فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب صوم يوم النحر

( بابُُ الصَّوْمِ يَوْمَ النَّحْرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم صَوْم يَوْم النَّحْر، وَالْكَلَام فِي إبهامه الحكم كَالْكَلَامِ فِي الَّذِي قبله.

قَوْله: ( بابُُ الصَّوْم) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: ( بابُُ صَوْم يَوْم النَّحْر) .



[ قــ :1912 ... غــ :1993 ]
- حدَّثنا إبْراهِيمُ بنُ مُوسَى قَالَ أخبرَنا هِشامٌ عنِ ابنِ جُرِيجٍ قَالَ أخبرَني عَمْرُو بنُ دِينارٍ عنْ عَطاءِ بنِ مِينَاء قَالَ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ يُنْهَى عنْ صِيَامَيْنِ وبَيْعَتَيْنِ الْفِطْرِ والنَّحْرِ والْمُلاَمَسَةِ والْمُنَابِذَةِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( والنحر) ، فَإِن صَوْمه أحد الصيامين المنهيين، وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء أَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ، يعرف بالصغير، وَهِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ وَفِي بعض النّسخ هُوَ مَذْكُور بنسبته إِلَى أَبِيه، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء بن ميناء، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون، الْمَشْهُور أَنه مَقْصُور: مولى أبي ذُبابُُ الْحَيَوَان الْمَعْرُوف الْمدنِي.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق.

قَوْله: ( ينْهَى) كَذَا هُنَا بِضَم أَوله على الْبناء للْمَجْهُول، وَفِي مُسلم بِلَفْظ: ( نهى أَو نهي عَن بيعَتَيْنِ: الْمُلَامسَة والمنابذة) .
وَلم يذكر صوما.
قَوْله: ( عَن صيامين) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ( عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: نهى يَعْنِي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صِيَام يَوْمَيْنِ وَعَن لبستين وَعَن بيعَتَيْنِ، فَأَما صِيَام يَوْمَيْنِ: فالفطر والأضحى، وَأما البيعتان: فالملامسة) وَلم يذكر الْمُنَابذَة.
وَعند الْبَيْهَقِيّ: ( نهى عَن صِيَام يَوْم الْأَضْحَى وَيَوْم الْفطر) ، وَعند ابْن مَاجَه: ( أَيَّام منى أَيَّام أكل وَشرب) .
قَوْله: ( الْفطر والنحر) ، فِيهِ لف وَنشر يرجع إِلَى صيامين، وَقَوله: ( الْمُلَامسَة والمنابذة) يرجع إِلَى البيعتين، وَقد روى عَن أبي هُرَيْرَة فِي: بابُُ مَا يستر من الْعَوْرَة.
.

     وَقَالَ : ( نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيعَتَيْنِ، عَن الملاس والنباذ) .
الحَدِيث، وَقد مر بَيَانه هُنَاكَ.





[ قــ :1913 ... غــ :1994 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثنا مُعاذٌ قَالَ أخبرنَا ابنُ عَوْنٍ عنْ زِيادِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ جاءَ رجُلٌ إِلَى ابنِ عُمعرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ رجُلٌ نذَرَ أنْ يصُومَ يَوْمًا قَالَ أظُنُّهُ قَالَ الاثْنَيْن فَوافقَ يَوْمَ عِيدٍ فَقَالَ ابنُ عُمرَ أمَرَ الله بِوَفاءِ النَّذْرِ ونَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْ صَوْمِ هَذا اليَوْمِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَوْم هَذَا الْيَوْم) وَهُوَ يُوضح الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة.
فَإِن قلت: لم يُفَسر الْعِيد فِي الْأَثر فَكيف يكون التطابق؟ قلت: المسؤول عَنهُ يَوْم النَّحْر لِأَنَّهُ مُصَرح بِهِ فِي رِوَايَة يزِيد بن زُرَيْع عَن يُونُس ( عَن زِيَاد بن جُبَير، قَالَ: كنت مَعَ ابْن عمر فَسَأَلَهُ رجل، فَقَالَ: نذرت أَن أَصوم كل يَوْم ثَلَاثًا، أَو أَرْبعا، مَا عِشْت، فَوَافَقت هَذَا الْيَوْم يَوْم النَّحْر، فَقَالَ: أَمر الله تَعَالَى بوفاء النّذر، ونهينا أَن نَصُوم يَوْم النَّحْر، فَأَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ مثله لَا يزِيد عَلَيْهِ) .
رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور فِي: بابُُ من نذر أَن يَصُوم أَيَّامًا فَوَافَقَ يَوْم النَّحْر، على مَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَأخرجه مُسلم: ( عَن زِيَاد بن جُبَير، قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عمر، فَقَالَ: إِنِّي نذرت أَن أَصوم يَوْمًا، فَوَافَقَ يَوْم أضحى أَو فطر.
.
)
الحَدِيث، وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة أَحْمد عَن إِسْمَاعِيل بن علية عَن يُونُس، وَفِي رِوَايَة وَكِيع: فَوَافَقَ يَوْم أضحى أَو فطر.

ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: مُحَمَّد بن الْمثنى، وَقد مر غير مرّة.
الثَّانِي: معَاذ بن معَاذ الْعَنْبَري.
الثَّالِث: ابْن عون هُوَ عبيد الله بن عون بن أرطبان الْبَصْرِيّ.
الرَّابِع: زِيَاد بن جُبَير، بِضَم الحيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن حَيَّة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: الثَّقَفِيّ، وَقد مر فِي: بابُُ نحر الْإِبِل الْمقيدَة بِالْحَجِّ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( جَاءَ رجل) لم يدر اسْمه، وَفِي رِوَايَة أَحْمد: عَن هشيم عَن يُونُس بن عبيد عَن زِيَاد بن جُبَير: ( رَأَيْت رجلا جَاءَ إِلَى ابْن عمر) ، فَذكره، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن إِسْمَاعِيل عَن يُونُس بِسَنَدِهِ: ( سَأَلَ رجل ابْن عمر، وَهُوَ يمشي بمنى) .
قَوْله: ( قَالَ: أَظُنهُ) أَي: قَالَ الرجل الجائي: أَظُنهُ قَالَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ، فَهَذَا يدل على أَن الْقَضِيَّة لَيست للرجل الجائي، لِأَنَّهُ قَالَ: ( فَقَالَ رجل: نذرت) ، وَرِوَايَة مُسلم الَّتِي ذَكرنَاهَا الْآن تدل على أَن الْقَضِيَّة للرجل الجائي حَيْثُ قَالَ زِيَاد بن جُبَير: ( كنت مَعَ ابْن عمر فَسَأَلَهُ رجل، فَقَالَ: نذرت أَن أَصوم) الحَدِيث، وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ عَن يزِيد بن زُرَيْع، وَقد مضى الْآن.
قَوْله: ( فَوَافَقَ ذَلِك) أَي: وَافق نَذره بِصَوْم يَوْم عيد.
قَوْله: ( فَقَالَ ابْن عمر) إِلَى آخِره: حَاصله أَن ابْن عمر توقف عَن الْجَزْم بجوابه، لتعارض الْأَدِلَّة عِنْده، وَيحْتَمل أَنه عرض للسَّائِل: بِأَن الِاحْتِيَاط لَك الْقَضَاء، فتجمع بَين أَمر الله وَهُوَ قَوْله: { فليوفوا نذورهم} ( الْحَج: 9) .
وَبَين أَمر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ أمره بترك صَوْم يومي الْعِيد،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: قد تورع ابْن عمر عَن قطع الْفتيا فِيهِ.
انْتهى.
وَقيل: إِذا تلاقى الْأَمر وَالنَّهْي فِي مَحل قدم النَّهْي.
وَقيل: يحْتَمل أَن يكون ابْن عمر أَرَادَ أَن كلاًّ من الدَّلِيلَيْنِ يعْمل بِهِ، فيصوم يَوْمًا مَكَان يَوْم النّذر، وَيتْرك صَوْم يَوْم الْعِيد.
وَقيل: إِن ابْن عمر نبه على أَن الْوَفَاء بِالنذرِ عَام، وَالْمَنْع من صَوْم يَوْم الْعِيد خَاص، فَكَأَنَّهُ أفهمهُ أَنه يقْضِي بالخاص على الْعَام، ورد عَلَيْهِ بِأَن النَّهْي عَن صَوْم يَوْم الْعِيد فِيهِ أَيْضا عُمُوم للمخاطبين، وَلكُل عيد، فَلَا يكون من حمل الْخَاص على الْعَام.





