فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: هل يخص شيئا من الأيام

( بابٌُ هَلْ يَخُصُّ شَيْئا مِن الأيَّام)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: هَل يخص الشَّخْص الَّذِي يُرِيد الصَّوْم شَيْئا من الْأَيَّام.
وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: هَل يخص شَيْء، على صِيغَة بِنَاء الْمَجْهُول، وَإِنَّمَا لم يذكر جَوَاب الِاسْتِفْهَام الَّذِي هُوَ الحكم لِأَن ظَاهر حَدِيث الْبابُُ يدل على عدم التَّخْصِيص، وَجَاء عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، مَا يَقْتَضِي نفي المداومة، وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق أبي سَلمَة، وَمن طَرِيق عبد الله بن شَقِيق جَمِيعًا، ( عَن عَائِشَة أَنَّهَا سُئِلت عَن صِيَام رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَت: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَصُوم حَتَّى نقُول قد صَامَ قد صَامَ، وَيفْطر حَتَّى تَقول قد أفطر قد أفطر) .
فلأجل هَذَا ذكر التَّرْجَمَة بالاستفهام، ولينظر فِيهِ إِمَّا بالترجيح أَو بِالْجمعِ بَينهمَا.



[ قــ :1907 ... غــ :1987 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يحْيَى عنْ سُفْيانَ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَة.

قُلْتُ لِ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا هَلْ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْتَصُّ مِنَ الأيَّامِ شَيْئا قالَتْ لاَ كانَ عَمَلُهُ دِيمَةً وأيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُطِيقُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ جَوَابا للاستفهام الْمَذْكُور فِيهَا، وَهُوَ أَنه لَا يخص شَيْئا من الْأَيَّام، وإيراد هَذَا الحَدِيث بِهَذِهِ التَّرْجَمَة يدل على أَن ترك التَّخْصِيص هُوَ الْمُرَجح عِنْده، وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وابراهيم هُوَ النَّخعِيّ، وعلقمة هُوَ ابْن قيس النَّخعِيّ، وَهُوَ خَال إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور وَعم الْأسود بن زيد.
وَهَذَا الْإِسْنَاد مِمَّا يعد من أصح الْأَسَانِيد، ومسدد وَيحيى بصريان والبقية كوفيون.
وَفِيه: رِوَايَة الرَّاوِي عَن خَاله.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم أَيْضا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَزُهَيْر بن حَرْب، كِلَاهُمَا عَن جوَيْرِية.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن عُثْمَان بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي ( الشَّمَائِل) عَن الْحُسَيْن بن حُرَيْث عَن جوَيْرِية بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( هَل كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يخْتَص من الْأَيَّام شَيْئا؟ قَالَت: لَا) مَعْنَاهُ أَنه كَانَ لَا يخص شَيْئا من الْأَيَّام دَائِما، وَلَا راتبا إلاَّ أَنه كَانَ أَكثر صِيَامه فِي شعْبَان، وَقد حض على صَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس، لَكِن كَانَ صَوْمه على حسب نشاطه، فَرُبمَا وَافق الْأَيَّام الَّتِي رغب فِيهَا، وَرُبمَا لم يُوَافِقهَا، وَفِي أَفْرَاد مُسلم: ( عَن معَاذَة العدوية أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة: أَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصُوم من كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام؟ قَالَت: نعم، فَقلت لَهَا: من أَي أَيَّام الشَّهْر كَانَ يَصُوم؟ قَالَت: لم يكن يُبَالِي من أَي أَيَّام الشَّهْر يَصُوم) .
وَنقل ابْن التِّين عَن بعض أهل الْعلم أَنه يكره أَن يتحَرَّى يَوْمًا من الْأُسْبُوع بصيام لهَذَا الحَدِيث.
قَوْله: ( يخْتَص) من بابُُ الافتعال، وَفِي رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور فِي الرقَاق: ( يخص) ، بِغَيْر تَاء مثناة من فَوق.
قَوْله: ( دِيمَة) بِكَسْر الدَّال وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، أَي: دَائِما لَا يَنْقَطِع، وَمن ذَلِك قيل للمطر الَّذِي يَدُوم وَلَا يَنْقَطِع أَيَّامًا: الديمة.