فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحلق والجلوس في المسجد

( بابُُ الحِلَقِ وَالْجُلُوسِ فِي المَسْجِدِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْحلق وَالْجُلُوس فِي الْمَسْجِد، يَعْنِي: يجوز ذَلِك خُصُوصا إِذا كَانَ لعلم أَو ذكر أَو قِرَاءَة قُرْآن.
قَوْله: ( الْحلق) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح اللَّام، كَذَا قَالَه الْخطابِيّ فِي ( إصْلَاح الْغَلَط) .
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: الْحلق، بِفَتْح الْحَاء وَاللَّام: جمع حَلقَة، مثل تَمْرَة وتمر.
وَفِي ( الْمُحكم) : الْحلقَة كل شَيْء اسْتَدَارَ كحلقة الْحَدِيد وَالْفِضَّة وَالذَّهَب، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي النَّاس، وَالْجمع: حلاق، على الْغَالِب، و: حلق على النَّادِر: هضبة وهضب، وَالْحلق: عِنْد سِيبَوَيْهٍ اسْم للْجمع وَلَيْسَ بِجمع لِأَن فعلة لَيست مِمَّا يكسر على فعل، وَنَظِير هَذَا مَا حَكَاهُ من قَوْلهم؛ فلكة وفلك، وَقد حكى سِيبَوَيْهٍ فِي: الْحلقَة، فتح اللَّام، وَأنْكرهُ ابْن السّكيت يكسر على فعل، وَنَظِير هَذَا مَا حَكَاهُ من قَوْلهم: فلكة وفلك، وَقد حكى سِيبَوَيْهٍ فِي: الْحلقَة، فتح اللَّام، وأنكرها ابْن السّكيت وَغَيره.
.

     وَقَالَ  اللحياني: حَلقَة الْبابُُ وحلقته بِإِسْكَان اللَّام وَفتحهَا،.

     وَقَالَ  كرَاع: حَلقَة الْقَوْم وحلقتهم، وَحكى الْأمَوِي: حَلقَة الْقَوْم وحلاق، وَحكى أَبُو يُونُس عَن أبي عمر بن الْعَلَاء: حَلقَة فِي الْوَاحِد بِالتَّحْرِيكِ وَالْجمع: حلقات وَفِي ( الموعب) : الْحلق مُؤَنّثَة فِي الْقيَاس إِلاَّ أَنِّي رايته فِي رجزدكين مذكراً، وَبَلغنِي أَن بَعضهم يَقُول: الْحلقَة، بِالتَّحْرِيكِ وَهِي لُغَة قَليلَة، فجَاء التَّذْكِير على هَذَا، وَحكى مكي عَن الْخَلِيل: بِالتَّحْرِيكِ.
قَالَ الفرزدق:
( يَا أَيهَا الْجَالِس فِي وسط الْحلقَة ... أَفِي زنا جلدت أم فِي سَرقَة)

وَفِي ( الْمُجَرّد) لكراع: حَلقَة الْقَوْم، وحلقة، وحلقة وَالْجمع: حلق وَحلق وحلاق.



[ قــ :462 ... غــ :472]
- حدّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدّثنا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ عنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عنْ نافِعٍ عنِ ابِنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ النبيَّ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ مَا تَرَى فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ قَالَ مَثْنَى مَثْنَى فإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صلَّى وَاحِدَةً فأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى وإنَّهُ كانَ يَقُولُ اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ وتْراً فإِنَّ النَّبيَّ أمَرَ بِهِ.
( الحَدِيث 274 أَطْرَافه فِي: 374، 099، 399، 599، 7311) .
- مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن كَون النَّبِي على الْمِنْبَر يدل على كَون جمَاعَة جالسين فِي الْمَسْجِد، وَمِنْهُم الرجل الَّذِي سَأَلَهُ عَن صَلَاة اللَّيْل، وَهَذَا لم يعرف اسْمه.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: شبه البُخَارِيّ فِي الحَدِيث جُلُوس الرِّجَال فِي الْمَسْجِد حول النَّبِي وَهُوَ يخْطب: بِالْحلقِ، وَالْجُلُوس فِي الْمَسْجِد للْعلم.
انْتهى قلت: فعلى هَذَا طابق الحَدِيث جزئي التَّرْجَمَة كليهمَا.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: مُسَدّد بن مسرهد، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي: بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن الْمفضل، على صِيغَة الْمَفْعُول، مر فِي بَاب قَول النَّبِي: ( رب مبلغ أوعى) .
