فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب أنزل القرآن على سبعة أحرف

( بابٌُ أنْزِلَ القُرآنُ علَى سَبْعةِ أحْرُف)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِن الْقُرْآن أنزل على سَبْعَة أحرف) أَي: سَبْعَة أوجه، وَهُوَ سبع لُغَات، يَعْنِي يجوز أَن يقْرَأ بِكُل لُغَة مِنْهَا، وَلَيْسَ المُرَاد أَن كل كلمة مِنْهُ تقْرَأ على سَبْعَة أوجه قيل: قد يُوجد بعض الْكَلِمَات يقْرَأ على أَكثر من سَبْعَة أوجه وَأجِيب: بِأَن غَالب ذَلِك من قبيل الِاخْتِلَاف فِي كَيْفيَّة الْأَدَاء، كَمَا فِي الْمَدّ والإمالة وَنَحْوهمَا، وَقيل: لَيْسَ المُرَاد بالسبعة حَقِيقَة الْعدَد بل المُرَاد التَّيْسِير والتسهيل، وَلَفظ السَّبْعَة يُطلق على إِرَادَة الْكَثْرَة فِي الْآحَاد كَمَا يُطلق السبعون فِي المشرات، والسبعمائة فِي المئات وَلَا يُرَاد الْعدَد الْمعِين، وَإِلَى هَذَا مَال عِيَاض وَمن تبعه.



[ قــ :4725 ... غــ :4991 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنخ عُفَيْرٍ قَالَ: حدّثني اللّيْثُ قَالَ: حدّثني عُقَيْلٌ عنْ ابنِ شهَاب قَالَ: حَدثنِي عُبَيْدُ الله بنُ عبْدِ الله: أنَّ ابنَ عبَّاسٍ رضِيَ الله عَنْهُمَا حدَّثه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أقْرَأْني جِبْرِيلُ علَى حَرْفٍ فرَاجَعْتُهُ، فلَمْ أزَلْ أسْتَزيِدُهُ ويَزِيدُني حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَسَعِيد بن عفير هُوَ سعيد بن كثير بن عفير بِضَم الْعين الْمُهْملَة ينْسب إِلَى جده وَهُوَ من حفاظ المصريين وثقاتهم وَعبيد الله بن عبد الله بتصغير الابْن وتكبير الْأَب ابْن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب بَدْء الْخلق، وَفِيه ابْن عَبَّاس لم يُصَرح بِسَمَاعِهِ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَأَنَّهُ سَمعه عَن أبي بن كَعْب لِأَن النَّسَائِيّ أخرجه من طَرِيق عِكْرِمَة بن خَالِد عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي بن كَعْب نَحوه.

قَوْله: ( فراجعته) وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَرددت إِلَيْهِ أَن هوّن عَليّ أمتِي، وَفِي رِوَايَة: إِن أمتِي لَا تطِيق ذَلِك.
قَوْله: ( إِلَى سَبْعَة أحرف) أَي: سبع قراآت أَو سبع لُغَات.





[ قــ :476 ... غــ :499 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حدّثني الليْثُ قَالَ: حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابْن شهابٍ، قَالَ: حدّثني عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: أنَّ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ وعبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عبدٍ القارِيَّ حدَّثاهُ أنَّهُما سَمِعا عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشام بنَ حَكِيمٍ يقرَأ سورَةَ الفُرْقانِ فِي حيَاةِ رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فإِذَا هُوَ يَقْرَأُ علَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنيها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكِدْتُ أُساورُهُ فِي الصَّلاَةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سلَمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ: مَنْ أقْرَأَكَ هاذِهِ السُّورَةَ الَّتي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ .
قَالَ: أقْرَأْنِيها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَقُلْت: كَذَبْتَ، فإِنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أقْرَأْنِيها علَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بهِ أقُودُهُ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْتُ إنِّي سَمِعْتُ هاذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الفرْقان علَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيها.
فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أرْسِلْهُ: اقْرَأ يَا هِشامُ فَقَرَأ علَيْهِ القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ.
ثُمَّ قَالَ: اقْرَأُ يَا عُمَرُ، فَقَرَأْتُ القِرَاءَةُ الَّتِي أقْرَأني، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَذالِكَ أُنْزِلَتْ إنَّ هاذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ علَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ فاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْخُصُومَات وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( وَعبد الرَّحْمَن بن عبد) بِالتَّنْوِينِ غير مُضَاف إِلَى شَيْء ( والقاري) بتَشْديد الْيَاء نِسْبَة إِلَى قارة بطن من خُزَيْمَة بن مدركة.
قَوْله: ( هِشَام بن حَكِيم) ابْن حزَام هُوَ الْأَسدي لَهُ ولأبيه صُحْبَة وَكَانَ إسلامهما يَوْم الْفَتْح، وَهِشَام مَاتَ قبل أَبِيه وَلَيْسَ لَهُ فيالبخاري رِوَايَة، وَأخرجه لَهُ مُسلم حَدِيث وَاحِدًا مَرْفُوعا من رِوَايَة عُرْوَة عَنهُ.
قَوْله: ( أساوره) أَي: أواثبه.
.

     وَقَالَ  الْحَرْبِيّ: أَي آخذه بِرَأْسِهِ، وَالْأول أشبه.
قَوْله: ( حَتَّى سلّم) أَي: من صلَاته.
قَوْله: ( فلببته برادئه) أَي: جمعت عَلَيْهِ ثِيَابه عِنْد لبته لِئَلَّا ينفلت مني.
قَوْله: ( كذبت) ، فِيهِ إِطْلَاق ذَلِك على غَلَبَة الظَّن أَو المُرَاد بقوله لَهُ: كَذبك أَخْطَأت، لِأَن أهل الْحجاز يطلقون الْكَذِب فِي مَوضِع الْخَطَأ.
قَوْله: ( أقوده) كَأَنَّهُ لما لببه صَار يجره.
قَوْله: ( إِن هَذَا الْقُرْآن) إِلَى آخِره إِنَّمَا ذكره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تطمينا لعَمْرو، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِئَلَّا يُنكر تصويب الشَّيْئَيْنِ الْمُخْتَلِفين، قَوْله: ( مَا تيَسّر مِنْهُ) ، أَي: من الْمنزل، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن التَّعَدُّد فِي الْقِرَاءَة للتيسير على القارىء، هَذَا يُقَوي قَول من قَالَ: المُرَاد بالأحرف تأدية الْمَعْنى بِاللَّفْظِ المرادف وَلَو كَانَ من لُغَة وَاحِدَة، لِأَن لُغَة هِشَام بِلِسَان قُرَيْش وَكَذَلِكَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ومه ذَلِك فقد اخْتلفت قراءتهما، قَالَ ذَلِك ابْن عبد الْبر، وَنقل ذَلِك عَن أَكثر أهل الْعلم: أَن هَذَا هُوَ المُرَاد بالأحرف السَّبع، وَالله أعلم.