فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إجابة دعاء من بر والديه

( بابُُ إجابَةِ دُعاءِ مَنْ بَرَّ والِدَيْهِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِجَابَة دُعَاء أَي قبُول دُعَاء من بر وَالِديهِ أَي: من أحسن إِلَيْهِمَا وَقَامَ بطاعتهما.



[ قــ :5653 ... غــ :5974 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حَدثنَا إسْماعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ عُقْبَةَ، قَالَ: أَخْبرنِي نافِعٌ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما، عَنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: بَيْنَما ثَلاَثَةُ نَفَر يَتَماشَوْن أخَذَهُمُ المَطَرُ فَمالُوا إِلَى غارٍ فِي الجَبَلِ فانْحَطتْ عَلَى فَمِ غارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فأطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أعْمالاً عَمِلْتُمُوها لله صالِحَةً فادْعُوا الله بِها لَعَلَّهُ يَفْرِجُها، فَقَالَ أحَدُهُمْ: أللَّهُمَّ إنَّهُ كانَ لي والِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ولي صِبْيَةٌ صغارٌ كُنْتُ أرْعَى عَلَيْهِمْ فإذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأتُ بِوَالِدَيَّ أسْقِيهِما قَبْلَ وَلَدي، وإنَّهُ نأَى بِي الشَّجَرُ فَما أتَيْتُ حَتَّى أمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُما قَدْ ناا، فَحَلَبْتُ كَما كُنْتُ أحْلُبُ فَجِئْتُ بالخلاَبِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِما أكْرَهُ أنْ أُوقظَهُما مِنْ نَوْمِهِما وأكْرَهُ أنْ أبْدَأ بالصِّبْيَةِ قَبْلهُما، والصِّبْيَةُ يَتضاغوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَاكَ دأبي ودَأبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذالِكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ لَنا فُرْجَةً نَراى مِنْها السَّماءَ، فَفَرَجَ الله لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْها السَّماءَ.
.

     وَقَالَ  الثَّاني: اللَّهُمَّ إنَّهُ كانَتْ لِي ابْنَةُ عَمّ أحِبُّها كأشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجالُ النّساءَ فَطَلَبْتُ إلَيْها نَفْسها فأبَتْ حَتّى آتِيهَا بِمائَةِ دِينارٍ، فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مائَةَ دِينارٍ فَلَقِيتُها بِها، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْها قالَتْ: يَا عَبْدَ الله! اتَّقِ الله وَلَا تَفْتَحِ الخاتَمَ، فَقُمْتُ عَنْها.
أللَّهُمَّ فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنّي قَدْ فَعَلْتُ ذالِكَ ابْتِغاءَ وَجْهكَ فافْرُجْ لَنا مِنْها، فَفَرَج لَهُمْ فُرْجَةً.
.

     وَقَالَ  الآخَرُ: أللَّهُمَّ إنِّي كُنْتُ أسْتَأْجَرْتُ أجِيراً بِفرَقِ أرُزّ، فَلمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أعْطِنِي حَقِّي فَعَرَضتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ فَتَرَكَهُ ورَغَبَ عَنْهُ، فَلَمْ أزَلْ أزْرَعُهُ حَتَّى جَمعْتُ مِنْهُ بَقَراً وراعِيَها، فَجاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ الله وَلَا تَظْلِمْنِي وأعْطِني حَقِّي.
فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى ذَاك البَقَرِ وراعِيها، فَقَالَ: اتَّقِ الله وَلَا تَهْزَأْ بِي، فَقُلْتُ: إنِّي لَا أهْزَأُ بِكَ فَخُذْ ذالِكَ البَقَرَ وراعِيهَا.
فأخَذَهُ فانْطَلَقَ بِها، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذالِكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ مَا بَقِيَ، فَفَرَجَ الله عَنْهُمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي الرجل الأول من الثَّلَاثَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ إِذا اشْترى شَيْئا لغيره بِغَيْر إِذْنه، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن جريج عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَمضى أَيْضا فِي الْمُزَارعَة فِي: بابُُ إِذا زرع بِمَال قوم بِغَيْر إذْنهمْ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن أبي ضَمرَة عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ، ولنذكر بعض شَيْء لبعد الْمسَافَة.