الثَّالِث: عبيد ابْن عمر الْعمريّ، مر فِي بَاب الصَّلَاة فِي مَوَاضِع الْإِبِل.
الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر.
الْخَامِس: عبد ابْن عمر رَضِي اعنهم.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي هَذَا الْبَاب على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ اتعالى عَن أبي النُّعْمَان، وَأخرجه أَيْضا عَن عبد ابْن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع وَعبد ابْن دِينَار عَن ابْن عمر.
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ فِي ( مَعَاني الْآثَار) من اثْنَي عشر طَرِيقا.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه قَوْله: ( وَهُوَ على الْمِنْبَر) جملَة حَالية.
قَوْله: ( مَا ترى؟) يحْتَمل أَن يكون من الرَّأْي، أَي: مَا رَأْيك؟ وَأَن يكون من الرُّؤْيَة الَّتِي هِيَ الْعلم، وَالْمرَاد لَازِمَة أَي: مَا حكمت؟ إِذْ الْعَالم يحكم بِعِلْمِهِ شرعا.
قَوْله: ( مثنى مثنى) مقول القَوْل، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة جملَة لِأَن مقول القَوْل يكون جملَة، فالمبتدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى، أَي: اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَالثَّانِي تَأْكِيد للْأولِ، وَهُوَ غير منصرف لِأَن فِيهِ الْعدْل الْحَقِيقِيّ وَالصّفة.
قَوْله: ( فأوترت) على صِيغَة الْمَاضِي، أَي: أوترت تِلْكَ الْوَاحِد، لَهُ، أَي: للْمُصَلِّي.
قَوْله: ( مَا صلى) ، جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا مفعول أوترت، وَالْفَاعِل فِيهِ الضَّمِير الَّذِي يرجع إِلَى الْوَاحِدَة.
قَوْله: ( وَأَنه) ، جملَة استئنافية، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى ابْن عمر، وَالْقَائِل هُوَ نَافِع.
قَوْله: ( بِاللَّيْلِ) ، وَقعت فِي رِوَايَة الْكشميهني والأصيلي.
فَقَط.
قَوْله: ( أَمر بِهِ) ، أَي: بالوتر، أَو بالجعل الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: ( اجعلوا) .
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز الْحلق فِي الْمَسْجِد للْعلم وَالذكر وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَنَحْو ذَلِك فَإِن قلت: روى مُسلم من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة، قَالَ: ( دخل رَسُول الله الْمَسْجِد وهم حلق، فقافل: مَالِي أَرَاكُم عزين؟) فَهَذَا يُعَارض ذَلِك قلت: تحلقهم هَذَا كَانَ لغير فَائِدَة وَلَا مَنْفَعَة، بِخِلَاف تحلقهم فِي ذَلِك، لِأَنَّهُ كَانَ لسَمَاع الْعلم والتعلم، فَلَا مُعَارضَة.
وَفِيه: أَن الْخَطِيب إِذا سُئِلَ عَن أَمر الدّين لَهُ أَن يُجَاوب من سَأَلَهُ، وَلَا يضر ذَلِك خطبَته.
وَفِيه: أَن صَلَاة اللَّيْل رَكْعَتَانِ.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي النَّوَافِل، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: السّنة أَن تكون مثنى مثنى لَيْلًا وَنَهَارًا.
قَالَ أَبُو حنيفَة: الْأَفْضَل الْأَرْبَع لَيْلًا وَنَهَارًا.
.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: الْأَفْضَل بِاللَّيْلِ رَكْعَتَانِ، وبالنهار أَربع.
وَاحْتج أَبُو حنيفَة فِي صَلَاة اللَّيْل بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي ( سنَنه) من حَدِيث عَائِشَة ( أَنَّهَا سُئِلت عَن صَلَاة رَسُول ا، فِي جَوف اللَّيْل، فَقَالَت: كَانَ يُصَلِّي صَلَاة الْعشَاء فِي جمَاعَة.
ثمَّ يرجع إِلَى أَهله فيركع أَربع رَكْعَات، ثمَّ يأوي إِلَى فرَاشه)
الحَدِيث بِطُولِهِ.
وَفِي آخِره: ( حَتَّى قبض على ذَلِك) ، وَاحْتج فِي صَلَاة النَّهَار بِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث معَاذَة ( أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة: كم كَانَ رَسُول الله يُصَلِّي الضُّحَى؟قَالَت: أَربع رَكْعَات يزِيد مَا شَاءَ) ، رَوَاهُ أَبُو يعلى فِي مُسْنده، وَفِيه: ( لَا يفصل بَينهُنَّ بِسَلام) .
