فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله

(بابُُ مَا يَجُوزُ مِنَ الغَضَبِ والشِّدَّةِ لأمْرِ الله،.

     وَقَالَ  الله تَعَالَى: { جَاهد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} (التَّوْبَة: 73، وَالتَّحْرِيم: 9)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز الْغَضَب والشدة لأجل أَمر الله، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن صَبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الْأَذَى إِنَّمَا كَانَ فِي حق نَفسه، وَأما إِذا كَانَ لله تَعَالَى فَإِنَّهُ كَانَ يمتثل فِيهِ أَمر الله تَعَالَى، وَقد قَالَ تَعَالَى: { جَاهد الْكفَّار} ... الْآيَة.
قَوْله: { جَاهد الْكفَّار} أَي: السَّيْف، وجاهد الْمُنَافِقين بالاحتجاج، وَعَن قَتَادَة: مجاهدة الْمُنَافِقين بِإِقَامَة الْحُدُود عَلَيْهِم، وَعَن مُجَاهِد: بالوعيد.
قَوْله: { وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} أَي: اسْتعْمل الغلظة والخشونة على الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا تجاهدهما بِهِ من الْقِتَال والاحتجاج.



[ قــ :5780 ... غــ :6109 ]
- حدَّثنا يَسَرَةُ بنُ صَفْوانَ حَدثنَا إبْرَاهِيمُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ القاسِمِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي البَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ تَناوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَه، وقالَتْ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مِنْ أشَدِّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ القِيامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هاذِهِ الصُّوَرَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَتَلَوَّنَ وَجهه) فَإِن ذَلِك كَانَ من غَضَبه لله تَعَالَى.

ويسرة بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة وَالرَّاء ابْن صَفْوَان اللَّخْمِيّ، بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف، يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم.

والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر اللبَاس فِي: بابُُ مَا وطىء من التصاوير، وَكَذَلِكَ أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن مَنْصُور بن أبي مُزَاحم عَن إِبْرَاهِيم ابْن سعد بِهِ وَعَن غَيره.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.

قَوْله: (قرام) بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف الرَّاء وَهُوَ السّتْر.
قَوْله: (صور) جمع صُورَة.
قَوْله: (ثمَّ تنَاول السّتْر) وَهُوَ القرام الْمَذْكُور.
قَوْله: (فهتكه) أَي: خرقه.
قَوْله: (من أَشد النَّاس) ويروى: إِن من أَشد النَّاس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب اللبَاس فِي الْبابُُ الْمَذْكُور.





[ قــ :5781 ... غــ :6110 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْياى عَنْ إسْماعِيلَ بنِ أبي خالِدٍ حدّثنا قَيْسُ بنُ أبي حازِمٍ عَنْ أبي مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إنِّي لأَتَأخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الغَداة مِنْ أجْلِ فُلانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنا، قَالَ: فَما رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَطُّ أشَدَّ غَضَباً فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ قَالَ: فَقَالَ: يَا أيُّها النَّاسُ {إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فأيُّكُمْ مَا صَلى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ فإنَّ فِيهِمُ المَرِيضَ والكَبِيرَ وذَا الحاجَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فَمَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطّ أَشد غَضبا فِي موعظة مِنْهُ يومئذٍ) .

وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَأَبُو مَسْعُود هُوَ عقبَة بن عَامر البدري.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ تَخْفيف الإِمَام فِي الْقيام فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زُهَيْر عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس إِلَى آخِره ... وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( مِنْهُ) أَي: من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مفضل بِاعْتِبَار ومفضل عَلَيْهِ بِاعْتِبَار آخر.
قَوْله: ( فَأَيكُمْ مَا صلى) ، كلمة: مَا زَائِدَة للتَّأْكِيد.
قَوْله: ( فليتجوز) أَي: فليخفف.
قَوْله: ( الْكَبِير) أَي: الشَّيْخ الْهَرم.





