فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين

( بابُُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إذَا قامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان رفع الْمُصَلِّي يَدَيْهِ إِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ، يَعْنِي: بعد التَّشَهُّد.



[ قــ :718 ... غــ :739 ]
- حدَّثنا عَيَّاشٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الأعْلَى قَالَ حدَّثنا عُبَيْدُ الله عنْ نَافِعٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ كانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَبَّرَ ورَفَعَ يَدَيْهِ وَإذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإذَا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ رفع يَدَيْهِ ورَفَعَ ذَلِكَ ابنُ عُمَرَ إلَى نَبِيِّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَإِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ رفع يَدَيْهِ) .

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَيَّاش، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره شين مُعْجمَة: ابْن الْوَلِيد الرقام الْبَصْرِيّ، مر فِي: بابُُ الْجنب يخرج.
الثَّانِي: عبد الأعلى السَّامِي، بِالسِّين الْمُهْملَة: الْبَصْرِيّ.
الثَّالِث: عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب أَبُو عُثْمَان الْمدنِي.
الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر.
الْخَامِس: عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن النّصْف الأول من الروَاة بَصرِي، وَالنّصف الثَّانِي مدنِي.
وَفِيه: إِن شَيْخه من أَفْرَاده.

ذكر من أخرجه غَيره وَمَا قيل فِيهِ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي ( سنَنه) فِي الصَّلَاة عَن نصر بن عَليّ عَنهُ أتم من الأول، وَعَن القعْنبِي عَن مَالك عَن نَافِع نَحوه وَلم يرفعهُ.
.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: الصَّحِيح قَول ابْن عمر، وَلَيْسَ بمرفوع، وَرَوَاهُ القعْنبِي يَعْنِي: عبد الْوَهَّاب عَن عبيد الله وَأَوْقفهُ.
وَكَذَا رَوَاهُ اللَّيْث عَن سعد وَابْن جريج عَن نَافِع مَوْقُوفا، وَحكى الدَّارَقُطْنِيّ فِي ( الْعِلَل) الِاخْتِلَاف فِي رَفعه وَوَقفه،.

     وَقَالَ : الْأَشْبَه بِالصَّوَابِ قَول عبد اذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: على، يَعْنِي حَدِيث البُخَارِيّ، وَحكى الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن بعض مشايخه أَنه أَوْمَأ إِلَى أَن عبد الْأَعْلَى أَخطَأ فِي رَفعه، وميل البُخَارِيّ إِلَى رَفعه، فَلذَلِك أخرج هَذَا الحَدِيث، وَفِيه: وَرفع ذَلِك ابْن عمر، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن عبيد الْمحَاربي، قَالَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن محَارب بن دثار عَن ابْن عمر، قَالَ: ( كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ كبر وَرفع يَدَيْهِ) ، وَصَححهُ البُخَارِيّ فِي كتاب رفع الْيَدَيْنِ، وَيُقَوِّي ذَلِك أَيْضا حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ: أخرجه أَبُو دَاوُد مطولا، وَفِيه: ( ثمَّ إِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ كبر وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما مَنْكِبَيْه، كَمَا كبر عِنْد افْتِتَاح الصَّلَاة) ، وَكَذَلِكَ أخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِيه: ( إِذا قَامَ من السَّجْدَتَيْنِ رفع يَدَيْهِ كَذَلِك وَكبر) .
وَأخرج الْحَدِيثين ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وصححاهما، وَالْمرَاد من السَّجْدَتَيْنِ: الركعتان، وَهُوَ الْموضع الَّذِي اشْتبهَ على الْخطابِيّ لِأَنَّهُ قَالَ: أما مَا رُوِيَ فِي حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ عِنْد الْقيام من السَّجْدَتَيْنِ فلست أعلم أحدا من الْفُقَهَاء ذهب إِلَيْهِ، فَإِن صَحَّ الحَدِيث فَالْقَوْل بِهِ وَاجِب قلت: اشْتبهَ عَلَيْهِ ذَلِك لكَونه لم يقف على طرق الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي ( الْخُلَاصَة) : وَقع فِي لفظ أبي دَاوُد: ( السَّجْدَتَيْنِ) ، وَفِي لفظ التِّرْمِذِيّ: ( الرَّكْعَتَيْنِ) ، وَالْمرَاد بالسجدتين: الركعتان.
كَمَا ذكرنَا.
.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ فِي كتاب رفع الْيَدَيْنِ: مَا زَاده ابْن عمر وَعلي وَأَبُو حميد فِي عشرَة من الصَّحَابَة من الرّفْع عِنْد الْقيام من الرَّكْعَتَيْنِ صَحِيح، لأَنهم لم يحكوا صَلَاة وَاحِدَة، فَاخْتَلَفُوا فِيهَا، وَإِنَّمَا زَاد بَعضهم على بعض، وَالزِّيَادَة مَقْبُولَة من أهل الْعلم.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: هَذِه زِيَادَة يجب قبُولهَا لمن يَقُول بِالرَّفْع،.

