَنْ يَحْياى بنِ أبي كَثيرٍ عَنْ أبي سَلَمَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أَن رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِذْ قَالَ الرَّجُلُ لأخِيهِ: يَا كافِرٌ، فَقَدْ باءَ بِهِ أحَدُهُما.





[ قــ :5775 ... غــ :6104 ]
- حدَّثنا إسماعيلُ قَالَ: حدَّثَني مالكٌ عَن عبد الله بن دِينارٍ، عَن عبد الله بن عُمَر رَضِي الله عَنْهُمَا، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَيّمَا رجلٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِر فقد باءَ بهَا أحدُهما) : وَعند الرُّجُوع لفتح الْبَارِي 10 / 514.
وصحيح البُخَارِيّ (النُّسْخَة اليونينية} / 3.
(وَالنُّسْخَة الأميرية} / 6 وجدنَا هَذَا الحَدِيث مثبتاً، فأثبتناه.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث.
وَمُحَمّد هُوَ إِمَّا ابْن بشار بالشين الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة، وَإِمَّا ابْن الْمثنى ضد الْمُفْرد كَذَا نَقله الْكرْمَانِي عَن الغساني،.

     وَقَالَ  بَعضهم: مُحَمَّد هُوَ ابْن يحيى الذهلي.
قلت: إِن صَحَّ مَا قَالَه هَذَا الْقَائِل فالسبب فِي ذكره مُجَردا أَن البُخَارِيّ لما دخل نيسابور شغب عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي مَسْأَلَة خلق اللَّفْظ كَانَ قد سمع مِنْهُ فَلم يتْرك الرِّوَايَة عَنهُ وَلم يُصَرح باسم أَبِيه بل فِي بعض الْمَوَاضِع يَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله، فينسبه إِلَى جده، وَأحمد بن سعيد بن صَخْر بن سُلَيْمَان أَبُو جَعْفَر الدَّارمِيّ الْمروزِي، وَعُثْمَان بن عمر بن فَارس الْعَبْدي الْبَصْرِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: (لِأَخِيهِ) المُرَاد بالأخوة أخوة الْإِسْلَام.
قَوْله: (فقد بَاء بِهِ) أَحدهمَا أَي: رَجَعَ بِهِ أَحدهمَا لِأَنَّهُ إِن كَانَ صَادِقا فِي نفس الْأَمر فالمقول لَهُ كَافِر، وَإِن كَانَ كَاذِبًا فالقائل كَافِر لِأَنَّهُ حكم بِكَوْن الْمُؤمن كَافِرًا أَو الْإِيمَان كفر، قيل: لَا يكفر الْمُسلم بالمعصية فَكَذَا بِهَذَا القَوْل.
وَأجِيب بِأَنَّهُم حملوه على المستحل لذَلِك، وَقيل: مَعْنَاهُ رَجَعَ عَلَيْهِ التَّكْفِير إِذْ كَأَنَّهُ كفر نَفسه لِأَنَّهُ كفر من هُوَ مثله،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: بَاء بِهِ الْقَائِل إِذا لم يكن لَهُ تَأْوِيل.

     وَقَالَ  ابْن بطال يَعْنِي: بَاء بإثم رميه لِأَخِيهِ بالْكفْر، أَي: رَجَعَ وزر ذَلِك عَلَيْهِ إِن كَانَ كَاذِبًا، وَقيل: يرجع عَلَيْهِ إِثْم الْكفْر لِأَنَّهُ إِذا لم يكن كَافِرًا فَهُوَ مثله فِي الدّين فَيلْزم من تكفيره تَكْفِير نَفسه لِأَنَّهُ مساويه فِي الْإِيمَان، فَإِن كَانَ مَا هُوَ فِيهِ كفرا فَهُوَ أَيْضا فِيهِ ذَلِك، وَإِن كَانَ اسْتحق المرمي بِهِ بذلك كفرا فَيسْتَحق الرَّامِي أَيْضا، وَقيل: مَعْنَاهُ أَنه يؤول بِهِ إِلَى الْكفْر لِأَن الْمعاصِي تزيد الْكفْر وَيخَاف على المكثر مِنْهَا أَن تكون عَاقِبَة شؤمها الْمصير إِلَيْهِ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ عَنْ يَحْياى عَنْ عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ: سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مثله.