[ قــ :578 ... غــ :6111 ]
- حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا جُوَيْرِيَّةُ عَنْ نافِعٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: بَيْنَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي رَأى فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ نُخامَةً فَحَكَّها بِيَدِهِ فَتَغَيَّظَ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ أحَدَكُمْ إِذا كَانَ فِي الصَّلَاة فإنَّ الله حِيالَ وَجْهِهِ، فَلاَ يَتَّنَخَّمَنَّ حِيالَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فتغيظ) .
وَجُوَيْرِية هُوَ ابْن أَسمَاء وَهَذَانِ العلمان مِمَّا يشْتَرك فِيهِ الذُّكُور وَالْإِنَاث.

والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ حك البزاق بِالْيَدِ من الْمَسْجِد.

قَوْله: ( بَينا) أَصله: بَين، فأشبعت فَتْحة النُّون فَصَارَت ألفا وَهُوَ ظرف مُضَاف إِلَى جملَة، وَهِي هُنَا قَوْله: ( النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يصلى وَهِي جملَة إسمية.
قَوْله: ( نخامة) بِضَم النُّون وَهِي النخاعة.
قَوْله: ( حِيَال وَجهه) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف أَي: مُقَابل وَجهه، وَفِي كتاب الصَّلَاة: فَإِن الله قَبِل وَجهه، وَفِي ( التَّوْضِيح) : حِيَال وَجهه أَي يرَاهُ، وَأَصله الْوَاو فقلبت يَاء لانكسار مَا قبلهَا، ويروى: قبل وَجهه ويروى: قبلته،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الله منزه عَن الْجِهَة وَالْمَكَان وَمَعْنَاهُ التَّشْبِيه على سَبِيل التَّنْزِيه أَي: كَانَ الله تَعَالَى فِي مُقَابل وَجهه،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَن توجهه إِلَى الْقبْلَة مفضٍ بِالْقَصْدِ مِنْهُ إِلَى ربه فَصَارَ فِي التَّقْدِير كَأَن مَقْصُوده بَينه وَبَين الْقبْلَة.





[ قــ :5783 ... غــ :611 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدٌ حَدثنَا اسْماعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ أخبرنَا رَبِيعَةُ بنُ أبي عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى المُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنِيِّ أنَّ رَجُلاً سألَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: عَرِّفْها سَنَةً ثُمَّ أعْرِفْ وكاءَها وعِفاصَها، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِها، فإنْ جاءَ رَبُّها فأدِّها إلَيْهِ قَالَ: يَا رسولَ الله} فَضالّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: خُذْها فإنَّما هِيَ لَكَ أوْ لأخِيكَ أوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ: يَا رسولَ الله! فَضالَّةُ الإبِلِ؟ قَالَ: فَغَضبَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتّى احْمَرَّتْ وَجْنَتاهُ أَو احْمَرَّ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ ولَها؟ مَعَها حِذاؤها وسِقاؤُها حَتَّى يَلْقاها رَبُّها.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، وَهَؤُلَاء كلهم مدنيون إلاَّ ابْن سَلام.

والْحَدِيث مضى فِي اللّقطَة عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الشّرْب عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله كِلَاهُمَا عَن مَالك، وَفِي اللّقطَة أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَعَن مُحَمَّد بن يُوسُف وَعَن عَمْرو بن الْعَبَّاس، وَفِي الْعلم عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَمضى الْكَلَام فِيهَا.

