فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخرا

( بابُُ نَهْيِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ نِكاحِ المُتْعَةِ آخِرا)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن نِكَاح الْمُتْعَة.
قَوْله: ( آخرا) ، يُشِير إِلَى أَنَّهَا كَانَت مُبَاحَة أَولا.
فَإِن قيل: ذكر فِي هَذَا الْبابُُ عدَّة أَحَادِيث وَلَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيح بذلك.

أُجِيب: بِأَنَّهُ قَالَ فِي آخر الْبابُُ: إِن عليا بيَّن أَنه مَنْسُوخ، وَقد وَردت جملَة أَحَادِيث صَحِيحَة تَصْرِيح بِالنَّهْي عَنْهَا بعد الْإِذْن فِيهَا.



[ قــ :4842 ... غــ :5115 ]
- حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا ابنُ عُيَيْنَةَ أنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيِّ يَقُولُ: أخبرَني الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ وأخُوهُ عبْدُ الله عنْ أبِيهِما: أنَّ عَليّا رَضِي الله عَنهُ، قَالَ لابنِ عَبَّاسٍ: إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عنِ المُتْعَةِ وعنْ لُحومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّة زَمَنَ خَيْبَرَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمَالك بن إِسْمَاعِيل مر عَن قريب، يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن الْحسن بن مُحَمَّد وأخيه عبد الله بن مُحَمَّد كِلَاهُمَا يرويانعن أَبِيهِمَا مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب أَن عليا قَالَ لعبد الله بن عَبَّاس إِلَى آخِره، وَمُحَمّد هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْحَنَفِيَّة.

والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة خَيْبَر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن قزعة عَن مَالك عَن ابْن شهَاب إِلَى آخه وَمضى الْكَلَام فِيهِ مستقصىً فَلَا حَاجَة إِلَى إِعَادَته.





[ قــ :4843 ... غــ :5116 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ أبي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عبَّاسٍ سُئِلَ عنْ مُتْعَةِ النِّساءِ فَرَخَّصَ فَقَالَ لهُ مَوْلى: إنَّما ذَلِكَ فِي الحالِ الشَّدِيد وَفِي النِّساءِ قِلةٌ أوْ نَحْوَهُ، فَقَالَ ابنُ عبَّاسٍ: نَعَمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يتَضَمَّن النَّهْي عَن الترخيص الْمُطلق، فَافْهَم.

وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَأَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وَالرَّاء واسْمه نصر بن عمرَان الضبعِي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( سُئِلَ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( فَرخص) ، أَي فِي الْمُتْعَة.
قَوْله: ( فَقَالَ لَهُ مولى لَهُ) ، قيل بِالظَّنِّ إِنَّه عِكْرِمَة.
قَوْله: ( إِنَّمَا ذَلِك) أَي: الترخيص فِي الْحَال الشَّديد نَحْو الْعزبَة الشَّدِيدَة، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي الْجِهَاد وَالنِّسَاء قَلَائِل.
قَوْله: ( نعم) يَعْنِي: الْأَمر كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: صدق، وَرُوِيَ الْخطابِيّ من حَدِيث سعيد بن جُبَير، قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: لقد سَارَتْ بفتياك الركْبَان،.

     وَقَالَ  فِيهَا الشُّعَرَاء، يَعْنِي فِي الْمُتْعَة، فَقَالَ: وَالله مَا بِهَذَا أَفْتيت، وَمَا هِيَ إلاَّ كالميتة لَا تحل إلاَّ للْمُضْطَر.





[ قــ :4844 ... غــ :5117 ]
- حدَّثنا عَلِيٌّ حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ، عَمْرٌ وعنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ عنْ جابِر بنِ عبْدِ الله وسلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ قَالَا: كُنَّا فِي جَيْشٍ فَأَتَانَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أنْ تَسْتَمْتِعُوا فاسْتَمْتِعُوا.

لَيْسَ فِي النَّهْي عَن الْمُتْعَة، فَلَا يُطَابق التَّرْجَمَة، إِلَّا أَن يُقَال بالتعسف إِن فِيهِ ذكر الِاسْتِمْتَاع، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: إِن فِي آخر حَدِيث حابر فِي رِوَايَة مُسلم: حَتَّى نهى عَنْهَا عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد جرت عَادَته أَنه يُشِير إِلَى مَا يُطَابق التَّرْجَمَة من غير أَن يُصَرح بِهِ، وَهُوَ الْمُتْعَة.

وَعلي هُوَ ابْن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَالْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن بنْدَار عَن غنْدر وَغَيره.