[ قــ :1914 ... غــ :1995 ]
- حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ قَزَعَةَ قَالَ سَمِعْتُ أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ وكانَ غَزَا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً قَالَ سَمِعْتُ أرْبَعا مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعْجَبْنَنِي قَالَ لَا تُسَافِرِ المَرأةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إلاَّ ومَعَهَا زَوْجُهَا أوْ ذُو مَحْرَمٍ ولاَ صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ الْفِطْرِ والأضْحَى ولاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ولاَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ ولاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إلاَّ إلَى ثَلاَثَةِ مَساجِدَ مَسْجِدِ الحَرَامِ ومَسْجِدِ الأقْصَى ومَسْجِدي هَذا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَلَا صَوْم فِي يَوْمَيْنِ الْفطر والأضحى) وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه قد مضى فِي أَوَاخِر الصَّلَاة فِي: بابُُ مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد عَن شعبه عَن عبد الْملك عَن قزعة مولى زِيَاد، قَالَ: سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ ... إِلَى آخِره.
وَقَوله: ( وَكَانَ غزا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثِنْتَيْ عشرَة غَزْوَة) ، لَيْسَ هُنَاكَ.
وَبعد قَوْله: ( فأعجبنني وآنقني) هُنَاكَ، وَالْبَاقِي سَوَاء، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.

وقزعة، بِفَتْح الْقَاف وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة: هُوَ ابْن يحيى، وَهَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على أَحْكَام، وَالْغَرَض من إِيرَاده هُنَا حكم الصَّوْم.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَاسْتدلَّ بِهِ على جَوَاز صِيَام أَيَّام التَّشْرِيق للإقتصار فِيهِ على ذكر يومي الْفطر والنحر خَاصَّة! قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا الِاسْتِدْلَال، لِأَن الأَصْل جَوَاز الصَّوْم فِي الْأَيَّام كلهَا، وَلَكِن جَاءَ النَّهْي عَن صَوْم يومي الْفطر والأضحى وَصَوْم أَيَّام التَّشْرِيق أَيْضا على مَا يَجِيء بَيَانه مَعَ الْخلاف فِيهِ.
<"

( بابُُ صِيامِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان صَوْم أَيَّام التَّشْرِيق، وَلم يذكر الحكم لاخْتِلَاف الْعلمَاء فِيهِ، واكتفاء مِمَّا فِي الحَدِيث.
وَأَيَّام التَّشْرِيق يُقَال لَهَا: الْأَيَّام المعدودات، وَأَيَّام منى، وَهِي: الْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر وَالثَّالِث عشر من ذِي الْحجَّة، وَسميت أَيَّام التَّشْرِيق لِأَن لُحُوم الْأَضَاحِي تشرق فِيهَا، أَي: تنشر فِي الشَّمْس، وإضافتها إِلَى منى لِأَن الْحَاج فِيهَا فِي منى.
وَقيل: لِأَن الْهَدْي لَا ينْحَر حَتَّى تشرق الشَّمْس، وَقيل: لِأَن صَلَاة الْعِيد عِنْد شروق الشَّمْس أول يَوْم مِنْهَا، فَصَارَت هَذِه الْأَيَّام تبعا ليَوْم النَّحْر، وَهَذَا يعضد قَول من يَقُول: يَوْم النَّحْر مِنْهَا.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: التَّشْرِيق التَّكْبِير دبر الصَّلَاة وَاخْتلفُوا فِي تعْيين أَيَّام التَّشْرِيق وَالأَصَح أَنَّهَا ثَلَاثَة أَيَّام بعد يَوْم النَّحْر.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: بل أَيَّام النَّحْر، وَعند أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يدْخل فِيهَا الْيَوْم الثَّالِث بعد يَوْم النَّحْر.

