فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم

( بابُُ مَنْ أهَلَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ كإهْلالِ النبيِّ قالَهُ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من أهلَّ، أَي: أحرم فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى جَوَاز الْإِحْرَام على الْإِيهَام ثمَّ يصرفهُ الْمحرم لما شَاءَ لكَون ذَلِك وَقع فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَنْهَهُ عَن ذَلِك، وَقيل: كَانَ البُخَارِيّ لما لم ير إِحْرَام التَّقْلِيد وَلَا الْإِحْرَام الْمُطلق ثمَّ يعين بعد ذَلِك أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة بقوله: بابُُ من أهل فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كإهلاله، إِلَى أَن هَذَا خَاص بذلك الزَّمن، فَلَيْسَ لأحد أَن يحرم مَا أحرم بِهِ فلَان، بل لَا بُد أَن يعين الْعِبَادَة الَّتِي يَرَاهَا، ودعت الْحَاجة إِلَى الْإِطْلَاق وَالْحوالَة على إِحْرَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن عليا وَأَبا مُوسَى لم يكن عِنْدهمَا أصل يرجعان إِلَيْهِ فِي كَيْفيَّة الْإِحْرَام، فأحالا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَما الْآن فقد اسْتَقَرَّتْ الْأَحْكَام وَعرفت مَرَاتِب كيفيات الْإِحْرَام.
انْتهى.
قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه سلمناه فِي بعضه، وَلَا نسلم فِي قَوْله: كَانَ البُخَارِيّ لم ير إِحْرَام التَّقْلِيد وَلَا الْإِحْرَام الْمُطلق، أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى هَذَا خَاص بذلك الزَّمن، لِأَنَّهُ ذكر فِي التَّرْجَمَة مُطلقًا.
من أهل كإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمن أَيْن تَأتي هَذِه الْإِشَارَة إِلَى مَا ذكره؟ فالترجمة ساكتة عَن ذَلِك وَلَا يُعلم رَأْي البُخَارِيّ فِي هَذَا الحكم مَا هُوَ؟ فَافْهَم.
قَوْله: ( قَالَ ابْن عمر) أَي: قَالَ هَذَا الْمَذْكُور الَّذِي هُوَ التَّرْجَمَة عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَيُشِير بِهِ إِلَى مَا أخرجه فِي: بابُُ بعث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى الْيمن، فِي ( كتاب الْمَغَازِي) من طَرِيق بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن ابْن عمر، فَذكر حَدِيثا فِيهِ: ( فَقدم علينا عَليّ بن أبي طَالب من الْيمن حَاجا، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِمَ أَهلَلْت فَإِن مَعنا أهلك؟ فَقَالَ: أَهلَلْت بِمَا أهلَّ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.
)
الحَدِيث.
وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: ( فَإِن مَعنا أهلك) لِأَن فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، كَانَت قد تمتعت بِالْعُمْرَةِ وَأحلت، كَمَا بَينه مُسلم فِي حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ قَوْله: ( وَقدم علينا عَليّ من الْيمن ببدن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَوجدَ فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، مِمَّن حل ولبست ثيابًا صبيغا واكتحلت إِلَى أَن قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَاذَا قلت حِين فرضت الْحَج؟ قَالَ: قلت: أللهم إِنِّي أهل بِمَا أهل بِهِ رَسُولك.
قَالَ: فَإِن معي الْهَدْي فَلَا تحل)
.
وَفِي هَذَا دَلِيل لمَذْهَب الشَّافِعِي وَمن وَافقه، فَإِنَّهُ يَصح الْإِحْرَام مُعَلّقا بِأَن يَنْوِي إحراما كإحرام زيد، فَيصير هَذَا الْمُعَلق كإحرام زيد، فَإِن كَانَ زيد أحرم بِحَجّ كَانَ هَذَا بِحَجّ أَيْضا، وَإِن كَانَ بِعُمْرَة فبعمرة، وَإِن كَانَ بهما فبهما، فَإِن كَانَ زيد أحرم مُطلقًا صَار هَذَا محرما وإحراما مُطلقًا، فيصرفه إِلَى مَا شَاءَ من حج أَو عمْرَة وَلَا يلْزمه مُوَافقَة زيد فِي الصّرْف، قَالَه النَّوَوِيّ: وَحكى الرَّافِعِيّ وَجها أَنه يلْزمه مُوَافَقَته فِي الصّرْف، وَالصَّوَاب الأول، وَلَا يجوز عِنْد سَائِر الْعلمَاء وَالْأَئِمَّة، رَحِمهم الله، الْإِحْرَام بِالنِّيَّةِ المبهمة.
لقَوْله تَعَالَى: { وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} ( الْبَقَرَة: 691) .
وَلقَوْله: { وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم} ( مُحَمَّد: 33) .
وَلِأَن هَذَا كَانَ لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، خُصُوصا، وَكَذَا لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَسَيَأْتِي بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.