عِكْرِمَة بن عمار بتَشْديد الْمِيم الْحَنَفِيّ اليمامي كَانَ مجاب الدعْوَة، وَيحيى هُوَ ابْن كثير، وَعبد الله بن يزِيد من الزِّيَادَة مولى الْأسود بن سُفْيَان المَخْزُومِي وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث الْمُعَلق وَحَدِيث آخر مَوْصُول مضى فِي التَّفْسِير، وَقد وصل هَذَا الْمُعَلق الْحَارِث بن أبي أُسَامَة وَأَبُو نعيم فِي (مستخرجه) من طَرِيقه عَن النَّضر بن مُحَمَّد اليمامي عَن عِكْرِمَة بن عمار بِهِ.





[ قــ :5776 ... غــ :6105 ]
- حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا وُهَيْبٌ حدّثنا أيُّوبُ عَنْ أبي قِلاَبَةَ عَنْ ثابِتِ بن الضَّحَّاكِ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإسْلامِ كاذِباً فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ المؤمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مؤْمِناً بِكُفْر فَهْوَ كَقَتْلِهِ.

هَذَا أَيْضا فِي الْمُطَابقَة مثل الحَدِيث السَّابِق.
وهيب مصغر وهب ابْن خَالِد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي، وثابت بالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن الضَّحَّاك بن خَليفَة بن ثَعْلَبَة الْأنْصَارِيّ، قَالَ أَبُو عمر: ولد سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة، يكنى أَبَا يزِيد سكن الشَّام وانتقل إِلَى الْبَصْرَة وَمَات بهَا سنة خمس وَأَرْبَعين، روى عَنهُ من أهل الْبَصْرَة أَبُو قلَابَة وَعبد الله بن مُغفل.

والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز عَن مُسَدّد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة.

قَوْله: ( من حلف بِملَّة غير الْإِسْلَام) قَالَ ابْن بطال: هُوَ مثل أَن يَقُول: إِن فعلت كَذَا فَأَنا يَهُودِيّ، فَهُوَ كَمَا قَالَ، أَي: كَاذِب لَا كَافِر، لِأَنَّهُ مَا تعمد بِالْكَذِبِ الَّذِي حلف عَلَيْهِ الْتِزَام الْملَّة الَّتِي حلف بهَا، بل كَانَ ذَلِك على سَبِيل الخديعة للمحلوف لَهُ فَهُوَ وَعِيد،.

     وَقَالَ  القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: ظَاهره أَنه يخْتل بِهَذَا الْحلف إِسْلَامه وَيصير يَهُودِيّا، كَمَا قَالَ، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ التهديد وَالْمُبَالغَة فِي الْوَعيد، كَأَنَّهُ قَالَ: فَهُوَ مُسْتَحقّ لمثل عَذَاب مَا قَالَه.
قَوْله: ( عذب بِهِ) إِشَارَة إِلَى أَن عَذَابه من جنس عمله.
قَوْله: ( وَلعن الْمُؤمن كقتله) أَي: ف يالتحريم أَو فِي التأثم أَو فِي الإبعاد، فَإِن اللَّعْن تبعيد من رَحْمَة الله تَعَالَى، وَالْقَتْل تبعيد من الْحَيَاة.
قَوْله: ( وَمن رمى مُؤمنا بِكفْر) مثل قَوْله: ( يَا كَافِر.
قَوْله: ( فَهُوَ) )
أَي: الرَّمْي الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: رمى كقتله وَجه المشابهة هُنَا أظهر لِأَن النِّسْبَة إِلَى الْكفْر الْمُوجب للْقَتْل كَالْقَتْلِ فِي أَن المتسبب للشَّيْء كفاعله، نسْأَل الله الْعِصْمَة.