فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من لم يواجه الناس بالعتاب

( بابُُ مَنْ لَمْ يُواجِهِ النَّاسَ بالْعِتابِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من لم يواجه النَّاس بالعتاب حَيَاء مِنْهُم.



[ قــ :5772 ... غــ :6101 ]
- حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْص حدّثنا أبي حدّثنا الأعْمَشُ حَدثنَا مُسْلمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ، قالَتْ عائِشَةُ: صَنَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئاً فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذالِكَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَطَبَ فَحَمِدَ الله ثُمَّ قَالَ: مَا بالُ أقْوامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أصْنَعُهُ؟ فوَاللَّه إنِّي لأعْلَمُهُمْ بِاللَّه وأشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً.
( انْظُر الحَدِيث 6101 طرفه فِي: 7301) .


وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة هِيَ أَن التَّرْجَمَة فِي عدم مُوَاجهَة النَّاس بالعتاب، وَكَذَلِكَ الحَدِيث فِي عتاب قوم من غير مواجهتهم.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: إِنَّمَا كَانَ لَا يواجه النَّاس بالعتاب إِذا كَانَ فِي خَاصَّة نَفسه: كالصبر على جهل الْجُهَّال وجفاء الْأَعْرَاب، أَلا يُرى أَنه ترك الَّذِي جبذ الْبردَة من عُنُقه حَتَّى أثرت جبذته فِيهِ؟ وَأما إِذا انتهكت من الدّين حُرْمَة فَإِنَّهُ لَا يتْرك العتاب عَلَيْهَا والتقريع فِيهَا، ويصدع بِالْحَقِّ فِيمَا يجب على منتهكها ويقتص مِنْهُ.

وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش، وَمُسلم على صِيغَة إسم الْفَاعِل من أسلم قَالَ بَعضهم: هُوَ ابْن صبيح أَبُو الضُّحَى، وَوهم من زعم أَنه ابْن عمرَان البطين.
قلت: غمز بذلك على الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ لم يجْزم بِأَنَّهُ مُسلم بن عمرَان البطين، بل قَالَ: مُسلم، إِمَّا مُسلم بن عمرَان البطين، وَإِمَّا مُسلم بن صبيح مصغر صبح وَكِلَاهُمَا بِشَرْط البُخَارِيّ يرويان عَن مَسْرُوق وَالْأَعْمَش يروي عَنْهُمَا، وَابْن عمرَان يُقَال لَهُ ابْن أبي عمرَان وَابْن أبي عبد الله.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن عمر بن حَفْص.
وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَآخَرين.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن بنْدَار.

قَوْله: ( صنع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا) لم يعلم مَا هُوَ.
قَوْله: ( فَرخص فِيهِ) من الترخيص وَهُوَ خلاف التَّشْدِيد يَعْنِي: سهّل فِيهِ من غير منع.
قَوْله: ( فتنزه عَنهُ قوم) يَعْنِي: احترزوا عَنهُ وَلم يقربُوا إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فكأنهم كرهوه وتنزهوا عَنهُ.
قَوْله: ( فَبلغ ذَلِك) أَي تنزههم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا بَال قوم يتنزهون؟ أَي: يحترزون، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَغَضب حَتَّى بَان الْغَضَب فِي وَجهه.
قَوْله: عَن الشَّيْء أصنعه، وَفِي رِوَايَة جرير: بَلغهُمْ عني أَمر ترخصت فِيهِ فكرهوه وتنزهوا عَنهُ، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة يرغبون عَمَّا رخصت فِيهِ.
قَوْله: إِنِّي لأعلمهم إِشَارَة إِلَى الْقُوَّة العلمية.
قَوْله: وأشدهم لَهُ خشيَة إِشَارَة إِلَى الْقُوَّة العملية.

وَفِيه: الْحَث على الِاقْتِدَاء بِهِ وَالنَّهْي عَن التعمق وذم التَّنَزُّه عَن الْمُبَاح.





[ قــ :5773 ... غــ :610 ]
- حدَّثنا عَبْدانُ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتادَةَ سَمِعْتُ عَبْد الله هُوَ ابنُ أبي عُتْبَةَ مَوْلَى أنَسٍ عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أشَدَّ حَياءٍ مِنَ العذْراءِ فِي خِدْرِها، فَإِذا رأى شَيْئاً يَكْرَهُهُ عَرَفْناهُ فِي وَجْهِهِ.
( انْظُر الحَدِيث 356 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لشدَّة خيائه لَا يُعَاقب أحدا فِي وَجهه، وَإِذا رأى شَيْئا يكرههُ يعرف فِي وَجهه، وَإِذا عَاتب لَا يعين أحدا مِمَّن فعله بل كَانَ عتابه بِالْعُمُومِ، وَهُوَ من بابُُ الرِّفْق لأمته والستر عَلَيْهِم.

وعبدان هُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَعبد الله بن أبي عتبَة بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق مولى أنس ين مَالك الْبَصْرِيّ، وَأَبُو سعيد اسْمه سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مُسَدّد وَغَيره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( من الْعَذْرَاء) ، هِيَ: الْبكر لِأَن عذرتها بافية، وَهِي جلدَة الْبكارَة والخدر ستر يَجْعَل للبكر فِي جنب الْبَيْت.

وَفِيه: أَن للشَّخْص أَن يحكم بِالدَّلِيلِ، لأَنهم عرفُوا كَرَاهَته للشَّيْء بِتَغَيُّر وَجهه كَمَا كَانُوا يعْرفُونَ قِرَاءَته فِي الصَّلَاة السّريَّة باضطراب لحيته.