فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب علامة حب الله عز وجل

(بابُُ عَلامَةِ حُبِّ الله عَزَّ وَجَلَّ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان عَلامَة حب الله عز وَجل، وَفِي بعض النّسخ: بابُُ عَلامَة الْحبّ فِي الله تَعَالَى،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هَذَا اللَّفْظ يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ محبَّة الله تَعَالَى للْعَبد فَهُوَ الْمُحب، وَأَن يُرَاد محبَّة العَبْد لله تَعَالَى فَهُوَ المحبوب.
قلت: هَذَا الترديد ينشأ من إِضَافَة حب الله، فَإِن كَانَت الْإِضَافَة للْفَاعِل وَالْمَفْعُول مطوي فَهُوَ المُرَاد الأول، وَإِن كَانَت إِلَى الْمَفْعُول وَذكر الْفَاعِل مطوي فَهُوَ المُرَاد الثَّانِي، والمحبة من الله إِرَادَة الثَّوَاب وَمن العَبْد إِرَادَة الطَّاعَة، وَهنا وَجه آخر على مَا ذكره الْكرْمَانِي، وَهُوَ أَن يُرَاد الْمحبَّة بَين الْعباد فِي ذَات الله تَعَالَى، وجهته لَا يشوبه الرِّيَاء والهوى.

لِقَوْلِهِ: { ) إِن كُنْتُم تحبون ... يحببكم الله} (آل عمرَان: 31)
أَرَادَ بإيراد هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة أَن عَلامَة حب الله أَن يُحِبُّوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا اتبعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَرِيعَته وسنته يُحِبهُمْ الله عز وَجل، فَيَقَع الِاسْتِدْلَال بهَا فِي الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين بِاعْتِبَار الْإِضَافَة فِي حب الله تَعَالَى.
وَعَن الْحسن وَابْن جريج: زعم أَقوام على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم يحبونَ الله، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد، إِنَّا نحب رَبنَا، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة: { قل} يَا مُحَمَّد { إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني} فِيمَا آمُر وأنهى { يحبكم الله} عز وَجل.
(آل عمرَان: 31) .



[ قــ :5839 ... غــ :6168 ]
- حدَّثنا بِشْرُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمانَ عَنْ أبي وائِلٍ عَنْ عَبْدِ الله عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّهُ قَالَ: المَرْءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ.
(انْظُر الحَدِيث 6168 طرفه فِي: 6169) .


نقل بَعضهم عَن الْكرْمَانِي بِأَنَّهُ قَالَ: يحْتَمل أَن يُرَاد بالترجمة محبَّة الله تَعَالَى للْعَبد، ومحبة العَبْد لله، أَو الْمحبَّة بَين الْعباد فِي ذَات الله عز وَجل، ثمَّ قَالَ: وَلم يتَعَرَّض لمطابقة الحَدِيث للتَّرْجَمَة، وَقد توقف فِيهِ غير وَاحِد، ثمَّ أَطَالَ الْكَلَام بِمَا لَا يجدي شَيْئا، وَلَو كَانَ توقف فِيهِ مثل غَيره لَكَانَ أولى، فَأَقُول، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق: إِن مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ معنى الحَدِيث لِأَن قَوْله: (مَعَ من أحب) أَعم من أَن يحب الله وَرَسُوله، وَأَن يحب عبدا فِي ذَات الله تَعَالَى بالإخلاص، فَكَمَا أَن التَّرْجَمَة تحْتَمل الْعُمُوم على مَا ذكرنَا من الْأَوْجه الثَّلَاثَة، فَكَذَلِك لفظ الحَدِيث يحْتَمل تِلْكَ الْأَوْجه الْمَذْكُورَة، فَتحصل الْمُطَابقَة بَينهمَا وَالدَّلِيل على عُمُومه كلمة: من، فَإِنَّهَا تَقْتَضِي الْعُمُوم، وَضمير الْمَفْعُول فِي: أحب، مَحْذُوف تَقْدِيره: من أحبه، وَهُوَ يرجع إِلَى كلمة: من، فيكتسب الْعُمُوم مِنْهَا.
فَافْهَم، فَإِنَّهُ مَوضِع دَقِيق لَاحَ لي من الْأَنْوَار الربانية.

وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن خَالِد أَبُو مُحَمَّد العسكري الْفَرَائِضِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر، وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن بشر بن خَالِد أَيْضا، وَعَن غَيره.

قَوْله: (مَعَ من أحب) أَي فِي الْجنَّة، يَعْنِي: هُوَ مُلْحق بهم دَاخل فِي زمرتهم ألحقهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحسن النِّيَّة من غير زِيَادَة عمل بأصحاب الْأَعْمَال الصَّالِحَة.

