فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة

( بابُُ مَا جاءَ فِي السَّعْيِ بَينَ الصَّفا والمَرْوَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي السَّعْي، أَي: من كيفيته بَين الصَّفَا والمروة.

وَقَالَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا السَّعْيُ مِنْ دَار بَنِي عَبَّادٍ إلَى زُقاقِ بَنِي أبي حُسَيْنٍ

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه جَاءَ فِي السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة أَنه من دَار بني عباد إِلَى زقاق بني أبي حُسَيْن، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر عَن عُثْمَان بن الْأسود عَن مُجَاهِد وَعَطَاء: قَالَ: رأيتهما يسعيان من خوخة بني عباد إِلَى زقاق بني أبي حُسَيْن، وعزوا ذَلِك إِلَى ابْن عمر، وَذكره الفاكهي بأوضح مِنْهُ من طَرِيق ابْن جريج: أَخْبرنِي نَافِع قَالَ: نزل ابْن عمر من الصَّفَا حَتَّى إِذا حَاذَى بابُُ بني عباد إِلَى زقاق ابْن أبي حشين، قَالَ سُفْيَان: هُوَ بَين هذَيْن العلمين.
قَوْله: ( بني عباد) ، بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وزقاق، بِضَم الزَّاي وبالقافين،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الزقاق السِّكَّة يذكر وَيُؤَنث، قَالَ الْأَخْفَش: أهل الْحجاز يؤنثون الطَّرِيق والصراط والسبيل والسوق والزقاق، وَبَنُو تَمِيم يذكرُونَ هَذَا كُله، وَالْجمع: الزقاق والزقان والأزقة، مثل: حوار وحوران وأحورة.



[ قــ :1574 ... غــ :1644 ]
- حدَّثنا محَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ مَيْمُونٍ قَالَ حدَّثنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عنْ نافعٍ عنِ ابنِ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا طافَ الطَّوَافَ الأولَ خَبَّ ثَلاثا ومشَى أرْبَعا وَكَانَ يَسْعَى بَطْنَ المَسِيلِ إذَا طافَ بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ فقُلْتُ لِنافِعٍ إكانَ عَبْدُ الله يَمْشي إذَا بلَغَ الرّكْنَ الْيَمَانِيَ قَالَ لَا إلاَّ أنْ يُزَاحَمَ عَلَى الرُّكْنِ فإنَّهُ كانَ لاَ يَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَلِمَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَكَانَ يسْعَى بطن المسيل) ، والْحَدِيث مضى فِي بابُُ: من طَاف بِالْبَيْتِ إِذا قدم مَكَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن أنس بن عِيَاض عَن عبيد الله.
.
إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه بأتم من ذَلِك عَن مُحَمَّد بن عبيد بن مَيْمُون، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر مُحَمَّد بن عبيد بن حَاتِم، وَكَذَا قَالَ الجياني نَاقِلا عَن نُسْخَة أبي مُحَمَّد بِخَطِّهِ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد بن حَاتِم حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس، قيل: الصَّوَاب هُوَ الأول، وَبِه جزم أَبُو نعيم، وَعِيسَى هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي الْكُوفِي، مَاتَ بالحرف أول سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَة، وَعبد الله بن عمر الْعمريّ.

قَوْله: ( كَانَ إِذا طَاف الطّواف الأول) أَي: طواف الْقدوم.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الطّواف الأول سَوَاء كَانَ للقدوم أَو للركن.
قَوْله: ( خب) أَي: رمل فِي الأشواط الثَّلَاث.
قَوْله: ( وَمَشى) أَي: لَا يرمل.
قَوْله: ( وَكَانَ يسْعَى بطن المسيل) أَي: الْمَكَان الَّذِي يجْتَمع فِيهِ السَّيْل، و: بطن، مَنْصُوب على الظّرْف.
قَوْله: ( فَقلت لنافع) إِلَى هُنَا مَرْفُوع عَن ابْن عمر، وَمن قَوْله: ( فَقلت) إِلَى آخِره مَوْقُوف، وَالْقَائِل لنافع هُوَ عبيد الله الْمَذْكُور فِيهِ.
قَوْله: ( أَكَانَ؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام.
قَوْله: ( لَا يَدعه) أَي: لَا يتْركهُ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ.





