فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة؟

( بابُ قَدْرِ كِمْ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قدركم ذِرَاع يَنْبَغِي أَن يكون بَين الْمُصَلِّي والسترة؟ وَقد علم أَن لَفْظَة: كم، سَوَاء كَانَت إستفهامية أَو خبرية لَهَا صدر الْكَلَام، وَإِنَّمَا قدم لفظ: قدر، عَلَيْهَا لِأَن الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ فِي حكم كلمة وَاحِدَة.
ومميز: كم، مَحْذُوف، لِأَن الْفِعْل لَا يَقع مُمَيّزا، وَالتَّقْدِير: كم زراع وَنَحْوه، كَمَا ذكرنَا: ( وَالْمُصَلي) ، بِكَسْر اللَّام: اسْم فَاعل.
قيل: يحْتَمل أَن يكون بِفَتْح اللَّام، أَي: الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ.
قلت: هَذَا احْتِمَال أَخذه قائلة من كَلَام الْكرْمَانِي حَيْثُ قَالَ: فَإِن قلت: الحَدِيث دلّ على الْقدر الَّذِي بَين الْمُصَلِّي بِفَتْح اللَّام والسترة، والترجمة بِكَسْر اللَّام؟ قلت: مَعْنَاهُمَا متلازمان.
انْتهى.
قلت: لَا يلْزم من تلازمهما عقلا اعْتِبَار الْمِقْدَار، لِأَن اعْتِبَار الْمِقْدَار بَين الْمُصَلِّي وَبَين الستْرَة لَا بَينهَا وَبَين الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ.

[ قــ :483 ... غــ :496]
( حَدثنَا عَمْرو بن زُرَارَة قَالَ أخبرنَا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه عَن سهل قَالَ كَانَ بَين مصلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبَين الْجِدَار ممر الشَّاة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
( ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة الأول عَمْرو بِالْوَاو بن زُرَارَة بِضَم الزَّاي ثمَّ بالراء قبل الْألف وَبعدهَا هَاء أَبُو مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ الثَّانِي عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم الثَّالِث أَبوهُ حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي اسْمه سَلمَة بن دِينَار وَقد تقدم فِي بَاب غسل الْمَرْأَة أَبَاهَا الرَّابِع سهل بن سعد السَّاعِدِيّ وَقد تقدم فِيهِ أَيْضا.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه القَوْل وَفِيه عَن أَبِيه وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد والإسماعيلي أَخْبرنِي أبي وَفِيه سهل غير مَنْسُوب وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ عَن سهل بن سعد.
( ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يَعْقُوب الدَّوْرَقِي وَأَبُو دَاوُد فِيهِ عَن النُّفَيْلِي والقعنبي ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " بَين مصلى " بِفَتْح اللَّام وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ وَالْمرَاد بِهِ مقَامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد قَالَ حَدثنَا القعْنبِي والنفيلي قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز هُوَ ابْن أبي حَازِم قَالَ أَخْبرنِي أبي عَن سهل قَالَ " كَانَ بَين مقَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبَين الْقبْلَة ممر العنز ".

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي المُرَاد بالمصلى مَوضِع الْقدَم ( قلت) يتَنَاوَل ذَلِك مَوضِع الْقدَم وَمَوْضِع السُّجُود أَيْضا قَوْله " ممر الشَّاة " وَهُوَ مَوضِع مرورها وَهُوَ مَنْصُوب لِأَنَّهُ خبر كَانَ وَالِاسْم قدر الْمسَافَة أَو الْمَمَر والسياق يدل عَلَيْهِ كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي ثمَّ قَالَ وَفِي بَعْضهَا بِالرَّفْع ( قلت) وَجه الرّفْع أَن تكون كَانَ تَامَّة وَيكون ممر الشَّاة اسْمهَا وَلَا يحْتَاج إِلَى خبر أَو تكون نَاقِصَة وَالْخَبَر هُوَ الظّرْف وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد " ممر العنز " كَمَا ذَكرْنَاهُ والعنز هُوَ الماعز ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) قَالَ الْقُرْطُبِيّ إِن بعض الْمَشَايِخ حمل حَدِيث ممر الشَّاة على مَا إِذا كَانَ قَائِما وَحَدِيث بِلَال رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما صلى فِي الْكَعْبَة جعل بَينه وَبَين الْقبْلَة قَرِيبا من ثَلَاث أَذْرع على مَا إِذا ركع أَو سجد قَالَ وَلم يحد مَالك فِي هَذَا حدا إِلَّا أَن ذَلِك بِقدر مَا يرْكَع فِيهِ وَيسْجد ويتمكن من دفع من يمر بَين يَدَيْهِ وَقَيده بعض النَّاس بشبر وَآخَرُونَ بِثَلَاثَة أَذْرع وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَهُوَ قَول عَطاء وَآخَرُونَ بِسِتَّة أَذْرع وَذكر السفاقسي قَالَ أَبُو اسحق رَأَيْت عبد الله بن مُغفل يُصَلِّي بَينه وَبَين الْقبْلَة سِتَّة أَذْرع وَفِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح نَحوه وَقد استقصينا الْكَلَام فِي الْبَاب السَّابِق.



