فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش

( بابُُُ: { مَا نَدَّ مِنَ البَهَائِمِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الوَحْشِ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم مَا ند أَي: نفر من الْبَهَائِم فَهُوَ أَي الَّذِي ند بِمَنْزِلَة الْوَحْش أَي: فِي جَوَاز عقره كَيفَ مَا اتّفق.
{ وَأجازَهُ ابنُ مَسْعُودٍ}
أَي: أجَاز عبد الله بن مَسْعُود كَون حكم مَا ند من الْبَهَائِم كَحكم الْحَيَوَان الوحشي فِي الْعقر كَيفَ مَا كَانَ، وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود مَا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنى.
قَالَ: حَدثنِي وَكِيع عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة أَن حمارا لأهل عبد الله ضرب رجل عُنُقه بِالسَّيْفِ، فَسئلَ عبد الله فَقَالَ: كلوه فَإِنَّمَا هُوَ صيد.

{ وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: مَا أعْجَزَكَ مِنَ البَهَائِمِ مِمَّا فِي يَدَيْكَ فَهُوَ كَالصَّيْدِ وَفِي بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ مِنْ حَيْثُ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَذَكِّهِ}
هَذَانِ أثران معلقان، وصل الأول ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عِكْرِمَة عَنهُ بِهَذَا قَالَ: فَهُوَ بِمَنْزِلَة الصَّيْد، وَوصل الثَّانِي عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة عَنهُ قَالَ: إِذا وَقع الْبَعِير فِي الْبِئْر فاطعنه من قبل خاصرته وَاذْكُر اسْم الله وكل.
قَوْله: ( مِمَّا فِي يَديك) أَي: مِمَّا كَانَ لَك، وَفِي تصرفك وعجزت عَن ذبحه الْمَعْهُود.

{ وَرَأي ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ}
ذَلِك إِشَارَة إِلَى مَا ذكر من أَن حكم الْبَهِيمَة الَّتِي تند مثل حكم الْحَيَوَان الوحشي، فَرَأى ذَلِك عَليّ بن أبي طَالب، وَعبد الله بن عمر وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فأثر عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ أَبُو بكر عَن حَفْص عَن جَعْفَر عَن أَبِيه أَن ثورا مر فِي بعض دور الْمَدِينَة فَضَربهُ رجل بِالسَّيْفِ وَذكر اسْم الله قَالَ: فَسئلَ عَنهُ عَليّ، فَقَالَ: ذَكَاة، وَأمرهمْ بِأَكْلِهِ وَأثر عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن شُعْبَة وسُفْيَان كِلَاهُمَا عَن سعيد بن مَسْرُوق عَن عَبَايَة بن رَافع بن خديج عَنهُ.
وَأثر عَائِشَة ذكره ابْن حزم فَقَالَ: هُوَ أَيْضا قَول عَائِشَة وَلَا يعرف لَهُم من الصَّحَابَة مُخَالف.
قَالَ: وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأبي ثَوْر وَأحمد وَإِسْحَاق وأصحابهم وأصحابنا.
.

     وَقَالَ  مَالك: لَا يجوز أَن يذكي أصلا إلاَّ فِي الْحلق واللبة، وَهُوَ قَول اللَّيْث وَرَبِيعَة،.

     وَقَالَ  ابْن بطال:.

     وَقَالَ  سعيد بن الْمسيب: لَا تكون ذَكَاة كل أنسي إلاَّ بِالذبْحِ والنحر، وَإِن شرد لَا يحل إلاَّ بِمَا يحل بِهِ الصَّيْد.



[ قــ :5214 ... غــ :5509 ]
- حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا يَحْيَى حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا أبِي عَنْ عَبَايَةَ بنِ رِفاعَةَ بنِ رَافِعٍ بنِ خَدِيجٍ عَنْ رافِعٍ بنِ خَدِيجٍ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إنَّا لاقُو العَدُوِّ مُدا وَلَيْسَتْ مَعَنَا عدّا.
فَقَالَ: أعْجَلْ.
أوْ أرنْ مَا أنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْم الله عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكَ أمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ.
وَأمَّ الظُّفُرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ، وَأصَبْنا نَهْبَ إبِلٍ وَغَنَمٍ فَنَدَّ مِنْها بَعِيرٌ فَرَماهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ لِهاذِهِ الإبِلِ أوَابِدَ كَأوَابِدَ الوَحْشِ، فَإذا غَلَبَكُمْ مِنْها شَيْءٌ فَافْعَلُوا بِهِ هاكذا.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَيحيى الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ يروي عَن أَبِيه سعيد بن مَسْرُوق عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة بن خديج يروي عَن جده رَافع بن خديج كَذَا وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَفِي رِوَايَة غَيره.
عَن عَبَايَة بن رَافع بن خديج فنسبه إِلَى جده.

والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بابُُ التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة عَن سعيد بن مَسْرُوق وَهُوَ أَبُو سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَبَايَة إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( فَقَالَ: أعجل) أَو أرن شكّ من الرَّاوِي أَي: قَالَ أعجل أَو قَالَ أرن، وإعجل بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْعين وَفتح الْجِيم، أَمر من العجلة ثمَّ إِن الروَاة اخْتلفُوا فِي ضبط أرن فَفِي رِوَايَة كَرِيمَة بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون النُّون، وَكَذَا ضَبطه الْخطابِيّ فِي ( سنَن أبي دَاوُد) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِسُكُون الرَّاء وَكسر النُّون، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَرِنِي، بِإِثْبَات الْيَاء، وَفِي رِوَايَة ذكرهَا الْخطابِيّ.
فَقَالَ: قَوْله: ( إعجل أَو أرن) صَوَابه ائرن بِوَزْن إعجل من أرن يأرن إِذا خف أَي: أعجل ذَبحهَا لِئَلَّا تَمُوت حتفا، وَوجه الْخطابِيّ وَجها آخر وَهُوَ: ائزز، من أزز الرجل إصبعه فِي الشَّيْء إِذا أدخلها فِيهِ، وأززت الجرادة إِذا أدخلت ذنبها فِي الأَرْض وادّعى أَن غَيره تَصْحِيف وَأَن هَذَا هُوَ الصَّوَاب.

قلت: قد أَطَالَ الشُّرَّاح هُنَا كلَاما كثيرا أَكْثَره على خلاف الْقَوَاعِد الصرفية، وَلم يذكر أحد مِنْهُم كَيفَ أَعْرَاب: مَا أنهر الدَّم، فَنَقُول بعون الله وتوفيقه: هُنَا أوجه.

الْوَجْه الأول: رِوَايَة كَرِيمَة أرن بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون النُّون على وزن: إفل لِأَن عين الْفِعْل حذفت فِي الْأَمر لِأَنَّهُ أَمر من أران يرين، وَالْأَمر: أرن كأطع من أطَاع يُطِيع، يُقَال: أرأنت الْقَوْم إِذا هَلَكت مَوَاشِيهمْ وَالْمعْنَى، هُنَا أهلك الَّذِي تذبحه بِمَا أنهر الدَّم وحرف الصِّلَة مَحْذُوف.

وَالْوَجْه الثَّانِي: رِوَايَة أبي ذَر: أرن، بِسُكُون الرَّاء وَكسر النُّون قَالَ بَعضهم: بِوَزْن أعْط بِمَعْنى أَدَم الحز من قَوْلك: رنوت إِذا أدمت النّظر إِلَى الشَّيْء.
قلت: هَذَا غلط فَاحش لِأَن رنوت من بابُُ رنا يرنو رنوا من بابُُ نصر ينصر وَالْأَمر فِيهِ لَا يَأْتِي أَلا ارن بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء مثل انصر وَلَيْسَ هُوَ الْأَمر من أَرِنِي يرني من بابُُ أفعل، وَالْأَمر مِنْهُ أرن، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَكسر النُّون، وَالْمعْنَى على هَذَا: أنظر مَا أنهر الدَّم إِلَى الَّذِي تذبحه فَيكون مَحل مَا أنهر الدَّم، نصبا على أَنه مفعول: أنظر من الإنظار.

الْوَجْه الثَّالِث: رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَرِنِي، هُوَ مثل مَا قبله غير أَن النُّون لما أشبعت بالكسرة تولدت مِنْهَا الْيَاء.

الْوَجْه الرَّابِع: مَا قَالَ الْخطابِيّ، وَهُوَ ائزز، بِكَسْر الْهمزَة الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة وَفتح الزَّاي الأولى إِن كَانَ من بابُُ: أزز مثل علم فَلَا يَجِيء الْأَمر مِنْهُ إِلَّا أئزز مثل اعْلَم، وَإِن كَانَ من أزز الشَّيْء من بابُُ نصر ينصر يكون الْأَمر مِنْهُ أؤزز، بِضَم الْهمزَة الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة وَضم الزَّاي الأولى فَمَعْنَى الْبابُُ الأول الإغراء والتهييج، وَمعنى الْبابُُ الثَّانِي: ضم بعض الشَّيْء إِلَى بعض.