     وَقَالَ  ابْن خُزَيْمَة: هُوَ سنة وَإِن لم يذكرهُ الشَّافِعِي، فالإسناد صَحِيح.
وَقد قَالَ: قُولُوا بِالسنةِ ودعوا قولي.
.

     وَقَالَ  ابْن دَقِيق الْعِيد: قِيَاس نظر الشَّافِعِي أَن يسْتَحبّ الرّفْع فِيهِ لِأَنَّهُ أثبت عِنْد الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ لكَونه زَائِدا على من اقْتصر عَلَيْهِ عِنْد الِافْتِتَاح، وَالْحجّة فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدَة، وَأول رَاض سيرة من يسيرها.
قَالَ: وَالصَّوَاب إثْبَاته، وَأما كَونه مذهبا للشَّافِعِيّ لكَونه قَالَ: إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي فَفِيهِ نظر.
انْتهى.

وَقَالَ بَعضهم وَجه النّظر أَن مَحل الْعَمَل بِهَذِهِ الْوَصِيَّة مَا إِذا عرف أَن الحَدِيث لم يطلع عَلَيْهِ الشَّافِعِي، أما إِذا عرف أَنه اطلع عَلَيْهِ ورده أَو تَأَوَّلَه بِوَجْه من الْوُجُوه، فَلَا وَالْأَمر هُنَا مُحْتَمل.
انْتهى.
قلت: يحْتَمل أَنه ظهر عِنْده مَنْسُوخ، فالمنسوخ لَا يعْمل بِهِ وَإِن كَانَ صَحِيحا.
.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: وَقد رُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، خلاف هَذَا، يَعْنِي: خلاف مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره عَنهُ، ثمَّ أخرج عَن أبي بكر النَّهْشَلِي: حَدثنَا عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي أول تَكْبِيرَة من الصَّلَاة ثمَّ لَا يرفع بعده، قَالَ: فَلم يكن عَليّ ليرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرفع ثمَّ يتْركهُ إلاّ وَقد ثَبت عِنْده نسخه.
قَالَ: ويضعف هَذِه الرِّوَايَة أَيْضا أَنه رُوِيَ من وَجه آخر، وَلَيْسَ فِيهِ الرّفْع، ثمَّ أخرجه عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة عَن عبد الله بن الْفضل عَن الْأَعْرَج بِهِ، وَلم يذكر فِيهِ الرّفْع فَإِن قلت: استنبط الْبَيْهَقِيّ من كَلَام الشَّافِعِي أَنه يَقُول بِهِ، لقَوْله فِي حَدِيث أبي حميد الْمُشْتَمل على هَذِه السّنة وَغَيرهَا: وَبِهَذَا نقُول.
وَالنَّوَوِيّ أَيْضا أطلق فِي ( الرَّوْضَة) أَنه نَص عَلَيْهِ قلت: الَّذِي فِي ( الْأُم) خلاف ذَلِك، فَإِنَّهُ قَالَ فِي: بابُُ رفع الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِير فِي الصَّلَاة، بعد أَن أورد حَدِيث ابْن عمر من طَرِيق سَالم وَتكلم عَلَيْهِ: وَلَا نأمره أَن يرفع يَدَيْهِ فِي شَيْء من الذّكر فِي الصَّلَاة الَّتِي لَهَا رُكُوع وَسُجُود، إلاّ فِي هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة.
فَإِن قلت: وَقع فِي آخر الْبُوَيْطِيّ: يرفع يَدَيْهِ فِي كل خفض وَرفع قلت: اجيب عَن هَذَا بِأَنَّهُ يحمل الْخَفْض على الرُّكُوع، وَالرَّفْع على الِاعْتِدَال، وَإِلَّا فَحَمله على ظَاهره يَقْتَضِي اسْتِحْبابُُه فِي السُّجُود أَيْضا وَهُوَ خلاف مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور قلت: فِي قَوْله: وَالرَّفْع على الِاعْتِدَال، نظر لَا يخفى، وَمَعَ هَذَا ذهب إِلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم: ابْن الْمُنْذر وَأَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالْبَغوِيّ، وَهُوَ مَذْهَب البُخَارِيّ وَغَيره من الْمُحدثين.