[ قــ :484 ... غــ :497]
- ( حَدثنَا الْمَكِّيّ قَالَ حَدثنَا يزِيد بن أبي عبيد عَن سَلمَة قَالَ كَانَ جِدَار الْمَسْجِد عِنْد الْمِنْبَر مَا كَادَت الشَّاة تجوزها) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يقوم بِجنب الْمِنْبَر لِأَنَّهُ لم يكن لمَسْجِد محراب فَتكون مَسَافَة مَا بَينه وَبَين الْجِدَار نَظِير مَا بَين الْمِنْبَر والجدار فَكَأَنَّهُ قَالَ الَّذِي يَنْبَغِي أَن يكون بَين الْمُصَلِّي وسترته قدر مَا كَانَ بَين منبره والجدار القبلي وَقيل غير ذَلِك تَرَكْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا طائل تَحْتَهُ.
( ذكر رِجَاله) وهم ثَلَاثَة قد سبقوا بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي بابُُ اسْم من كذب على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسَلَمَة بِفَتْح اللَّام هُوَ ابْن الْأَكْوَع الصَّحَابِيّ وَهَذَا من ثلاثيات البُخَارِيّ رَضِي الله عَنهُ.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحدي بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن اسْم شيخ البُخَارِيّ على صُورَة النِّسْبَة إِلَى مَكَّة والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا وَهُوَ مَوْقُوف على سَلمَة وَلَكِن فِي الأَصْل مَرْفُوع يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق أبي عَاصِم عَن يزِيد بن أبي عبيد بِلَفْظ " كَانَ الْمِنْبَر على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْسَ بَينه وَبَين حَائِط الْقبْلَة إِلَّا قدر مَا يمر العنز ".
( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " الْمَسْجِد " أَي مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " عِنْد الْمِنْبَر " من تَتِمَّة اسْم كَانَ أَي الْجِدَار الَّذِي كَانَ عِنْد مِنْبَر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَخبر كَانَ الْجُمْلَة أَعنِي قَوْله مَا كَادَت الشَّاة " تجوزها " وَيجوز أَن يكون الْخَبَر هُوَ قَوْله " عِنْد الْمِنْبَر " وَقَوله " مَا كَادَت الشَّاة " استئنافا تَقْدِيره إِذا كَانَ الْجِدَار عِنْد الْمِنْبَر فَمَا مِقْدَار الْمسَافَة بَينهمَا فَأجَاب مَا كَادَت الشَّاة تجوزها أَي مِقْدَار مَا كَادَت الشَّاة تجوز الْمسَافَة وَلَيْسَ بإضمار قبل الذّكر لِأَن سوق الْكَلَام يدل عَلَيْهِ ثمَّ اعْلَم أَن كَاد من أَفعَال المقاربة وَخَبره يكون فعلا مضارعا بِغَيْر أَن كَمَا فِي هَذِه الرِّوَايَة ويروى أَن تجوزها ( فَإِن قلت) مَا وَجه دُخُول أَن ( قلت) قد تدخل أَن على خبر كَاد كَمَا تحذف من خبر عَسى إِذْ هما أَخَوان يتعارضان ( فَإِن قلت) إِذا دخل حرف النَّفْي على كَاد يكون النَّفْي كَمَا فِي سَائِر الْأَفْعَال فَمَا حكمه هَهُنَا ( قلت) الْقَوَاعِد النحوية تَقْتَضِي النَّفْي والموافق هَهُنَا الْإِثْبَات للْحَدِيث الأول وَهَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله يدلان على أَن الْقرب من الستْرَة مَطْلُوب.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَيْسَ من الصَّوَاب أَن يُصَلِّي وَبَينه وَبَين الستْرَة صفان وروى ابْن الْمُنْذر عَن مَالك أَنه تبَاعد عَن سترته وَأَن شخصا قَالَ لَهُ أَيهَا الْمُصَلِّي أَلا تَدْنُو من سترتك فَمشى الإِمَام إِلَيْهَا وَهُوَ يَقُول { وعلمك مَا لم تكن تعلم وَكَانَ فضل الله عَلَيْك عَظِيما} -