وَاخْتلفُوا فِي صِيَام أَيَّام التَّشْرِيق على أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه لَا يجوز صيامها مُطلقًا وَلَيْسَت قَابِلَة للصَّوْم، وَلَا للمتمتع الَّذِي لم يجد الْهَدْي وَلَا لغيره، وَبِه قَالَ عَليّ بن أبي طَالب وَالْحسن وَعَطَاء، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد، وَعَلِيهِ الْعَمَل وَالْفَتْوَى عِنْد أَصْحَابه، وَهُوَ قَول اللَّيْث بن سعد وَابْن علية وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه، قَالُوا: إِذا نذر صيامها وَجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا.
وَالثَّانِي: أَنه يجوز الصّيام فِيهَا مُطلقًا، وَبِه قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي من الشَّافِعِيَّة، وَحَكَاهُ ابْن عبد الْبر فِي ( التَّمْهِيد) عَن بعض أهل الْعلم، وَحكى ابْن الْمُنْذر وَغَيره عَن الزبير بن الْعَوام وَأبي طَلْحَة من الصَّحَابَة الْجَوَاز مُطلقًا.
وَالثَّالِث: أَنه يجوز للمتمتع الَّذِي لم يجد الْهَدْي وَلم يصم الثَّلَاث فِي أَيَّام الْعشْر، وَهُوَ قَول عَائِشَة وَعبد الله بن عمر وَعُرْوَة بن الزبير وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم،.

     وَقَالَ  الْمُزنِيّ: إِنَّه رَجَعَ عَنهُ.
وَالرَّابِع: جَوَاز صيامها للمتمتع، وَعَن النّذر: إِن نذر صيامها إِن قدر صِيَام أَيَّام قبلهَا مُتَّصِلَة بهَا، وَهُوَ قَول لبَعض أَصْحَاب مَالك.
وَالْخَامِس: التَّفْرِقَة بَين الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلين مِنْهَا وَالْيَوْم الْأَخير، فَلَا يجوز صَوْم الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلين إلاَّ للمتمتع الْمَذْكُور، وَيجوز صَوْم الْيَوْم الثَّالِث لَهُ، وللنذر، وَكَذَا فِي الْكَفَّارَة: إِن صَامَ قبله صياما مُتَتَابِعًا، ثمَّ مرض وَصَحَّ فِيهِ، وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك.
وَالسَّادِس: جَوَاز صِيَام الْيَوْم الآخر من أَيَّام التَّشْرِيق مُطلقًا، حَكَاهُ ابْن الْعَرَبِيّ عَن عُلَمَائهمْ، فَقَالَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: صَوْم يَوْم الْفطر وَيَوْم النَّحْر حرَام، وَصَوْم الْيَوْم الرَّابِع لَا نهي فِيهِ.
وَالسَّابِع: أَنه يجوز صيامها للمتمتع بِشَرْطِهِ، وَفِي كَفَّارَة الظِّهَار حَكَاهُ ابْن الْعَرَبِيّ عَن مَالك قولا لَهُ.
وَالثَّامِن: جَوَاز صيامها عَن كَفَّارَة الْيَمين،.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: توقف فِيهِ مَالك.
وَالتَّاسِع: أَنه يجوز صيامها للنذر فَقَط، وَلَا يجوز للمتمتع وَلَا غَيره، حَكَاهُ الخراسانيون عَن أبي حنيفَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: لَا يُسَاوِي سَمَاعه.
قلت: لم يَصح هَذَا عَن أبي حنيفَة، وَلَا يُسَاوِي سَماع هَذَا النَّقْل.



[ قــ :1914 ... غــ :1996 ]
- قَالَ أبُو عَبْدِ الله.

