فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الشروط في النكاح

(بابُُ الشُروطِ فِي النِّكاحِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الشُّرُوط الَّتِي تشْتَرط فِي عقد النِّكَاح، وَهِي على أَنْوَاع: مِنْهَا: مَا يجب الْوَفَاء بِهِ كحسن الشعرة.
وَمِنْهَا: مَا لَا يلْزم كسؤال طَلَاق أُخْتهَا.
وَمِنْهَا: هُوَ مُخْتَلف فِيهِ مثل أَن لَا يتَزَوَّج عَلَيْهَا.

وَقَالَ عُمَرُ: مَقاطِعُ الحُقُوقِ عِنْدَ الشُّروطِ
هَذَا التَّعْلِيق قد مر فِي كتاب الشُّرُوط فِي: بابُُ مَا لَا يجوز من الشُّرُوط فِي النِّكَاح، وَفِيه زِيَادَة وَهِي قَوْله: وَلَك مَا شرطت وَأخرج هَذَا التَّعْلِيق أَبُو عبيد عَن ابْن عُيَيْنَة عَن يزِيد بن يزِيد بن جَابر عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ: شهِدت عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قضى فِي رجل شَرط لامْرَأَته دارها، فَقَالَ: لَهَا شَرطهَا.
فَقَالَ رجل: إِذا يطلقهَا؟ فَقَالَ: إِن مقاطع الْحُقُوق عِنْد الشُّرُوط، والمقاطع جمع مقطع، أَرَادَ أَن الْمَوَاضِع الَّتِي تقطع الْحُقُوق فِيهَا عِنْد وجود الشُّرُوط، وَأَرَادَ بِهِ الشُّرُوط الْوَاجِبَة فَإِنَّهَا يجب الْوَفَاء بهَا.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الرجل يتَزَوَّج الْمَرْأَة وَيشْتَرط لَهَا أَن لَا يُخرجهَا من دارها أَو لَا يتزوجا عَلَيْهَا أَو لَا يتسرى أَو نَحْو ذَلِك من الشُّرُوط الْمُبَاحَة على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه يلْزمه الْوَفَاء بذلك، ذكر عبد الرَّزَّاق وَابْن عبد الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رجلا شَرط لزوجته أَن لَا يُخرجهَا، فَقَالَ عمر: لَهَا شَرطهَا.
ثمَّ ذكرا عَنهُ مَا ذكره البُخَارِيّ،.

     وَقَالَ  عَمْرو بن الْعَاصِ: أرى أَن يَفِي لَهَا شُرُوطهَا، وَرُوِيَ مثلهَا عَن طَاوُوس وَجَابِر بن زيد، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَحَكَاهُ ابْن التِّين عَن ابْن مَسْعُود وَالزهْرِيّ، وَاسْتَحْسنهُ بعض الْمُتَأَخِّرين.
وَالثَّانِي: أَن يُؤمر الزَّوْج بتقوى الله وَالْوَفَاء بِالشُّرُوطِ وَلَا يحكم عَلَيْهِ بذلك حكما، فَإِن أَبى إلاَّ الْخُرُوج لَهَا كَانَ أَحَق النَّاس بأَهْله إِلَيْهِ ذهب عَطاء وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَرَبِيعَة وَأَبُو الزِّنَاد وَقَتَادَة، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ،.

     وَقَالَ  عَطاء: إِذا شرطت أَنَّك لَا تنْكح وَلَا تتسري وَلَا تذْهب وَلَا تخرج بهَا، بهَا بَطل الشَّرْط إِذا نَكَحَهَا.
فَإِن قلت: رُوِيَ ابْن وهب عَن اللَّيْث عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن كثير بن فرقد عَن ابْن السباق: أَن رجلا تزوج امْرَأَة على عهد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَشرط لَهَا أَن لَا يُخرجهَا من دارها.
فَوضع عَنهُ عمر بن الْخطاب الشَّرْط،.

     وَقَالَ : الْمَرْأَة مَعَ زَوجهَا.
زَاد أَبُو عبيد: وَلم يلْزمهَا الشَّرْط، وَعَن عَليّ مثله،.

     وَقَالَ : شَرط الله قبل شروطهم.
قلت: قَالَ أَبُو عبيد: تضادت الرِّوَايَة عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَاخْتلف فِيهِ التابعون فَمن بعدهمْ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: نَأْخُذ بالْقَوْل الأول ونرى أَن لَهَا شَرطهَا.
.

     وَقَالَ  اللَّيْث بالْقَوْل الآخر وَوَافَقَهُ مَالك وسُفْيَان بن سعيد.

وَقَالَ المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَكَرَ صِهْرَا لهُ فأثْنَى علَيْهِ فِي مُصاهَرَتِهِ فأحْسَنَ، قَالَ: حدّثني فَصَدَقَنِي ووَعَدَنِي فَوَقانِي
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثنى على صهره لأجل وفائه بِمَا شَرط لَهُ.

