فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {إنها ترمي بشرر كالقصر} [المرسلات: 32]

(سُورَةُ {هَلْ أتَى عَلَى الإنْسَانِ} (الْإِنْسَان: 1)

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة: {هَل أَتَى على الْإِنْسَان} وَهِي مَكِّيَّة قَالَه قَتَادَة وَالسُّديّ وسُفْيَان، وَعَن الْكَلْبِيّ: أَنَّهَا مَكِّيَّة إِلَّا آيَات (ويطعمون الطَّعَام على حبه) (الْإِنْسَان: 8، 9) إِلَى قَوْله: (قمطريرا) وَيذكر عَن الْحسن أَنَّهَا مَكِّيَّة وفيهَا آيَة مَدَنِيَّة {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} (الْإِنْسَان: 42) وَقيل: مَا صَحَّ فِي ذَلِك قَول الْحسن وَلَا الْكَلْبِيّ، وَجَاءَت أَخْبَار فِيهَا أَنَّهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ فِي شَأْن عَليّ وَفَاطِمَة وابنيهما، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَذكر ابْن النَّقِيب أَنَّهَا مَدَنِيَّة كلهَا.
قَالَه الْجُمْهُور،.

     وَقَالَ  السخاوي: نزلت بعد سُورَة الرحمان وَقبل الطَّلَاق، وَهِي ألف وَأَرْبَعَة وَخَمْسُونَ حرفا ومائتان وَأَرْبَعُونَ كلمة، وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ آيَة.

(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
ثبتَتْ الْبَسْمَلَة لأبي ذَر.

يُقَالُ مَعْنَاهُ أنَى عَلَى الإنْسَانِ وَهَلْ تَكُونُ جَحْدا وَتَكُونُ خَبرا وَهاذا مِنَ الخَبَرِ يَقُولُ كَانَ شَيْئا فَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورا وَذالِكَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ إلَى أنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ.

الْقَائِل فِيهِ بذلك الْقُرَّاء.
قَوْله: (مَعْنَاهُ أَتَى على الْإِنْسَان) ، يدل على أَن لفظ هَل، صلَة وَلَكِن لم يقل أحد إِن: هَل، قد تكون صلَة.
قَوْله: (وَهل تكون جحدا) ، يَعْنِي: نفيا وَتَكون خَبرا يَعْنِي إِثْبَاتًا يَعْنِي يخبر بِهِ عَن أَمر مُقَرر، وَيكون جعل حِينَئِذٍ بِمَعْنى قد للتحقيق، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَهَذَا من الْخَبَر، أَرَادَ بِهِ أَن هَل هُنَا يَعْنِي يَعْنِي: فِي قَوْله تَعَالَى: {هَل أَتَى على الْإِنْسَان} بِمَعْنى: قد، وَمَعْنَاهُ.
قد أَتَى على الْإِنْسَان وَأُرِيد بِهِ آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة والصلام،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: إِن هَل أَتَى أَبَد بِمَعْنى: قد وَأَن الِاسْتِفْهَام إِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَاد من همزَة مقدرَة مَعهَا، وَنَقله فِي (الْمفصل) عَن سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ: وَعند سِيبَوَيْهٍ أَن أهل بِمَعْنى قد إلاَّ أَنهم تركُوا الْألف قبلهَا لِأَنَّهَا لَا تقع إلاَّ فِي الِاسْتِفْهَام.
قَوْله: (حِين من الدَّهْر) ، أَرْبَعُونَ سنة ملقًى بَين مَكَّة والطائف، قبل أَن ينْفخ فِيهِ الرّوح.
قَوْله: (لم يكن شَيْئا مَذْكُورا) ، لَا يذكر وَلَا يعرف وَلَا يدْرِي مَا اسْمه، وَلَا مَا يُرَاد بِهِ، وَالْمعْنَى: أَنه كَانَ شَيْئا لكنه لم يكن مَذْكُورا يَعْنِي: انْتِفَاء هَذَا الْمَجْمُوع بِانْتِفَاء صفته لَا بِانْتِفَاء الْمَوْصُوف، وَلَا حجَّة فِيهِ للمعتزلة فِي دَعوَاهُم أَن الْمَعْدُوم شَيْء وَوَقع فِي بعض النّسخ،.