[ قــ :1493 ... غــ :1557 ]
- حدَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جابِرٌ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليَّا رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أَن يُقِيمَ عَلَى إحْرَامِهِ وذَكَرَ قَوْلَ سُرَاقَةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا أَن يُقيم على إِحْرَامه) ، وَذَلِكَ أَنه قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْيمن وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَكَّة، وَكَانَ قد أرْسلهُ إِلَى الْيمن قبل حجَّة الْوَدَاع، وَكَانَ عَليّ أحرم كإحرام النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُ: بِمَ أَهلَلْت؟ فَقَالَ: بإهلالك يَا رَسُول الله، فَأمره أَن يُقيم على إِحْرَامه وَلَا يحل لِأَنَّهُ كَانَ مَعَه هدي.

ذكر رِجَاله: وهم: أَرْبَعَة: الأول: الْمَكِّيّ بن إِبْرَاهِيم بن بشير بن فرقد الْحَنْظَلِي التَّمِيمِي الْبَلْخِي أَبُو السكن، وَهُوَ من جملَة من روى عَن أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَاتَ سنة أَربع عشر وَمِائَتَيْنِ ببلخ، وَقد قَارب مائَة سنة،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هُوَ الْمَنْسُوب إِلَى مَكَّة المشرفة، وَقد اعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بِأَن قَالَ: مَنْسُوب إِلَى مَكَّة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ اسْمه، وَهُوَ من بَلخ قلت: أَرَادَ بِهِ الْكرْمَانِي أَنه على صُورَة النِّسْبَة إِلَى مَكَّة وَلم يدَّعِ أَنه مَنْسُوب إِلَى مَكَّة حَقِيقَة.
الثَّانِي: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
الثَّالِث: عَطاء بن أبي رَبَاح.
الرَّابِع: جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه بلخي وان ابْن جريج وَعَطَاء مكيان.
وَفِيه: قَالَ عَطاء.

     وَقَالَ  جَابر وَهُوَ صُورَة التَّعْلِيق، وَهُوَ من رباعيات البُخَارِيّ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أَمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عليا أَن يُقيم على إِحْرَامه) ، وَذَلِكَ حِين قدم عَليّ من الْيمن كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَأمره أَن يُقيم على إِحْرَامه الَّذِي كَانَ أحرم بِهِ كإحرام النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يحل لِأَن مَعَه الْهَدْي قَوْله: ( وَذكر قَول سراقَة) ، أَي: ذكر جَابر فِي حَدِيثه قَول سراقَة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَاعل ذكر إِمَّا الْمَكِّيّ، وَإِمَّا جَابر، فقائله إِمَّا البُخَارِيّ، وَإِمَّا عَطاء.
وسراقة، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء بعد الْألف قَاف: ابْن مَالك بن جعْشم، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الشين الْمُعْجَمَة، وَقيل بفتجها الْكِنَانِي، بالنونين: المدلجي، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وبالجيم: الْحِجَازِي، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِسْعَة عشر حَدِيثا، روى البُخَارِيّ مِنْهَا وَاحِدًا، مَاتَ فِي أول خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سنة أَربع وَعشْرين، وَقَول سراقَة مَا ذكره البُخَارِيّ فِي: بابُُ عمْرَة التَّنْعِيم، من حَدِيث حبيب الْمعلم عَن عَطاء ( حَدثنِي جَابر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهلَّ هُوَ وَأَصْحَابه بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أحد مِنْهُم هدي غير النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَطَلْحَة، وَكَانَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قدم من الْيمن وَمَعَهُ هدي.
.
)
الحَدِيث.
وَفِيه: ( أَن سراقَة لَقِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْعقبَةِ وَهُوَ يرميها، فَقَالَ: ألكم هَذِه خَاصَّة يَا رَسُول الله؟ قَالَ لَا، بل لأبد الْأَبَد) .
وَرَوَاهُ مُسلم فِي ( صَحِيحه) عَن مُحَمَّد ابْن حَاتِم: حَدثنَا يحيى الْقطَّان أخبرنَا ابْن جريج ( أَخْبرنِي عَطاء، سَمِعت جَابِرا قَالَ: قدم عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من سعايته، فَقَالَ: بِمَ أَهلَلْت؟ قَالَ: بِمَا أهلَّ بِهِ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُ: فامكث حَرَامًا.
قَالَ: وأهد لَهُ هَديا؟ فَقَالَ سراقَة بن مَالك بن جعْشم: يَا رَسُول الله! لِعَامِنَا هَذَا أم لِلْأَبَد؟ فَقَالَ: لأبد)
.
فَقَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) : وَذكره البُخَارِيّ أَيْضا فِي: بابُُ بعث النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَليّ بن أبي طَالب وخَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، من ( كتاب الْمَغَازِي) عَن الْمَكِّيّ بِسَنَدِهِ، وَلم يذكر الْمُزنِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، وَلَا من سلفه أَن البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، خرجه فِيهِ وَهُوَ ثَابت فِيهِ، فِيمَا رَأَيْت من نسخ البُخَارِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى.





[ قــ :1494 ... غــ :1558 ]
- حدَّثنا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الخَلاَّلُ الهُذْلِيُّ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حدَّثنا سَليمُ بنُ حَيَّانَ قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ الأصْفَرَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
قَالَ قَدِمَ عَلِيٌّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ اليَمَنِ فقالَ بِمَ أهْلَلْتَ قَالَ بِمَا أهَلَّ بِه النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ لَوْلاَ أنَّ مَعِي الهَدْيَ لأحْلَلْتُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: الْحسن بن عَليّ الْخلال، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام الأولى: أَبُو عَليّ الْهُذلِيّ، بِضَم الْهَاء وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة، مَاتَ فِي مَكَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، وَقد مر.
الثَّالِث: سليم، بِفَتْح السِّين وَكسر اللَّام: ابْن حَيَّان، بِفَتْح الْهَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون، مر فِي: بابُُ التَّكْبِير على الْجِنَازَة.
الرَّابِع: مَرْوَان الْأَصْفَر.
وَيُقَال: الْأَحْمَر أَبُو خلف، وَيُقَال: اسْم أَبِيه خاقَان، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ عَن أنس سوى هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ من أَفْرَاد الصَّحِيح.
الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه حلواني، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة، نِسْبَة إِلَى حلوان، سكن مَكَّة وَأَن عبد الصَّمد وَسليمَان ومروان بصريون، وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بنسبته إِلَى الْقَبِيلَة وَهِي هُذَيْل بن مدركة وَإِلَى الحرفة.
وَفِيه: أحد الروَاة مَذْكُور بلقبه.

ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعَن حجاج بن الشَّاعِر.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن عبد الْوَارِث ابْن عبد الصَّمد،.

     وَقَالَ : حسن غَرِيب.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( بِمَا أَهلَلْت؟) أَي: بِمَا أَحرمت،.

     وَقَالَ  ابْن التياني: كَذَا وَقع، أَي: لفظ: ( بِمَا أَهلَلْت؟) .
وَفِي الْأُمَّهَات بِالْألف وَصَوَابه بِغَيْر ألف لِأَنَّهُ اسْتِفْهَام.
قَوْله: ( بِمَا أهل بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: بِالَّذِي أهل بِهِ، أَي: أحرم بِهِ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( لَوْلَا أَن معي الْهَدْي لأحللت) أَي: من الْإِحْرَام، وتمتعت لِأَن صَاحب الْهَدْي لَا يُمكنهُ التَّحَلُّل حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله، وَهُوَ فِي يَوْم النَّحْر.
قَوْله: ( لأحللت) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، و: أحللت، من أحلَّ من إِحْرَامه فَهُوَ محلٌّ وحِلٌّ.
قَالَ الله تَعَالَى: { وَإِذا حللتم فاصطادوا} ( الْمَائِدَة: ) .
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : اعْلَم أَن فِي حَدِيث أنس مُوَافقَة لرأي الْجَمَاعَة فِي إِفْرَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ الْمُهلب: ويردهم حَدِيث أنس، أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قرن، واتفاقه مَعَ الْجَمَاعَة أولى من الإتباع مِمَّا انْفَرد بِهِ وَخَالفهُم فِيهِ، فتسويغ الشَّارِع لنَفسِهِ لَوْلَا الْهَدْي يدل أَنه كَانَ مُفردا لِأَنَّهُ لَا يجوز للقارن الْإِحْلَال، وَإِن لم يكن مَعَه الْهَدْي حَتَّى يفرغ من الْحَج.
قلت: قَالَ الْخطابِيّ: فِي حَدِيث سليم دلَالَة على أَن سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ قَارنا لِأَن الْهَدْي لَا يجب على غير الْقَارِن أَو الْمُتَمَتّع، وَلَو كَانَ مُتَمَتِّعا لحل من إِحْرَامه للْعُمْرَة ثمَّ اسْتَأْنف إحراما لِلْحَجِّ، وَبِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور احْتج الشَّافِعِي على جَوَاز الْإِحْرَام الْمُبْهم وَقد ذَكرْنَاهُ.

وَزَادَ مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ أهْلَلْتَ يَا عَلَّيُّ قَالَ بَمَا أهَلَّ بِهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فأهْدِ وامْكُثْ حَرَاما كَمَا أنْتَ
أَي: زَاد مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي الَّذِي مر ذكره فِي: بابُُ تَضْييع الصَّلَاة، فِي كتاب الْمَوَاقِيت عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَطاء عَن جَابر، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن بشار وَأَبُو عوَانَة فِي ( صَحِيحه) عَن عمار، كِلَاهُمَا عَن مُحَمَّد بن بكر بِهِ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هَذَا تَعْلِيق من ابْن جريج أَو دَاخل تَحت الْإِسْنَاد الأول.
قلت: إِذا كَانَ دَاخِلا فِي الْإِسْنَاد الأول لَا يكون تَعْلِيقا إلاَّ بِحَسب الصُّورَة.

