فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: لا يعذب بعذاب الله

( بابٌُ لَا يُعَذَّبُ بِعَذَابِ الله)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: لَا يعذب بِعَذَاب الله، وَلَا يعذب: على صِيغَة الْمَجْهُول.



[ قــ :2882 ... غــ :3016 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ بُكَيْرٍ عنْ سُلَيْمانَ بنِ يَسارٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّهُ قَالَ بَعَثَنَا رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَعْثٍ فَقال إنْ وَجَدْتُم فُلانَاً وفُلاناً فأحْرِقُوهُما بالنَّارِ ثُمَّ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ أرَدْنَا الخُرُوجَ إنِّي أمَرْتُكُمْ أنْ تُحَرِّقُوا فُلاناً وفُلاناً وإنَّ النَّارَ لاَ يُعَذَّبُ بِهَا إلاَّ الله فإنْ وَجَدْتُمُوهَا فاقْتُلُوهُما.

( الحَدِيث 4592 طرفه فِي: 5103) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَإِن النَّار لَا يعذب بهَا إِلَّا الله) ، وَبُكَيْر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عبد الله بن الْأَشَج.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب الْجِهَاد مُعَلّقا فِي: بابُُ التوديع،.

     وَقَالَ  ابْن وهب: أَخْبرنِي عَمْرو عَن بكير عَن سُلَيْمَان ابْن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة ... الحَدِيث، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: ( حَدثنَا اللَّيْث عَن بكير) وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن هِشَام عَن الْقَاسِم: عَن اللَّيْث حَدثنِي بكير بن عبد الله الْأَشَج، فَأفَاد شَيْئَيْنِ: {أَحدهمَا: التَّصْرِيح بِالتَّحْدِيثِ، وَالْآخر: نِسْبَة بكير.
قَوْله: ( عَن أبي هُرَيْرَة) كَذَا فِي جَمِيع الطّرق عَن اللَّيْث لَيْسَ بَين سُلَيْمَان بن يسَار وَأبي هُرَيْرَة فِيهِ أحد، وَكَذَلِكَ أخرجه النَّسَائِيّ من طَرِيق عَمْرو ابْن الْحَارِث وَغَيره عَن بكير، وَخَالفهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق فَرَوَاهُ فِي ( السِّيرَة) : عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن بكير، فَأدْخل بَين سُلَيْمَان ابْن يسَار وَأبي هُرَيْرَة: أخبرنَا إِسْحَاق الدوسي، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَن ابْن أبي شيبَة سَمَّاهُ: إِبْرَاهِيم.





[ قــ :883 ... غــ :3017 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ أيُّوبَ عنْ عِكْرِمَةَ أنَّ علِيَّاً رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَرَّقَ قَوْماً فبَلَغَ ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنا لَمْ أُحَرَّقْهُمْ لأِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ تُعَذَّبُوا بِعَذَابِ الله ولَقَتَلْتُهُمْ كَما قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ بَدَّلَ دِينَهُ فاقْتُلُوهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لَا تعذبوا بِعَذَاب الله) .
وعَلى بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَعِكْرِمَة هُوَ مولى ابْن عَبَّاس.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحُدُود عَن أَحْمد بن حَنْبَل.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله المَخْزُومِي وَعَن عمرَان بن مُوسَى وَعَن مَحْمُود بن غيلَان.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْحُدُود عَن مُحَمَّد ابْن الصَّباح.

قَوْله: ( إِن عليا حرق قوما) وَفِي رِوَايَة الْحميدِي أَن عليا أحرق الْمُرْتَدين، يَعْنِي: الزَّنَادِقَة.
وَفِي رِوَايَة ابْن أبي عمر وَعمر ابْن عباد جَمِيعًا عَن سُفْيَان.
قَالَ: رَأَيْت عَمْرو بن دِينَار وَأَيوب وعمار الدهني اجْتَمعُوا فتذاكروا الَّذين أحرقهم عَليّ، فَقَالَ أَيُّوب: فَذكر الحَدِيث، قَالَ: فَقَالَ عمار: لم يحرقهم وَلَكِن حفر لَهُم حفائر وَحرق بَعْضهَا إِلَى بعض ثمَّ دخن عَلَيْهِم،.

