فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من لم ير رد السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة

( بابُُ مَنْ لَمْ يَرُدُّ السَّلاَمَ عَلَى الإمَامِ واكْتَفَى بِتَسْلِيمِ الصَّلاَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من لم يرد السَّلَام على الإِمَام، يَعْنِي بِتَسْلِيمَة ثَالِثَة بَين التسليمتين، وَاكْتفى بِتَسْلِيم الصَّلَاة وَهُوَ التسليمتان، ويروى: من لم يردد السَّلَام، من الترديد، وَهُوَ تَكْرِير السَّلَام.
وَالْحَاصِل من هَذِه التَّرْجَمَة أَن البُخَارِيّ يرد بذلك على من يسْتَحبّ تَسْلِيمَة ثَالِثَة على الإِمَام بَين التسليمتين، وهم طَائِفَة من الْمَالِكِيَّة،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: يُرِيد البُخَارِيّ أَن من كَانَ خلف الإِمَام إِنَّمَا يسلم وَاحِدَة يَنْوِي بهَا الْخُرُوج من الصَّلَاة، وَلم يرد على الإِمَام وَلَا على من فِي يسَاره.
وَفِيه نظر.
وَإِنَّمَا أَرَادَ البُخَارِيّ مَا ذَكرْنَاهُ، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانَ لَا يرد على الإِمَام.
وَعَن النَّخعِيّ: إِن شَاءَ رد وَإِن شَاءَ لم يرد.
وَفِي ( التَّوْضِيح) : وَمَالك يرى أَنه يرد، وَبِه قَالَ ابْن عمر فِي أحد قوليه، وَالشعْبِيّ وَسَالم وَسَعِيد بن الْمسيب وَعَطَاء.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أَظن البُخَارِيّ أَنه قصد الرَّد على من أوجب التسليمة الثَّانِيَة.
قلت: فِيهِ نظر، وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبابُُ، فَذهب عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك: إِلَى أَن التَّسْلِيم فِي آخر الصَّلَاة مرّة وَاحِدَة، ويحكى ذَلِك عَن ابْن عمر وَأنس وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث سعد ابْن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يسلم من الصَّلَاة بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة: السَّلَام عَلَيْكُم) .
رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فِي ( شرح مَعَاني الْآثَار) وَأَبُو عمر بن عبد الْبر فِي ( الاستذكار) ، وَذهب نَافِع بن عبد الْحَارِث وعلقمة وَأَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَعَطَاء ابْن أبي رَبَاح وَالشعْبِيّ وَالثَّوْري وَالنَّخَعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر: إِلَى أَن التَّسْلِيم فِي آخر الصَّلَاة ثِنْتَانِ، مرّة عَن يمينة وَمرَّة عَن يسَاره، ويحكى ذَلِك عَن أبي بكر الصّديق، وَعلي ابْن أبي طَالب وَعبد الله بن مَسْعُود وعمار، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
وَأخرج الطَّحَاوِيّ حَدِيث التسليمتين عَن ثَلَاثَة عشر من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وهم: سعد وَعلي وَابْن مَسْعُود وعمار بن يَاسر وَعبد الله بن عمر وَجَابِر بن سَمُرَة والبراء بن عَازِب وَوَائِل بن حجر وعدي بن عميرَة الْحَضْرَمِيّ وَأَبُو مَالك الْأَشْعَرِيّ وطلق بن عَليّ وَأَوْس ابْن أبي أَوْس وَأَبُو رمثة.
قلت: وَفِي الْبابُُ أَيْضا: عَن جَابر بن عبد الله وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَسَهل بن سعد وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان والمغيرة بن شُعْبَة وَوَائِلَة بن الْأَسْقَع وَعبد الله بن زيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَهَؤُلَاءِ عشرُون صحابيا رووا عَن رَسُول الله ت أَن الْمُصَلِّي يسلم فِي آخر صلَاته تسليمتين: تَسْلِيمَة عَن يمينة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتسليمة عَن يسَاره.
وَأجَاب ابْن عمر عَن حَدِيث سعد ابْن أبي وَقاص: أَنه وهم، وَإِنَّمَا الحَدِيث كَمَا رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك بِسَنَدِهِ عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَ يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره.
وَأجَاب الطَّحَاوِيّ مثله بِمَا محصله: أَن رِوَايَة التسليمة الْوَاحِدَة هِيَ رِوَايَة الدَّرَاورْدِي، وَأَن عبد الله بن الْمُبَارك وَغَيره خالفوه فِي ذَلِك، وَرووا عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كَانَ يسلم تسليمتين.