قَوْله: ( فاهد) ، بِفَتْح الْهمزَة لِأَنَّهَا همزَة الْقطع من الرباعي.
قَوْله: ( وامكث) ، أَمر من: مكث يمْكث مكثا إِذا لبث، وَذَلِكَ لأجل سوق الْهَدْي، وَمن سَاقه لَا يحل حَتَّى يتم الْحَج.
قَوْله: ( حَرَامًا) ، نصب على الْحَال أَي: محرما.
قَوْله: ( كَمَا أَنْت) أَي: على مَا أَنْت عَلَيْهِ، وللنحويين فِي هَذَا الْمِثَال أعاريب: أَحدهَا: أَن: مَا، مَوْصُولَة، وَأَنت، مُبْتَدأ مَحْذُوف خَبره.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَوْصُولَة و: أَنْت، خبر حذف مبتدؤه أَي: كَالَّذي هُوَ أَنْت.
وَالثَّالِث: أَن: مَا، زَائِدَة ملغاة، وَالْكَاف جَارة، وَأَنت ضمير مَرْفُوع أنيب عَن الْمَجْرُور كَمَا فِي قَوْلهم: مَا أَنا كَأَنْت، وَالْمعْنَى: كن فِيمَا تسْتَقْبل مماثلاً لنَفسك فِيمَا مضى.
وَالرَّابِع: أَن، مَا، كَافَّة، وَأَنت مُبْتَدأ حذف خَبره أَي: عَلَيْهِ، أَو كَائِن.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَقَالُوا: فِيهِ دَلِيل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قَارنا، إِذْ وجوب الْهَدْي إِنَّمَا هُوَ على الْقَارِن والمتمتع لَا الْمُفْرد، وَلَيْسَ مُتَمَتِّعا لِأَن لفظ: أمكث يدل على عَدمه.





[ قــ :1495 ... غــ :1559 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ قَيْسِ بنِ مُسْلمٍ عنْ طَارِقٍ بنِ شِهَابٍ عنْ أبي مُوسى ارضي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَالَ بعَثَنِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى قَوْمٍ بِاليَمَنِ فَجِئْتُ وَهْوَ بِالبَطْحَاءِ فَقَالَ بِمَ أهْلَلْتَ.

قُلْتُ أهْلَلْتُ كإهْلاَلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ.

قُلْتُ لاَ فأمرَنِي فَطُفْتُ بِالبيْتِ وبِالصَّفَا وَالمَرْوةِ ثُمَّ أمرنِي فأحْللْتُ فأتيتُ امْرأةً مِنْ قَوْمي فمَشطَتْنِي أوْ غَسَلَتْ رَأسِي فقَدِمَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
فَقَالَ إنْ نَأخُذْ بِكِتَابِ الله فإنَّهُ يأمُرُنَا بِالتَّمَامِ قَالَ الله وَأتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لله وَإنْ نأخُذْ بسنَّةِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإنَّهُ لَمُ يَحِلَّ حَتَّى نحَرَ الهَدْيَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أَهلَلْت بإهلال النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .

ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: عبد الله بن يُوسُف التنيسِي أَبُو مُحَمَّد.
الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ.
الثَّالِث: قيس بن مُسلم بِلَفْظ الْفَاعِل من الْإِسْلَام الجدلي.
الرَّابِع: طَارق ابْن شهَاب بن عبد شمس البَجلِيّ الأحمسي، وَقد مر فِي: بابُُ زِيَادَة الْإِيمَان.
الْخَامِس: أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، واسْمه عبد الله بن قيس.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَصله من دمشق وَالثَّلَاثَة الَّذين بعده كوفيون.
وَفِيه: قيس بن مُسلم عَن طَارق وَفِي رِوَايَة أَيُّوب بن عَائِد فِي الْمَغَازِي عَن قيس بن مُسلم: سَمِعت طَارق بن شهَاب، وَفِيه: طَارق عَن أبي مُوسَى، وَفِي رِوَايَة أَيُّوب الْمَذْكُور: حَدثنِي أَبُو مُوسَى.

وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار بِهِ، وَعَن عبد الله بن معَاذ وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَعبد بن حميد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أبي مُوسَى وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قوم بِالْيمن) ، كَانَ بَعثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه إِلَى الْيمن فِي السّنة الْعَاشِرَة من الْهِجْرَة قبل حجَّة الْوَدَاع، وَعَن أبي بردة قَالَ: ( بعث النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبَا مُوسَى ومعاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، إِلَى الْيمن، وَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا على مخلاف) .
قَالَ: واليمن مخلافان، والمخلاف بِكَسْر الْمِيم فِي الْيمن كالرستاق فِي الْعرَاق، وَجمعه: مخاليف.
قَوْله: ( وَهُوَ بالبطحاء) الْوَاو فِي: وَهُوَ، للْحَال، والبطحاء: بطحاء مَكَّة، وَهُوَ المحصب، وَهُوَ فِي الأَصْل مسيل واديها، وبطحاء الْوَادي حَصَاة اللين فِي بطن المسيل.
قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ من حَدِيد خيف بني كنَانَة، وَحده من الْحجُون ذَاهِبًا إِلَى منى، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة عَن قيس الْآتِيَة فِي: بابُُ مَتى يحل الْمُعْتَمِر وَهُوَ منيخ، أَي: نَازل بهَا.
قَوْله: ( فَأمرنِي فطفت) ، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: ( طف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة) .
قَوْله: ( فأحللت) من: أحل يحل إحلالاً، وَمَعْنَاهُ: خرجت من الْإِحْرَام.
قَوْله: ( فَأتيت امْرَأَة من قومِي) ، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: ( امْرَأَة من قيس) ، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ قيس غيلَان لِأَنَّهُ لَا نِسْبَة بَينهم وَبَين الْأَشْعَرِيين، وَلَكِن المُرَاد مِنْهُ أَبوهُ قيس بن سليم، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة أَيُّوب بن عَائِد: ( امْرَأَة من بني قيس) ، وَهُوَ أَبُو أبي مُوسَى،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَكَانَت الْمَرْأَة زَوْجَة بعض إخْوَة أبي مُوسَى، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ لَهُ من الْإِخْوَة: أَبُو رهم وَأَبُو بردة وَمُحَمّد.
قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: ( فَأتيت امْرَأَة) مَحْمُول على أَن هَذِه الْمَرْأَة كَانَت محرما لَهُ، وَامْرَأَة الْأَخ لَيست بِمحرم، فَالصَّوَاب مَعَ الْكرْمَانِي، فَيحمل حِينَئِذٍ على أَن الْمَرْأَة كَانَت بنت بعض أخوته.
قَوْله: ( أَو غسلت رَأْسِي، بِالشَّكِّ) وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( وغسلت) ، بواو الْعَطف.
قَوْله: ( فَقدم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) لم يكن قدوم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي تِلْكَ الْحجَّة على مَا يفهم من ظَاهر الْكَلَام بل المُرَاد من قدومه مَا كَانَ فِي خِلَافَته، اخْتَصَرَهُ البُخَارِيّ وَبسطه مُسلم، فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى وَابْن بشار، قَالَ ابْن الْمثنى: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ: أخبرنَا شُعْبَة عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب ( عَن أبي مُوسَى قَالَ: قدمت على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ منيخ بالبطحاء، فَقَالَ لي: حججْت؟ فَقلت: نعم.
فَقَالَ: بِمَ أَهلَلْت؟ قلت: لبيت بإهلال كإهلال النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: فقد أَحْسَنت، طف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة، ثمَّ أتيت امْرَأَة من بني قيس، فغسلت رَأْسِي ثمَّ أَهلَلْت بِالْحَجِّ، فَكنت أُفْتِي بِهِ النَّاس حَتَّى كَانَ فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ لَهُ رجل: يَا أَبَا مُوسَى أَو يَا عبد الله بن قيس رويدك بعض فتياك، فَإنَّك لَا تَدْرِي مَا أحدث أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي النّسك بعْدك، فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس من كُنَّا أفتيناه فتيا فليتئد، فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قادم عَلَيْكُم فبه فائتموا، قَالَ: فَقدم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَذكرت لَهُ ذَلِك، فَقَالَ: إِن نَأْخُذ بِكِتَاب الله تَعَالَى، فَإِن كتاب الله تَعَالَى يَأْمر بالتمام، وَإِن نَأْخُذ بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحل حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله)
، وَأخرجه النَّسَائِيّ، وَفِي لَفظه: ( فَكنت أُفْتِي النَّاس بذلك إِمَارَة أبي بكر وإمارة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَإِنِّي لقائم بِالْمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي رجل فَقَالَ: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أحدث أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي النّسك.
.
)
الحَدِيث.
قَوْله: ( بِهِ) فِي رِوَايَة مُسلم، وَبِذَلِك فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ أَي: بِفَسْخ الْحَج إِلَى الْعمرَة.
قَوْله: ( رويدك بعض فتياك) ، ويروى: ( رويد بعض فتياك) ، و: رويد، اسْم فعل، وَمَعْنَاهُ: أمْهل.
قَوْله: ( فليتئذ) ، أَي: فليتأنَّ وليصبر، من اتأد إِذا تأنَّى، وَأَصله من: تئد يتأد تأدا.
قَوْله: ( إِن نَأْخُذ) بنُون الْجَمَاعَة ظَاهر، وَهَذَا من عمر إِنْكَار فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة وإتمام الْحَج، وَاحْتج بِالْآيَةِ وَهِي قَوْله تَعَالَى: { وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} ( الْبَقَرَة: 691) .
أَمر الله تَعَالَى بإتمام أفعالهما بعد الشُّرُوع فيهمَا، وَعَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير وطاووس: { وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} ( الْبَقَرَة: 691) .
أَن يحرم من دويرة أَهله.
.