     وَقَالَ  يحيى: مَعْنَاهُ أَتَى على الْإِنْسَان إِلَى آخِره، وَيحيى هَذَا هُوَ ابْن زِيَاد بن عبد الله بن مَنْصُور الديلمي الْفراء.
صَاحب كتاب مَعَاني الْقُرْآن،.

     وَقَالَ  بَعضهم هُوَ صَوَاب لِأَنَّهُ قَول وَيحيى بن زِيَاد الْفراء بِلَفْظِهِ.
قلت: دَعْوَى الصَّوَاب غير صَحِيحَة لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون هَذَا قَول غَيره كَمَا هُوَ قَوْله، وَلم يطلع البُخَارِيّ على أَنه قَول الْفراء وَحده، فَلذَلِك قَالَ: يُقَال مَعْنَاهُ أَو اطلع أَيْضا على قَول غَيره مثل قَول الْفراء فَذكر بِلَفْظ يُقَال: ليشْمل كل من قَالَ بِهَذَا القَوْل، فَافْهَم.

أمْشَاجٍ: الأخْلاطُ مَاءُ المَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ الدَّمُ، والعَلَقَةُ.
وَيُقَالُ: إذَا خُلِطَ مَشِيجٌ كَقَوْلِكَ لَهُ خَلِيطٌ وَمَمْشُوجٌ مِثْلُ مَخْلُوطٍ.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا خلقنَا الْإِنْسَان من نُطْفَة أمشاج} (الْإِنْسَان: 2) وَفسّر: (الأمشاج) بقوله: (الأخلاط) والأمشاج جمع مشج بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: الأمشاج جمع وَهُوَ فِي معى الْوَاحِد لِأَنَّهُ نعت للنطفة وَهَذَا كَمَا يُقَال: برمة أعشار، وثوب أَخْلَاق.
قَوْله: (مَاء الْمَرْأَة وَمَاء الرجل) تَفْسِير الأخلاط يخْتَلط الماآن فِي الرَّحِم فَيكون مِنْهُمَا جَمِيعًا الْوَلَد وَمَاء الرجل أَبيض غليظ وَمَاء الْمَرْأَة أصفر رَقِيق، فَأَيّهمَا علا صَاحبه كَانَ الشّبَه لَهُ كَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَالْحسن وَعِكْرِمَة وَمُجاهد، وَالربيع.
قَوْله: (الدَّم والعلقة) ، تَقْدِيره ثمَّ الدَّم ثمَّ الْعلقَة ثمَّ المضغة ثمَّ اللَّحْم ثمَّ الْعظم ينشئه الله تَعَالَى خلقا آخر.
قَوْله: (إِذا خلط) يَعْنِي: إِذا خلط شَيْء بِشَيْء يُقَال لَهُ مشيج على وزن فعيل بِمَعْنى ممشوج أَي: مخلوط، يُقَال: مشجت هَذَا بِهَذَا أَي خلطته.

سَلاسَلاً.
وَأغْلالاً أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ سلاسلا وإغلالاً وسعيرا} عندنَا هيأنا.
والسلاسل جمع سلسلة كل سلسلة سَبْعُونَ ذِرَاعا والأغلال جمع غل بِالضَّمِّ، فالسلاسل فِي أَعْنَاقهم والأغلال فِي أَيْديهم والسعير يوقدون فِيهِ لَا يطفى، وَقيل: السلَاسِل الْقُيُود، وَقَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر عَن عَاصِم: سلاسلاً، بِالتَّنْوِينِ وَهِي رِوَايَة هِشَام عَن أهل الشَّام، وَقَرَأَ حَمْزَة وَخلف وَحَفْص وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو بالفتحة بِلَا تَنْوِين.

