فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي: «إن ابني هذا لسيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين»

( بابُُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْحَسَنِ بنِ عَلِيَ: ( إنَّ ابْني هَذا لَسَيِّدٌ، ولَعَلَّ الله أنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ) )

أَي: هَذَا بابُُ قَول النَّبِي الخ قَوْله: لسَيِّد اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد.
وَفِي رِوَايَة الْمروزِي والكشميهني: سيد، بِغَيْر لَام.



[ قــ :6727 ... غــ :7109 ]
- حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ، حدّثنا إسْرائِيلُ أبُو مُوساى ولَقِيتُهُ بِالكُوفَةِ وجاءَ إِلَى ابنِ شُبْرُمَةَ: فَقَالَ: أدْخِلْني عَلى عِيساى فأعِظَهُ، فَكأنَّ ابنَ شُبْرُمَةَ خافَ عليْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ قَالَ: حدّثنا الحَسَنُ قَالَ: لَمَّا سارَ الحَسَنُ بنُ عَلِيَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، إِلَى مُعاوِيَةَ بالكَتائِبِ قَالَ عَمْرُو بنُ العاصِ لِمُعاوِيَةَ: أراى كَتِيبَةً لَا تُوَلِّي حتَّى تُدْبِر أُخْراها، قَالَ مُعاويَةُ: مَنْ لِذَرارِيِّ المُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: أَنا.
فَقَالَ عَبْدُ الله بنُ عامِرٍ وعَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ سَمُرَةَ: نَلْقَاهُ فَنَقُولُ لهُ الصُّلْحَ.

قَالَ الحَسَنُ: ولَقَد سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ: بَيْنا النبيَّ يَخْطَبُ جاءَ الحَسنُ فَقَالَ النبيُّ إنَّ ابْني هَذا سَيِّد، ولَعَلَّ الله أنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن مُوسَى وكنيته أَبُو مُوسَى وَهُوَ مِمَّن وَافَقت كنيته اسْم أَبِيه، وَهُوَ بَصرِي كَانَ يُسَافر فِي التِّجَارَة إِلَى الْهِنْد وَأقَام بهَا مُدَّة.

قيته بِالْكُوفَةِ قَائِل هَذَا سُفْيَان وَالْجُمْلَة حَالية.
قَوْله: وَجَاء ابْن شبْرمَة هُوَ عبد الله قَاضِي الْكُوفَة فِي خلَافَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور، وَمَات فِي زَمَنه سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَة، وَكَانَ صَارِمًا عفيفاً ثِقَة فَقِيها.
قَوْله: أدخلني على عِيسَى فأعظه عِيسَى هُوَ ابْن مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس ابْن أخي الْمَنْصُور، وَكَانَ أَمِيرا على الْكُوفَة إِذْ ذَاك، و: أعظه بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْعين الْمُهْملَة وَفتح الظَّاء الْمُعْجَمَة من الْوَعْظ.
فَكَأَن بِالتَّشْدِيدِ أَي: فَكَانَ ابْن شبْرمَة خَافَ عَلَيْهِ أَي: على إِسْرَائِيل فَلم يفعل أَي: فَلم يدْخلهُ على عِيسَى بن مُوسَى، وَلَعَلَّ سَبَب خَوفه عَلَيْهِ أَنه كَانَ ناطقاً بِالْحَقِّ فخشي أَن لَا يتلطف بِعِيسَى فيبطش بِهِ لما عِنْده من عزة الشَّبابُُ وَعزة الْملك.
وَفِيه: دلَالَة على أَن من خَافَ على نَفسه سقط عِنْد الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر.
قَوْله: بِالْكَتَائِبِ جمع كَتِيبَة على وزن عَظِيمَة وَهِي طَائِفَة من الْجَيْش تجمع وَهِي فعيلة بِمَعْنى مفعولة لِأَن أَمِير الْجَيْش إِذا رتبهم وَجعل كل طَائِفَة على حِدة كتبهمْ فِي ديوانه.
قَوْله: لَا تولَّي بِالتَّشْدِيدِ أَي: لَا تدبر أخراها أَي: الكتيبة الَّتِي لخصومهم.
قَوْله: قَالَ مُعَاوِيَة: من لذراري الْمُسلمين؟ أَي: من يتكفل لَهُم حينئذٍ؟ والذراري بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف جمع ذُرِّيَّة.
قَوْله: فَقَالَ عبد الله بن عَامر بن كريز مصغر الكرز بالراء وَالزَّاي العبشمي، وَعبد الرحمان بن سَمُرَة نَلْقَاهُ أَي: نَجْتَمِع بِهِ ونقول لَهُ نَحن نطلب الصُّلْح، وَهَذَا ظَاهره أَنَّهُمَا بَدَأَ بذلك وَالَّذِي تقدم فِي كتاب الصُّلْح أَن مُعَاوِيَة هُوَ الَّذِي بعثهما فَيمكن الْجمع بِأَنَّهُمَا عرضا أَنفسهمَا فوافقهما، وَآخر الْأَمر وَقع الصُّلْح فَقيل: فِي سنة أَرْبَعِينَ، وَقيل: فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين، وَالأَصَح أَنه تمّ فِي هَذِه السّنة وَلِهَذَا كَانَ يُقَال لَهُ: عَام الْجَمَاعَة، لِاجْتِمَاع الْكَلِمَة فِيهِ على مُعَاوِيَة.

