فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بجوامع الكلم

( بابُُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ) )

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَول النَّبِي بعثت بجوامع الْكَلم أَي: بجوامع الْكَلِمَات القليلة الجامعة للمعاني الْكَثِيرَة، وَحَاصِله أَنه كَانَ يتَكَلَّم بالْقَوْل الموجز الْقَلِيل اللَّفْظ الْكثير الْمعَانِي، وَقيل: المُرَاد بجوامع الْكَلم الْقُرْآن بِدَلِيل قَوْله: بعثت، وَالْقُرْآن هُوَ الْغَايَة فِي إيجاز اللَّفْظ واتساع الْمعَانِي.



[ قــ :6883 ... غــ :7273 ]
- حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله قَالَ: بُعِثْتُ بِجَوامِعِ الكَلِمِ ونُصرْتُ بالرُّعْبِ وبَيْنا أَنا نائِمٌ رأيْتُني أُتِيتُ بِمَفاتِيحِ خَزَائِنِ الأرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي
قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدْ ذَهَبَ رسُولُ الله وأنْتُمْ تَلْغَثُونَهَا أَو تَرْغَثُونَها أوْ كَلِمَةً تُشْبهُهَا.


التَّرْجَمَة جُزْء من الحَدِيث وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.

والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ونصرت على بِنَاء الْمَجْهُول.
قَوْله: بِالرُّعْبِ أَي: الْخَوْف أَي: بِمُجَرَّد الْخَبَر الْوَاصِل إِلَى الْعَدو يفزعون مني ويؤمنون.
قَوْله: وَبينا أَصله بَين أشبعت فَتْحة النُّون فَصَارَت ألفا، ويضاف إِلَى جملَة.
قَوْله: رَأَيْتنِي بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة أَي: رَأَيْت نَفسِي.
قَوْله: أتيت على بِنَاء الْمَجْهُول أَي: أَعْطَيْت.
قَوْله: فَوضعت أَي: مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض بهَا فتح الله على أمته، والخزائن جمع خزانَة وَهِي الْموضع الَّذِي يخزن فِيهَا.

قَوْله: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور أَولا.
قَوْله: فقد ذهب أَي: مَاتَ.
قَوْله: وَأَنْتُم تلغثونها بلام سَاكِنة وغين مُعْجمَة مَفْتُوحَة ثمَّ بثاء مُثَلّثَة مَأْخُوذَة من اللغيث بِوَزْن عَظِيم وَهُوَ الطَّعَام الْمَخْلُوط بِالشَّعِيرِ، ذكره صَاحب الْمُحكم عَن ثَعْلَب، وَالْمرَاد: تأكلونها كَيفَ مَا اتّفق، وَيُقَال: معنى تلغثونها تأكلونها، يَعْنِي: الدُّنْيَا من اللغيت وَهُوَ طَعَام يخلط بِالشَّعِيرِ.
قَوْله: أَو ترغثونها شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ مثل، تلغثونها، وَلكنه بالراء بدل اللَّام، وَمَعْنَاهُ: ترضعونها، من رغث الجدي أمه إِذا رضعها، قَالَه الْقَزاز.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبد الْملك.
أما بِاللَّامِ فَلَا نَعْرِف لَهُ معنى، وَأما بالراء فَمَعْنَاه: ترضعونها.
يُقَال: نَاقَة غوث، أَي: غزيرة اللَّبن وَكَذَلِكَ الشَّاة.
وَفِي الْمُنْتَهى لأبي الْمَعَالِي اللّغَوِيّ: لغث طَعَامه ولعث بالغين الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة إِذا فرقه.
قَالَ: واللغيث مَا يبْقى فِي الْكَيْل من الْحبّ، فعلى هَذَا الْمَعْنى: وَأَنْتُم تأخذون المَال فتفرقونه بعد أَن تحوزوه.
قَوْله: أَو كلمة تشبهها أَي: أَو قَالَ كلمة تشبه إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ المذكورتين نَحْو: تنتثلونها من الانتثال بتاء الافتعال، أَو تنثلونها من النثل بالنُّون والثاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ الاستخراج، يُقَال: نثل كِنَانَته إِذا استخرج مَا فِيهَا من السِّهَام، وَمثل جرابه إِذا نفض مَا فِيهِ.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: الْمَحْفُوظ فِي هَذَا الحَدِيث: تنتثلونها، وَفِي التَّلْوِيح فِي بعض النّسخ الصَّحِيحَة: وَأَنْتُم تلعقونها، بِعَين مُهْملَة ثمَّ قَاف، قَالَ بَعضهم: وَهُوَ تَصْحِيف، وَلَو كَانَ لَهُ بعض اتجاه.
قلت: مُجَرّد دَعْوَى التَّصْحِيف لَا تسمع وَلَا يبعد لصِحَّة الْمَعْنى.