     وَقَالَ  عبد الرَّزَّاق: أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: بلغنَا أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ فِي قَول الله تَعَالَى: { وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} ( الْبَقَرَة: 691) .
قَالَ: من تَمامهَا أَن يفرد كل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر، وَأَن يعْتَمر فِي غير أشهر الْحَج، إِن الله تَعَالَى يَقُول: { الْحَج أشهر مَعْلُومَات} ( الْبَقَرَة: 791) .
قَوْله: ( فَإِنَّهُ) أَي: فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( لم يحل) أَي: لم يخرج من إِحْرَامه ( حَتَّى نحر الْهَدْي) فِي منى.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الدّلَالَة على جَوَاز الْإِحْرَام الْمُعَلق، وَبِه أَخذ الشَّافِعِي، وَقد ذَكرْنَاهُ مَعَ الْجَواب عَنهُ.
وَفِيه: فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة، وَنهى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن الْمُتْعَة.
.

     وَقَالَ  الْمَازرِيّ: قيل: إِن الْمُتْعَة الَّتِي نهى عَنْهَا عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة، وَقيل: وَنهى عمر عَن الْعمرَة فِي أشهر الْحَج، ثمَّ الْحَج من عَامَّة، وعَلى الثَّانِي: إِنَّمَا نهى عَنْهَا ترغيبا فِي الْإِفْرَاد الَّذِي هُوَ أفضل، لَا أَنه يعْتَقد بُطْلَانهَا وتحريمها.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: الظَّاهِر أَنه نهى عَن الْفَسْخ، وَلِهَذَا كَانَ يضْرب النَّاس عَلَيْهَا، كَمَا رَوَاهُ مُسلم، بِنَاء على أَن الْفَسْخ كَانَ خَاصّا بِتِلْكَ السّنة.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَالْمُخْتَار أَنه نهى عَن الْمُتْعَة الْمَعْرُوفَة الَّتِي هِيَ الاعتمار فِي أشهر الْحَج، ثمَّ الْحَج من عَامَّة، وَهُوَ على التَّنْزِيه للترغيب فِي الْإِفْرَاد، ثمَّ انْعَقَد الْإِجْمَاع على جَوَاز التَّمَتُّع من غير كَرَاهَة.
وَقيل: عِلّة كَرَاهَة عمر الْمُتْعَة أَن يكون معرسا بِالْمَرْأَةِ ثمَّ يشرع فِي الْحَج وَرَأسه يقطر، وَذَلِكَ أَنه كَانَ من رَأْيه عدم الترفه للْحَاج بِكُل طَرِيق، فكره لَهُم قرب عَهدهم بِالنسَاء لِئَلَّا يسْتَمر الْميل إِلَى ذَلِك، بِخِلَاف من بعد عَهده مِنْهُنَّ، وَيدل على ذَلِك مَا رَوَاهُ مُسلم عَن أبي مُوسَى أَنه كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ، فَقَالَ رجل: رويدك بِبَعْض فتياك فَإنَّك لَا تَدْرِي مَا أحدث أَمِير الْمُؤمنِينَ بعد، حَتَّى لقِيه بعد فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: قد علمت أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد فعله وَأَصْحَابه، وَلَكِن كرهت أَن يظلوا معرسين بِهن فِي الْأَرَاك ثمَّ يروحون فِي الْحَج تقطر رؤوسهم.