وَقَالَ ابْن بطال.
فِيهِ: أَن من أحب عبدا فِي الله تَعَالَى فَإِن الله يجمع بَينهمَا فِي جنته وَإِن قصّر فِي عمله، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما أحب الصَّالِحين لأجل طاعتهم أثابه الله تَعَالَى ثَوَاب تِلْكَ الطَّاعَة إِذْ النِّيَّة هِيَ الأَصْل وَالْعَمَل تَابع لَهَا، وَالله يُؤْتِي فَضله من يَشَاء، وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم.





[ قــ :5840 ... غــ :6169 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا جَرِيرٌ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبي وائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله ابنُ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رسولَ الله! كَيْفَ تَقُولُ فِي رجُل أحَبَّ قَوْماً وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ.
( انْظُر الحَدِيث 6168) .


مطابقته هَذَا ومطابقة الْحَدِيثين الَّذين بعده مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد الرَّازِيّ.
قَوْله: ( وَلم يلْحق بهم) أَي: فِي الْعَمَل والفضيلة.

تابَعَهُ جَرِيرُ بنُ حازِمٍ وسُلَيْمَانُ بنُ قَرْمٍ وأبُو عَوَانَةَ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبي وائلٍ عَنْ عَبْدِ الله عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

أَي: تَابع جرير بن عبد الحميد جرير بن حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْبَصْرِيّ، وَسليمَان بن قرم بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء الضَّبِّيّ، وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي: أما مُتَابعَة جرير بن حَازِم فوصلها أَبُو نعيم فِي كتاب المحبين من طَرِيق أبي الْأَزْهَر أَحْمد بن الْأَزْهَر عَن وهب بن جرير بن حَازِم: حَدثنَا أبي سَمِعت الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عبد الله فَذكره، وَلم ينْسب عبد الله.
وَأما مُتَابعَة سُلَيْمَان بن قرم فوصلها مُسلم من طَرِيق أبي الْجَواب عمار بن رُزَيْق بِتَقْدِيم الرَّاء عَنهُ عَن عبد الله، وعطفها على رِوَايَة شُعْبَة، فَقَالَ مثله.
وَأما مُتَابعَة أبي عوَانَة فوصلها أَبُو عوَانَة يَعْقُوب والخطيب فِي كتاب ( المكمل) من طَرِيق يحيى بن حَمَّاد عَنهُ، قَالَ فِيهِ أَيْضا: عَن عبد الله، وَلم ينْسبهُ.





[ قــ :5841 ... غــ :6170 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبي وائِلٍ عَنْ أبي مُوسَى قَالَ: قِيلَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ ولَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ.
قَالَ: المَرْءُ مَنْ أحَبَّ.


أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْأَدَب عَن أبي بكر وَأبي كريب وَغَيرهمَا،.

     وَقَالَ  الْمزي: رَوَاهُ غير وَاحِد عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عبد الله بن مَسْعُود، وروى عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل، فَقَالَ مرّة: عَن عبد الله،.

     وَقَالَ  مرّة: عَن أبي مُوسَى.
قلت: الطريقان كِلَاهُمَا صَحِيحَانِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو عوَانَة فِي ( صَحِيحه) .

قَوْله: ( وَلما يلْحق بهم) وَفِي الرِّوَايَة السَّابِقَة: وَلم يلْحق بهم قَالَ الْكرْمَانِي فِي كلمة: لما إِشْعَار بِأَنَّهُ يتَوَقَّع اللحوق يَعْنِي: هُوَ قَاصد لذَلِك ساعٍ فِي تَحْصِيل تِلْكَ الْمرتبَة.

تابَعَهُ أبُو مُعاوِيَةَ ومُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ
يَعْنِي: تَابع سُفْيَان أَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بالمعجمتين، وَمُحَمّد بن عبيد فِي روايتهما عَن الْأَعْمَش، وَهَذِه الْمُتَابَعَة وَصلهَا مُسلم عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَنْهُمَا،.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَة: عَن أبي مُوسَى.





[ قــ :584 ... غــ :6171 ]
- حدَّثنا عَبْدَانُ أخبرنَا أبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرو بنِ مُرَّةَ عَنْ سالِمِ بنِ أبي الجَعْدِ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّ رَجُلاً سَأَلَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَتَى السَّاعَةُ يَا رسولَ الله! قَالَ: مَا أعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: مَا أعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ ولاَ صَوْمٍ ولاَ صَدَقَةٍ، ولاكِنِّي أُحِبُّ الله ورسولَهُ.
قَالَ: أنْتَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ.

عَبْدَانِ لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي يروي عَن أَبِيه عُثْمَان بن جبلة عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء عَن سَالم بن أبي الْجَعْد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة واسْمه رَافع الْكُوفِي عَن أنس رَضِي الله عَنهُ.

والْحَدِيث قد مضى فِي الْبابُُ الَّذِي قبله، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( مَا أَعدَدْت لَهَا؟) من أسلوب الْحَكِيم، وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ.