فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب اللعان

( بابُُ اللِّعانِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَحْكَام اللّعان، وَهُوَ مصدر: لَا عَن يُلَاعن ملاعنة ولعاناً وَهُوَ مُشْتَقّ من اللَّعْن.
وَهُوَ الطَّرْد والإبعاد لبعدهما من الرَّحْمَة أَو لبعد كل مِنْهُمَا عَن الآخر، وَلَا يَجْتَمِعَانِ أبدا.
وَاللّعان والالتعان، والملاعنة بِمَعْنى، وَيُقَال: تلاعنا والتعنا ولاعن الْحَاكِم بَينهمَا.
وَالرجل ملاعن وَالْمَرْأَة ملاعنة وَسمي بِهِ لما فِيهِ من لعن نَفسه فِي الْخَامِسَة، وَهِي من تَسْمِيَة الْكل باسم الْبَعْض كَالصَّلَاةِ تسمى رُكُوعًا وسجوداً، وَمَعْنَاهُ الشَّرْعِيّ: شَهَادَات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: هِيَ أَيْمَان مؤكدات بِلَفْظ الشَّهَادَة فَيشْتَرط أَهْلِيَّة الْيَمين عِنْده فَيجْرِي بَين الْمُسلم وَامْرَأَته الْكَافِرَة، وَبَين الْكَافِر والكافرة، وَبَين العَبْد وَامْرَأَته، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد، وَعِنْدنَا يشْتَرط أَهْلِيَّة الشَّهَادَة فَلَا يجْرِي إلاَّ بَين الْمُسلمين الحرين العاقلين الْبَالِغين غير محدودين فِي قذف، واختير لفظ اللَّعْن على لفظ الْغَضَب وَإِن كُنَّا مذكورين فِي الْآيَة لتقدمه فيهمَا، وَلِأَن جَانب الرجل فِيهِ أقوى من جَانب الْمَرْأَة، لِأَنَّهُ قَادر على الِابْتِدَاء بِاللّعانِ دونهَا.
وَلِأَنَّهُ قد ينكف لِعَانه عَن لعانها وَلَا ينعكس، واختصت الْمَرْأَة بِالْغَضَبِ لعظم الذَّنب بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا لِأَن الرجل إِن كَانَ كَاذِبًا لم يصل ذَنبه إِلَى أَكثر من الْقَذْف، وَإِن كَانَت هِيَ كَاذِبَة فذنبها أعظم لما فِيهِ من تلويث الْفراش والتعرض لإلحاق من لَيْسَ من الزَّوْج بِهِ فتنتشر الْمَحْرَمِيَّة وَتثبت الْولَايَة وَالْمِيرَاث لمن لَا يستحقهما، وَجوز اللّعان لحفظ الْأَنْسَاب وَدفع المعرة عَن الْأزْوَاج، واجمع الْعلمَاء على صِحَّته.

وقَوْلِ الله تَعَالَى: { ( 24) وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم} إِلَى قَوْله: { ( 24) إِن كَانَ من الصَّادِقين} ( النُّور: 6) [/ ح.