فَإِن قلت: روى الْأَرْبَعَة عَن ابْن عمر أَن النَّبِي قَالَ: ( صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى) ، قلت: لما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ سكت عَنهُ، إلاَّ أَنه قَالَ: اخْتلف أَصْحَاب شُعْبَة فِيهِ، فرفعه بَعضهم وَوَقفه بَعضهم، وَرَوَاهُ الثِّقَات عَن عبد ابْن عمر عَن النَّبِي وَلم يذكر فِيهِ صَلَاة النَّهَار،.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: هَذَا الحَدِيث عِنْدِي خطأ،.

     وَقَالَ  فِي ( سنَنه الْكُبْرَى) إِسْنَاد جيد إلاَّ أَن جمَاعَة من أَصْحَاب ابْن عمر خالفوا الْأَزْدِيّ فِيهِ، فَلم يذكرُوا فِيهِ النَّهَار، مِنْهُم: سَالم وَنَافِع وَطَاوُس.
والْحَدِيث فِي ( الصَّحِيحَيْنِ) من حَدِيث جمَاعَة عَن ابْن عمر وَلَيْسَ فِيهِ ذكر النَّهَار، وروى الطَّحَاوِيّ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبعا.
وبالليل رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: فمحال أَن يروي ابْن عمر عَن رَسُول الله شَيْئا ثمَّ يُخَالف ذَلِك، فَعلم بذلك أَنه كَانَ مَا رُوِيَ عَنهُ عَن رَسُول الله ضَعِيفا، أَو كَانَ مَوْقُوفا غير مَرْفُوع.
فَإِن قلت: روى الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي ( تَارِيخ اصفهان) : عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول ا: ( صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى) ، وروى إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي ( غَرِيب الحَدِيث) عَنهُ قَالَ: ( صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى) ؟ قلت: الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم أصح مِنْهُمَا وَأقوى وَأثبت، وعَلى تَقْدِير التَّسْلِيم نقُول: مَعْنَاهُ شفعاً لَا وترا، بسبيل إِطْلَاق اسْم الْمَلْزُوم على اللَّازِم مجَازًا جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ.
وَفِيه إِن قَوْله: ( فَإِذا خشِي أحدكُم الصُّبْح صلى وَاحِدَة) ، احْتج بِهِ من يَقُول: إِن الْوتر رَكْعَة وادة، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن مجلز، قَالَ: سَمِعت ابْن عمر يحدث عَن النَّبِي قَالَ: ( الْوتر رَكْعَة من آخر اللَّيْل) ، وَإِلَيْهِ ذهب عَطاء بن أبي رَبَاح وَسَعِيد بن الْمسيب وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق وَدَاوُد، وهم جعلُوا هَذَا الحَدِيث أصلا فِي الإيتار بِرَكْعَة، إلاَّ أَن مَالِكًا قَالَ: وَلَا بُد أَن يكون قبلهَا شفع ليسلم بَينهُنَّ فِي الْحَضَر وَالسّفر، وَعنهُ: لَا بَأْس أَن يُوتر الْمُسَافِر بِوَاحِدَة، وَكَذَا فعله سَحْنُون فِي مَرضه،.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: الرَّكْعَة الْوَاحِدَة لم تشرع إلاَّ فِي الْوتر، وَفعله أَبُو بكر وَعمر، وَرُوِيَ عَن عُثْمَان وَسعد بن أبي وَقاص وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة وَأبي مُوسَى وَابْن الزبير وَعَائِشَة رَضِي اتعالى عَنْهُم.
وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد، فِي رِوَايَة الْحسن بن حَيّ وَابْن الْمُبَارك: الْوتر ثَلَاث رَكْعَات لَا يسلم إلاَّ فِي آخِرهنَّ كَصَلَاة الْمغرب،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: يرْوى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب، وَعلي ابْن أبي طَالب وَعبد ابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب وَزيد بن ثَابت وَأنس بن مَالك وَأبي أُمَامَة وَحُذَيْفَة وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة، وَأَجَابُوا عَمَّا احتجت بِهِ أهل الْمقَالة الأولى من الحَدِيث الْمَذْكُور وَنَحْوه فِي هَذَا الْبَاب بِأَن قَوْله: ( الْوتر رَكْعَة من آخر اللَّيْل) ، يحْتَمل مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَيحْتَمل أَن يكون رَكْعَة مَعَ شفع تقدمها، وَذَلِكَ كُله وتر، فَتكون تِلْكَ الرَّكْعَة توتر الشفع الْمُتَقَدّم لَهَا، وَقد بَين ذَلِك آخر حَدِيث الْبَاب الَّذِي احْتج بِهِ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ قَوْله: ( فأوترت لَهُ مَا صلى) ، وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الحَدِيث الثَّانِي من هَذَا الْبَاب: ( فأوتر بِوَاحِدَة توتر لَك مَا قد صليت) ، وَآخر حَدِيثهمْ حجَّة عَلَيْهِم، وروى التِّرْمِذِيّ فِي ( جَامعه) : عَن عَليّ رَضِي اتعالى عَنهُ، أَن رَسُول ا: ( كَانَ يُوتر بِثَلَاث) ، الحَدِيث، وروى الْحَاكِم فِي ( مُسْتَدْركه) عَن عَائِشَة، قَالَت: ( كَانَ رَسُول ا، يُوتر بِثَلَاث لَا يعْقد إلاَّ فِي آخِره) ، وروى النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن زُرَارَة عَن سعيد بن هِشَام عَن عَائِشَة، قَالَت: ( كَانَ رَسُول ا، لَا يسلم فِي رَكْعَتي الْوتر) .
.

     وَقَالَ  الْحَاكِم: لَا يسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الْوتر،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ، وروى الإِمَام مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن: ( أَن النَّبِي، كَانَ يُوتر بِثَلَاث) الحَدِيث، وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد من رِوَايَة عَليّ بن عبد ابْن عَبَّاس عَن أَبِيه أَنه رقد عِنْد رَسُول الله فَذكر الحَدِيث.
وَفِيه؛ ثمَّ أوتر بِثَلَاث، وروى النَّسَائِيّ من رِوَايَة يحيى بن الجزار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ( كَانَ رَسُول الله يُصَلِّي من اللَّيْل ثَمَان رَكْعَات ويوتر بِثَلَاث) ، وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى عَن أبي بن كَعْب: ( أَن رَسُول الله كَانَ يُوتر بِثَلَاث رَكْعَات) ، وروى ابْن مَاجَه من رِوَايَة الشّعبِيّ، قَالَ: سَأَلت عبد ابْن عَبَّاس وَعبد ابْن عمر رَضِي اتعالى عَنْهُم، عَن صَلَاة رَسُول الله فَقَالَا: ثَلَاث عشرَة، مِنْهَا: ثَمَان بِاللَّيْلِ ويوتر بِثَلَاث وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْفجْر، وروى الدَّارَقُطْنِيّ فِي ( سنَنه) من حَدِيث عبد ابْن مَسْعُود، قَالَ: قَالَ رَسُول ا: ( وتر اللَّيْل ثَلَاث كوتر النَّهَار: صَلَاة الْمغرب) .
وروى مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي من حَدِيث أنس بن مَالك: ( أَن النَّبِي كَانَ يُوتر بِثَلَاث) وروى أَيْضا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى عَن أَبِيه: ( أَن رَسُول الله كَانَ يُوتر بِثَلَاث) ، وروى ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) قَالَ: حدّثنا حَفْص عَن عَمْرو عَن الْحسن، قَالَ: أجمع الْمُسلمُونَ على أَن الْوتر ثَلَاث لَا يسلم إِلَّا فِي آخِرهنَّ.
فَإِن قلت: رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي، قَالَ: ( لَا توتروا بِثَلَاث وأوتروا بِخمْس أَو بِسبع، وَلَا تشبهوا بِصَلَاة الْمغرب) .
قلت: رُوِيَ هَذَا مَوْقُوفا على أبي هُرَيْرَة، كَمَا رُوِيَ مَرْفُوعا، وَمَعَ هَذَا هُوَ معَارض بِحَدِيث عَليّ وَعَائِشَة وَمن ذكرنَا مَعَهُمَا من الصَّحَابَة، وَأَيْضًا إِن قَوْله: ( لَا توتروا بِثَلَاث) ، يحْتَمل كَرَاهَة الْوتر من غير تطوع قبله من الشفع، وَيكون الْمَعْنى: لَا توتروا بِثَلَاث رَكْعَات وَحدهَا من غير أَن يتقدمها شَيْء من التَّطَوُّع الفع، بل أوتروا هَذِه الثَّلَاث مَعَ شفع قبلهَا لتَكون خمْسا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: ( واوتروا بِخمْس) أَو: أوتروا هَذِه الثَّلَاث مَعَ شفعين قبلهَا لتَكون سبعا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: ( أَو بِسبع) أَي: أوتروا بِسبع رَكْعَات: أَربع تطوع وَثَلَاث وتر، وَلَا تفردوا هَذِه الثَّلَاث كَصَلَاة الْمغرب لَيْسَ قبلهَا شَيْء، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: ( وَلَا تشبهوا بِصَلَاة الْمغرب) وَمَعْنَاهُ: لَا تشبهوا بِصَلَاة الْمغرب فِي كَونهَا مُنْفَرِدَة عَن تطوع قبلهَا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: لَا تشبهوا بِصَلَاة الْمغرب فِي كَونهَا ثَلَاث رَكْعَات.