قَوْله: قَالَ الْحسن أَي: الْبَصْرِيّ وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمُتَقَدّم.
قَوْله: وَلَقَد سَمِعت أَبَا بكرَة هُوَ نفيع بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ، وَفِيه تَصْرِيح بِسَمَاع الْحسن عَن أبي بكرَة.
قَوْله: ابْني هَذَا أطلق الابْن على ابْن الْبِنْت.
قَوْله: وَلَعَلَّ الله اسْتعْمل: لَعَلَّ، اسْتِعْمَال عَسى لاشْتِرَاكهمَا فِي الرَّجَاء، وَالْأَشْهر فِي خبر لَعَلَّ بِغَيْر: أَن، كَقَوْلِه تَعَالَى: { ياأيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ وَاتَّقُواْ اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} قَوْله: فئتين زَاد عبد الله بن مُحَمَّد فِي رِوَايَته: عظيمتين، وَحَدِيث الْحسن هَذَا قد مضى فِي كتاب الصُّلْح بأتم مِنْهُ.

وَفِيه من الْفَوَائِد: علم من أَعْلَام النُّبُوَّة، ومنقبة لِلْحسنِ بن عَليّ لِأَنَّهُ ترك الْخلَافَة لَا لعِلَّة وَلَا لذلة وَلَا لقلَّة بل لحقن دِمَاء الْمُسلمين.
وَفِيه: ولَايَة الْمَفْضُول الْخلَافَة مَعَ وجود الْأَفْضَل لِأَن الْحسن وَمُعَاوِيَة ولي كل مِنْهُمَا الْخلَافَة، وَسعد بن أبي وَقاص وَسَعِيد بن زيد فِي الْحَيَاة، وهما بدريان، قَالَه ابْن التِّين.
وَفِيه: جَوَاز خلع الْخَلِيفَة نَفسه إِذا رأى فِي ذَلِك صلاحاً للْمُسلمين.
وَجَوَاز أَخذ المَال على ذَلِك وإعطائه بعد اسْتِيفَاء شَرَائِطه بِأَن يكون المنزول لَهُ أولى من النَّازِل، وَأَن يكون المبذول من مَال الْبَاذِل.





[ قــ :678 ... غــ :7110 ]
- حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ قَالَ: قَالَ عَمْرٌ و: أَخْبرنِي مُحَمَّدُ بنُ عَلِيَ أنَّ حَرْمَلَةَ مَوْلى أُسَامَةَ أخْبَرَهُ قَالَ عَمْرٌ و: وقَدْ رأيْتُ حَرْمَلَةَ قَالَ: أرْسَلَنِي أُسامَةُ إِلَى عَلِيَ.

