فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصلاة قبل المغرب

( بابُُ الصَّلَاة قبل الْمغرب)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الصَّلَاة قبل صَلَاة الْمغرب.


[ قــ :1143 ... غــ :1183]
- ( حَدثنَا أَبُو معمر قَالَ حَدثنَا عبد الْوَارِث عَن الْحُسَيْن عَن ابْن بُرَيْدَة قَالَ حَدثنِي عبد الله الْمُزنِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ صلوا قبل صَلَاة الْمغرب قَالَ فِي الثَّالِثَة لمن شَاءَ كَرَاهِيَة أَن يتخذها النَّاس سنة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَلم يذكر الصَّلَاة قبل الْعَصْر مَعَ أَن أَبَا دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَأحمد رووا عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا " رحم الله امْرأ صلى قبل الْعَصْر أَرْبعا " وَأخرجه ابْن حبَان وَصَححهُ لكَونه على غير شَرطه وَقد ذكرنَا هَذَا الْبابُُ فِيمَا مضى مُسْتَوفى.
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول أَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري.
الثَّانِي عبد الْوَارِث بن سعيد يكنى بِأبي عُبَيْدَة.
الثَّالِث حُسَيْن بن ذكْوَان الْمعلم.
الرَّابِع عبد الله بن بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة.
الْخَامِس عبد الله بن الْمُغَفَّل بِضَم الْمِيم وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة الْمُزنِيّ بِضَم الْمِيم وَفتح الزَّاي وبالنون.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن رُوَاته كلهم بصريون يغر ابْن بُرَيْدَة فَإِنَّهُ مروزي.
( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن أبي معمر أَيْضا وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن عبيد الله بن عمر القواريري.
( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " صلوا قبل صَلَاة الْمغرب " وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن القواريري بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور " صلوا قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ صلوا قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ " قَوْله " قَالَ فِي الثَّالِثَة لمن شَاءَ " هَذَا يدل على أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ صلوا قبل صَلَاة الْمغرب ثَلَاث مَرَّات وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من هَذَا الْوَجْه ثَلَاث مَرَّات.

     وَقَالَ  فِي الثَّالِثَة لمن شَاءَ وَفِي رِوَايَة أبي نعيم فِي الْمُسْتَخْرج " صلوا قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ قَالَهَا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ لمن شَاءَ " قَوْله " كَرَاهِيَة أَن يتخذها النَّاس سنة " وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد " خشيَة أَن يتخذها النَّاس سنة " وانتصاب كَرَاهِيَة وخشية على التَّعْلِيل وَمعنى سنة طَريقَة لَازِمَة يواظبون عَلَيْهَا ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) اخْتلف السّلف فِي التَّنَفُّل قبل الْمغرب فَأَجَازَهُ طَائِفَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاء وحجتهم هَذَا الحَدِيث وَأَمْثَاله وَرُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَغَيرهم أَنهم كَانُوا لَا يصلونها.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ اخْتلف الصَّحَابَة فيهمَا وَلم يفعلهما أحد بعدهمْ.

     وَقَالَ  سعيد بن الْمسيب مَا رَأَيْت فَقِيها يُصَلِّيهمَا إِلَّا سعد بن أبي قاص وَذكر ابْن حزم أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَانَ يُصَلِّيهمَا وَكَذَا أبي بن كَعْب وَأنس بن مَالك وَجَابِر وَخَمْسَة آخَرُونَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى.

     وَقَالَ  حبيب بن سَلمَة رَأَيْت الصَّحَابَة يهبون إِلَيْهَا كَمَا يهبون إِلَى صَلَاة الْفَرِيضَة وَسُئِلَ عَنْهُمَا الْحسن فَقَالَ حَسَنَتَانِ لمن أَرَادَ بهما وَجه الله تَعَالَى.

