فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب غاية السبق للخيل المضمرة

( بابُُ غايَةِ السَّبْقِ لِلْخَيْلِ المُضَمَّرَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان غَايَة السَّبق، وَفِي بعض النّسخ: غَايَة السباق.



[ قــ :2743 ... غــ :2870 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا مُعاوِيَةُ قَالَ حدَّثنا أبُو إسْحَاقَ عنْ مُوسى بنِ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ سابَقَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي قَدْ أضْمَرَتْ فأرْسَلَهَا مِنَ الحَفْيَاءِ وكانَ أمَدُها ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ فَقُلْتُ لِمُوسَى فَكَمْ كانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ سِتَّةُ أمْيَالٍ أوْ سَبْعَةٌ وسابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ التِي لَم تُضَمَّرْ فأرْسَلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ وكانَ أمَدُهَا مَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ.

قُلْتُ فَكَمْ بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِيلٌ أوْ نَحْوُهُ وكانَ ابنُ عُمَرَ مِمَّنْ سابَقَ فِيها..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ طَرِيق آخر لحَدِيث ابْن عمر عَن عبد الله بن مُحَمَّد المسندي عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو الْأَزْدِيّ عَن أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْحَارِث الْفَزارِيّ عَن مُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمَدِينِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج.

قَوْله: ( فَقلت لمُوسَى) ، الْقَائِل هُوَ أَبُو إِسْحَاق.

وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة الْمُسَابقَة وَأَنه لَيْسَ من الْعَبَث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إِلَى تَحْصِيل الْمَقَاصِد فِي الْغَزْو وَالِانْتِفَاع بهَا عِنْد الْحَاجة، وَهِي دَائِرَة بَين الِاسْتِحْبابُُ وَالْإِبَاحَة بِحَسب الْبَاعِث على ذَلِك، وَجعلهَا بَعضهم سنة، وَبَعْضهمْ إِبَاحَة.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: لَا خلاف فِي جَوَاز الْمُسَابقَة على الْخَيل وَغَيرهَا من الدَّوَابّ وعَلى الْأَقْدَام، وَكَذَا الترامي بِالسِّهَامِ وَاسْتِعْمَال الأسلحة، لما فِي ذَلِك من التدريب على الْحَرْب.
انْتهى.
وَقد خرج هَذَا من بابُُ الْقمَار بالسنَّة، وَكَذَلِكَ هُوَ خَارج من تَعْذِيب الْبَهَائِم، لِأَن الْحَاجة إِلَيْهَا تَدْعُو إِلَى تأديبها وتدريبها.
وَفِيه: تجويع الْبَهَائِم على وَجه الصّلاح عِنْد الْحَاجة إِلَى ذَلِك.
وَفِيه: رياضة الْخَيل الْمعدة للْجِهَاد.
وَفِيه: أَن الْمُسَابقَة بَين الْخَيل يجب أَن يكون أمدها مَعْلُوما وَأَن تكون الْخَيل مُتَسَاوِيَة الْأَحْوَال أَو مُتَقَارِبَة، وَأَن لَا يسابق الْمُضمر مَعَ غَيره، وَهَذَا إِجْمَاع من الْعلمَاء، لِأَن صَبر الْفرس الْمُضمر المجوع فِي الجري أَكثر من صَبر المعلوف، فَلذَلِك جعلت غَايَة المضمرة سِتَّة أَمْيَال أَو سَبْعَة، وَجعلت غَايَة المعلوفة ميلًا وَاحِدًا.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِيه: نِسْبَة الْفِعْل إِلَى الْآمِر بِهِ، لِأَن قَوْله: ( سَابق) أَي: أَمر وأباح.
قلت: لَيْت شعري مَا وَجه هَذِه النِّسْبَة، وَقد صرح ابْن عمر بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَابق وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة إِسْنَاد السباق إِلَى نَفسه، وَلَا معنى للعدول عَن الْحَقِيقَة إِلَى الْمجَاز من غير دَاع ضَرُورِيّ، وَقد صرح أَحْمد فِي ( مُسْنده) من رِوَايَة عبد الله بن عمر المكبر عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَابق بَين الْخَيل، وراهن.
انْتهى.
وَلم يتَعَرَّض هُنَا للمراهنة، وَقد قَالَ التِّرْمِذِيّ: بابُُ الْمُرَاهنَة على الْخَيل، وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَحْمد.
وَقد أجمع الْعلمَاء على جَوَاز الْمُسَابقَة بِلَا عوض، لَكِن قصرهَا مَالك وَالشَّافِعِيّ على الْخُف والحافر والنصل، وَخَصه بعض الْعلمَاء بِالْخَيْلِ، وَأَجَازَهُ عَطاء فِي كل شَيْء.
وَأما الْمُسَابقَة بعوض فَإِن كَانَ المَال شرطا من جَانب وَاحِد بِأَن يَقُول أَحدهمَا لصَاحبه: إِن سبقتني فلك كَذَا وَإِن سبقتك فَلَا شَيْء لي، فَهُوَ جَائِز.
وَحكي عَن مَالك أَنه: لَا يجوز، لِأَنَّهُ قمار، وَلَو شَرط المَال من الْجَانِبَيْنِ حرم بِالْإِجْمَاع إلاَّ إِذا أدخلا ثَالِثا بَينهمَا.
وَقَالا للثَّالِث: إِن سبقتنا فالمالان لَك، وَإِن سبقناك فَلَا شَيْء لَك، وَهُوَ فِيمَا بَينهمَا أَيهمَا سبق أخذا لجعل عَن صَاحبه، وَسَأَلَ أَشهب مَالِكًا عَن الْمُحَلّل، قَالَ: لَا أحبه، وَلنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( من أَدخل فرسه بَين فرسين وَهُوَ لَا يَأْمَن إِن سبق فَلَيْسَ قماراً، وَإِن أَمن إِن يسْبق فَهُوَ قمار) .
فَلهَذَا يشْتَرط أَن يكون فرس الْمُحَلّل أَو بعيره مكافياً بفرسيهما، أَو بعيريهما، وَإِن لم يكن مكافئاً كَانَ أَحدهمَا بطيئاً فَهُوَ قمار،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد: إِدْخَال الثَّالِث إِنَّمَا يكون حِيلَة إِذا توهم سبقه، كَذَا فِي ( التَّتِمَّة) : وَيشْتَرط فِي الْمُسَابقَة فِي الْحَيَوَان تَحْدِيد الْمسَافَة، وَكَذَا فِي المناضلة بِالرَّمْي.

والمسابقة بالأقدام تجوز إِذا كَانَ المَال مَشْرُوطًا من جَانب وَاحِد، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي قَول،.

     وَقَالَ  فِي الْمَنْصُوص: لَا يجوز، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد.

وَلَا تجوز الْمُسَابقَة فِي البغال وَالْحمير، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي قَول، وَمَالك وَأحمد: إِذا كَانَ بِجعْل، وَعَن الشَّافِعِي، فِي قَول: تجوز.