فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب تضييع الصلاة عن وقتها

( بابُُ تَضْيِيعِ الصَّلاةِ عَنْ وَقْتِهَا)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان تَضْييع الصَّلَوَات عَن وَقتهَا، وتضييعها: تَأْخِيرهَا إِلَى أَن يخرج وَقتهَا، وَقيل: تَأْخِيرهَا عَن وَقتهَا الْمُسْتَحبّ، وَالْأول أظهر لِأَن التضييع إِنَّمَا يظْهر فِيهِ، وَهَذِه التَّرْجَمَة إِنَّمَا تثبت فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ والكشميهني، وَلَيْسَت بثابتة فِي رِوَايَة البَاقِينَ.



[ قــ :515 ... غــ :529]
- حدَّثنا مُوسَى ابنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا مَهْدِي عَنْ غيْلاَنَ عنْ أنَسٍ قَالَ مَا أعْرِفُ شَيْئا ممَّ كانَ عَلى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِيلَ الصَّلاَةُ قالَ ألَيْسَ ضَيَّعْتُمْ مَا ضَيَّعْتُمْ فِيها.


وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أَلَيْسَ ضيعتم مَا ضيعتم فِيهَا؟) يَعْنِي: من التضييع.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي: مهْدي بن مَيْمُون أَبُو يحيى، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة.
الثَّالِث: غيلَان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة ابْن جرير.
الرَّابِع: أنس بن مَالك.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع، وبصيغة الْجمع فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن إِسْنَاده كلهم بصريون.

وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( قيل: الصَّلَاة) ، أَي: قيل لَهُ: الصَّلَاة هِيَ شَيْء مِمَّا كَانَ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي بَاقِيَة، فَكيف تصدق الْقَضِيَّة السالبة عَامَّة؟ فَأجَاب بقوله: ( أَلَيْسَ ضيعتم مَا ضيعتم فِيهَا؟) يَعْنِي من تضييعها وَهُوَ: خُرُوجهَا عَن وَقتهَا.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: المُرَاد بتضييعها تَأْخِيرهَا عَن وَقتهَا الْمُسْتَحبّ لَا أَنهم أخرجوها عَن وَقتهَا، وَتَبعهُ على هَذَا جمَاعَة.
قلت: الْأَصَح مَا ذَكرْنَاهُ لِأَن أنسا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك حِين علم أَن الْحجَّاج والوليد بن عبد الْملك وَغَيرهمَا كَانُوا يؤخرون الصَّلَاة عَن وَقتهَا، والْآثَار فِي ذَلِك مَشْهُورَة.
مِنْهَا: مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن عَطاء قَالَ: أخر الْوَلِيد الْجُمُعَة حَتَّى أَمْسَى فَجئْت فَصليت الظّهْر قبل أَن أَجْلِس، ثمَّ صليت الْعَصْر وَأَنا جَالس إِيمَاء وَهُوَ يخْطب، وَإِنَّمَا فعل ذَلِك عَطاء خوفًا على نَفسه.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو نعيم شيخ البُخَارِيّ فِي كتاب الصَّلَاة من طَرِيق أبي بكر بن عتبَة، قَالَ: صليت إِلَى جنب أبي جُحَيْفَة، فَمشى الْحجَّاج للصَّلَاة فَقَامَ أَبُو جُحَيْفَة فصلى.
وَمن طَرِيق ابْن عمر: أَنه كَانَ يُصَلِّي مَعَ الْحجَّاج، فَلَمَّا أخر الصَّلَاة ترك أَن يشهدها مَعَه.
وَمن طَرِيق مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل قَالَ: كنت بِمَعْنى، وصحف تقْرَأ للوليد، فأخروا الصَّلَاة فَنَظَرت إِلَى سعيد بن جُبَير وَعَطَاء يوميان إِيمَاء وهما قاعدان.
مِمَّا يُؤَيّد مَا ذَكرْنَاهُ قَوْله تَعَالَى: { فخلف من بعدهمْ خلف أضاعوا الصَّلَاة} ( مَرْيَم: 59) .
أخروها عَن مواقيتها وصلوها لغير وَقتهَا.
قَوْله: ( أَلَيْسَ؟) اسْمه ضمير الشان.
قَوْله: ( صَنَعْتُم مَا صَنَعْتُم فِيهَا؟) بصادين مهملتين، وَالنُّون فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ بالمعجمتين وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف.
قَالَ ابْن قرقول: رِوَايَة الْعَدوي: صَنَعْتُم، بالصَّاد الْمُهْملَة.
وَرِوَايَة النَّسَفِيّ بِالْمُعْجَمَةِ وبالياء الْمُثَنَّاة من تَحت.
قَالَ: وَالْأول أشبه، يُرِيد: مَا أَحْدَثُوا من تَأْخِيرهَا، إلاَّ أَنه جَاءَ فِي نفس الحَدِيث مَا يبين أَنه بالضاد الْمُعْجَمَة.
وَهُوَ قَوْله: ( ضيعت) فِي الحَدِيث الْآتِي.
قلت: وَيُؤَيّد الأول مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي عمرَان الْجونِي عَن أنس، فَذكر نَحْو هَذَا الحَدِيث،.

     وَقَالَ  فِي آخِره: ( أَو لم تصنعوا فِي الصَّلَاة مَا قد علمْتُم؟) .




[ قــ :516 ... غــ :530]
وَقَالَ بَكْرٌ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ البُرْسَانيُّ قَالَ أخْبَرَنا عُثْمَانُ بنُ أبي رَوَّادٍ نَحْوَهُ.
بكر بن خلف، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَاللَّام المفتوحتين.
قَالَ الغساني: بكر بن خلف البرْسَانِي أَبُو بشر، ذكره البُخَارِيّ مستشهدا بِهِ فِي كتاب الصَّلَاة بعد حَدِيث ذكره عَن أبي عُبَيْدَة الْحداد، وَهُوَ ختن عبد الله بن يزِيد الْمقري، مَاتَ سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ وَمُحَمّد ابْن بكر البرْسَانِي، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة وبالنون: الْبَصْرِيّ مَنْسُوب إِلَى ( برسان) بطن من أَزْد، مَاتَ سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ؛ وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ، قَالَ: حَدثنَا مَحْمُود بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ حَدثنَا أَبُو بشر بن بكر بن خلف حَدثنَا مُحَمَّد بن بكر؛ وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو نعيم عَن أبي بكر بن خَلاد حَدثنَا أَحْمد بن عَليّ الخراز حَدثنَا بكر بن خلف أَنبأَنَا مُحَمَّد ختن المقرىء أخبرنَا مُحَمَّد بن بكر فَذكره.
قَوْله: ( نَحوه) أَي: نَحْو سوق عَمْرو بن زُرَارَة عَن عبد الْوَاحِد عَن عُثْمَان بن أبي رواد.
إِلَى آخِره، وَالَّذِي ذكره الْإِسْمَاعِيلِيّ مُوَافق للَّذي قبله، وَفِيه زِيَادَة وَهِي: لَا أعرف شَيْئا مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْبَاقِي سَوَاء.