وَقَول الله بِالْجَرِّ عطفا على لفظ اللّعان الْمُضَاف إِلَيْهِ لفظ بابُُ، وَهَذَا الْمِقْدَار ذكر من الْآيَة عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة سَاق الْآيَات كلهَا، وَنزلت هَذِه الْآيَات فِي شعْبَان سنة تسع فِي عُوَيْمِر الْعجْلَاني مُنصَرفه من تَبُوك، أَو فِي هِلَال بن أُميَّة، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: الصَّحِيح أَن الْقَاذِف عُوَيْمِر وهلال بن أُميَّة بن سعد بن أُميَّة خطا، وَقد روى أَبُو الْقَاسِم عَن ابْن عَبَّاس أَن الْعجْلَاني عُوَيْمِر قذف امْرَأَته، كَمَا روى ابْن عمر وَسَهل بن سعد، وَأَظنهُ غَلطا من هِشَام بن حسان، وَمِمَّا يدل على أَنَّهَا قصَّة وَاحِدَة توقفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا حَتَّى نزلت الْآيَة الْكَرِيمَة، وَلَو أَنَّهُمَا قضيتان لم يتَوَقَّف على الحكم فِي الثَّانِيَة بِمَا نزل عَلَيْهِ فِي الأولى، وَالظَّاهِر أَنه تبع فِي هَذَا الْكَلَام مُحَمَّد بن جرير فَإِنَّهُ قَالَ فِي ( التَّهْذِيب) يستنكر قَوْله فِي الحَدِيث: هِلَال ابْن أُميَّة، وَإِنَّمَا الْقَاذِف عُوَيْمِر بن الْحَارِث بن زيد بن الْجد بن عجلَان.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : وَفِيمَا قَالَاه نظر، لِأَن قصَّة هِلَال وقذفه زَوجته بِشريك ثَابِتَة فِي ( صَحِيح البُخَارِيّ) فِي موضِعين: فِي الشَّهَادَات وَالتَّفْسِير، وَفِي ( صَحِيح مُسلم) من حَدِيث هِشَام عَن مُحَمَّد قَالَ: ( سَأَلت أنس بن مَالك، وَأَنا أرى أَن عِنْده مِنْهُ علما، فَقَالَ: إِن هِلَال بن أُميَّة قذف امْرَأَته بِشريك بن سمحاء، وَكَانَ أَخا للبراء بن مَالك لأمه، وَكَانَ أول رجل لَا عَن فِي الْإِسْلَام قَالَ: فَتَلَاعَنا) .
.
الحَدِيث.

فإذَا قَذَفَ الأخْرَسُ امْرَأتَهُ بِكِتابَةٍ أوْ إشارَةٍ أوْ بإيماءٍ مَعْرُوفٍ فَهْوَ كالمُتَكَلِّمِ لأنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَدْ أجازَ الإشارَةَ فِي الفَرَائِضِ، وهْوَ قَوْلُ بَعْضِ أهلِ الحِجازِ وأهْلِ العلْمِ، وقالَ الله تَعَالَى: { ( 19) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا} ( مَرْيَم: 92) .

     وَقَالَ  الضحَّاكُ: إلاَّ رَمْزاً: إلاَّ إشارَةً.

وَقَالَ بَعْضُ النّاسِ: لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، ثُمَّ زَعَمَ أنَّ الطلاَقَ بِكِتابٍ أوْ إشارَةٍ أوْ إيماءٍ جائِزٌ، ولَيْسَ بَيْنَ الطَّلاَقِ والقَذْفِ فَرْقٌ، فإنْ قَالَ: القَذْفُ لَا يَكُونُ إلاَّ بِكَلاَمٍ، قِيلَ لهُ: كَذَلِكَ الطَّلاَقُ لَا يَجُوزُ إلاَّ بِكَلاَمٍ، وإلاّ بَطَلَ الطَّلاَقُ والقَذْفُ، وكَذَلِكَ الأصَمُّ يُلاَعِنُ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وقَتادَةُ: إذَا قَال: أنْتِ طالِقٌ، فأشارَ بأصابِعِهِ تَبِينُ مِنْهُ بإشارَتِه.

وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: الأْخرَسُ إذَا كَتَبَ الطَّلاَقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ.

وَقَالَ حمَّادٌ: الأخرَسُ والأصَمُّ إنْ قَالَ بِرَأْسِهِ جازَ.


أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا الْكَلَام كُله بَيَان الِاخْتِلَاف بَين أهل الْحجاز وَبَين الْكُوفِيّين فِي حكم الْأَخْرَس فِي اللّعان وَالْحَد، فَلذَلِك قَالَ: فَإِذا قذف الْأَخْرَس إِلَى آخِره، بِالْفَاءِ عقيب ذكر قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} ( النُّور: 6)
الْآيَة.
وَأخذ بِعُمُوم قَوْله: يرْمونَ، لِأَن الرَّمْي أَعم من أَن يكون بِاللَّفْظِ أَو بِالْإِشَارَةِ المفهمة، وَبنى على هَذَا كَلَامه، فَقَالَ: إِذا قذف الْأَخْرَس امْرَأَته بِكِتَابَة، وَعند الكشيهني: بِكِتَاب، بِدُونِ التَّاء إِذا فهم الْكِتَابَة.
قَوْله: ( أَو إِشَارَة) أَي: أَو قذفه بِإِشَارَة مفهمة أَو إِيمَاء مفهم أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: ( مَعْرُوف) وَقيد بِهِ لِأَنَّهُ إِذا لم يكن مَعْرُوفا مِنْهُ ذَلِك لَا يبْنى عَلَيْهِ حكم.
وَالْفرق بَين الْإِشَارَة والإيماء بِأَن الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن فِي الِاسْتِعْمَال إِن الْإِشَارَة بِالْيَدِ والإيماء بِالرَّأْسِ أَو الجفن وَنَحْوه.
قَوْله: ( فَهُوَ كالمتكلم) جَوَاب: ( فَإِذا قذف) أَي: فَحكمه حكم الْمُتَكَلّم، يَعْنِي: حكم النَّاطِق بِهِ، وَإِنَّمَا أَدخل الْفَاء لتضمن إِذا معنى الشَّرْط، وَهُوَ قَوْله: مَعْرُوف، وَهُوَ وَإِن كَانَ صفة لقَوْله أَو إِيمَاء، بِحَسب الظَّاهِر وَلكنه فِي نفس الْأَمر يرجع إِلَى الْكل لِأَنَّهُ إِذا لم يفهم الْكِتَابَة أَو الْإِشَارَة أَو الْإِيمَاء لَا يبْنى عَلَيْهِ حكم، ثمَّ إِنَّه إِذا كَانَ كالمتكلم يكون قذفه بِهَذِهِ الْأَشْيَاء مُعْتَبر فيترتب عَلَيْهِ اللّعان وَحكمه.
قَوْله: ( لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا ذكره بَيَانه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( قد أجَاز الْإِشَارَة فِي الْفَرَائِض) أَي: فِي الْأُمُور الْمَفْرُوضَة كَمَا فِي الصَّلَاة فَإِن الْعَاجِز عَن غير الْإِشَارَة يُصَلِّي بِالْإِشَارَةِ قَوْله: ( وَهُوَ قَول بعض أهل الْحجاز) أَي: مَا ذكر من قذف الْأَخْرَس ... إِلَى آخِره قَول بعض أهل الْحجاز، وَأَرَادَ بِهِ الإِمَام مَالِكًا وَمن تبعه فِيمَا ذهب إِلَيْهِ.
قَوْله: ( وَأهل الْعلم) أَي: وَبَعض أهل الْعلم من غير أهل الْحجاز، وَمِمَّنْ قَالَ من أهل الْعلم وَأَبُو ثَوْر فَإِنَّهُ ذهب إِلَى مَا قَالَه مَالك.
قَوْله: ( قَالَ الله تَعَالَى: {فاشارت إِلَيْهِ} ) ( مَرْيَم: 92) إِلَى قَوْله: ( إلاَّ إِشَارَة) اسْتِدْلَال من البُخَارِيّ لقَوْل بعض أهل الْحجاز بقوله تَعَالَى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} أَي: أشارت مَرْيَم إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،.