ثمَّ اخْتلفُوا فِي السَّلَام: هَل هُوَ وَاجِب أم سنة؟ فَعَن أبي حنيفَة أَنه وَاجِب، وَعنهُ أَنه سنة.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْهِدَايَة) : ثمَّ إِصَابَة لفظ السَّلَام وَاجِبَة، عندنَا، وَلَيْسَت بِفَرْض، خلافًا للشَّافِعِيّ.
وَفِي ( الْمُغنِي) : لِابْنِ قدامَة: التَّسْلِيم وَاجِب لَا يقوم غَيره مقَامه، وَالْوَاجِب تَسْلِيمَة وَاحِدَة وَالثَّانيَِة سنة،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: أجمع الْعلمَاء على أَن صَلَاة من اقْتصر على تَسْلِيمَة وَاحِدَة جَائِزَة.
.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: قَالَ الْحسن بن حر: هما واجبتان، وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد.
وَبِه قَالَ بعض أَصْحَاب مَالك.
.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ: لَو أخل بِحرف من حُرُوف: السَّلَام عَلَيْكُم، لم تصح صلَاته.
وَفِي ( الْمُغنِي) : السّنة أَن يَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، وَإِن قَالَ: وَبَرَكَاته، أَيْضا فَحسن، وَالْأول أحسن.
وَإِن قَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم، وَلم يزدْ فَظَاهر كَلَام أَحْمد أَنه يجْزِيه،.

     وَقَالَ  ابْن عقيل: الْأَصَح أَنه لَا يجْزِيه وَإِن نكس السَّلَام فَقَالَ: وَعَلَيْكُم السَّلَام، وَلم يجزه.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: فِيهِ وَجه أَنه يجْزِيه، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي.
.

     وَقَالَ  ابْن حزم: الأولى فرض، وَالثَّانيَِة سنة حَسَنَة لَا يَأْثَم تاركها.



[ قــ :816 ... غــ :839 ]
- حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي مَحْمُودُ بنُ الرَّبِيعِ وزَعَمَ أنَّهُ عَقَلَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَقَلَ مَجَّةً مجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كانَ فِي دَارِهِمْ.





[ قــ :817 ... غــ :840 ]
- قَالَ سَمِعْتُ عِتْبَانَ بنَ مالِكٍ الأنْصَارِيَّ ثُمَّ أحَدَ بَنِي سَالِمٍ قالَ كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سالِمٍ فأتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْتُ إنِّي أنْكَرْتُ بَصَرِي وإنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي فَلَوَدِدْتُ أنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مكَانا حَتَّى أتَّخِذَهُ مَسْجِدا فَقَالَ أفْعَلُ إنْ شَاءَ الله فَغَدا علَيَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهارُ فاسْتَأذَنَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ أيْنَ تُحِبُّ أنْ أُصَلِّي مِنْ بَيْتِكَ فأشَارَ ألَيْهِ مِنَ المَكَانِ الَّذِي أحبَّ أنْ يُصَلِّيَ فيهِ فقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ سلم وَسلمنَا حِين سلم) ، وَذَلِكَ من حَيْثُ إِنَّه لَيْسَ فِيهِ الرَّد على الإِمَام، لِأَن الَّذِي يَقْتَضِي مَعْنَاهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلم وَسلم الْقَوْم أَيْضا حِين سلم، فَيكون سلامهم بعد تَمام سَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو بعد تقدمه بِلَفْظ بعض السَّلَام.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وغرض البُخَارِيّ أَن يبين أَن السَّلَام لَا يلْزم أَن يكون بعد سَلام الإِمَام حَتَّى لَو سلم مَعَ الإِمَام لَا تبطل صلَاته، نعم، لَو تقدم عَلَيْهِ تبطل، إلاّ أَنه يَنْوِي الْمُفَارقَة.
قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه لَا يُطَابق التَّرْجَمَة، وَإِنَّمَا مُرَاده أَن الْمَأْمُوم لَا يرد على الإِمَام بِتَسْلِيمَة ثَالِثَة بَين التسليمتين، كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي حَدِيث الْبابُُ الَّذِي قبله.

وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي: بابُُ الْمَسَاجِد فِي الْبيُوت، بأطول مِنْهُ: عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب.
.
إِلَى آخِره، وَهَهُنَا: عَن عَبْدَانِ وَهُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْأَزْدِيّ أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره.