[ قــ :1575 ... غــ :1645 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ قَالَ سَألْنَا عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنْ رجُلٍ طَاف بالبَيْتِ فِي عُمْرةٍ ولَمْ يَطُفْ بينَ الصَّفا والمَرْوةِ أيأتِي امْرَأتَهُ فَقَالَ قدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فطَافَ بالبيْتِ سَبعا وصَلَّى خَلفَ المَقامِ رَكْعَتينِ فطافَ بينَ الصَّفا والمَروَةِ سَبْعا لَقَدْ كانَ لكُمْ فِي رسولِ الله أُسْوةٌ حسنةٌ.
وسألْنَا جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما فَقَالَ لَا يَقْرَبَنَّها حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفا والمَرْوةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَطَافَ بَين الصَّفَا والمروة سبعا) ، والْحَدِيث مضى أَيْضا فِي: بابُُ صلى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لسبوعه رَكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار إِلَى آخِره، وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.

قَوْله: ( أَيَأتِي؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام.
قَوْله: ( قدم النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: قدم مَكَّة، وَهَذَا جَوَاب لسؤال عَمْرو بن دِينَار، وَمن مَعَه، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا وَجه مُطَابقَة الْجَواب السُّؤَال؟ قلت: مَعْنَاهُ لَا يحل لَهُ، لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاجِب الْمُتَابَعَة، وَهُوَ لم يتَحَلَّل من عمرته حَتَّى سعى.
انْتهى.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّقْدِير، لِأَن هَذَا جَوَاب مُطَابق للسؤال مَعَ زِيَادَة، أما الْجَواب فَهُوَ قَوْله: ( فَطَافَ بَين الصَّفَا والمروة سبعا) ، وَأما الزِّيَادَة فَهُوَ قَوْله: ( فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا) ، وَصلى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ، وَفَائِدَة الزِّيَادَة هِيَ أَن السُّؤَال عَن الْمُعْتَمِر إِذا لم يسع، وَالْجَوَاب أَن الْعمرَة هِيَ الطّواف بِالْبَيْتِ، وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة، فَلَا يجوز لَهُ قرْبَان امْرَأَته حَتَّى يَأْتِي بِالطّوافِ وَالسَّعْي.
قَوْله: ( لقد كَانَ لكم) إِلَى آخِره، من تَتِمَّة الْجَواب.





[ قــ :1576 ... غــ :1647 ]
- حدَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ عنِ ابنِ جُريْجٍ قَالَ أخبرَنِي عَمْرُو بنُ دِينارٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّةَ فَطافَ بالبَيْتِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفا والمرْوَةِ ثُمَّ تَلاَ { لَقدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله إسْوةٌ حسَنَةٌ} ( الْأَحْزَاب: 3) ..
هَذَا طَرِيق آخر للْحَدِيث الْمَذْكُور، رَوَاهُ عَن الْمَكِّيّ بن إِبْرَاهِيم بن بشير بن فرقد الْبَلْخِي أَبُو السكن، وَلَفظ الْمَكِّيّ اسْمه على صُورَة النِّسْبَة، وَلَيْسَ بمنسوب إِلَى مَكَّة، وَهُوَ يرْوى عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَمضى هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي: بابُُ من صلى رَكْعَتي الطّواف خلف الْمقَام، رَوَاهُ عَن آدمٍ عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن دِينَار، وَهَذِه الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة عَن ابْن عمر دلّت على أَن الْعمرَة عبارَة عَن الطّواف بِالْبَيْتِ سبعا، وَالصَّلَاة بِرَكْعَتَيْنِ خلف الْمقَام، وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة.
.