     وَقَالَ ت لقومها بِالْإِشَارَةِ لما قَالُوا لَهَا: {لقد جِئْت شَيْئا فريا} ( مَرْيَم: 72) كلموا عِيسَى وَهُوَ فِي المهد {قَالُوا كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا} ( مَرْيَم: 92) فعرفوا من إشارتها مَا كَانُوا عرفوه من نطقها.
قَوْله: ( وَقَالَ الضَّحَّاك إِلَّا رمزاً إلاَّ إِشَارَة) هَذَا اسْتِدْلَال آخر بقوله تَعَالَى: {آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إلاَّ رمزاً} ( آل عمرَان: 14) وَحكى عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم قَالَ بَعضهم: كَذَا ابْن مُزَاحم،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الضَّحَّاك بن شرَاحِيل الْهَمدَانِي التَّابِعِيّ الْمُفَسّر، قلت: الضَّحَّاك بن مُزَاحم أَبُو الْقَاسِم الْهِلَالِي الْخُرَاسَانِي كَانَ يكون بسمرقند وبلخ ونيسابور، روى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة: ابْن عَبَّاس وَابْن عَمْرو وَزيد بن أَرقم وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَلم يثبت سَمَاعه مِنْهُم، وَوَثَّقَهُ يحيى بن معِين،.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة: ثِقَة كُوفِي مَاتَ سنة خمس وَمِائَة، وروى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَفسّر قَوْله: ( إلاَّ رمزاً) ، بقوله: ( إلاَّ إِشَارَة) وَلَوْلَا أَنه يفهم مِنْهَا مَا يفهم من الْكَلَام لم يقل الله عز وَجل لَا تكلمهم إلاَّ رمزاً، وَهَذَا فِي قَضِيَّة زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلما قَالَ الله تَعَالَى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نبشرك بِغُلَام اسْمه يحيى} ( مَرْيَم: 7) .
فَقَالَ: يَا رب {أَنى يكون لي غُلَام} إِلَى قَوْله: قَالَ رَبِّ اجْعَل لِىءَايَةً قَالَءَايَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} ( مَرْيَم: 8 01) وَذكر فِي سُورَة آل عمرَان قَالَ: {آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رمزا} ( آل عمرَان: 14) وَفَسرهُ الضَّحَّاك بقوله: ( إلاَّ إِشَارَة) قَوْله: ( وَقَالَ بعض النَّاس) أَرَادَ بِهِ الْكُوفِيّين لِأَنَّهُ لما فرغ من الِاحْتِجَاج لكَلَام أهل الْحجاز شرع فِي بَيَان قَول الْكُوفِيّين فِي قذف الْأَخْرَس.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَوْله: بعض النَّاس، يُرِيد بِهِ الْحَنَفِيَّة، حَيْثُ قَالُوا لَا حدّ على الْأَخْرَس لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَار لقذفه وَلَا لعان عَلَيْهِ،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْهِدَايَة) : قذف الْأَخْرَس لَا يتلق بِهِ اللّعان لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِالصَّرِيحِ كَحَد الْقَذْف، ثمَّ قَالَ: وَلَا يعْتد بِالْإِشَارَةِ فِي الْقَذْف لِانْعِدَامِ الْقَذْف صَرِيحًا.
ثمَّ قَالَ: وَطَلَاق الْأَخْرَس وَاقع بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّهَا صَارَت معهودة، فأقيمت مقَام الْعبارَة دفعا للْحَاجة.
قَوْله: ( ثمَّ زعم.
.
)
الخ أَي: ثمَّ زعم بعض النَّاس وَأَرَادَ بهم الْحَنَفِيَّة، وَقيل: ثمَّ زعم، أَي: أَبُو حنيفَة، لِأَن مُرَاده من قَوْله:.

     وَقَالَ  بعض النَّاس، هُوَ أَبُو حنيفَة، وَأَشَارَ بِهَذَا الْكَلَام إِلَى أَن مَا قَالَه الْحَنَفِيَّة من ذَلِك تحكم لأَنهم قَالُوا: إِلَّا اعْتِبَار لقذف الْأَخْرَس واعتبروا طَلَاقه، فَهُوَ فرق بِدُونِ الِافْتِرَاق وَتَخْصِيص بِلَا اخْتِصَاص، وأجابت الْحَنَفِيَّة: بِأَن صِحَة الْقَذْف تتَعَلَّق بِصَرِيح الزِّنَا دون مَعْنَاهُ، وَهَذَا لَا يحصل من الْأَخْرَس ضَرُورَة فَلم يكن قَاذِفا، والشبهة تدرأ الْحُدُود.
قَوْله: ( وَلَيْسَ بَين الطَّلَاق وَالْقَذْف فرق) .
من كَلَام البُخَارِيّ، وَدَعوى عدم الْفرق بَينهمَا مَمْنُوعَة لِأَن لفظ الطَّلَاق صَرِيح فِي أَدَاء مَعْنَاهُ، بِخِلَاف الْقَذْف فَإِنَّهُ إِن لم يكن فِيهِ التَّصْرِيح بِالزِّنَا لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء، وَالْفرق بَينهمَا ظَاهر لفظا وَمعنى.
قَوْله: ( فَإِن قَالَ: الْقَذْف لَا يكون إلاَّ بِكَلَام؟) أَي: فَإِن قَالَ ذَلِك الْبَعْض الْمَذْكُور فِي قَوْله:.

     وَقَالَ  بعض النَّاس، هَذَا سُؤال يُورِدهُ البُخَارِيّ من جِهَة الْبَعْض من النَّاس على قَوْله: فَإِذا قذف الْأَخْرَس.
.
الخ، بَيَان السُّؤَال، إِذا قَالُوا: الْقَذْف لَا يكون إلاَّ بِكَلَام وَقذف الْأَخْرَس لَيْسَ بِكَلَام فَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حدّ وَلَا لعان، ثمَّ أجَاب عَن هَذَا السُّؤَال بقوله: ( كَذَلِك الطَّلَاق لَا يجوز إلاَّ بِكَلَام) وَهَذَا الْجَواب واهٍ جدا لِأَن بَين الْكَلَامَيْنِ فرقا عَظِيما دَقِيقًا لَا يفهمهُ كَمَا يَنْبَغِي إلاَّ من لَهُ دقة نظر، وَذَلِكَ أَن المُرَاد بالْكلَام فِي الطَّلَاق إِظْهَار مَعْنَاهُ، فَإِن لم يتَلَفَّظ بِلَفْظ الطَّلَاق لَا يَقع شَيْء، بِخِلَاف الْأَخْرَس، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ كَلَام ضَرُورَة، وَإِنَّمَا لَهُ الْإِشَارَة، وَالْإِشَارَة تَتَضَمَّن وَجْهَيْن فَلم يجز إِيجَاب الْحَد بهَا كالكتابة والتعريض.
أَلا ترى أَن من قَالَ لآخر: وطِئت وطأ حَرَامًا.
لم يكن قذفا لاحْتِمَال أَن يكون وطىء وطأ شُبْهَة فَاعْتقد الْقَائِل بِأَنَّهُ حرَام؟ وَالْإِشَارَة لَا يَتَّضِح بهَا التَّفْصِيل بَين الْمَعْنيين، وَلذَلِك لَا يجب الْحَد بالتعريض.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَأجَاب ابْن الْقصار بِالنَّقْضِ عَلَيْهِم بنفوذ الْقَذْف بِغَيْر اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَهُوَ ضَعِيف، وَنقض غَيره بِالْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَنْقَسِم إِلَى عمد وَشبه عمد وَخطأ، ويتميز بِالْإِشَارَةِ.
وَهُوَ قوي، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِأَن اللّعان شَهَادَة، وَشَهَادَة الْأَخْرَس مَرْدُودَة بِالْإِجْمَاع.
وَتعقب بَان مَالِكًا ذكر قبُولهَا فَلَا إِجْمَاع.
وَبِأَن اللّعان عِنْد الْأَكْثَرين يَمِين.
انْتهى.

قلت: الإيرادات الْمَذْكُورَة كلهَا غير وَارِدَة.
أما الأول: فَلِأَن الشَّرْط التَّصْرِيح بِلَفْظ الزِّنَا وَلَا يَتَأَتَّى هَذَا كَمَا يَنْبَغِي فِي غير لِسَان الْعَرَب.
وَأما الثَّانِي الَّذِي قَالَ هَذَا الْقَائِل، وَهُوَ قوي.
فأضعف من الأول لِأَن الْقَتْل يَنْقَسِم إِلَى عمد وَشبه عمد وَخطأ والجاري مجْرى الْخَطَأ وَالْقَتْل بِالسَّبَبِ، فالتمييز عَن الْأَخْرَس فِيهَا مُتَعَذر.
وَأما الثالثفإن شَهَادَة الْأَخْرَس مَرْدُودَة، فاللعان عندنَا شَهَادَة مُؤَكدَة بِالْيَمِينِ فَلَا يحْتَاج أَن يَقُول بِالْإِجْمَاع لِأَن شَهَادَته مَرْدُودَة عندنَا سَوَاء كَانَ فِيهِ قَول بِالْقبُولِ أَو لَا.
وَأما الرَّابِع، فقد قُلْنَا: إِن اللّعان شهدة فَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح.

قَوْله: ( وإلاَّ بَطل الطَّلَاق وَالْقَذْف) ، يَعْنِي: وَإِن لم يقل بِالْفرقِ فَلَا بُد من بطلانهما لِأَن بطلَان الْقَذْف فَقَط.
قَوْله: ( وَكَذَلِكَ الْعتْق) أَي: كَذَلِك حكمه حكم الْقَذْف فَيجب أَيْضا أَن تبطل إِشَارَته بِالْعِتْقِ، وَلَكنهُمْ قَالُوا بِصِحَّتِهِ.
قَوْله: ( وَكَذَلِكَ الْأَصَم يُلَاعن) أَي: إِذا أُشير إِلَيْهِ حَتَّى فهم،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: فِي أمره إِشْكَال لَكِن قد يرْتَفع بترداد الْإِشَارَة إِلَى أَن ينفهم معرفَة ذَلِك.

