فهرس الكتاب

عمدة القاري - بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى: ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُو اْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالاَْلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الاِْيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات: 11) 2.

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَول الله عز وَجل ... إِلَى آخِره، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بابُُ قَول الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا يسخر قوم من قوم} الْآيَة.
وللنسفي مثل مَا ذكر إِلَى قَوْله: {هم الظَّالِمُونَ} وَلم يذكر الْآيَة فِي رِوَايَة غَيرهمَا وَفِي نُسْخَة صَاحب (التَّوْضِيح) : بابُُ قَول الله عز وَجل: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا يسخر قوم من قوم عَسى} ، إِلَى (الظَّالِمُونَ) قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا يسخر قوم من قوم} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يَعْنِي لَا يطعن بَعضهم على بعض أَي لَا يستهزىء قوم بِقوم عَسى أَن يَكُونُوا خيرا مِنْهُم عِنْد الله.
قَالُوا: إِن بعض الصَّحَابَة اسْتَهْزَأَ بفقراء الصّفة، وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عيرن أم سَلمَة بِالْقصرِ، وَأَن صَفِيَّة بنت حييّ أَنْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت: إِن النِّسَاء يُعَيِّرْنَنِي وَيَقُلْنَ: يَا يَهُودِيَّة بنت يهوديين، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هلا قلت: إِن أبي هَارُون وَعمي مُوسَى وَإِن زَوجي مُحَمَّد؟ فَنزلت هَذِه الْآيَة.
قَوْله: (وَلَا تلمزوا أنفسهكم) للمز الطعْن وَالضَّرْب بِاللِّسَانِ وَمَعْنَاهُ: لَا تَفعلُوا مَا تلمزون بِهِ لِأَن من فعل مَا اسْتحق بِهِ اللمز فقد لمن نَفسه حَقِيقَة.
قَوْله: {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ} التَّنَابُز بِالْأَلْقَابِ التداعي بهَا، تفَاعل من نبزه.
والنبز اللقب السوء، وَلما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وجدهم بألقاب يدعونَ بهَا فَجعل الرجل يَدْعُو الرجل بلقبه، فَقيل: يَا رَسُول الله إِنَّهُم يكْرهُونَ هَذَا.
فَنزلت: {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ} واللقب الْمنْهِي عَنهُ هُوَ اللقب السوء، وَأما اللقب الَّذِي فِيهِ التنويه بالْحسنِ فَلَا بَأْس بِهِ، كَمَا قيل لأبي بكر عَتيق، ولعمر فاروق، ولعثمان ذُو النورين، ولعلي أَبُو تُرَاب، ولخالد سيف الله ... وَنَحْو ذَلِك.
قَوْله: {بئس الإسم الفسوق} أَي: بئس الإسم أَن يُقَال: يَا يَهُودِيّ يَا نَصْرَانِيّ وَقد آمن، وَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: {بعد الْإِيمَان} .
قَوْله: {وَمن لم يتب} أَي: من التَّنَابُز {فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} أَي: الضارون لأَنْفُسِهِمْ بمعصيتهم.



[ قــ :5718 ... غــ :6042 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عَنْ هِشامٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ زَمْعَةَ، قَالَ نَهاى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأنْفُسِ.
.

     وَقَالَ : بِمَ يَضْرِبُ أحَدُكُمُ امْرَأتَهُ ضَرْبَ الفَحْلِ ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعانِقُها؟
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَوُهَيْبٌ وأبُو مُعاوِيَةَ عَنْ هِشامٍ: جَلْدَ العَبْدِ.

الْمُنَاسبَة بَين الحَدِيث وَالْآيَة الْكَرِيمَة هِيَ أَن ضحك الرجل مِمَّا يخرج من الْأَنْفس فِيهِ معنى الِاسْتِهْزَاء والسخرية.