وَالنَّهْي لَيْسَ بوارد على تَشْبِيه الذَّات بِالذَّاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَارِد على تَشْبِيه الصّفة بِالصّفةِ، وَمَعَ هَذَا فِيمَا ذكره نفي أَن تكون الرَّكْعَة الْوَاحِدَة وترا، لِأَنَّهُ أَمر بالإيتار بِخمْس أَو بِسبع لَيْسَ إلاَّ.
فَافْهَم.
فَإِن قلت: قَالَ مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي: لم نجد عَن النَّبِي خَبرا ثَابتا مُفَسرًا أَنه أوتر بِثَلَاث لم يسلم إلاَّ فِي آخِرهنَّ، كَمَا وجدنَا فِي الْخمس والبسع وَالتسع، غير أَنا وجدنَا عَنهُ أَخْبَارًا أَنه أوتر بِثَلَاث لَا ذكر للتسليم فِيهَا؟ قلت: يرد عَلَيْهِ مَا ذَكرْنَاهُ من ( الْمُسْتَدْرك) من حَدِيث عَائِشَة: أَنه إِن يُوتر بِثَلَاث لَا يقْعد إلاَّ فِي آخِرهنَّ، وَفِي حَدِيث أبي بن كَعْب: لَا يسلم إلاَّ فِي آخِرهنَّ، وَقد قيل: لَعَلَّ مُحَمَّد بن نصر لَا يرى هَذَا ثَابتا.
قلت: هَذَا تعصب لَا يجدي وَلَا يلْزم من عدم رُؤْيَته ثَابتا أَن لَا يكون ثَابتا عِنْد غَيره.
وَفِيه: إِن قَوْله: اجعلوا آخر صَلَاتكُمْ ... إِلَى آخِره، دَلِيل على أَن ذَلِك يَقْتَضِي الْوُجُوب لظَاهِر الْأَمر بِهِ، وَلكنه مُسْتَحبّ فِي حق من لَا يغلبه النّوم، فَإِن كَانَ يغلبه وَلَا يَثِق بالانتباه أوتر قبله.



[ قــ :464 ... غــ :474]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ أبي طَلْحَة َ أنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بنِ أبي طالِبٍ أخْبَرَهُ عنْ أبي وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ قَالَ بَيْنَمَا رسولُ اللَّهِ فِي المَسْجِدِ فَأَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَر فَأَقْبَلَ اثْنانِ إِلَى رَسولِ اللَّهِ وذَهَبَ وَاحِدٌ فَأَمَّا أَحَدُهُما فَرَأَى فُرْجَةً فَجَلَسَ وَأَما الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ.
وَأَمَّا الآخَرُ فأدْبَرَ ذَاهِباً فَلَمَّا فَرَغَ رَسولُ اللَّهِ قَالَ أَلاَ أُخْبرُكمْ عنِ الثَّلاَثَةِ أَمَّا أحَدُهُمْ فأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وأمَّا الآخَرُ فاسْتَحْيَا فاستَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ.
وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ.
( انْظُر الحَدِيث 66) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة خُصُوصا فِي قَوْله: ( فَرَأى فُرْجَة فِي الْحلقَة) ، وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه بِهَذَا الْإِسْنَاد قد مر فِي كتاب الْعلم فِي بابُُ: من قعد حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس.
وَمن رأى فُرْجَة فِي الْحلقَة فَجَلَسَ فِيهَا، غير أَن شيخ البُخَارِيّ هُنَاكَ: إِسْمَاعِيل عَن مَالك، وَهَهُنَا: عبد ابْن يُوسُف عَن مَالك.
وَقد تكلمنا هُنَاكَ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة.
قَوْله: ( أَبَا مرّة) بِضَم الْمِيم، و: ( عقيل) ، بِفَتْح الْعين، و: ( وَاقد) بِالْقَافِ.
قَوْله: ( فأوي إِلَى ا) ، بِالْقصرِ، وَقَوله: ( فآواه ا) ، بِالْمدِّ.