وَفِي ( التَّوْضِيح) : وَاجِبَات السَّعْي عندنَا أَرْبَعَة: قطع جَمِيع الْمسَافَة بَين الصَّفَا والمروة، فَلَو بَقِي مِنْهَا بعض خطْوَة لم يَصح سَعْيه، وَلَو كَانَ رَاكِبًا اشْترط أَن يسير دَابَّته حَتَّى تضع حافرها على الْجَبَل، وَإِن صعد على الصَّفَا والمروة فَهُوَ أكمل، وَكَذَا فعله سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالصَّحَابَة بعده، وَلَيْسَ هَذَا الصعُود فرضا وَلَا وَاجِبا، بل هُوَ سنة مُؤَكدَة، وَبَعض الدرج مستحدث، فالحذر من أَن يخلفها وَرَاءه فَلَا يَصح سَعْيه حِينَئِذٍ، وَيَنْبَغِي أَن يصعد على الدرج حَتَّى يستيقن، وَلنَا وَجه شَاذ، أَنه يجب الصعُود على الصَّفَا والمروة قدرا يَسِيرا، وَلَا يَصح سَعْيه إلاَّ بذلك ليستيقن قطع جَمِيع الْمسَافَة، كَمَا يلْزم غسل جُزْء من الرَّأْس بعد غسل الْوَجْه ليستيقن.
ثَانِيهَا: التَّرْتِيب، فَلَو بَدَأَ بالمروة لم يجزه لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( ابدأوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ) .

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : قَالَ فِي ( الْمُحِيط) من كتب الْحَنَفِيَّة: لَو بَدَأَ بالمروة وَختم بالصفا أعَاد شوطا وَلَا يجْزِيه ذَلِك، والبداءة بالصفا شَرط، وَلَا أصل لما ذكره الْكرْمَانِي من أَن التَّرْتِيب فِي السَّعْي لَيْسَ بِشَرْط حَتَّى لَو بَدَأَ بالمروة وأتى الصَّفَا جَازَ، وَهُوَ مَكْرُوه لترك السّنة، فَيُسْتَحَب إِعَادَة ذَلِك الشوط قلت: الْكرْمَانِي لَهُ كتاب فِي الْمَنَاسِك ذكر هَذَا فِيهِ، وَكَيف يَقُول صَاحب ( التَّوْضِيح) : لَا أصل لما ذكره الْكرْمَانِي بل لَا أصل لما ذكره لِأَنَّهُ يحْتَج بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( ابدأوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ) ، فَكيف يسْتَدلّ بِخَبَر الْوَاحِد على إِثْبَات الْفَرْضِيَّة، والْحَدِيث إِنَّمَا يدل على أَنه سنة، وَقد عمل الْكرْمَانِي بِهِ حَيْثُ قَالَ: وَلَو بَدَأَ بالمروة يكون مَكْرُوها لتَركه السّنة، حَتَّى يسْتَحبّ إِعَادَته، وَهَذَا هُوَ الأَصْل فِي الِاسْتِدْلَال بِخَبَر الْوَاحِد، وَكَذَا الْجَواب عَمَّا قيل، وَحكى عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يجب التَّرْتِيب، وَيجوز الْبدَاءَة بالمروة، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ، وَأَرَادَ بِالْحَدِيثِ هُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( ابدأوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ) ، رَوَاهُ جَابر وَأخرجه النَّسَائِيّ.
الثَّالِث: يحْسب من الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَة مرّة، وَمن الْمَرْوَة إِلَى الصَّفَا مرّة حَتَّى يتم سبعا هَذَا هُوَ الصَّحِيح.
الرَّابِع: يشْتَرط أَن يكون السَّعْي بعد طواف صَحِيح، سَوَاء كَانَ بعد طواف قدوم أَو إفَاضَة، وَلَا يتَصَوَّر وُقُوعه بعد طواف الْوَدَاع، فَلَو سعى وَطَاف أَعَادَهُ، وَعند غَيرنَا أَعَادَهُ إِن كَانَ بِمَكَّة، فَإِن رَجَعَ إِلَى أَهله بعث بِدَم، وشذ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ: قَالَ بعض أَئِمَّتنَا: لَو قدم السَّعْي على الطّواف اعْتد بالسعي، وَهَذَا غلط.
وَنقل الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره الْإِجْمَاع فِي اشْتِرَاط ذَلِك،.