     وَقَالَ  لِي مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا يَحْيى عنْ هِشامٍ قَالَ أخبرَنِي أبِي قَالَ كانَتْ عائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا تَصُومُ أيَّامَ مِنًى وكانَ أبُوهَا يَصُومُهَا.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُوضح الْإِبْهَام الَّذِي فِيهَا، وَهُوَ مَوْقُوف على عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: كَأَنَّهُ لم يُصَرح فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ لكَونه مَوْقُوفا على عَائِشَة قلت: إِنَّمَا ترك التحديث لِأَنَّهُ أَخذه عَن مُحَمَّد بن الْمثنى مذاكرة، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف من عَادَته، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير.
قَوْله: ( أَيَّام منى) ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: ( أَيَّام التَّشْرِيق بمنى) .
قَوْله: ( وَكَانَ أَبوهَا) ، أَي: أَبُو عَائِشَة، وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ( يصومها) أَي: أَيَّام التَّشْرِيق، هَذَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة.
وَفِي رِوَايَة غَيرهَا: ( وَكَانَ أَبوهُ) ، أَي: أَبُو هِشَام، وَهُوَ عُرْوَة، كَانَ يَصُوم أَيَّام التَّشْرِيق، وَالْقَائِل لهَذَا الْكَلَام أَعنِي: وَكَانَ أَبوهُ هُوَ يحيى الْقطَّان، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة الْقَائِل هُوَ عُرْوَة.





[ قــ :1914 ... غــ :1998 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عِيسَى عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ وعنْ سَالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ قالاَ لَمْ يُرَخَّصْ فِي أيَّامِ التَّشْرِيقِ أنْ يَصُمْنَ إلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُوضح الْإِطْلَاق الَّذِي فِيهَا، وَكَانَ إِطْلَاقهَا لأجل الِاخْتِلَاف فِي صَوْم أَيَّام التَّشْرِيق، فأوضح الْخلاف الَّذِي يتَضَمَّن هَذَا الْإِطْلَاق بأثر عَائِشَة وبأثرها أَيْضا وَأثر ابْن عمر أَن الْجَوَاز لمن لم يجد الْهَدْي لَا مُطلقًا.
فَإِن قلت: أثر عَائِشَة الْمَذْكُورَة أَولا مُطلق، وَالثَّانِي مُقَيّد، فَمَا وَجه ذَلِك؟ قلت: يجوز أَن تكون عَائِشَة عدت أَيَّام التَّشْرِيق من أَيَّام الْحَج، وخفي عَلَيْهَا مَا كَانَ من نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصّيام فِي هَذِه الْأَيَّام، الَّذِي يدل على أَنَّهَا لَا تدخل فِيمَا أَبَاحَ الله، عز وَجل، صَوْمه من ذَلِك.
فَإِن قلت: كَيفَ يخفي عَلَيْهَا هَذَا الْمِقْدَار مَعَ مكانتها فِي الْعلم وقربها من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: هَذَا مِنْهَا احتهاد، والمجتهد قد يخفى عَلَيْهِ مَا لَا يخفى على غَيره.