قَوْله: ( ثَلَاثَة نفر) النَّفر عدَّة رجال من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة.
قَوْله: ( فمالوا إِلَى غَار) ويروى: فأووا إِلَى غَار، وَهُوَ الْكَهْف.
قَوْله: ( على فَم غارهم) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: على بابُُ غارهم.
قَوْله: ( فأطبقت) فِي رِوَايَة الْكشميهني.
فتطابقت من أطبقت الشَّيْء إِذا غطيته، وطبق الْغَيْم إِذا أصَاب مطره جَمِيع الأَرْض.
قَوْله: ( لَعَلَّه يفرجها) بِكَسْر الرَّاء،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَكَذَا قرأناه.
قَوْله: ( صبية) جمع: صبي وَهُوَ الْغُلَام.
قَوْله: ( فَإِذا رحت) من الرواح وَهُوَ الْمَجِيء آخر النَّهَار.
قَوْله: ( نأى بِي الشّجر) بالشين الْمُعْجَمَة وَالْجِيم عِنْد أَكثر الروَاة وَمَعْنَاهُ: تبَاعد عَن مكانتا الشّجر الَّتِي ترعاها مواشينا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: السحر بالمهملتين.
قَوْله: ( أحلب) بِضَم اللَّام.
قَوْله: ( بالحلاب) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة أَي: المحلوب، وَقيل: هُوَ الْإِنَاء الَّتِي يحلب فِيهَا.
قَوْله: ( أَن أوقظهما) بِضَم الْهمزَة من الإيقاظ قَوْله: ( يتضاغون) بالضاد وبالغين المعجمتين أَي: يصيحون، من ضغا إِذا صَاح وكل صَوت ذليل مقهور يُسمى ضغواً، تَقول: ضغا يضغو ضغواً وضغاء،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: يتضاغون أَي: يَبْكُونَ ويتوجعون، قيل: نَفَقَة الْأَوْلَاد مُقَدّمَة على نَفَقَة الْأُصُول.
وَأجِيب بِأَن دينهم لَعَلَّه كَانَ بِخِلَاف ذَلِك أَو كَانُوا يطْلبُونَ الزَّائِد على سد الرمق، أَو كَانَ صِيَاحهمْ لغير ذَلِك.
قَوْله: ( فافرج لنا فُرْجَة) بِضَم الْفَاء من فُرْجَة الْحَائِط وَهُوَ المُرَاد هُنَا، وَأما الفرجة بِالْفَتْح فَهِيَ عَن الكرب والهم.
قَوْله: ( حَتَّى يرَوْنَ) وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: حَتَّى رَأَوْا.
قَوْله: ( مَا يحب الرِّجَال) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الرجل، بِالْإِفْرَادِ.
قَوْله: ( لَا تفتح الْخَاتم) ، كِنَايَة عَن إِزَالَة الْبكارَة.
قَوْله: ( اللَّهُمَّ) كرر هَذِه اللَّفْظَة لِأَن هَذَا الْمقَام أصعب المقامات، فَإِنَّهُ ردع لهوى النَّفس.
قَوْله: ( بفرق) بِفَتْح الرَّاء وَقد تسكن، وَأنكر القتبي إسكانها وَهُوَ مَكِيل مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ: سِتَّة عشر رطلا.
قَوْله: ( أرز) قد مر فِيمَا مضى أَن فِيهِ تسع لُغَات فَإِن قلت: بابُُ الْبيُوع: من ذرة، وَهنا وَفِي بابُُ الْإِجَارَة: فرق أرز؟ قلت: لَعَلَّه كَانَ بعضه من ذرة وَبَعضه من أرز.
قَوْله: ( إذهب إِلَى ذَلِك الْبَقر) ذكر إسم الْإِشَارَة بِاعْتِبَار السوَاد المرئي، وأنث الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى الْبَقر بِاعْتِبَار جمعية الْجِنْس.
قَوْله: ( فَأَخذه وَانْطَلق بهَا) ذكر الضَّمِير فِي: أَخذه، وأنَّثه فِي: بهَا، وَوَجهه مَا ذَكرْنَاهُ، ويروى: فَأَخذهَا، وَرُوِيَ: فَخذ تِلْكَ الْبَقر.