وَلَمْ يُجْرِ بَعْضُهُمْ
بِضَم الْيَاء وَسُكُون الْجِيم وبالراء من الإجراء أَرَادَ بِهِ لم يصرف بَعضهم سلاسل، يَعْنِي: لَا يدْخلُونَ فِيهِ التَّنْوِين، وَهَذَا على الِاصْطِلَاح الْقَدِيم، يَقُولُونَ: اسْم مجْرى وَاسم غير مجْرى، يَعْنِي: اسْم مَصْرُوف وَاسم لَا ينْصَرف، وَذكر عِيَاض أَنه فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: لم يجز، بالزاي أَي بدل الرَّاء،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَهُوَ إلاَّ الأجه وَلم يبين وَجه إلاَّ الأوجهية بل بالراء أوجه على مَا لَا يخفى.

مُسْتَطِيرا مِمْتَدا البَلا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَره مُسْتَطِيرا} (الْإِنْسَان: 7) وَفَسرهُ بقوله: (ممتدا الْبلَاء) وَكَذَا فسره الْفراء، وَيُقَال: ممتدا فاشيا، يُقَال: استطار الصدع فِي الزجاجة واستطال إِذا اشْتَدَّ.

والقَمْطَرِيرُ الشَّدِيدُ يُقالُ يَوْمٌ قَمْطَرِيرُ وَيَوْمٌ قُماطِرٌ وَالعَبُوسُ وَالقَمْطَرِيرُ وَالقُماطِرُ وَالعَصِيبُ أشَدَّ مَا يَكُونُ مِنَ الأيَّامِ فِي البَلاءِ.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {إِنَّا نَخَاف من رَبنَا يَوْمًا عبوسا قمطيريرا} (الْإِنْسَان: 01) وَالْبَاقِي ظَاهر، وقماطر، بِضَم الْقَاف، وَعَن ابْن عَبَّاس: العبوس: الضّيق، والقمطرير: الطَّوِيل، وَعَن مُجَاهِد القمطرير الَّذِي يقلص الْوُجُوه ويقنص الْحَيَاة وَمَا بَين الْأَعْين من شدته.
وَعَن الْكسَائي، يُقَال: أقمطر الْيَوْم وأزمهر قمطرارا وازمهرارا وَهُوَ الزَّمْهَرِير.

وَقَالَ الحَسَنُ: النَّضْرَةُ فِي الوَجْهِ وَالسُّرْورُ فِي القَلْبِ
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى وتعظم: {ولقاهم نَضرة وسرورا} (الْإِنْسَان: 11) أَن النضرة فِي الْوَجْه وَالسُّرُور فِي الْقلب، وَلم يثبت هَذَا إِلَّا للنسفي والجرجاني.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ الأرَائِكُ السُّرُرُ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {متكئين فِيهَا على الأرائك} (الْإِنْسَان: 31) وفسرها بالسرر جمع سَرِير،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: الأرائك السرر فِي الحجال لَا يكون أريكة إِلَّا إِذا اجْتمعَا، وَهِي لُغَة أهل الْيمن،.

     وَقَالَ  مقَاتل: الأرائك السرر فِي الحجال من الدّرّ والياقوت موضونة بقضبان الدّرّ وَالذَّهَب وَالْفِضَّة وألوان الْجَوَاهِر، وَلم يثبت هَذَا أَيْضا، إِلَّا للنسفي والجرجاني.

وَقَالَ البَرَاءُ: وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها يَقْطُعُونَ كَيْفَ شَاؤُوا

أَي: قَالَ الْبَراء فِي قَوْله تَعَالَى: {وذللت قطوفها تذليلاً} (الْإِنْسَان: 41) يقطفون كَيفَ شاؤوا.
قَوْله: (قطوفها) أَي: ممارها، يقطفون، أَي: يقطعون مِنْهَا قيَاما وقعودا ومضطجعين يتناولونها كَيفَ شاؤوا وعَلى أَي حَال كَانُوا وَلم يثبت هَذَا إِلَّا للنسفي وَحده.