والمسور، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: ابْن مخرمَة، بِفَتْح الميمين وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء: ابْن نَوْفَل الْقرشِي الزُّهْرِيّ أَبُو عبد الرَّحْمَن، ولد بِمَكَّة بعد الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ وَقدم بِهِ الْمَدِينَة فِي عقب ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان، وَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعمره ثَمَان سِنِين، وَسمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحفظ عَنهُ وَبَقِي فِي الْمَدِينَة إِلَى أَن قتل عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ انحدر إِلَى مَكَّة فَلم يزل بهَا حَتَّى قدم الْحصين بن نمير مَكَّة لقِتَال ابْن الزبير وحاصر مَكَّة، وَفِي محاصرته أهل مَكَّة أَصَابَهُ حجر من حِجَارَة المنجنيق وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْحجر، فَقتله، وَذَلِكَ فِي ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ، وَصلى عَلَيْهِ ابْن الزبير بالحجون.

وَمر هَذَا التَّعْلِيق فِي المناقب فِي: بابُُ ذكر أَصْهَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع، وَأخرجه هُنَاكَ مطولا عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ.
وَمر الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: (ذكر صهرا لَهُ) هُوَ أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع بن عبد الْعُزَّى بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصى الْقرشِي العبشمي صهر رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، زوج ابْنَته زَيْنَب أكبر بَنَاته، وَاخْتلف فِي اسْمه فَقيل: لَقِيط، وَقيل: مهشم، وَقيل: هشيم: وَالْأَكْثَر: لَقِيط، وَأمه هَالة بنت خويلد بن أَسد أُخْت خَدِيجَة لأَبِيهَا وَأمّهَا، وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ فِيمَن شهد بَدْرًا مَعَ كفار قُرَيْش وَأسر يَوْم بدر مَعَ من أسر، فَلَمَّا بعث أهل مَكَّة فِي فدَاء أساراهم قدم فِي فدائه أَخُوهُ عَمْرو بن الرّبيع بِمَال دَفعته زَيْنَب بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وقصته مَشْهُورَة، وَكَانَ مواخيا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصافيا، وَكَانَ أَبى أَن يُطلق زَيْنَب إِذْ مَشى إِلَيْهِ مشركو قُرَيْش فِي ذَلِك فَشكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصاهرته وَأثْنى عَلَيْهِ بذلك خيرا، وَهَاجَرت زَيْنَب مسلمة وَتركته على شركَة، ثمَّ بعد ذَلِك جرى عَلَيْهِ مَا جرى حَتَّى أسلم بعد قدومه على النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ورد رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ابْنَته إِلَيْهِ.
وَاخْتلف: هَل ردهَا بعقدجديد أَو على عقده الأول؟ وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَي عشرَة.
قَوْله: (فَأحْسن) أَي: فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ.
قَوْله: (فصدقني) من صدق الحَدِيث بتَخْفِيف الدَّال، وَيُقَال أَيْضا: صدق فِي الحَدِيث، من الصدْق خلاف الْكَذِب، وصدقني بتَشْديد الدَّال الَّذِي يصدقك فِي حَدِيثك.
قَوْله: (فوفاني) من وفى الشَّيْء وأوفى ووفّى بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنى،، ووفى الشَّيْء إِذا تمّ، وأصل الْوَفَاء التَّمام، ويروي: فوفى لي.



[ قــ :4873 ... غــ :5151 ]
- حدَّثنا أَبُو الولِيد هِشامُ بنُ عبْدِ المَلِك حَدثنَا لَ يْثٌ عنْ يَزِيدَ بنِ أبي حبِيب عنْ أبي الخَيْر عنْ عُقْبَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أحَقُّ ماأ وفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ أنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ.

(انْظُر الحَدِيث 1272) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ وَهُوَ وُقُوع الشَّرْط فِي النِّكَاح.