قَوْله: ( وَزعم) ، المُرَاد من الزَّعْم هَهُنَا: القَوْل المخقق، فَإِنَّهُ قد يُطلق عَلَيْهِ وعَلى الْكَذِب وعَلى الْمَشْكُوك فِيهِ، وَينزل فِي كل مَوضِع على مَا يَلِيق بِهِ.
قَوْله: ( مجة مجها من دلو) .
من: مج لعابه: إِذا قذفه، وَقيل: لَا يكون مجة حَتَّى يباعد بهَا، وانتصاب: مجة، على أَنَّهَا مفعول: عقل.
وَقَوله: ( مجها من دلو) جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا صفة لمجة، وَكلمَة: ( من) ، بَيَانِيَّة.
قَوْله: ( كَانَت) ، صفة مَوْصُوف مَحْذُوف أَي: من بِئْر كَانَت فِي دَارهم، والدلو دَلِيل عَلَيْهِ، قَالَه الْكرْمَانِي.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: الدَّلْو، يذكر وَيُؤَنث، فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير قلت: التَّقْدِير لَا بُد مِنْهُ لِأَن الدَّلْو لَا يكون فِيهِ مَاء إلاّ من بِئْر وَنَحْوه.
قلت: كَانَت، بالتأنيث رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة، جَاءَت: كَانَ، بالتذكير، فعلى هَذَا لَا حَاجَة إِلَى التَّقْدِير.

قَوْله: ( الْأنْصَارِيّ) ، بِالنّصب لِأَنَّهُ صفة: عتْبَان، الْمَنْصُوب بقوله: ( سَمِعت) .
قَوْله: ( ثمَّ أحد) بِالنّصب أَيْضا عطفا على الْأنْصَارِيّ، وَالتَّقْدِير: الْأنْصَارِيّ ثمَّ السالمي، لِأَنَّهُ من بني سَالم أَيْضا.
قَالَ بَعضهم: هَذَا الَّذِي يكَاد من لَهُ أدنى ممارسة بِمَعْرِِفَة الرِّجَال أَن يقطع بِهِ، ثمَّ قَالَ:.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون عطفا على عتْبَان، يَعْنِي سَمِعت عتْبَان ثمَّ سَمِعت أحد بني سَالم أَيْضا.
قَالَ: وَالْمرَاد بِهِ فِيمَا يظْهر: الْحصين بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ، فَكَأَن مَحْمُودًا سمع من عتْبَان وَمن الْحصين.
قَالَ: وَهُوَ بِخِلَاف مَا تقدم فِي: بابُُ الْمَسَاجِد فِي الْبيُوت، أَن الزُّهْرِيّ هُوَ الَّذِي سمع مَحْمُودًا، وَالْحصين، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا لاحْتِمَال أَن الزُّهْرِيّ ومحمودا سمعا جَمِيعًا من الْحصين، وَلَو وَقع بِرَفْع أحد، بِأَن يكون عطفا على: مَحْمُود، لساغ وَوَافَقَ الرِّوَايَة الأولى، يَعْنِي: فَيصير التَّقْدِير: قَالَ الزُّهْرِيّ: أَخْبرنِي مَحْمُود بن الرّبيع ثمَّ أَخْبرنِي أحد بني سَالم، أَي: الْحصين.
انْتهى.
قَالَ: وَكَانَ الْحَامِل لَهُ على ذَلِك كُله قَول الزُّهْرِيّ فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة: ثمَّ سَأَلت الْحصين بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ أحد بني سَالم، هُنَاكَ.
فَكَأَنَّهُ ظن أَن المُرَاد بقوله: أحد بني سَالم هُنَا، هُوَ المُرَاد بقوله: أحد بني سَالم هُنَاكَ، وَلَا حَاجَة لذَلِك، فَإِن عتْبَان من بني سَالم أَيْضا، وَهُوَ: عتْبَان بن مَالك بن عَمْرو بن العجلان بن زِيَاد بن غنم بن سَالم بن عَوْف، وعَلى الِاحْتِمَال الَّذِي ذكره إِشْكَال آخر، لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن يكون الْحصين بن مُحَمَّد هُوَ صَاحب الْقِصَّة الْمَذْكُورَة، أَو أَنَّهَا تعدّدت لَهُ ولعتبان، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الْحصين الْمَذْكُور لَا صُحْبَة لَهُ، وَقد ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي ( الْجرْح وَالتَّعْدِيل) وَلم يذكر لَهُ شَيخا غير عتْبَان.
انْتهى كَلَامه.