[ قــ :6884 ... غــ :774 ]
- حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا اللّيْثُ، عنْ سَعِيدٍ، عنْ أبِيهِ عنْ أبي هُريْرَةَ عنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا مِنَ الأنْبِياءِ نَبيٌّ إلاّ أُعْطِيَ مِنَ الآياتِ مَا مِثْلُهُ أوْ مِنَ أوْ: آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وإنَّما كانَ الّذِي أُوتِيتُ وحْياً أوْحاهُ الله إليَّ فأرْجُو أنِّي أكْثَرُهُمْ تَابعا يَوْمَ القِيامَةِ.

انْظُر الحَدِيث 4981
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتيت وَحيا إِلَى آخِره، فَإِنَّهُ أَرَادَ بقوله: وَحيا أوحاه الله إِلَيّ الْقُرْآن وَلَا شكّ أَن فِيهِ جَوَامِع الْكَلم، وَهُوَ فِي الْقُرْآن كثير مِنْهَا.
قَوْله تَعَالَى: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَواةٌ ياأُولِي الأَلْبابُُِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الْآيَة وَقَوله: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَرُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وَغَيرهَا الْآيَة.

وَسَعِيد هَذَا يروي عَن أَبِيه أبي سعيد المَقْبُري واسْمه كيسَان.

والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن عبد الله بن يُوسُف.

قَوْله: إِلَّا أعطي على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: من الْآيَات أَي: المعجزات.
قَوْله: مَا مثله فِي مَحل الرّفْع لاستناد أعطي إِلَيْهِ قَوْله: أومن بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وَكسر الْمِيم من الْأَمْن.
قَوْله: أَو: آمن شكّ من الرَّاوِي بِالْمدِّ وَفتح الْمِيم من الْإِيمَان، وَحكى ابْن قرقول: أَن فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْمِيم بِغَيْر مد من الْإِيمَان.
قَوْله: عَلَيْهِ أَي: مَغْلُوبًا عَلَيْهِ، يَعْنِي: فِيهِ تضمين مَعْنَاهَا وإلاَّ فاستعماله بِالْبَاء أَو بِاللَّامِ.
قَوْله: وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتيت هَكَذَا رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره: أُوتِيتهُ، بِالْهَاءِ وَمعنى الْحصْر فِيهِ أَن الْقُرْآن أعظم المعجزات بدوامه إِلَى آخر الدَّهْر، وَلما كَانَ لَا شَيْء يُقَارِبه فضلا عَن أَن يُسَاوِيه كَانَ مَا عداهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَأَن لم يَقع، وَيُقَال: مَعْنَاهُ أَن كل نَبِي أعطي من المعجزات مَا كَانَ مثله لمن كَانَ قبله من الْأَنْبِيَاء فَآمن بِهِ الْبشر، وَأما معجزتي الْعُظْمَى فَهِيَ الْقُرْآن الَّذِي لم يُعْط أحد مثله.
فَلهَذَا أَنا أَكْثَرهم تبعا.
وَيُقَال: إِن الَّذِي أُوتيت لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ تخييل بِسحر وَشبهه بِخِلَاف معجرة غَيْرِي فَإِنَّهُ قد يخيل السَّاحر بِشَيْء مِمَّا يُقَارب صورته.
كَمَا خيلت السَّحَرَة فِي صُورَة الْعَصَا.
والخيال قد يروج على بعض الْعَوام النَّاقِصَة الْعُقُول.
قَوْله: تَابعا نصب على التَّمْيِيز.