وَقَالَ مَعْمَرٌ: أسْرَهُمْ شِدَّةُ الخَلْقِ وَكلُّ شَيْءٍ شَدَدْتَهُ مِنْ قَتبٍ أوْ غَبِيطٍ فَهُوَ مأسورٌ

أَي: قَالَ معمر بن الْمثنى أَبُو عُبَيْدَة أَو معمر بن رَاشد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَنحن خلقناهم وشددنا أسرهم} (الْإِنْسَان: 82) الْآيَة.
وَسقط هَذَا لأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَفسّر الْأسر شدَّة الْخلق، وَيُقَال للْفرس: شَدِيد الْأسر، أَي: شَدِيد الْخلق.
قَوْله: (أَو غبيط) بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره طاء مُهْملَة وَهُوَ رَحل النِّسَاء يشد عَلَيْهِ الهودج، وَالْجمع غبط بِضَمَّتَيْنِ، وَظن بَعضهم بنه معمر بن رَاشد، وَزعم أَن عبد الرَّزَّاق أخرجه فِي تَفْسِيره عَنهُ.
قلت يُرِيد بِهِ شَيْخه صَاحب التَّوْضِيح فَإِنَّهُ قَالَ بعد قَوْله.
.

     وَقَالَ  معمر آلى آخِره.
وَأخرجه عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة وَذكره عَن مُجَاهِد وَغَيره، وَالظَّاهِر أَنه معمر بن رشاد لِأَنَّهُ روى عَن قَتَادَة نَحوه، وَأَيْضًا فَالْبُخَارِي أخرج فِي التَّفْسِير عَن أبي عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى فِي مَوَاضِع كَثِيرَة، وَلم يُصَرح باسمه فَمَا باله هُنَا صرح بِهِ؟ وَأَرَادَ بِهِ ابْن الْمثنى وَلَيْسَ إلاَّ معمرا بن رَاشد.

[ قــ :87361 ... غــ :87362 ]
- (سُورَةُ: {المُرْسِلاتِ} )

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة المرسلات، وَهَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: والمرسلات، بِدُونِ لفظ سُورَة وَهِي مَكِّيَّة بِغَيْر خلاف.
قَالَه أَبُو الْعَبَّاس،.

     وَقَالَ  مقَاتل: فِيهَا من الْمدنِي {وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} (المرسلات: 84).

     وَقَالَ  السخاوي: نزلت بعد الْهمزَة.
وَقيل ق، وَهِي ثَمَانمِائَة وَسِتَّة عشر حرفا وَمِائَة وَإِحْدَى وَثَمَانُونَ كلمة وَخَمْسُونَ آيَة.
والمرسلات: الرِّيَاح الشديدات الهبوب، والناشرات.
الرِّيَاح اللينة قَوْله: (عرفا) نصب على الْحَال أَي: المرسلات يتبع بَعْضهَا بَعْضًا حَال كَونهَا كعرف الْفرس، وعَلى تَفْسِير المرسلات بِالْمَلَائِكَةِ يكون نصبا على التَّعْلِيل، أَي: لأجل الْعرف أَي: الْمَعْرُوف وَالْإِحْسَان.

جَمَالاتٌ حِبالٌ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى؛ {إِنَّهَا ترمى بشرر كالقصر كَأَنَّهُ جمالات صفر} (المرسلات: 23، 33) وَفسّر الجمالات بالحبال، وَهِي الحبال الَّتِي تشد بهَا السفن، هَذَا إِذا قرىء بِضَم الْجِيم، وَأما إِذا قرىء بِالْكَسْرِ فَهُوَ، جمع جمالة، وجمالة جمل زوج النَّاقة.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: يَنْبَغِي أَن يقْرَأ فِي الأَصْل بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ فَسرهَا بالحبال وَقد قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط} (الْأَعْرَاف: 4) هُوَ: حَبل السَّفِينَة وَعَن ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير: جمالات صفر، هِيَ حبال السفن، يجمع بَعْضهَا إِلَى بعض حَتَّى تكون كأوساط الرِّجَال وَفِي رِوَايَة أبي ذَر،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: جمالات: حبال.