قَوْله: ( وَقَالَ الشّعبِيّ) وَهُوَ عَامر بن شرَاحِيل، وَقَتَادَة بن دعامة: إِذا قَالَ الْأَخْرَس لامْرَأَته: أَنْت طَالِق فَأَشَارَ بأصابعه تبين مِنْهُ بإشارته وَاحِدَة أَو ثِنْتَانِ أَو ثَلَاث، يَعْنِي: إِذا عبر عَمَّا نَوَاه من الْعدَد بِالْإِشَارَةِ يظْهر مِنْهَا مَا نَوَاه من وَاحِدَة أَو أَكثر.

قَوْله: ( وَقَالَ إِبْرَاهِيم) أَي النَّخعِيّ: إِذا كتب الْأَخْرَس الطَّلَاق بِيَدِهِ لزمَه، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ،.

     وَقَالَ  الْكُوفِيُّونَ: إِذا كَانَ رجل أصمت أَيَّامًا فَكتب لم يجز من ذَلِك شَيْء،.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: الخرس مُخَالف للصمت، كَمَا أَن الْعَجز عَن الْجِمَاع الْعَارِض بِالْمرضِ يَوْمًا أَو نَحوه مُخَالف للعجز المأنوس مِنْهُ الْجِمَاع، نَحْو الْجُنُون فِي بابُُ خِيَار الْمَرْأَة فِي الْفرْقَة.

قَوْله: ( وَقَالَ حَمَّاد) أَي: ابْن أبي سُلَيْمَان شيخ أبي حينفة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: ( الْأَخْرَس والأصم إِن قَالَ بِرَأْسِهِ جَازَ) أَي: إِن أَشَارَ بِرَأْسِهِ فِيمَا يسْأَل عَنهُ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: كَأَن البُخَارِيّ أَرَادَ إِلْزَام الْكُوفِيّين بقول شيخهم.
قلت: لم يدر هَذَا الْقَائِل مَا مُرَاد الشَّيْخ من هَذَا، وَلَو عرف لما قَالَ هَذَا وَمُرَاد الشَّيْخ من هَذَا أَن إِشَارَة الْأَخْرَس معهودة فأقيمت مقَام الْعبارَة، والكوفيون قَائِلُونَ بِهِ، فَمن أَيْن يأتى إلزمهم؟ .



[ قــ :5014 ... غــ :5300 ]
-
حدّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ يحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأنْصارِي أنْهُ سَمِعَ أنَسَ بن مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ألاَ اخبْرِكُمْ بِخَيْرِ دُوِ الأنْصارِ؟ قالُوا: بَلى يَا رسولَ الله! قَالَ: بَنُو النّجَّارِ، ثمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ: بَنو عَبْدِ الأشْهَلِ، ثُمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ: بَنُو الحارِثِ بنِ الخزْرَجِ، ثُمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ: بنُو ساعِدَة، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ فَقَبَضَ أصابِعَهُ ثُمَّ بَسَطَهُنَّ كالرَّامِي بِيدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وفِي كلِّ دُورِ الأنْصارِ خَيْرٌ.

قيل: هَذَا الحَدِيث وَمَا بعده لَا تعلق لَهُ بِاللّعانِ الَّذِي عقد عَلَيْهِ التَّرْجَمَة.
وَأجِيب: لَعَلَّهَا كَانَت مُتَقَدّمَة فأخرها النَّاسِخ عَنهُ.
قلت: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء، بل ذكر هَذَا الحَدِيث وَالْأَحَادِيث الْأَرْبَعَة الَّتِي بعْدهَا كلهَا فِي الْإِشَارَة تَحْقِيقا لَهَا بِفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللّعان، وَالْإِشَارَة فِي هَذَا الحَدِيث.
فِي قَوْله: ( ثمَّ قَالَ بِيَدِهِ) لِأَن مَعْنَاهُ: ثمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ.

والْحَدِيث قد مضى فِي مَنَاقِب الْأَنْصَار فِي: بابُُ فضل دور الْأَنْصَار، من طَرِيق آخر.
وَفِيه: عَن أنس عَن أبي أسيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: ( كالرامي بِيَدِهِ) أَي: كَالَّذي بِيَدِهِ الشَّيْء، فضم أَصَابِعه عَلَيْهِ ثمَّ رَمَاه فانتشر.