قَوْله: ( وكائها) بِكَسْر الْوَاو وبالمد مَا يسد بِهِ رَأس الْكيس، والعفاص بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْفَاء وبالصاد الْمُهْملَة وَهُوَ مَا يكون فِيهِ النَّفَقَة.
قَوْله: ( ثمَّ استنفق) ، أَي: تمتّع بهَا وَتصرف فِيهَا.
قَوْله: ( فضَالة الْغنم) من إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف أَي: مَا حكمهَا؟ قَوْله: ( وجنتاه) تَثْنِيَة وجنة وَهِي مَا ارْتَفع من الخد.
قَوْله: ( أَو أَحْمَر وَجهه) شكّ من الرَّاوِي.
قَوْله: ( مَا لَك وَلها؟) أَي: لم تأخذها؟ فَإِنَّهَا مُسْتَقلَّة بمعيشتها وَمَعَهَا أَسبابُُهَا.
قَوْله: ( حذاؤها) بِكَسْر الْحَاء وبالمد وَهُوَ مَا وطىء عَلَيْهِ الْبَعِير من خفه.
قَوْله: ( وسقاؤها) بِالْكَسْرِ وَالْمدّ وَهُوَ ظرف اللَّبن وَالْمَاء كالقربة.


( وَقَالَ الْمَكِّيّ حَدثنَا عبد الله بن سعيد ح حَدثنِي مُحَمَّد بن زِيَاد حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا عبد الله بن سعيد قَالَ حَدثنِي سَالم أَبُو النَّضر مولى عمر بن عبيد الله عَن بسر بن سعيد عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ احتجر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حجيرة مخصفة أَو حَصِيرا فَخرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي فِيهَا فتتبع إِلَيْهِ رجال وجاؤا يصلونَ بِصَلَاتِهِ ثمَّ جاؤا لَيْلَة فَحَضَرُوا وَأَبْطَأ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يخرج إِلَيْهِم فَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا الْبابُُ فَخرج إِلَيْهِم مغضبا فَقَالَ لَهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا زَالَ بكم صنيعكم حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيكتب عَلَيْكُم فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتكُمْ فَإِن خير صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فَخرج إِلَيْهِم مغضبا وَالْغَضَب فِي أَمر الله وَاجِب لِأَنَّهُ من بابُُ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَقَامَ الْإِجْمَاع على أَن ذَلِك فرض على الْأَئِمَّة أَن يقومُوا بِهِ ويأخذوا على أَيدي الظَّالِمين وينصفوا المظلومين ويحفظوا أُمُور الشَّرِيعَة حَتَّى لَا تَتَغَيَّر وَلَا تنتهك والمكي هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم قَالَ الْكرْمَانِي الْمَكِّيّ مَنْسُوب إِلَى مَكَّة المشرفة قلت هَذَا اسْمه وَلَيْسَ بِنِسْبَة وَقد أخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين أَولهمَا مُعَلّق عَن مكي بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله بن سعيد بن أبي هِنْد الْفَزارِيّ وَقد وَصله أَحْمد والدارمي فِي مسنديهما عَن الْمَكِّيّ بن إِبْرَاهِيم بِتَمَامِهِ وَالْآخر مُسْند أخرجه عَن مُحَمَّد بن زِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن عبيد الله بن الرّبيع بن زِيَاد الزيَادي الْبَصْرِيّ.

     وَقَالَ  ابْن عَسَاكِر روى عَنهُ البُخَارِيّ كالمقرون بِغَيْرِهِ وروى عَنهُ ابْن مَاجَه مَاتَ سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ كَذَا بِخَط الدمياطي وَفِي التَّهْذِيب فِي حُدُود سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر وَعبد الله بن سعيد قَالَ حَدثنِي سَالم أَبُو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَبسر بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالراء الْمَدِينِيّ يروي عَن زيد بن ثَابت بن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة عَن عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله وحَدثني مُحَمَّد بن زِيَاد فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد وَمَا قبله حرف ( ح) إِشَارَة إِلَى التَّحْوِيل من إِسْنَاد إِلَى إِسْنَاد آخر.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي أَو إِشَارَة إِلَى الحَدِيث أَو إِلَى صَحَّ أَو إِلَى الْحَائِل قَوْله احتجر بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالجيم وَالرَّاء أَي اتخذ لنَفسِهِ حجرَة.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير يُقَال حجرت الأَرْض واحتجرتها إِذا ضربت عَلَيْهَا منارا تمنعها بِهِ عَن غَيْرك قَوْله حجيرة تَصْغِير حجرَة وَهُوَ الْموضع الْمُنْفَرد ويروى حجيرة بِفَتْح الْحَاء وَكسر الْجِيم قَوْله مخصفة بِضَم الْمِيم وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة وبالفاء وَهِي المعمولة بالخصفة وَهِي مَا يَجْعَل بِهِ جلال التَّمْر من السعف وَنَحْوه ويروى بخصفة بِحرف الْجَرّ الدَّاخِل على الخصفة.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ الخصفة والحصير بِمَعْنى وَاحِد وَالْمعْنَى احتجر حجرَة أَي حوط موضعا من الْمَسْجِد بحصير يستره ليُصَلِّي فِيهِ وَلَا يمر عَلَيْهِ أحد ويتوفر عَلَيْهِ فرَاغ الْقلب.