     وَقَالَ  عَطاء: يجوز السَّعْي من غير تقدم طواف وَهُوَ غَرِيب.
وَفِي ( التَّوْضِيح) : أَيْضا الْمُوَالَاة بَين مَرَّات السَّعْي سنة، فَلَو تخَلّل بِيَسِير أَو طَوِيل بَينهُنَّ لم يضر، وَكَذَا بَينه وَبَين الطّواف، وَيسْتَحب السَّعْي على طَهَارَة من الْحَدث وَالنَّجس ساترا عَوْرَته، وَالْمَرْأَة تمشي وَلَا تسْعَى لِأَنَّهُ أستر لَهَا.
وَقيل: إِن سعت فِي الْخلْوَة بِاللَّيْلِ سعت كَالرّجلِ، وَمَوْضِع الْمَشْي والعدو مَعْرُوف، والعدو يكون قبل وُصُوله إِلَى الْميل الْأَخْضَر، وَهُوَ العمود الْمَبْنِيّ فِي ركن الْمَسْجِد بِقدر سِتَّة أَذْرع إِلَى أَن يتوسط بَين العمودين المعروفين، وَمَا عدا ذَلِك فَهُوَ مَحل الْمَشْي فَلَو هرول فِي الْكل لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَكَذَا لَو مَشى على هينة، وَعَن سعيد بن جُبَير قَالَ: رَأَيْت ابْن عمر يمشي بَين الصَّفَا والمروة، ثمَّ قَالَ: إِن مشيت فقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمشي، وَإِن سعيت فقد رَأَيْته يسْعَى، وَأَنا شيخ كَبِير، أخرجه أَبُو دَاوُد.
وَفِي رِوَايَة كَانَ يَقُول لأَصْحَابه: أرملوا فَلَو اسْتَطَعْت الرمل لرملت، وَعنهُ قَالَ: رَأَيْت عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يمشي أخرجهَا سعيد بن مَنْصُور،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: يكره للرجل أَن يقْعد على الصَّفَا إلاَّ لعذر، وَضعف ابْن الْقَاسِم فِي رِوَايَته عَن مَالك رفع يَدَيْهِ على الصَّفَا والمروة،.

     وَقَالَ  ابْن حبيب: يرفع، وَإِذا قُلْنَا يرفع، فَقَالَ ابْن حبيب: يرفعهما حَذْو مَنْكِبَيْه وبطونهما إِلَى الأَرْض، ثمَّ يكبر ويهلل وَيَدْعُو.
.

     وَقَالَ  غَيره من الْمُتَأَخِّرين: الدُّعَاء والتضرع إِنَّمَا يكون وبطونهما إِلَى السَّمَاء، وَلَو ترك السَّعْي بِبَطن المسيل فَفِي وجوب الدَّم قَولَانِ عَن مَالك.





[ قــ :1577 ... غــ :1648 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا عاصِمٌ قَالَ.

قُلْتُ لأِنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ قَالَ نعم لأِنَّهَا كانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الجَاهِلِيَّةِ حَتَّى أنْزَلَ الله إنَّ الصَّفا والمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ يَطُوفَ بِهِمَا.

( الحَدِيث 8461 طرفه فِي: 6944) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْآيَة الْمَذْكُورَة فِيهَا إِثْبَات السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: أَحْمد بن مُحَمَّد، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن ثَابت شبويه.
قلت: أَحْمد بن مُحَمَّد بن ثَابت بن عُثْمَان بن مَسْعُود بن يزِيد أَبُو الْحسن الْخُزَاعِيّ الْمروزِي الْمَعْرُوف بِابْن شبويه، مَاتَ بطرسوس سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَه الْحَافِظ الدمياطي.
الثَّانِي: عبد الله بن الْمُبَارك.
الثَّالِث: عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول أَبُو عبد الرَّحْمَن.
الرَّابِع: أنس بن مَالك.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع والإخبار كَذَلِك فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه وَشَيْخه مروزيان وَأَن عَاصِمًا بَصرِي.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن الثَّوْريّ.
وَأخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن أبي مُعَاوِيَة.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد بن حميد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أَكُنْتُم؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار.
قَوْله: ( قَالَ: نعم) ويروى: ( فَقَالَ: نعم) ، بِزِيَادَة فَاء الْعَطف أَي: نعم كُنَّا نكره، وَعلل الْكَرَاهَة بقوله: ( لِأَنَّهَا كَانَت من شَعَائِر الْجَاهِلِيَّة) وَإِنَّمَا أنث الضَّمِير بِاعْتِبَار جمع السَّعْي وَهِي سبع مَرَّات، وَالْمرَاد من الشعائر العلامات الَّتِي كَانُوا يتعبدون بهَا، وَقد مر الْكَلَام فِي الشعائر عَن قريب قيل: إِنَّمَا خص السَّعْي وَالطّواف أَيْضا من شعائرهم.
قلت: لَا نسلم ذَلِك بِخِلَاف السَّعْي وَكَانَ لَهُم الصنمان اللَّذَان ذَكَرْنَاهُمْ يتمسحون بهما ويعبدونهما فِي تِلْكَ الْبقْعَة.