وَرَوَاهُ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ عنْ أيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن أبي عبد الله الْحَافِظ، حَدثنَا مُحَمَّد بن يَعْقُوب، حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني حَدثنَا عَفَّان حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة حَدثنَا أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر: ( أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دخل فِي الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه، وَإِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) .
وَصله البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب رفع الْيَدَيْنِ: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن حَمَّاد مَرْفُوعا، وَلَفظه: ( كَانَ إِذا كبر رفع يَدَيْهِ وَإِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) .

وَرَوَاهُ ابنُ طَهْمَانَ عَنْ أيُّوبَ وَمُوسَى بنِ عُقْبَةَ مُخْتَصَرا
يَعْنِي: رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن أَيُّوب ... إِلَى آخِره.
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْعلوِي حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن الْحَافِظ حَدثنَا أَحْمد بن يُوسُف السّلمِيّ حَدثنَا عَمْرو بن عبد الله بن رزين أَبُو الْعَبَّاس السّلمِيّ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن أَيُّوب ومُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ حِين يفْتَتح الصَّلَاة، وَإِذا ركع، وَإِذا اسْتَوَى قَائِما من رُكُوعه، حَذْو مَنْكِبَيْه.
وَيَقُول: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل ذَلِك.
.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: وَرَوَاهُ أَبُو صَخْرَة عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَوْقُوفا، وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ وَفِيه: لَيْسَ فِي حَدِيث حَمَّاد وَلَا ابْن طهْمَان بِأَن الرّفْع من الرَّكْعَتَيْنِ الْمَعْقُود لأَجله الْبابُُ، لِأَن الْبابُُ فِي رفع الْيَدَيْنِ إِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي حَدِيث حَمَّاد وَلَا ابْن طهْمَان، وَإِنَّمَا فِي حَدِيثهمَا: حَذْو مَنْكِبَيْه، قَالَ: فَلَعَلَّ الْمُحدث عَن أبي عبد الله يَعْنِي: البُخَارِيّ، دخل لَهُ هَذَا الْحَرْف فِي هَذِه التَّرْجَمَة، وَأجَاب بَعضهم: بِأَن البُخَارِيّ قصد الرَّد على من جزم بِأَن رِوَايَة نَافِع لأصل الحَدِيث مَوْقُوفَة، وَأَنه خَالف فِي ذَلِك سالما، كَمَا نَقله ابْن عبد الْبر وَغَيره، وَقد بَين بِهَذَا التَّعْلِيق أَنه اخْتلف على نَافِع فِي رَفعه وَوَقفه لَيْسَ إلاّ.