     وَقَالَ : إنّهُ سَيَسَألُكَ الآنَ فَيَقُولُ مَا خَلَّفَ صاحِبَكَ؟ فقُلْ لهُ: يَقُولُ لَكَ: لَوْ كُنْتَ فِي شِدْقِ الأسَد لأحْبَبْتُ أنْ أكُونَ مَعَكَ فِيهِ، ولاكِنَّ هِذَا أمْرٌ لَمْ أرَهُ فَلَمْ يُعْطِني شَيْئاً، فَذَهَبْتُ إِلَى حَسَنٍ وحُسَيْنٍ وابنِ جَعْفَرٍ فأوْقَرُوا إِلَيّ راحِلَتِي.

مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: فَذَهَبت إِلَى حسن وحسين إِلَى آخِره.
فَإِن فِيهِ دلَالَة على غَايَة كرم الْحسن وسيادته لِأَن الْكَرِيم يصلح أَن يكون سيداً.

وَأخرجه عَن عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ أبي جَعْفَر الباقر عَن حَرْمَلَة مولى أُسَامَة بن زيد.

وَفِي هَذَا السَّنَد ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق عَمْرو وَأَبُو جَعْفَر وحرملة.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: أَرْسلنِي أُسَامَة إِلَى عَليّ أَي: من الْمَدِينَة إِلَى عَليّ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، وَلم يذكر مَضْمُون الرسَالَة، وَلَكِن قَوْله: فَلم يُعْطِنِي شَيْئا دلّ على أَنه كَانَ أرْسلهُ يسْأَل عليا شَيْئا من المَال.
قَوْله:.

     وَقَالَ : إِنَّه أَي:.

     وَقَالَ  أُسَامَة لحرملة: إِنَّه أَي: عليا سيسألك الْآن فَيَقُول: مَا خلف صَاحبك؟ أَي: مَا السَّبَب فِي تخلفه عَن مساعدتي.
قَوْله: فَقل لَهُ أَي لعَلي: يَقُول لَك أُسَامَة: لَو كنت فِي شدقه الْأسد لأحببت أَن أكون مَعَك فِيهِ أَي: فِي شدق الْأسد، وَهُوَ بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَيجوز فتحهَا وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وبالقاف، وَهُوَ جَانب الْفَم من دَاخل، وَلكُل فَم شدقان إِلَيْهِمَا يَنْتَهِي شدقه الْفَم، وَهَذَا الْكَلَام كِنَايَة عَن الْمُوَافقَة فِي حَالَة الْمَوْت لِأَن الَّذِي يفترسه الْأسد بِحَيْثُ يَجعله فِي شدقه فِي عداد من هلك.
قَوْله: وَلَكِن هَذَا أَمر لم أره يَعْنِي: قتال الْمُسلمين، وَكَانَ قد تخلف لأجل كَرَاهَته قتال الْمُسلمين، وَسَببه أَنه لما قتل مرداساً وعاتبه النَّبِي على ذَلِك قرر على نَفسه أَن لَا يُقَاتل مُسلما.
قَوْله: فَلم يُعْطِنِي شَيْئا هَذِه الْفَاء فَاء الفصيحة، وَالتَّقْدِير: فَذَهَبت إِلَى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فبلغته ذَلِك فَلم يُعْطِنِي شَيْئا.
قَوْله: فأوقروا إِلَيّ رَاحِلَتي أَي: حملُوا إِلَيّ على رَاحِلَتي مَا أطاقت حمله، وَلم يعين جنس مَا أَعْطوهُ وَلَا نَوعه، وَالرَّاحِلَة النَّاقة الَّتِي صلحت للرُّكُوب من الْإِبِل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، وَأكْثر مَا يُطلق الوقر بِكَسْر الْوَاو على مَا يحمل الْبَغْل وَالْحمار، وَأما حمل الْبَعِير فَيُقَال لَهُ: الوسق.