قَوْله: ( كُنَّا فِي جَيش) بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون لاياء آخر الْحُرُوف وبالشبن الْمُعْجَمَة هَكَذَا هُوَ عَامر الرِّوَايَات،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فِي بعض الرِّوَايَات: حنين، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وبالنونين.
وَهُوَ الْموضع الَّذِي كَانَت فِيهِ الْوَقْعَة الْمَشْهُورَة.
قَوْله: ( رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قيل بِالظَّنِّ: يشبه أَن يكون بِلَالًا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( أَن تستمتعوا) أَي: بِأَن تستمتعوا، وَكلمَة.
أَن مَصْدَرِيَّة أَي: بالاستمتاع قَوْله: ( فاستمتعوا) يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ: أَحدهمَا: أَن يكون على صُورَة الْمَاضِي، وَالْآخر: أَن يكون على صِيغَة الْأَمر، وَالْمعْنَى: جامعوهن بِالْوَقْتِ الْمعِين.





[ قــ :4844 ... غــ :5119 ]
- وَقَالَ ابْن أبي ذِئْب حَدثنِي إِيَاس بن سَلمَة بن الْأَكْوَع عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا رجل وَامْرَأَة توفقا فعشرة مَا بَينهمَا ثَلَاث لَيَال، فَإِن أحبا أَن يتزايدا أَو يشاركا تشاركاً فَمَا أَدْرِي أَشَيْء ( كَانَ لنا خَاصَّة) أم للنَّاس عَامَّة.

ابْن أبي ذِئْب هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب، بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور، وَاسم أبي ذِئْب: هِشَام بن سعد، وَإيَاس بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف يرْوى عَن أَبِيه سَلمَة بن الْأَكْوَع.

وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن ابْن نَاجِية: حَدثنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى لَفظه وَبُنْدَار وَحميد بن زَنْجوَيْه قَالُوا: حَدثنَا أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد عَن ابْن أبي ذِئْب عَن إِيَاس، بِلَفْظ: أَيّمَا رجل وَامْرَأَة أَيَّام الْحَج تَرَاضيا فعشرة مَا بَينهمَا ثَلَاثَة أَيَّام.

قَوْله: ( توافقا) أَي: فِي النِّكَاح بَينهمَا مُطلقًا من غير ذكر أجل.
قَوْله: ( فعشرة) ، بِكَسْر الْعين أَي: فمعاشرة مَا بَينهمَا ثَلَاث لَيَال، أَرَادَ أَن الْإِطْلَاق مَحْمُول على ثَلَاثَة أَيَّام بلياليهن.
قَوْله: ( فعشرة) بِالْفَاءِ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ كَمَا مر، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بِعشْرَة، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَالْأول أوجه.
قَوْله: ( فَإِن أحبا) أَي: الرجل وَالْمَرْأَة الْمَذْكُورَان إِن أحبا ( أَن يتزايدا) يَعْنِي: على ثَلَاث لَيَال، وَجَوَاب: إِن، مَحْذُوف تَقْدِيره: فَإِن أحبا أَن يتزايدا تزايدا، وَوَقع فِي تَخْرِيج أبي نعيم الْأَصْبَهَانِيّ: فَإِن أحبا أَن يتناقصا تناقصا وَإِن أحبا أَن يتزايدا فِي الْأَجَل تزايدا.
قَوْله: ( أَو يتتاركا) الْكَلَام فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا قبله، أَي: وَإِن أَرَادَا أَن يتتاركا أَي: أَن يتركا التوافق يَعْنِي: إِن أَرَادَا الْمُفَارقَة.
قَوْله: ( تتاركا) ، جَوَاب: إِن أَي: تفارقا، وَهُوَ من بابُُ التفاعل من التّرْك، أَي: ترك مَا توافقا وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ التناقص من الْمدَّة، كَمَا فِي رِوَايَة أبي نعيم.
قَوْله: ( فَمَا أَدْرِي؟) أَي: فَمَا أعلم؟ الْقَائِل سَلمَة بن الْأَكْوَع رَاوِي الحَدِيث أَي: لَا أعلم جَوَازه كَانَ خَاصّا بالصحابة أَو كَانَ عَاما للْأمة؟ وَوَقع فِي حَدِيث أبي ذَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، التَّصْرِيح بالاختصاص، أخرجه الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، قَالَ: إِنَّمَا أحلّت لنا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتْعَة النِّسَاء ثَلَاث أَيَّام ثمَّ نهى عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

قَالَ أبُو عبْدِ الله: وبَيَّنَهُ عَلِيٌّ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ مَنْسُوخٌ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ هَذَا، أَي: وَقد بَين عَليّ بالتصريح بِالنَّهْي عَنْهَا بعد الْإِذْن فِيهَا، وَرُوِيَ عبد الرَّزَّاق عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من وَجه آخر: نسخ رَمَضَان كل صَوْم، وَنسخ الْمُتْعَة الطَّلَاق وَالْعدة وَالْمِيرَاث.