[ قــ :5015 ... غــ :5301 ]
- حدّثنا عَلِيٌّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ، قَالَ أبُو حازِمٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعدِيِّ صاحِبِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بُعِثْتُ أَنا والسَّاعَةُ كهَذِهِ مِنْ هاذِهِ، أوْ قالَ: كَهاتَيْنِ، وفَرَقَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ والوُسطى.

( انْظُر الحَدِيث 6394 وطرفه) .

مطابقته للْحَدِيث السَّابِق فِي قَوْله كذهه من هَذِه لِأَنَّهُ إِشَارَة وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج.

والْحَدِيث من أَفْرَاده وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَلَفظه: حَدثنَا سُفْيَان عَن أبي حَازِم، وَصرح الْحميدِي عَن سُفْيَان بِالتَّحْدِيثِ، وَفِي رِوَايَة أبي نعيم عَن أبي حَازِم أَنه سمع سهلاً.

قَوْله: ( صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ذكره بِأَنَّهُ صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ علمه بذلك وَكَونه مَعْلُوما لبَيَان تَعْظِيمه للْعَالم والإعلام للجاهل قَوْله: ( كهذه من هَذِه) أَي: كقرب هَذِه، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى السبابَُة وَأَشَارَ بقوله: ( من هَذِه) إِلَى الْوُسْطَى.
قَوْله: ( وكهاتين) شكّ من الرَّاوِي.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قد انْقَضى من يَوْم بعثته إِلَى يَوْمنَا سَبْعمِائة وَثَمَانُونَ سنة، فَكيف تكون مُقَارنَة السَّاعَة مَعَ بعثته؟ ثمَّ أجَاب بِمَا قَالَه الْخطابِيّ: يُرِيد أَن مَا بيني وَبَين السَّاعَة من مُسْتَقْبل الزَّمَان بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا مضى مِنْهُ مِقْدَار فضل الوسطي على السبابَُة، وَلَو كَانَ النَّبِي أَرَادَ غير هَذَا الْمَعْنى لَكَانَ قيام السَّاعَة مَعَ بعثته فِي زمَان وَاحِد.
انْتهى قلت: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّكَلُّف، بل هَذِه كِنَايَة عَن شدَّة الْقرب جدا، وَقَول الْكرْمَانِي: إِلَى يَوْمنَا سَبْعمِائة وَثَمَانُونَ سنة إِشَارَة إِلَى أَن وجوده كَانَ فِي هَذَا التَّارِيخ وَمَات رَحمَه الله بطرِيق الْحجاز بِمَنْزِلَة تعرف بروض مهنى فِي رُجُوعه من مَكَّة المشرفة، وَنقل إِلَى بَغْدَاد وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس الْخَامِس عشر من محرم سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ السعيدي الْكرْمَانِي.
قَوْله: ( وَفرق) بِالْفَاءِ من التَّفْرِيق، ويروى: وَقرن بِالْقَافِ.





[ قــ :5016 ... غــ :530 ]
- حدّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا جَبَلَةُ بنُ سُحَيْمِ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الشَّهْر هاكَذَا وهاكَذَا يَعْنِي: ثَلاَثِينَ، ثُمَّ قَالَ: وهاكَذَا وهاكَذَا وهاكَذَا، يَعْنِي: تِسْعاً وعِشْرِينَ، يَقُولُ مَرَّة ثَلاَثِينَ ومَرَّةً تِسعاً وعِشْرينَ.

ابقته للْحَدِيث الَّذِي قبله فِي قَوْله: ( هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) .
وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وجبلة بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة المفتوحتين ابْن سحيم مصغر سحم بالمهملتين الْكُوفِي.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الصّيام فِي: بابُُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا لَا نكتب وَلَا نحسب.