ذكر رِجَاله وهم تِسْعَة: الأول: مُحَمَّد بن بشار، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي: غنْدر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر.
الثَّالِث: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الرَّابِع: عبد الله بن عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَهُوَ ابْن أخي مُحَمَّد بن أبي ليلى الْفَقِيه الْمَشْهُور، وَكَانَ عبد الله أسن من عَمه مُحَمَّد، وَكَانَ يُقَال: إِنَّه أفضل من عَمه.
الْخَامِس: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
السَّادِس: عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
السَّابِع: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
الثَّامِن: سَالم بن عبد الله بن عمر.
التَّاسِع: أَبوهُ عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: أَن عبد الله بن عِيسَى لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَآخر فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، من رِوَايَته عَن جده عبد الرَّحْمَن عَن كَعْب ابْن عجْرَة.
وَفِيه: شُعْبَة: سَمِعت عبد الله بن عِيسَى عَن الزُّهْرِيّ، وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق النَّضر بن شُمَيْل: عَن شُعْبَة عَن عبد الله بن عِيسَى سَمِعت الزُّهْرِيّ.
وَفِيه: وَعَن سَالم هُوَ من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن سَالم فَهُوَ مَوْصُول.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَالَا) أَي: عَائِشَة وَعبد الله بن عمر.
قَوْله: (لم يرخص) ، بِضَم الْيَاء على صِيغَة الْمَجْهُول، كَذَا رَوَاهُ الْحفاظ من أَصْحَاب شُعْبَة.
وَقَوله: (يصمن) ، على صِيغَة الْمَجْهُول للْجمع الْمُؤَنَّث أَي: يصام فِيهِنَّ، فَحذف الْجَار، وأوصل الْفِعْل إِلَى الضَّمِير.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَوَقع فِي رِوَايَة يحيى بن سَلام عَن شُعْبَة عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ والطَّحَاوِي: (رخص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمتمتع إِذا لم يجد الْهَدْي أَن يَصُوم أَيَّام التَّشْرِيق) .
قلت: هَذَا لفظ الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَفظ الطَّحَاوِيّ، لَيْسَ كَذَلِك، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عبد الحكم، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن سَلام، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة عَن ابْن أبي ليلى عَن الزُّهْرِيّ (عَن سَالم عَن أَبِيه أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ فِي الْمُتَمَتّع: إِذا لم يجد الْهَدْي وَلم يصم فِي الْعشْر، أَنه يَصُوم أَيَّام التَّشْرِيق) .
وَذكر الطَّحَاوِيّ هَذَا فِي معرض الِاحْتِجَاج لمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، فَإِنَّهُم قَالُوا: للمتمتع، إِذا لم يصم فِي أَيَّام الْعشْر لعدم الْهَدْي، يجوز لَهُ أَن يَصُوم فِي أَيَّام التَّشْرِيق، وَكَذَا الْقَارِن والمحصر، ثمَّ احْتج لأبي حنيفَة وَأَصْحَابه بِحَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (خرج مُنَادِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي أَيَّام التَّشْرِيق، فَقَالَ: إِن هَذِه الْأَيَّام أَيَّام أكل وَشرب) .
وَأخرجه بِإِسْنَاد حسن.
وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَأحمد والدارمي وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بأطول مِنْهُ.
وَفِيه: (إِن هَذِه الْأَيَّام أَيَّام أكل وَشرب) .
وَأخرج أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: (أَمرنِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن أنادي أَيَّام منى: إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب، فَلَا صَوْم فِيهَا) .
يَعْنِي أَيَّام التَّشْرِيق، وَأخرجه أَحْمد فِي (مُسْند) ، وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث عَطاء (عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أكل وَشرب) .
وَأخرج أَيْضا من حَدِيث سعيد بن أبي كثير: أَن جَعْفَر بن الْمطلب أخبرهُ (أَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ دخل على عَمْرو بن الْعَاصِ فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاء، فَقَالَ: إِنِّي صَائِم، ثمَّ الثَّانِيَة فَكَذَلِك، ثمَّ الثَّالِثَة فَكَذَلِك، فَقَالَا: لَا إلاَّ أَن تكون سمعته من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: فَإِنِّي سمعته من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَعْنِي: النَّهْي عَن الصّيام أَيَّام التَّشْرِيق.

وَأخرج أَيْضا من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار (عَن عبد الله بن حذافة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يُنَادي فِي أَيَّام التَّشْرِيق: إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب) .
وَإِسْنَاده صَحِيح.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ.
وَأخرج أَيْضا من حَدِيث عمر بن أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أكل وَشرب، وَذكر الله عز وَجل.
وَأخرج أَيْضا من حَدِيث أبي الْمليح الْهُذلِيّ عَن نُبَيْشَة الْهُذلِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله.
وَأخرجه مُسلم وَأخرج أَيْضا من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار أَن نَافِع بن جُبَير أخبرهُ عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عمر: وَقد سَمَّاهُ نَافِع فَنسيته: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لرجل من بني غفار، وَيُقَال لَهُ: بشر بن سحيم: قُم فَأذن فِي النَّاس، إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب، فِي أَيَّام منى.
وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه.

وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث يزِيد الرقاشِي (عَن أنس بن مَالك، قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَوْم أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة بعد يَوْم النَّحْر) .
وَأخرجه أَبُو يعلى فِي (مُسْنده) من حَدِيث يزِيد الرقاشِي (عَن أنس: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن صَوْم خَمْسَة أَيَّام من السّنة، يَوْم الْفطر، وَيَوْم النَّحْر، وَأَيَّام التَّشْرِيق) .
وَهَذِه حجَّة قَوِيَّة لِأَصْحَابِنَا فِي حُرْمَة الصَّوْم فِي الْأَيَّام الْخَمْسَة.

وَأخرج أَيْضا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن جُبَير (عَن معمر بن عبد الله الْعَدوي قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أؤذن فِي أَيَّام التَّشْرِيق بمنى: لَا يصومن أحد فَإِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب) ، وَأخرجه أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِي (مُعْجم الصَّحَابَة) وَأخرج أَيْضا من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار، وَقبيصَة بن ذُؤَيْب يحدثان عَن أم الْفضل، امْرَأَة عَبَّاس بن عبد الْمطلب، قَالَت: كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بمنى أَيَّام التَّشْرِيق، فَسمِعت مناديا يَقُول: إِن هَذِه الْأَيَّام أَيَّام طعم وَشرب، وَذكر لله، قَالَت: فَأرْسلت رَسُولا من الرجل وَمن أمره، فَجَاءَنِي الرَّسُول فَحَدثني أَنه رجل يُقَال لَهُ حذافة، يَقُول: أَمرنِي بهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .

وَأخرج أَيْضا عمر بن خلدَة الزرقي عَن أمه قَالَت: (بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب فِي أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق، فَنَادَى فِي النَّاس: لَا تَصُومُوا فِي هَذِه الْأَيَّام فَإِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وبعال) .
وَأخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُسْنده) .
وَأخرج أَيْضا من حَدِيث مَسْعُود بن الحكم الزرقي قَالَ: (حَدَّثتنِي أُمِّي قَالَت: لكَأَنِّي أنظر إِلَى عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على بغلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيْضَاء.
حِين قَامَ إِلَى شعب الْأَنْصَار.
وَهُوَ يَقُول: يَا معشر الْمُسلمين! إِنَّهَا لَيست بأيام صَوْم، إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وَذكر لله عز وَجل) .
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا.
وَأخرج أَيْضا من حَدِيث مخرمَة بن بكير عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت سُلَيْمَان بن يسَار يزْعم أَنه سمع ابْن الحكم الزرقي يَقُول: حَدثنَا أبي أَنهم كَانُوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَمِعُوا رَاكِبًا وَهُوَ يصْرخ: لَا يصومن أحد، فَإِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب) .
وَابْن الحكم: هُوَ مَسْعُود بن الحكم، وَأَبوهُ الحكم الزرقي ذكره ابْن الْأَثِير فِي الصحاب.
وَأخرج أَيْضا من حَدِيث يحيى بن سعيد أَنه سمع يُوسُف بن مَسْعُود بن الحكم الزرقي يَقُول: حَدَّثتنِي جدتي فَذكر نَحوه، وجدته حَبِيبَة بنت شريق.

وَأخرج أَيْضا من حَدِيث مَسْعُود بن الحكم الْأنْصَارِيّ عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: أَمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عبد الله بن حذافة أَن يركب رَاحِلَته أَيَّام منى فَيَصِيح فِي النَّاس: (أَلا لاَ يصومن أحد، فَإِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب، قَالَ: فَلَقَد رَأَيْته على رَاحِلَته يُنَادي بذلك) .
وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد ضَعِيف وَفِي آخِره: (أَلا إِن هَذِه أَيَّام عيد وَأكل وَشرب، وَذكر، فَلَا يصومن إلاَّ محصر أَو متمتع لم يجد هَديا، وَلم يصم فِي أَيَّام الْحَج المتتابعة فليصمهن) ، فَهَذَا الطَّحَاوِيّ أخرج أَحَادِيث النَّهْي عَن الصَّوْم فِي أَيَّام التَّشْرِيق عَن سِتَّة عشر نفسا من الصَّحَابَة، وَهَذَا هُوَ الإِمَام الجهبذ صَاحب الْيَد الطُّولى فِي هَذَا الْفَنّ.