ارْكَعُوا صَلُّوا لَا يَرْكَعُونَ: لَا يُصَلونَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} (المرسلات: 84) وَفسّر قَوْله: (ارْكَعُوا) بقوله: (صلوا) وَقَوله: (لَا يَرْكَعُونَ) بقوله: (لَا يصلونَ) أطلق الرُّكُوع وَأَرَادَ بِهِ الصَّلَاة، وَهُوَ من بابُُ إِطْلَاق الْجُزْء وَإِرَادَة الْكل وَقَوله: (لَا يَرْكَعُونَ) سقط فِي رِوَايَة غير أبي ذَر، وَفِي بعض النّسخ،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: ارْكَعُوا إِلَى آخِره.

{وَسُئِلَ ابنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: {هاذا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} (المرسلات: 84) وَالله رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ {اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أفْوَاهِهِمْ} (ي س: 56) .

فَقَالَ: إنَّهُ ذُو ألْوَانٍ مَرَّةً يَنْطِقُونَ وَمَرَّةً يَخْتَمُ عَلَيْهِمْ.

حَاصِل السُّؤَال عَن كَيْفيَّة التلفيق بَين قَوْله: (لَا ينطقون) وَقَوله: {الْيَوْم نختم على أَفْوَاههم} بَين قَوْله: (وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين) لِأَن هَذِه الْآيَة تدل على أَنهم ينطقون.
وَحَاصِل الْجَواب: أَن يَوْم الْقِيَامَة ذُو ألوان يَعْنِي: يَوْم طَوِيل ذُو مَوَاطِن مُخْتَلفَة فَيَنْطَلِقُونَ فِي وَقت وَمَكَان لَا ينطقون فِي آخر، وَقَوله: لَا يَرْكَعُونَ لم يثبت إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر.





[ قــ :4664 ... غــ :4930 ]
- حدَّثني مَحْمُودٌ حدَّثنا عُبَيْدُ الله عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ الله عنهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ وَالمُرْسِلاتِ وَإنَّا لَنَتَلَقَّاها مِنْ فِيهِ فَخَرَجَتْ حَيةٌ فَابْتَدَرْناها فَسَبَقَتْنا فَدَخَلَتْ جُحْرَها فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّها..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: { وأنزلت عَلَيْهِ والمرسلات} ومحمود هُوَ ابْن غيلَان، وَعبيد الله بن مُوسَى شيخ البُخَارِيّ وروى عَنهُ هُنَا بالواسطة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس، وَقد تكَرر ذكره عَن قريب، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وعلقمة هُوَ ابْن قيس، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث قد مضى فِي بَدْء الْخلق.

قَوْله: ( كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَوَقع فِي رِوَايَة جرير، فِي غَار وَوَقع فِي رِوَايَة حَفْص بن غياث بمنى، وَوَقع فِي رِوَايَة للطبراني فِي الْأَوْسَط على حراء قَوْله: ( من فِيهِ) أَي من فَمه، قَوْله: ( فابتدرناها) أَي: فسبقناها.
.

     وَقَالَ  أَيْضا: فسبقتنا فيكونون سابقين ومسبوقين.
وَالْجَوَاب: إِنَّهُم كَانُوا السَّابِقين أَولا فصاروا مسبوقين آخرا.
قَوْله: ( شركم) ، مَنْصُوب بِأَنَّهُ مفعول ثَان.





[ قــ :4665 ... غــ :4931 ]
- حدَّثنا عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الله أخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُور ٍ بِهاذا.

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أخرجه عَن عَبدة، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله الصفار الْخُزَاعِيّ عَن يحيى بن آدم بن سُلَيْمَان الْكُوفِي صَاحب الثَّوْريّ.