[ قــ :5017 ... غــ :5303 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس عَن أبي مَسْعُود قَالَ وَأَشَارَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ نَحْو الْيمن الْإِيمَان هَهُنَا مرَّتَيْنِ أَلا وَإِن الْقَسْوَة وَغلظ الْقُلُوب فِي الْفَدادِين حَيْثُ يطلع قرنا الشَّيْطَان ربيعَة وَمُضر) مطابقته للَّذي قبله فِي قَوْله وَأَشَارَ وَيحيى بن سعيد هُوَ الْقطَّان وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم وَأَبُو مَسْعُود هُوَ عقبَة بن عَمْرو البدري وَوَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ والكشميهني ابْن مَسْعُود قَالَ عِيَاض هُوَ وهم وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَن الحَدِيث مضى فِي بَدْء الْخلق فِي بابُُ الْجِنّ وَهُوَ مُصَرح باسمه وَلَفظه حَدثنِي قيس عَن عقبَة بن عَمْرو أبي مَسْعُود قَوْله الْإِيمَان هَهُنَا مقول قَوْله قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله وَأَشَارَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ نَحْو الْيمن جملَة مُعْتَرضَة بَينهمَا وَمعنى قَوْله الْإِيمَان يمَان لِأَن الْإِيمَان بَدَأَ من مَكَّة وَهِي من تهَامَة وتهامة من أَرض الْيمن وَلِهَذَا يُقَال للكعبة اليمانية وَقيل إِنَّمَا قَالَ هَذَا القَوْل وَهُوَ بتبوك وَمَكَّة وَالْمَدينَة يَوْمئِذٍ بَينه وَبَين الْيمن فَأَشَارَ إِلَى نَاحيَة الْيمن وَهُوَ يُرِيد مَكَّة وَالْمَدينَة وَقيل أَرَادَ بِهَذَا القَوْل الْأَنْصَار لأَنهم يمانيون وهم نصروا الْإِيمَان وَالْمُؤمنِينَ وآووهم فنسب الْإِيمَان إِلَيْهِم قَوْله وَغلظ الْقُلُوب بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام قَوْله " فِي الْفَدادِين " بِالتَّشْدِيدِ جمع فداد وَهُوَ الشَّديد الصَّوْت وبالتخفيف جمع الفدان وَهُوَ آلَة الْحَرْث وَإِنَّمَا ذمّ أَهله لِأَنَّهُ يشْتَغل عَن أَمر الدّين وَيكون مَعهَا قساوة الْقلب وَنَحْوهَا قَوْله قرنا الشَّيْطَان أَي جانبا رَأسه وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ينْتَصب فِي محاذاة مطلع الشَّمْس حَتَّى إِذا طلعت كَانَت بَين قرنيه فَتَقَع سَجْدَة عَبدة الشَّمْس لَهُ قَوْله ربيعَة وَمُضر بدل من الْفَدادِين وهما قبيلتان مشهورتان



[ قــ :5018 ... غــ :5304 ]
- حدّثنا عَمْرو بنُ زْرَارَةَ أخبرنَا عبْدُ العَزِيزِ بنُ أبِي حازِمِ عنْ أبِيهِ عنْ سَهْلٍ قَالَ رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا وكافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هاكَذَا، وأشارَ بالسَّبَّايَةِ والوُسْطَى وفَرَّجَ بَيْنَهُما شَيْئاً.

( الحَدِيث 4035 طرفه فِي: 5006) .

مطابقته للْحَدِيث الَّذِي قبله فِي قَوْله: ( وَأَشَارَ) .
وَعَمْرو بن زُرَارَة بِضَم الزَّاي وخفة الرَّاء الأولى النَّيْسَابُورِي، وَسَهل هُوَ ابْن سعد الْمَذْكُور فِي الحَدِيث الثَّانِي من أَحَادِيث الْبابُُ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن عبد الله بن عمرَان.

قَوْله: ( كافل الْيَتِيم) أَي: الْقيم بأَمْره ومصالحه.
قَوْله: ( بالسبابُة) ويروى: بالسماحة وَإِنَّمَا فَرح بَينهمَا إِشَارَة إِلَى التَّفَاوُت بَين دَرَجَة الْأَنْبِيَاء وآحاد الْأمة والسباية هِيَ المسبحة، وَيُقَال: لما قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَلِك اسْتَوَت سبايته ووسطاه اسْتِوَاء بَينا فِي تِلْكَ السَّاعَة ثمَّ عادتا إِلَى حَالهمَا الطبيعية الْأَصْلِيَّة، وَذَلِكَ لتوكيد أَمر كَفَالَة الْيَتِيم.