وَفِي الْبابُُ حَدِيث أم عَمْرو بن سليم عِنْد أَحْمد، وَعقبَة ابْن عَامر عِنْد التِّرْمِذِيّ، وَحَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ عِنْد الطَّبَرَانِيّ، وَكَعب بن مَالك عِنْد أَحْمد وَمُسلم، وَعبد الله بن عمر وَعند النَّسَائِيّ، وَعَمْرو بن الْعَاصِ عِنْد أبي دَاوُد، وَبُدَيْل بن وَرْقَاء عِنْد الطَّبَرَانِيّ، وَزيد بن خَالِد عِنْد أبي يعلى الْموصِلِي، وَلَفظه: (أَلا إِن هَذِه الْأَيَّام أَيَّام أكل وَشرب وَنِكَاح) ، وَجَابِر عِنْد ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَلَمَّا ثَبت بِهَذِهِ الْآثَار عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، النَّهْي عَن صِيَام أَيَّام التَّشْرِيق، وَكَانَ نَهْيه عَن ذَلِك بمنى، وَالْحجاج مقيمون بهَا، وَفِيهِمْ المتمتعون والقارنون، وَلم يسْتَثْن مِنْهُم مُتَمَتِّعا وَلَا قَارنا، دخل المتمتعون والقارنون فِي ذَلِك، ثمَّ أجَاب عَن حَدِيثهمْ، وَهُوَ حَدِيث عبد الله بن عمرَان، فِي إِسْنَاده يحيى بن سَلام، أَنه حَدِيث مُنكر لَا يُثبتهُ أهل الْعلم بالرواية لضعف يحيى بن سَلام، وَابْن أبي ليلى وَفَسَاد حفظهما، وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا ضعف يحيى بن سَلام، وَابْن أبي ليلى فِيهِ مقَال، وَكَانَ يحيى بن سعيد يُضعفهُ، وَعَن أَحْمد: كَانَ سيء الْحِفْظ مُضْطَرب الحَدِيث، وَعَن أبي حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ فَإِن قلت: ابْن أبي ليلى هُوَ عبد الله بن عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ليلى، وَهُوَ ثِقَة عِنْد الْكل.
قلت: ذكر الطَّحَاوِيّ ابْن أبي ليلى بِفساد حفظه وَضعه يدل على أَنه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، إِذْ لَو كَانَ هُوَ عبد الله بن عِيسَى لما ذكره هَكَذَا، على أَنا نقُول: قد قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: عبد الله بن عِيسَى بن أبي ليلى عِنْدِي مُنكر، وَكَانَ يتشيع، وَأَيْضًا فَالْحَدِيث الَّذِي فِيهِ عبد الله بن عِيسَى لَيْسَ بمرفوع، بِخِلَاف الحَدِيث الَّذِي ذكره الطَّحَاوِيّ وَقد اخْتلفُوا فِي قَول الصَّحَابِيّ: أمرنَا بِكَذَا ونهينا عَن كَذَا، هَل لَهُ حكم الرّفْع؟ على أَقْوَال: ثَالِثهَا إِن أَضَافَهُ إِلَى عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلهُ حكم الرّفْع، وإلاَّ فَلَا.
وَاخْتلف التَّرْجِيح فِيمَا إِذا لم يضفه ويلتحق بِهِ، رخص لنا فِي كَذَا، أَو عزم علينا أَن لَا نَفْعل كَذَا.
فَالْكل فِي الحكم سَوَاء، وَقد حصل الْجَواب عَن أثر عَائِشَة وَابْن عمر عِنْد ذكره عَن عبد الله بن عِيسَى.