وَفِيه: حجَّة لأبي حنيفَة وَأحمد من أَن الْمُعْتَمِر إِذا كَانَ مَعَه الْهَدْي لَا يتَحَلَّل من عمرته حَتَّى ينْحَر هَدْيه يَوْم النَّحْر.
.

     وَقَالَ  مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِنَّه إِذا طَاف وسعى وَحلق حل من عمرته وَحل لَهُ كل شَيْء فِي الْحَال، سَوَاء كَانَ سَاق هَديا أم لَا.
والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِمَا.
فَإِن قلت: كَيفَ أَمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبَا مُوسَى فِي هَذَا الحَدِيث بالإحلال وَلم يَأْمر عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالْحَال أَن كلا مِنْهُمَا قَالَ: إهلالي كإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: لِأَن أمره لأبي مُوسَى بالإحلال على معنى مَا أَمر بِهِ غَيره بِالْفَسْخِ بِالْعُمْرَةِ لمن لَيْسَ مَعَه هدي، وَأمره لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يهدي وَيمْكث حَرَامًا إِمَّا لِأَنَّهُ وَالله تَعَالَى أعلم كَانَ مَعَه هدي، أَو قد يكون قد اعْتقد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يهدي عَنهُ، أَو يكون خصّه بذلك، أَو لما كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره بسوق هَذِه الْبدن من الْيمن فَكَانَ كمن مَعَه هدي، وَلَا يظنّ أَن هَذِه الْبدن من السّعَايَة وَالصَّدَََقَة بِوَجْه، إِذْ لَا يحل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّدَقَة، وَلَا يهدي مِنْهَا.
وَالْأَشْبَه أَن عليا اشْتَرَاهَا بِالْيمن كَمَا اشْترى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقيتها، وَجَاء بهَا من الْمَدِينَة على مَا جَاءَ فِي حَدِيث أَيْضا: أَنه اشْترى هَدْيه بِقديد، وَفِي حَدِيث ابْن عمر: فساق الْهَدْي مَعَه من ذِي الحليفة، وَكَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد أعلمهُ أَنه سيعطيه هَديا مِنْهَا، وَفِي حَدِيث جَابر: أَنه قدم ببدن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد يحْتَمل أَنه كَانَ لَهُ فِيهَا هدي لم يحْتَج إِلَى ذكرهَا فِي الحَدِيث، فَلم يُمكنهُ أَن يحل.
وَيدل على هَذَا سُؤال النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأبي مُوسَى: هَل سَاق هَديا؟ وَلم يسْأَل عَليّ، فَدلَّ على علمه بِأَنَّهُ كَانَ مِمَّن أهْدى أَو مِمَّن حكمه حكم من أهْدى، وَالله أعلم.