     وَقَالَ  ابْن بطال وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَق وَفِي الْمُغنِي ظَاهر كَلَام أَحْمد أَنَّهُمَا جائزتان وليستا سنة قَالَ الْأَثْرَم قلت لِأَحْمَد الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب قَالَ مَا فعلته قطّ إِلَّا مرّة حِين سَمِعت الحَدِيث قَالَ وَفِيهِمَا أَحَادِيث جِيَاد أَو قَالَ صِحَاح عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ إِلَّا أَنه قَالَ لمن شَاءَ فَمن شَاءَ صلى وَعند الْبَيْهَقِيّ عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب قَالَ كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَا يركعونهما وَكَانَت الْأَنْصَار تركعهما وَمن حَدِيث مَكْحُول عَن أبي أُمَامَة كُنَّا لَا نَدع الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب فِي زمَان رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

     وَقَالَ  ابْن بطال قَالَ النَّخعِيّ لم يصلهمَا أَبُو بكر وَلَا عمر وَلَا عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَالَ إِبْرَاهِيم وَهِي بِدعَة قَالَ وَكَانَ خِيَار الصَّحَابَة بِالْكُوفَةِ عَليّ وَابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وعمار وَأَبُو مَسْعُود أَخْبرنِي من رمقهم كلهم فَمَا رأى أحدا مِنْهُم يُصَلِّي قبل الْمغرب قَالَ وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَفِي شرح الْمُهَذّب لِأَصْحَابِنَا فِيهَا وَجْهَان أشهرهما لَا يسْتَحبّ وَالصَّحِيح عِنْد الْمُحَقِّقين استحبابُهما.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابنَا أَن حَدِيث عبد الله الْمُزنِيّ مَحْمُول على أَنه كَانَ فِي أول الْإِسْلَام ليتبين خُرُوج الْوَقْت الْمنْهِي عَن الصَّلَاة فِيهِ بمغيب الشَّمْس وَحل فعل النَّافِلَة وَالْفَرِيضَة ثمَّ الْتزم النَّاس الْمُبَادرَة لفريضة الْوَقْت لِئَلَّا يتبطأ النَّاس بِالصَّلَاةِ عَن وَقتهَا الْفَاضِل وَادّعى ابْن شاهين أَن هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بِحَدِيث عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِن عِنْد كل أذانين رَكْعَتَيْنِ مَا خلا الْمغرب " ويزيده وضوحا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي شُعَيْب " عَن طَاوس قَالَ سُئِلَ ابْن عمر عَن الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب فَقَالَ مَا رَأَيْت أحدا عَن عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّيهمَا وَرخّص فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر " قَالَ أَبُو دَاوُد سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول هُوَ شُعَيْب يَعْنِي وهم شُعْبَة فِي اسْمه ( قلت) يَعْنِي وهم فِي ذكره بالكنية وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ شُعَيْب وَسَنَده صَحِيح.

     وَقَالَ  ابْن حزم لَا يَصح لِأَنَّهُ عَن أبي شُعَيْب أَو شُعَيْب وَلَا يدرى من هُوَ ورد عَلَيْهِ بِأَن وكيعا وَابْن ابْن غنية رويا عَنهُ.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة لَا بَأْس بِهِ وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات.

     وَقَالَ  ابْن خلفون روى عَنهُ عمر بن عبيد الطنافسي ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي



[ قــ :1144 ... غــ :1184]
- ( حَدثنَا عبد الله بن يزِيد قَالَ حَدثنَا سعيد بن أبي أَيُّوب قَالَ حَدثنِي يزِيد بن أبي حبيب قَالَ سَمِعت مرْثَد بن عبد الله الْيَزنِي قَالَ أتيت عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ فَقلت أَلا أعْجبك من أبي تَمِيم يرْكَع رَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْمغرب فَقَالَ عقبَة إِنَّا كُنَّا نفعله على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قلت فَمَا يمنعك الْآن قَالَ الشّغل) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من قَوْله " إِنَّا كُنَّا نفعله على عهد النَّبِي ".
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة الأول عبد الله بن يزِيد من الزِّيَادَة الْمقري أَبُو عبد الرَّحْمَن مر فِي بابُُ بَين كل أذانين صَلَاة.
الثَّانِي سعيد بن أبي أَيُّوب الْخُزَاعِيّ وَاسم أبي أَيُّوب مِقْلَاص يكنى أَبَا يحيى.
الثَّالِث يزِيد بن أبي حبيب يزِيد من الزِّيَادَة يكنى بِأبي رجا وَاسم أبي حبيب سُوَيْد وحبِيب ضد الْعَدو.
الرَّابِع مرْثَد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن عبد الله الْيَزنِي بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالزَّاي وبالنون وَهُوَ نِسْبَة إِلَى يزن بطن من حمير مر فِي بابُُ إطْعَام الطَّعَام من الْإِيمَان.
الْخَامِس عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ بِضَم الْجِيم وَفتح الْهَاء وبالنون وَالِي مصر مر فِي بابُُ من صلى فِي فروج الْحَرِير.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ حَدثنَا بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه السماع والإتيان وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته مصريون غير أَن شَيْخه من نَاحيَة الْبَصْرَة وَسكن مَكَّة ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَلا أعْجبك " قَالَ بَعضهم بِضَم أَوله وَتَشْديد الْجِيم من التَّعَجُّب ( قلت) التَّعَجُّب من بابُُ التفعل وَلَا يَأْتِي الْفِعْل مِنْهُ على مَا قَالَه وَمَا غَيره إِلَّا قَول الْكرْمَانِي لَا أعْجبك من التَّعَجُّب وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا من بابُُ الْإِعْجَاب بِكَسْر الْهمزَة وَمَعْنَاهُ أَن مرْثَد بن عبد الله يخبر عقبَة بن أبي تَمِيم شَيْئا يتعجب مِنْهُ حَاصله أَنه يستغربه وَأَبُو تَمِيم بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق عبد الله بن مَالك الجيشاني بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا شين مُعْجمَة نسبته إِلَى جيشان بن عَبْدَانِ بن حجر بن ذِي رعين وَهُوَ تَابِعِيّ كَبِير مخضرم أسلم فِي عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَرَأَ الْقُرْآن على معَاذ بن جبل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ قدم فِي زمن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَشهد فتح مصر وسكنها قَالَه ابْن يُونُس وَقد عده جمَاعَة فِي الصَّحَابَة لهَذَا الْإِدْرَاك وَذكره الذَّهَبِيّ فِي تَجْرِيد الصَّحَابَة قَوْله " يرْكَع رَكْعَتَيْنِ " وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " حِين يسمع أَذَان الْمغرب " وَفِيه " فَقلت " لعقبة " وَأَنا أُرِيد أَن أغمصه " بغين مُعْجمَة وصاد مُهْملَة أَي أعيبه قَوْله " على عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي على زَمَنه قَوْله " الشّغل " بِضَم الشين وَضم الْغَيْن وسكونها ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ دلَالَة على اسْتِحْبابُُ الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب لمن كَانَ متأهبا بِشُرُوط الصَّلَاة لِئَلَّا يُؤَخر الْمغرب عَن أول وَقتهَا كَذَا قَالَه قوم وَقد مر بَيَان الْخلاف فِيهِ ورد على من اسْتدلَّ بِهِ على امتداد وَقت الْمغرب.

     وَقَالَ  بَعضهم وَفِيه رد على قَول القَاضِي أبي بكر بن الْعَرَبِيّ لم يفعلهما أحد من الصَّحَابَة لِأَن أَبَا تَمِيم تَابِعِيّ وَقد فعلهمَا ( قلت) قَول القَاضِي على قَول من عد أَبَا تَمِيم من الصَّحَابَة فَلَا وَجه للرَّدّ عَلَيْهِ