فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الهدية للعروس

( بابُُ الهَدِيّةِ لِلْعَرُوسِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إهداء الْهَدِيَّة للعروس صَبِيحَة لَيْلَة الدُّخُول.



[ قــ :4885 ... غــ :5163 ]
- وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: عنْ أبي عُثْمانَ واسْمُهُ الجَعْدُ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: مَرَّ بِنَا فِي مَسْجَدِ بَنْي رفاعَةَ فَسمِعْتُهُ يَقُولُ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إذَا مَرَّ بِجَنَباتِ أُمِّ سُلَيْمٍ دخلَ عَليْها فَسَلَّمَ علَيْها، ثُمَّ قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَرُوسا بِزَيْنَبَ فقالَتْ لي أمُّ سلَيْمٍ: لَوْ أهْدَيْنا لِرَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَدِيَّةً؟ فَقُلْتُ لَهَا: إفْعَلِي، فَعَمَدَتْ إِلَيّ تَمْرٍ وسَمْنٍ وأقِطٍ فاتَّخَذَتْ حَيْسَةً فِي بُرْمَةٍ فأرْسلَتْ بِها مَعِي إلَيْهِ، فانْطَلقْتُ بِها إلَيْهِ فَقَالَ لي: ضَعْهَا، ثُمَّ أمَرَنِي فَقَالَ: ادْعُ لي رِجالاً سَمَّاهُمْ وادْعُ لي مَنْ لَقِيتَ، قَالَ: فَفَعَلْتُ الَّذِي أمَرَنِي فَرَجَعْتُ فإِذَا البَيْتُ غاصٌّ بأهْلِهِ، فَرأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وضَعَ يَدَيْهِ علَى تِلْكَ الحَيْسَةِ وتَكَلَّم بِها مَا شاءَ الله، ثُمَّ جعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يأكُلُونَ مِنْهُ، ويَقُولُ لهُمْ: اذْكُرُوا اسْمَ الله ولْيَأْكُلْ كلُّ رجُلٍ مِمَّا يَليهِ، قَالَ: حتَّى تَصَدَّعُوا كُلُّهُمْ عَنْها، فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ وبَقِيَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ، قَالَ: وجَعَلْتُ أغْتَمَّ، ثُمَّ خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحْو الحُجُرَاتِ وخَرَجْتُ فِي إثْرِهِ فَقُلْتُ: إنَّهُمْ قَدْ ذَهِبُوا فَرَجَعَ فَدَخَلَ البَيْتَ وأرْخَى السِّتْرَ وإنِّي لَفِي الحُجْرَةِ، وهْوَ يَقُولُ: { ( 33) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا.
تدْخلُوا بيُوت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَن يُؤذن لكم إِلَّا طَعَام غير ناظرين إناه، وَلَكِن إِذا دعيتم فأدخلوا فَإِذا ذعمتم فَانْتَشرُوا.
وَلَا مستأنسين لحَدِيث إِن ذَلِكُم كَانَ يُؤْذِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيستحي مِنْكُم وَالله لَا يستحي من الْحق}
.

قَالَ أبُو عُثْمانَ: قَالَ أنَسٌ: إنَّهُ خَدَمَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشْرَ سِنِينَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لَو أهدينا) إِلَى قَوْله: ( فَانْطَلَقت بهَا إِلَيْهِ) .

وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن طهْمَان، بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْهَاء: الْهَرَوِيّ أَبُو سعيد، سكن نيسابور ثمَّ سكن مَكَّة، مَاتَ سنة سِتِّينَ وَمِائَة، وَأَبُو عُثْمَان اسْمه الْجَعْد، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة: ابْن دِينَار الْيَشْكُرِي الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي.

كَذَا ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث مُعَلّقا غير مُتَّصِل، وَوَصله مرّة بقوله: حَدثنَا الصَّلْت بن مُحَمَّد حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن الْجَعْد أبي عُثْمَان وَعَن هِشَام عَن مُحَمَّد وَسنَان بن ربيعَة عَن أنس.
وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن قُتَيْبَة عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان عَن الْجَعْد وَعَن غَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة بِإِسْنَادِهِ نَحوه.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النِّكَاح والوليمة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى،.

     وَقَالَ  صَاحب التَّلْوِيح: وَالتَّعْلِيق عَن إِبْرَاهِيم رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن حَفْص بن عبد الله عَن أَبِيه عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن أبي عُثْمَان بِهِ،.

     وَقَالَ  بعض من لقيناه من الشُّرَّاح: زعم أَن النَّسَائِيّ أخرجه عَن أَحْمد بن حَفْص بن عبد الله بن رَاشد عَن أَبِيه عَنهُ، وَلم أَقف على ذَلِك.
قلت: إِن كَانَ مُرَاده بقوله: من لقيناه من الشُّرَّاح، صَاحب التَّلْوِيح فَإِنَّهُ لم يلقه لِأَنَّهُ مَاتَ فِي سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَهُوَ فِي ذَلِك الْوَقْت لم يكن مولودا، وَإِن كَانَ مُرَاده صَاحب التَّوْضِيح فَهُوَ تبع فِي ذَلِك شَيْخه صَاحب التَّلْوِيح وَإِن كَانَ مُرَاده الْكرْمَانِي، وَهُوَ لم يدْخل الديار المصرية أصلا وَلَا هَذَا الْقَائِل رَحل إِلَى تِلْكَ الْبِلَاد، وَمَعَ هَذَا لم يذكر الْكرْمَانِي ذَلِك.
وَقَوله: لم أَقف على ذَلِك، لَا يسْتَلْزم نفي وقُوف غَيره.