[ قــ :1578 ... غــ :1649 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عَنْ عَمْرٍ وعنْ عَطَاءٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ إنَّما سَعَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالبَيْتِ وبَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ لِيُرِيَ المشْرِكينَ قُوَّتَهُ.

( الحَدِيث 9461 طرفه فِي: 754) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد مروا غير مرّة، وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَمْرو بن دِينَار، وَفِي بعض النّسخ عَن عَمْرو.
وَهُوَ ابْن دِينَار، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي: بابُُ كَيفَ كَانَ بَدْء الرمل.
زَادَ الْحمَيْدِيُّ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ حَدثنَا عَمْرٌ.

     وَقَالَ  سَمِعْتُ عَطاءً عنِ ابنِ عَبَّاسٍ مِثْلهُ

وَقَول ابْن عَبَّاس: ( ليري الْمُشْركين قوته) ، فِيهِ حصر السَّبَب فِيمَا ذكره على مَا هُوَ الْمَشْهُور فِي: إِنَّمَا، من إِفَادَة الْحصْر، وَقد جَاءَ عَن ابْن عَبَّاس سَبَب آخر وَهُوَ سعي أَبينَا إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَيجوز أَن يكون هُوَ الْمُقْتَضِي لمشروعية الْإِسْرَاع على مَا رَوَاهُ أَحْمد فِي ( مُسْنده) من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَوْله: ( قَالَ: إِن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما أَمر بالمناسك عرض لَهُ الشَّيْطَان عِنْد السَّعْي، فسبقه فسابقه إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) .
وَقد ورد أَيْضا سَبَب آخر، وَهُوَ: سعي هَاجر عَلَيْهَا السَّلَام، على مَا صرح بِهِ البُخَارِيّ ( عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: جَاءَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) الحَدِيث، وَفِيه: ( فَهَبَطت من الصَّفَا حَتَّى إِذا بلغت الْوَادي رفعت طرف درعها وسعت سعي إِنْسَان مجهود حَتَّى جَاوَزت الْوَادي) الحَدِيث، وَفِيه: ( فَفعلت ذَلِك سبع مَرَّات.
قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَلذَلِك سعى النَّاس بَينهمَا)
.
فَإِن كَانَ المُرَاد بقوله: فَلذَلِك سعى النَّاس بَينهمَا: الْإِسْرَاع فِي الْمَشْي فَهَذِهِ الْعلَّة من نَص الشَّارِع، فهى أولى مَا يُعلل بِهِ السَّعْي، وَإِن أَرَادَ بالسعي مُطلق الذّهاب فَلَا، وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة الْأَزْرَقِيّ، فَلذَلِك طَاف النَّاس بَين الصَّفَا والمروة، وَالله أعلم.

قَوْله: ( الْحميدِي) ، بِضَم الْحَاء نِسْبَة إِلَى: حميد أحد أجداد عبد الله بن الزبير بن عبد الله الْقرشِي الْمَكِّيّ شيخ البُخَارِيّ، وَمن أَفْرَاده، وَمعنى هَذِه الزِّيَادَة أَن الْحميدِي صرح بِالتَّحْدِيثِ فِي رِوَايَته عَن عَمْرو بن دِينَار، وَصرح عَمْرو بِالسَّمَاعِ من عَطاء بن أبي رَبَاح، وَمن طَرِيقه أخرجه أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) .
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: زَاد لفظ: حَدثنَا وَسمعت، بدل المعنعن، وَفَائِدَته الْخُرُوج عَن الْخلاف فِي الْقبُول، سِيمَا وسُفْيَان من المدلسين.
قَوْله: ( مثله) ، أَي: مثل مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي الحَدِيث السَّابِق.