وَعلي ابْن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عبد الله بن زَمعَة بالزاي وَالْمِيم وَالْعين الْمُهْملَة المفتوحات، وَقيل بِسُكُون الْمِيم ابْن الْأسود الْقرشِي، توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة، وَتَمام هَذَا الحَدِيث على ثَلَاث قصَص: الْقِصَّة الأولى: قصَّة عقر النَّاقة.
وَالثَّانيَِة: قصَّة النَّهْي عَن الضحك مِمَّا يخرج من الْإِنْسَان.
وَالثَّالِثَة: قصَّة النَّهْي عَن جلد الْمَرْأَة.
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَفْسِير سُورَة: {الشَّمْس وَضُحَاهَا} الثَّلَاثَة عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَأخرج فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، بالقصة الأولى عَن الْحميدِي، وَأخرج هُنَا بالقصة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة، وَأخرج فِي النِّكَاح الْقِصَّة الثَّالِثَة.
وَأخرج مُسلم فِي صفة النَّار عَن ابْن أبي شيبَة وَغَيره.
وَأخرج التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن هَارُون بن إِسْحَاق.
وَأخرج النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن رَافع وَغَيره.
وَأخرج ابْن مَاجَه فِي النِّكَاح عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَمضى الْكَلَام فِي كل مَوضِع مِنْهَا.

قَوْله: (مِمَّا يخرج من الْأَنْفس) أَي: من الضراط لِأَنَّهُ قد يكون بِغَيْر الِاخْتِيَار، وَلِأَنَّهُ أَمر مُشْتَرك بَين الْكل.
قَوْله: (ضرب الْفَحْل) أَي: كضرب الْفَحْل.
قَوْله: (يعانقها) أَي: يضاجعها.

قَوْله: (وَقَالَ الثَّوْريّ) هُوَ سُفْيَان الثَّوْريّ، وهيب مصغر وهب بن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي يَعْنِي: هَؤُلَاءِ رووا عَن هِشَام بن عُرْوَة ضرب العَبْد مَكَان ضرب الْفَحْل، أما تَعْلِيق الثَّوْريّ فوصله البُخَارِيّ فِي النِّكَاح، وَأما تَعْلِيق وهيب فوصله البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير، وَأما تَعْلِيق أبي مُعَاوِيَة فوصله أَحْمد وَإِسْحَاق كَذَلِك.





[ قــ :5719 ... غــ :6043 ]
- حدَّثني مُحَمَّدَ بنُ المُثَنَّى حَدثنَا يَزِيدُ بنُ هارُونَ أخبرنَا عاصِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ عَنْ أبِيهِ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِنًى: أتَدْرُونَ أيُّ يعلأْمٍ هاذا؟ قَالُوا: الله ورسولُهُ أعْلَمُ.
قَالَ: فإنَّ هاذَا يَوْمٌ حَرامٌ.
أفَتَدْرُونَ أيُّ بَلَدٍ هاذا؟ قَالُوا: الله ورَسُولُهُ أعْلَمُ.
قَالَ: بَلَدٌ حَرامٌ.
أتَدْرُونَ أيُّ شَهْرٍ هاذا؟ قَالُوا: الله ورسُولُهُ أعْلَمُ.
قَالَ: شَهْرٌ حَرامٌ.
قَالَ: فإنَّ الله حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِماءَكُمْ وأمْوالَكُمْ وأعْراضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هاذا، فِي شَهْرِكُمْ هاذا، فِي بَلَدِكُمْ هاذا.

وَجه الْمُنَاسبَة بَينه وَبَين الْآيَة الْمَذْكُورَة من حَيْثُ إِن فِيهِ حُرْمَة الْعرض الَّتِي تتضمنها الْآيَة الْكَرِيمَة أَيْضا على مَا لَا يخفي على الفطن، وَعَاصِم بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُم، وَعَاصِم هَذَا يروي عَن أَبِيه عَن جده عبد اللهابن عمر.

وَمضى هَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن فِي كتاب الْحَج فِي: بابُُ الْخطْبَة أَيَّام منى، وَأخرج مثله أَيْضا فِي هَذَا الْبابُُ عَن ابْن عَبَّاس وَعَن أبي بكرَة، وَأخرج أَيْضا عَنهُ فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رب مبلغ أوعى من سامع، وَمضى الْكَلَام فِي هَذِه الْمَوَاضِع.

قَوْله: ( أَي يَوْم هَذَا؟) هُوَ يَوْم منى، والبلد هُوَ مَكَّة، والشهر هُوَ ذُو الْحجَّة، وَهُوَ من الْأَشْهر الْحرم.
قَوْله: ( أعراضكم) جمع عرض بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَهُوَ مَوضِع الْمَدْح والذم من الْإِنْسَان، وَإِنَّمَا قدم السُّؤَال عَنْهَا تذكاراً للْحُرْمَة، لأَنهم لَا يرَوْنَ اسْتِبَاحَة تِلْكَ الْأَشْيَاء وانتهاك حرمتهَا بِحَال.