قَوْله: ( قَالَ: مر بِنَا) أَي قَالَ أَبُو عُثْمَان الْجَعْد: ( مر بِنَا أنس فِي مَسْجِد بني رِفَاعَة) بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء وبالعين الْمُهْملَة، وَبَنُو رِفَاعَة بن الْحَرْث بن بهثة بن سليم، قَبيلَة نزلُوا الْكُوفَة وَالْبَصْرَة وبنوا مَسَاجِد وَغَيرهَا، وَالْمرَاد بِمَسْجِد بني رِفَاعَة هُنَا الْمَسْجِد الَّذِي بنوه ببصرة.
قَوْله: ( فَسَمعته يَقُول) أَي: فَسمِعت أنسا يَقُول: قَوْله: ( بجنبات أم سليم) وَهِي جمع جنبة بِالْجِيم وَالنُّون وَهِي النَّاحِيَة، وَيُقَال: يحْتَمل أَن يكون مأخوذا من الجناب وَهُوَ الفناء، فَكَأَنَّهُ يَقُول: إِذا مر بفنائها، وَأم سليم بِضَم السِّين وَهِي أم أنس بن مَالك، وَهِي بنت ملْحَان بن خَالِد.
وَاخْتلف فِي اسْمهَا، فَقيل: سهلة، وَقيل: رميلة، وَقيل: رمية، وَقيل: غير ذَلِك.
قَوْله: ( عروسا بِزَيْنَب) وَقد مر غير مرّة أَن الْعَرُوس يَشْمَل الذّكر وَالْأُنْثَى، وَزَيْنَب بنت جحش الأَسدِية أم الْمُؤمنِينَ، تزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة ثَلَاث، قَالَه خَليفَة،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: سنة خمس وَكَانَت قبله عِنْد زيد بن حَارِثَة مولى رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، مَاتَت سنة عشْرين من الْهِجْرَة، وَصلى عَلَيْهَا عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( حيسة) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة، وَهُوَ الطَّعَام الْمُتَّخذ من التَّمْر والأقط وَالسمن، وَيدخل عوض الأقط الدَّقِيق أَو الفتيت.
قَوْله: ( فِي برمة) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: البرمة الْقدر مُطلقًا، وَهِي فِي الأَصْل المتخذة من الْحجر الْمَعْرُوف بالحجاز واليمن.
قَوْله: ( فَأرْسلت بهَا معي إِلَيْهِ) أَي: أرْسلت أم سليم بالهدية معي إِلَى رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فَإِذا الْبَيْت) كلمة: إِذا، للمفاجأة وَالْبَيْت مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، ( وغاص) خَبره، أَي: ممتلىء، ومادته: غين مُعْجمَة وصاد مُهْملَة، وَأَصله من: غصصت بِالْمَاءِ أغص غصصا فَأَنا غاص وغصان إِذا امْتَلَأَ حلقك بِالْمَاءِ وشرقت بِهِ.
قَوْله: ( حَتَّى تصدعوا) أَي: حَتَّى تفَرقُوا.
قَوْله: ( وَبَقِي نفر) النَّفر من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، وَفِي رِوَايَة أَنهم ثَلَاثَة، وَفِي أُخْرَى وَفِي التِّرْمِذِيّ: وَجلسَ طوائف يتحدثون فِي بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: ( أغتم) ، من الاغتمام بالغين الْمُعْجَمَة أَي: أَحْزَن من عدم خُرُوجهمْ، وَتَفْسِير الْآيَة قد مر فِي سُورَة الْأَحْزَاب.
قَوْله: ( غير ناظرين أناه) أَي: إِدْرَاكه ونضجه، وَفِيه التفاف، وَمَات رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ ابْن عشْرين سنة وَمَات أنس سنة ثَلَاث أَو اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين، وَقد نَيف على الْمِائَة بِزِيَادَة سنتَيْن أَو ثَلَاث.

وَفِيه فَوَائِد: الأولى: كَونه أصلا فِي هَدِيَّة الْعَرُوس.
وَكَانَ الإهداء، قَدِيما فأقرها الْإِسْلَام.
الثَّانِيَة: كَونهَا قَليلَة فالمودة إِذا صحت سقط التَّكَلُّف فحال أم سليم كَانَ أقل.
الثَّالِثَة: اتِّخَاذ الْوَلِيمَة فِي الْعرس قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ بعد الدُّخُول،.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: كَانَ دُخُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد هَذِه الْوَلِيمَة.
الرَّابِعَة: دُعَاء النَّاس إِلَى الْوَلِيمَة بِغَيْر تَسْمِيَة وَلَا تكلّف وَهِي السّنة.
الْخَامِسَة: فِيهِ معْجزَة عظمى دعى الْجمع الْكثير إِلَى شَيْء قَلِيل، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: أَنهم كَانُوا زهاء ثَلَاثمِائَة.
السَّادِس: لطفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحياؤه الغريز حَيْثُ كَانَ يدْخل وَيخرج وَلَا يَقُول لمن كَانَ جَالِسا: أخرج.
السَّابِعَة: فِيهِ الصَّبْر على أَذَى الصّديق الثَّامِنَة من سنة الْعرس إِذا فضل عِنْده طَعَام أَن يَدْعُو لَهُ من خف عَلَيْهِ من إخوانه، فَيكون زِيَادَة إعلان بِالنِّكَاحِ.
التَّاسِعَة: فِيهِ التَّسْمِيَة على الْأكل.
الْعَاشِرَة: السّنة الْأكل مِمَّا يَلِيهِ.