وَلَيْث هُوَ اللَّيْث بن سعد، وَفِي أَكثر النّسخ اللَّيْث، بِالْألف وَاللَّام، وَيزِيد بن أبي حبيب أبي رَجَاء الْمصْرِيّ، وَاسم أبي حبيب سُوَيْد، وَأَبُو الْخَيْر مرْثَد عبد الله الْيَزنِي، وَعقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشُّرُوط فِي: بابُُ الشُّرُوط فِي الْمهْر عِنْد عقدَة النِّكَاح، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: (أَحَق مَا أوفيتم من الشُّرُوط) أَحَق، مُبْتَدأ مُضَاف وَخَبره قَوْله: (أَن توفوا) و: أَن مَصْدَرِيَّة أَي: بِأَن توفوا أَي: بإيفاء مَا استحللتم أَي بِالشّرطِ.
قَوْله: (الْفروج) بِالنّصب مفعول: استحللتم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: إِن أَحَق الشُّرُوط أَن يُوفي بِهِ) ، وَحَاصِل الْمَعْنى: أَحَق الشُّرُوط بِالْوَفَاءِ شُرُوط النِّكَاح، لِأَن امْرَأَة أحوط وبابُه أضيق.
وَفِي التَّوْضِيح: معنى أَحَق الشُّرُوط إِلَى آخِره، يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ الْمَشْهُور الَّذِي أجمع أهل الْعلم عَلَيْهِ، على أَن على الزَّوْج الْوَفَاء بهَا يحْتَمل أَن يكون مَا شَرط على الناكح فِي عقدَة النِّكَاح مِمَّا أَمر الله تَعَالَى بِهِ من إِمْسَاكه بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان، فَإِذا احْتمل الحَدِيث مَعَاني كَانَ مَا وَافق الْكتاب وَالسّنة أولى، وَقد أبطل الشَّارِع كل شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله.
.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: قَوْله: أَحَق الشُّرُوط، هَل المُرَاد بِهِ أَحَق الْحُقُوق اللَّازِمَة أَو هُوَ من بابُُ الأولويه؟ قَالَ صَاحب الْإِكْمَال: أَحَق هُنَا بِمَعْنى أولى لَا بِمَعْنى الْإِلْزَام عِنْد كَافَّة الْعلمَاء.
قَالَ: وَحمله بَعضهم على الْوُجُوب،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: فَإِن كَانَ فِي هَذِه الشُّرُوط مَا لَيْسَ بِطَلَاق أَو عتق وَجب ذَلِك عَلَيْهِ وَلَزِمَه عِنْد مَالك والكوفيين، عِنْد كل من يرى الطَّلَاق قبل النِّكَاح بِشَرْط الطَّلَاق لَازِما، وَكَذَلِكَ الْعتْق، وَهُوَ قَول عَطاء وَالنَّخَعِيّ وَالْجُمْهُور.
قَالَ النَّخعِيّ: كل شَرط فِي النِّكَاح فَالنِّكَاح يهدمه إلاَّ الطَّلَاق وَلَا يلْزمه شَيْء من هَذِه الْأَيْمَان عِنْد الشَّافِعِي لِأَنَّهُ لَا يرى الطَّلَاق قبل النِّكَاح لَازِما وَلَا الْعتْق قبل الْملك، وَاسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَنه إِذا شَرط الْوَلِيّ لنَفسِهِ شَيْئا غير الصَدَاق أَنه يجب على الزَّوْج الْقيام بِهِ، لِأَنَّهُ من الشُّرُوط الَّتِي اسْتحلَّ بِهِ فرج الْمَنْكُوحَة.

لَكِن اخْتلف الْعلمَاء: هَل يكون ذَلِك للْوَلِيّ أَو للْمَرْأَة؟ فَذهب عَطاء وَطَاوُس وَالزهْرِيّ إِلَى أَنه للْمَرْأَة، وَبِه قضى عمر بن عبد الْعَزِيز، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأبي عبيد.
وَذهب عَليّ بن الْحسن ومسروق إِلَى أَنه للْوَلِيّ.
.

     وَقَالَ  عِكْرِمَة: إِن كَانَ الَّذِي هُوَ ينْكح فَهُوَ لَهُ، وَخص بَعضهم ذَلِك بِالْأَبِ، حَكَاهُ صَاحب الْمُفْهم فَقَالَ: وَقيل: هَذَا مَقْصُور على الْأَب خَاصَّة لتبسطه فِي مَال الْوَلَد، وَذهب سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير إِلَى التَّفْرِقَة بَين أَن يشْتَرط ذَلِك قبل عقدَة النِّكَاح أَو بعْدهَا، فَقَالَا: أَيّمَا امْرَأَة نكحت على صدَاق أَو عدَّة لأَهْلهَا، فَإِن كَانَ قبل عصمَة النِّكَاح فَهُوَ لَهَا، وَمَا كَانَ من حباء أَهلهَا فَهُوَ لَهُم.
.

     وَقَالَ  مَالك: إِن كَانَ هَذَا الِاشْتِرَاط فِي حَال العقد فَهُوَ للْمَرْأَة، وَإِن كَانَ بعده فَهُوَ لمن وهب لَهُ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، فِي الْقَدِيم، وَنَصّ عَلَيْهِ الْإِمْلَاء،.

     وَقَالَ  فِي كتاب الصَدَاق: الصَدَاق فَاسد، وَلها مهر مثلهَا.
وَهَذَا الَّذِي صَححهُ أَصْحَاب الشَّافِعِي.

وَقَالَ الرَّافِعِيّ: الظَّاهِر من الْخلاف القَوْل بِالْفَسَادِ وَوُجُوب مهر الْمثل،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: إِنَّه الْمَذْهَب.