قلت: هَذَا الْقَائِل ذكر أَولا شَيْئا، وَهُوَ حط على الْكرْمَانِي فِي الْبَاطِن، ثمَّ أظهره بعد ذَلِك بِمَا لَا يجديه من وُجُوه: الأول: أَنه غيَّر غَالب عبارَة الْكرْمَانِي فِي النَّقْل لتمشية كَلَامه، يتأمله من يقف عَلَيْهِ.
الثَّانِي: أَن الْكرْمَانِي مَا جزم بِمَا ذكره، بل إِنَّمَا قَالَ بِالِاحْتِمَالِ، وَبابُُ الِاحْتِمَال مَفْتُوح،.
الثَّالِث: أَن قَوْله: فَكَأَنَّهُ ظن.
.
إِلَى آخِره، لَا يتَوَجَّه الرَّد بِهِ، فَإِنَّهُ مَحل الظَّن ظَاهر، أَو الْعبارَة تُؤدِّي إِلَى ذَلِك ظَاهرا، ثمَّ تَوْجِيهه الرَّد بقوله: فَإِن عتْبَان من بني سَالم أَيْضا غير موجه، لِأَن كَون عتْبَان من بني سَالم لَا يُنَافِي كَون الْحصين من بني سَالم أَيْضا، وَلَا يمْنَع إِخْبَار الزُّهْرِيّ عَنهُ أَيْضا.
الرَّابِع: أَن قَوْله يلْزم مِنْهُ أَن يكون الْحصين بن مُحَمَّد هُوَ صَاحب الْقِصَّة الْمَذْكُورَة لَيْسَ كَذَلِك، لِأَن الْمُلَازمَة مَمْنُوعَة، لِأَن كَون الْحصين غير صَحَابِيّ لَا يَقْتَضِي الْمُلَازمَة الَّتِي ذكرهَا، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون الْحصين قد سمع الْقِصَّة الْمَذْكُورَة من صَحَابِيّ، والراوي طوى ذكره اكْتِفَاء بِذكر عتْبَان.
الْخَامِس: أَن تأييد مَا أدعاه بِمَا ذكره عَن ابْن أبي حَاتِم غير سديد وَلَا مَحل لَهُ، لِأَن عدم ذكر ابْن أبي حَاتِم للحصين شَيخا غير عتْبَان لَا يسْتَلْزم أَن لَا يكون لَهُ شيخ آخر أَو أَكثر، وَهَذَا ظَاهر.

قَوْله: ( فَلَوَدِدْت) أَي: فوَاللَّه لَوَدِدْت.
قَوْله: ( اتَّخذهُ) ، قَالَ الْكرْمَانِي بِالرَّفْع وبالجزم، لِأَنَّهُ وَقع جَوَابا للمودة المفيدة لِلتَّمَنِّي.
قَوْله: ( اشْتَدَّ النَّهَار) أَي: ارْتَفَعت الشَّمْس.
قَوْله: ( فَأَشَارَ إِلَيْهِ) قَالَ الْكرْمَانِي: ( فَأَشَارَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَكَان الَّذِي هُوَ المحبوب أَن يُصَلِّي فِيهِ، وَيحْتَمل أَن تكون: من، للتَّبْعِيض، وَلَا يُنَافِي مَا تقدم أَيْضا ثمَّة أَنه قَالَ: فأشرت، لِإِمْكَان وُقُوع الإشارتين مِنْهُ وَمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَّا مَعًا وَإِمَّا مُتَقَدما ومتأخرا.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَالَّذِي يظْهر أَن فَاعل: أَشَارَ، هُوَ: عتْبَان، لَكِن فِيهِ الْتِفَات، إِذْ ظَاهر السِّيَاق أَن يَقُول: فأشرت ... إِلَى آخِره، وَبِهَذَا تتوافق الرِّوَايَتَانِ.
قلت: الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي أولى وَأَحْرَى، لِأَن فِيهِ إِظْهَار معْجزَة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيْثُ أَشَارَ إِلَى الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِي قلب عتْبَان أَن يُصَلِّي فِيهِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ قبل أَن يُعينهُ عتْبَان.

وَبَقِيَّة الْكَلَام فِي هَذَا الحَدِيث ذَكرنَاهَا فِي: بابُُ الْمَسَاجِد فِي الْبيُوت.