     وَقَالَ  ابْن بطال حجيرة مخصفة يَعْنِي ثوبا أَو حَصِيرا اقتطع بِهِ مَكَانا من الْمَسْجِد واستتر بِهِ وَأرَاهُ يُقَال خصفت على نَفسِي ثوبا أَي جمعت بَين طَرفَيْهِ بِعُود أَو خيط قَوْله أَو حَصِيرا شكّ من الرَّاوِي قَوْله " فتتبع إِلَيْهِ " أَي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من التتبع وَهُوَ الطّلب وَمَعْنَاهُ طلبُوا مَوْضِعه واجتمعوا إِلَيْهِ قَوْله ثمَّ جاؤا لَيْلَة أَي لَيْلَة ليصلوا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يخرج إِلَيْهِم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا الْبابُُ أَي رَمَوْهُ بالحصباء وَهِي الْحَصَى الصَّغِيرَة قَوْله فَخرج أَي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَيْهِم حَال كَونه مغضبا وَسبب غَضَبه أَنهم اجْتَمعُوا بِغَيْر أمره وَلم يكتفوا بِالْإِشَارَةِ مِنْهُ لكَونه لم يخرج إِلَيْهِم وبالغوا حَتَّى حصبوا بابُُه وَقيل كَانَ غَضَبه لكَونه تَأَخّر إشفاقا عَلَيْهِم لِئَلَّا يفْرض عَلَيْهِم وهم يظنون غير ذَلِك.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي إِنَّمَا غضب عَلَيْهِم لأَنهم صلوا فِي مَسْجده الْخَاص بِغَيْر إِذْنه.

     وَقَالَ  بَعضهم وَأبْعد من قَالَ صلوا فِي مَسْجده بِغَيْر إِذْنه قلت غمز بِهِ على الْكرْمَانِي وَلَا بعد فِيهِ أصلا بل الْأَقْرَب هَذَا على مَا لَا يخفى قَوْله " مازال بكم " أَي ملتبسا بكم صنيعكم أَي مصنوعكم وَالْمرَاد بِهِ صلَاتهم قَوْله حَتَّى ظَنَنْت أَي حَتَّى خفت من الظَّن بِمَعْنى الْخَوْف هُنَا قَوْله " سيكتب عَلَيْكُم " أَي سيفرض عَلَيْكُم فَلَا تقوموا بِحقِّهِ فتعاقبوا عَلَيْهِ قَوْله " إِلَّا الْمَكْتُوبَة " أَي الْفَرِيضَة وَفِيه أَن أفضل النَّافِلَة مَا كَانَ مِنْهَا فِي الْبيُوت وَعند السّتْر عَن أعين النَّاس إِلَّا مَا كَانَ من شعار الشَّرِيعَة كالعيد وَحكى ابْن التِّين عَن قوم أَنه يسْتَحبّ أَن يَجْعَل فِي بَيته من فَرِيضَة والْحَدِيث يرد عَلَيْهِ فَإِن قلت ورد قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اجعلوا من صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تتخذوها قبورا قلت هُوَ مَحْمُول على النَّافِلَة