قَوْله: ( بِهَذَا) أَي: بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، وَكَذَا سَاقه فِي بَدْء الْخلق فِي بابُُ خمس من الفواسق.

وَعَنْ إسْرَائِيلَ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الله مِثْلَهُ.

هَذَا مُتَّصِل بِمَا قبله أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن إِسْرَائِيل رَوَاهُ فِي الطَّرِيق الأول عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم، وَفِي هَذَا عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله مثله.
أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور.

وَتابَعَهُ أسْوَدُ بنُ عَامِرٍ عَنْ إسْرَائِيلَ

أَي: تَابع يحيى بن آدم فِي رِوَايَته عَن إِسْرَائِيل أسود بن عَامر الملقب بشاذان الشَّامي، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة أَحْمد عَنهُ بِهِ.

وَقَالَ حَفْصٌ وَأبُو مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ بنُ قَرْمٍ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنِ الأسْوَدِ.

أَرَادَ بِهَذَا أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة خالفوا رِوَايَة إِسْرَائِيل عَن الْأَعْمَش فِي شيخ إِبْرَاهِيم، فإسرائيل يَقُول: عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله، وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة يَقُولُونَ: عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود، هُوَ ابْن يزِيد النَّخعِيّ عَن عبد الله.

أما رِوَايَة حَفْص هُوَ ابْن غياث فوصلها البُخَارِيّ وَسَيَأْتِي بعد بابُُ، وَأما رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم الضَّرْب فأخرجها مُسلم عَن يحيى ابْن يحيى وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم أربعتهم عَن أبي مُعَاوِيَة بِهِ، وَأما رِوَايَة سُلَيْمَان بن قرم، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء: الضَّبِّيّ، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالباء الْمُوَحدَة، الْبَصْرِيّ فقد تقدّمت فِي بَدْء الْخلق، وَسليمَان هَذَا ضَعِيف الْحِفْظ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع الْمُعَلق.

وَقَالَ يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ أخْبَرَنا أبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الله.

أَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيق عَن يحيى بن حَمَّاد الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ شيخ البُخَارِيّ عَن أبي عوَانَة بِفَتْح الْعين الوضاح الْيَشْكُرِي عَن مُغيرَة بن مقسم بِكَسْر الْمِيم الْكُوفِي عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة بن قيس النَّخعِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود إِلَى أَن مُغيرَة وَافق إِسْرَائِيل فِي شيخ إِبْرَاهِيم وَأَنه عَلْقَمَة بن قيس، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّبَرَانِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ حَدثنَا الْفضل بن سهل حَدثنَا يحيى بن حَمَّاد بِهِ، وَلَفظه: كُنَّا مَعَ النَّبِي ت بحراء الحَدِيث،.

     وَقَالَ  عِيَاض: إِنَّه وَقع فِي بعض النّسخ،.

     وَقَالَ  حَمَّاد أخبرنَا أَبُو عوَانَة، وَهُوَ غلط.

وَقَالَ ابنُ إسْحَاقَ عَنْ عَبحده الرَّحْمانِ بنِ الأسُوَدِ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَبْدِ الله.

أَشَارَ بِهَذَا الْمُعَلق إِلَى أَن للْحَدِيث أصلا عَن الْأسود بن يزِيد من غير طَرِيق الْأَعْمَش وَمَنْصُور وَوصل هَذَا التَّعْلِيق أَحْمد عَن يَعْقُوب بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن ابْن إِسْحَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن أَبِيه عَن عبد الله بن مَسْعُود وَابْن إِسْحَاق هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب ( الْمَغَازِي) وَوَقع فِي بعض النّسخ.

     وَقَالَ  أَبُو إِسْحَاق، وَهُوَ تَصْحِيف.


حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا جَرِيرٌ عنِ الأعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْوَدِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الله بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَارٍ إذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ وَالمُرْسِلاتِ فَتَلقَّيْناها مِنْ فِيهِ وَإنَّ فَاهُ لَرَطُب بِهِا إذْ خَرَجَتْ حَيَةٌ فَقَالَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُمْ اقْتُلُوها قَالَ فَابْتَدَرْناها فَسَبَقَتْنا قَالَ فَقَالَ وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّها.

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله عَنهُ، أخرجه عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير بن عبد الحميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن الْأسود بن يزِيد النَّخعِيّ الْكُوفِي عَن عبد الله بن مَسْعُود.

قَوْله: ( بَينا) ، قد ذكرنَا غير مرّة أَنه ظرف يُضَاف إِلَى الْجُمْلَة وَيحْتَاج إِلَى جَوَاب.
قَوْله: ( إِذْ نزلت) ، جَوَابه.
قَوْله: ( لرطب بهَا) ، أَي: لم يجِف ريق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ أول زمَان نُزُوله.
قَوْله: ( إِذا خرجت) ، كلمة إِذْ للمفاجأة، وَبَاقِي الْكَلَام مر.


(بابُُُ قَوْلِهِ: { إنَّهَا تَرْمِي بَشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} (المرسلات: 3)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { إِنَّهَا} أَي: جَهَنَّم (ترمى بشرر) وَهِي مَا يتطاير من النَّار إِذا التهبت، وَاحِدهَا شررة.
قَوْله: (كالقصر) ، عَن ابْن مَسْعُود، كالحصون والمدائن، وَهُوَ وَاحِد الْقُصُور، وَعَن مُجَاهِد هِيَ حزم الشّجر، وَعَن سعيد بن جُبَير وَالضَّحَّاك: هِيَ أصُول النّخل وَالشَّجر الْعِظَام وَاحِدهَا قصرة مثل ثَمَرَة وثمر وَحُمرَة، وحمر، وَقِرَاءَة الْجُمْهُور بِإِسْكَان الصَّاد، وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس وَأَبُو رزين وَأَبُو الجوزاء وَمُجاهد بِفَتْح الْقَاف وَالصَّاد، وَقَرَأَ سعد بن أبي وَقاص وَعَائِشَة وَعِكْرِمَة بِفَتْح الْقَاف وَكسر الصَّاد، وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة وَإِبْرَاهِيم بِضَم الْقَاف وَالصَّاد، وَقَرَأَ أَبُو الدَّرْدَاء بِكَسْر الْقَاف وَفتح الصَّاد،.

     وَقَالَ  ابْن مقسم: وَكلهَا لُغَات بِمَعْنى وَاحِد.



[ قــ :4666 ... غــ :493 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبرنا سُفْيَانُ حدَّثنا عَبْذُ الرَّحْمانِ بنُ عَابِسٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ إنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصَرِ قَالَ كنَّا نَرْفَعُ الخَشَبَ بِقِصَرِ ثَلاثَةِ أذْرُعٍ أوْ أقَلَّ فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتاءِ فَنُسَمِّيهِ القَصَرَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعبد الرَّحْمَن بن عَابس، بِالْعينِ الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين الْمُهْملَة: النَّخعِيّ الْكُوفِي والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: (بقصر) ، بِالْبَاء الَّتِي هِيَ من حُرُوف الْجَرّ وبكسر الْقَاف وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وبالإضافة إِلَى ثَلَاثَة أَذْرع أَي بِقدر ثَلَاثَة أَذْرع.
قَوْله: (أَو أقل) ، أَي: أَو أقل من ثَلَاثَة أَذْرع، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بعْدهَا أَو فَوق ذَلِك، وَهِي فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده.
قَوْله: (للشتاء) ، أَي: لأجل الشتَاء والاستسحان بِهِ،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين وَرُوِيَ بِسُكُون الصَّاد وَبِفَتْحِهَا.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هُوَ الْقصر من قُصُور جُفَاة الْأَعْرَاب.
قَوْله: (فنسميه الْقصر) ، بِفتْحَتَيْنِ.