     وَقَالَ  عَمْرو بن دِينَار: أَرَادَ بذلك الرَّد على عمار الدهني فِي إِنْكَاره أصل التحريق،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: لَيْسَ نَهْيه عَن التحريق على التَّحْرِيم، وَإِنَّمَا هُوَ على سَبِيل التَّوَاضُع، وَالدَّلِيل على أَنه لَيْسَ بِحرَام سمل الشَّارِع أعين الرُّعَاة بالنَّار، وتحريق الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
الْفُجَاءَة بالنَّار فِي مصلى الْمَدِينَة بِحَضْرَة الصَّحَابَة، وتحريق عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْخَوَارِج بالنَّار، وَأكْثر عُلَمَاء الْمَدِينَة يجيزون تحريق الْحُصُون على أَهلهَا بالنَّار، وَقَول أَكْثَرهم بتحريق المراكب، وَهَذَا كُله يدل على أَن معنى الحَدِيث على النّدب، وَمِمَّنْ كره رمي أهل الشّرك بالنَّار: عَمْرو بن عَبَّاس وَابْن عبد الْعَزِيز، وَهُوَ قَول مَالك، وَأَجَازَهُ عَليّ، وَحرق خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نَاسا من أهل الرِّدَّة، فَقَالَ عمر للصديق: إنزع هَذَا الَّذِي يعذب بِعَذَاب الله، فَقَالَ الصّديق: لَا أنزع سَيْفا سَله الله على الْمُشْركين، وَأَجَازَ الثَّوْريّ رمي الْحُصُون بالنَّار.
.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ: لَا بَأْس أَن يدخن عَلَيْهِم فِي المطمورة إِذا لم يكن فِيهَا إلاَّ الْمُقَاتلَة ويحرقوا ويقتلوا كل قتال، وَلَو لَقِينَاهُمْ فِي الْبَحْر رميناهم بالنفط والقطران، وَأَجَازَ ابْن الْقَاسِم رمي الْحصن بالنَّار والمراكب إِذا لم يكن فِيهَا إلاَّ الْمُقَاتلَة فَقَط.
قَوْله: ( لَو كنت أَنا) ، خَبره مَحْذُوف أَي: لَو كنت أَنا بدله، وَكَانَ ذَلِك من عَليّ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَاد.
قَوْله: ( لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تعذبوا بِعَذَاب الله) هَذَا أصرح فِي النَّهْي من الَّذِي قبله.
وَأخرج أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَفِي آخِره: فَبلغ ذَلِك عليا فَقَالَ: وَيْح ابْن عَبَّاس: وَرَأَيْت فِي نُسْخَة صَحِيحَة: وَيْح أم ابْن عَبَّاس.
قَوْله: ( من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ) ، هَذَا يدل على أَن كل من بدل دينه يقتل وَلَا يحرق بالنارد، وَبِه احْتج ابْن الْمَاجشون أَن الْمُرْتَد يقتل وَلَا يُسْتَتَاب، وَجُمْهُور الْفُقَهَاء على استتابته، فَإِن تَابَ قبلت تَوْبَته، وَاحْتج بِهِ الشَّافِعِي أَيْضا فِي قَوْله: من انْتقل من كفر إِلَى كفر أَنه يقتل إِن لم يسلم، وَهَذَا مثل اليهدوي إِذا تنصر أَو النَّصْرَانِي إِذا تهود، وَعند أبي حنيفَة: لَا يقتل لِأَن الْكفْر كُله مِلَّة وَاحِدَة، وَاحْتج بِهِ الشَّافِعِي أَيْضا فِي قتل الْمُرْتَدَّة، وَعند أبي حنيفَة: لَا تقتل بل تحبس.