فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب سؤال القاتل حتى يقر، والإقرار في الحدود

( بابُُ سؤالِ القاتِلِ حتَّى يُقِرَّ والإقْرَارِ فِي الحُدُودِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان سُؤال الإِمَام الْقَاتِل يَعْنِي: من اتهمَ بِالْقَتْلِ وَلم تقم عَلَيْهِ الْبَيِّنَة، ويسأله حَتَّى يقر فيقيم عَلَيْهِ الْحَد، هَذِه التَّرْجَمَة هَكَذَا وَقعت فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَلم يَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وكريمة لفظ: بابُُ، وَإِنَّمَا وَقع بعد قَوْله: ف ق وَإِذا لم يزل يسْأَل الْقَاتِل حَتَّى أقرّ، وَالْإِقْرَار فِي الْحُدُود.



[ قــ :6513 ... غــ :6876 ]
- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ، حدّثنا هَمَّامٌ، عنْ قَتادَةَ، عنْ أنَس بنِ مالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ يَهُودِيّاً رضَّ رأْسَ جاريةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا فُلانٌ أَو فُلانٌ؟ حتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فأُتِي بهِ النَّبيُّ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أقَرَّ، فَرُضَّ رأْسُهُ بالْحِجارَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَلم يزل بِهِ حَتَّى أقرّ وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى.

والْحَدِيث مضى فِي الْأَشْخَاص عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي الْوَصَايَا عَن حسان بن أبي عباد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: رض بالضاد الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة من رض يرض رضَا إِذا رضخ ودق وَفِيه الْقصاص بِالْمثلِ.
قَوْله: رَأس جَارِيَة قَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن تكون أمة، وَيحْتَمل أَن تكون حرَّة، لَكِن دون الْبلُوغ.
قلت: تقدم فِي الطَّلَاق بِلَفْظ: عدا يَهُودِيّ على جَارِيَة، فَأخذ أَوْضَاحًا كَانَت عَلَيْهَا ورضخ رَأسهَا، وَفِيه: فَأتى أَهلهَا رسولَ الله وَهِي فِي آخر رَمق ... الحَدِيث، وَهَذَا يدل على أَنَّهَا كَانَت حرَّة،.

     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل الْمَذْكُور: وَهَذَا لَا يعين كَونهَا حرَّة لاحْتِمَال أَن يُرَاد بِأَهْلِهَا مواليها رقيقَة كَانَت أَو عتيقة.
قلت: هَذَا عدُول عَن الظَّاهِر، فَإِن الموَالِي لَا يُطلق عَلَيْهِم: أهل، بِالْحَقِيقَةِ وَالِاحْتِمَال الناشىء عَن غير دَلِيل لَا يثبت الحكم.
والأوضاح جمع وضح وَهِي الْحلِيّ من فضَّة، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة وَغَيره،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الأوضاح حلي من الدَّرَاهِم الصِّحَاح.
قَوْله: فلَان أَو فلَان؟ هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي وَابْن عَسَاكِر، وَلأبي ذَر عَن الْكشميهني: أفلان أم فلَان؟ وَفِي رِوَايَة غَيره: أفلان وَفُلَان؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الاستخبار، وَتقدم فِي الْأَشْخَاص من وَجه آخر عَن همام: أفلان أفلان؟ بالتكرار بِغَيْر وَاو الْعَطف.
قَوْله: حَتَّى سمي الْيَهُودِيّ بِضَم السِّين على بِنَاء الْمَجْهُول.
قَوْله: فَأتي بِهِ أَي: باليهودي.
قَوْله: حَتَّى أقرّ أَي الْيَهُودِيّ، أَي: حَتَّى أقرّ أَنه فعل بهَا مَا ذكر، وَفِي رِوَايَة الْوَصَايَا: حَتَّى اعْترف.
قَالَ أَبُو مَسْعُود: لَا أعلم أحدا قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: حَتَّى اعْترف وَلَا حَتَّى أقرّ إلاَّ همام بن يحيى.
.

     وَقَالَ  غَيره: هَذِه اللَّفْظَة إِنَّمَا جَاءَت من رِوَايَة قَتَادَة وَلم ينقلها غَيره، وَهِي مِمَّا عد عَلَيْهِ.
قلت: ثبتَتْ هَذِه اللَّفْظَة فِي الصَّحِيحَيْنِ فَيرد بِهِ مَا قيل مِمَّا ذكرنَا، وَيرد بِهِ أَيْضا سُؤال من قَالَ: كَيفَ قتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَهُودِيّ بِلَا بَيِّنَة وَلَا اعْتِرَاف؟ وَأجِيب: عَن هَذَا أَيْضا: بِأَن هَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، وَكَانَ يقتل الْقَاتِل بقول الْقَتِيل، وَقيل: يُمكن أَنه قَتله لَا بِبَيِّنَة وَلَا اعْتِرَاف بل بِسَبَب آخر مُوجب لقَتله، وَقيل: كَانَ علمه بِالْوَحْي فَلذَلِك قَتله.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِي صفة الْقود.
فَقَالَ مَالك: إِنَّه يقتل بِمثل مَا قتل بِهِ، فَإِن قَتله بعصا أَو بِحجر أَو بالخنق أَو بالتغريق قتل بِمثلِهِ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: إِن طَرحه فِي النَّار عمدا حَتَّى مَاتَ طرح فِي النَّار حَتَّى يَمُوت،.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعامر الشّعبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: لَا يقتل الْقَاتِل فِي جَمِيع الصُّور إِلَّا بِالسَّيْفِ.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا ابْن مَرْزُوق حَدثنَا أَبُو عَاصِم قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَابر عَن أبي عَازِب عَن النُّعْمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا قَود إلاَّ بِالسَّيْفِ، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد شيخ البُخَارِيّ وَجَابِر الْجعْفِيّ، وَأَبُو عَازِب مُسلم بن عَمْرو أَو مُسلم بن أَرَاك، والنعمان بن بشير.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِي وَلَفظه: لَا قَود إِلَّا بحديدة، وَأَجَابُوا عَن حَدِيث الْبابُُ بِأَنَّهُ نسخ بنسخ الْمثلَة كَمَا فعل رَسُول الله بالعرنيين.
فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث لم يثبت لَهُ إِسْنَاد، وَجَابِر مطعون فِيهِ.
قلت: وَإِن طعن فِيهِ فقد قَالَ وَكِيع: مهما شَكَكْتُمْ فِي شَيْء فَلَا تَشكوا فِي أَن جَابِرا ثِقَة.
.

     وَقَالَ  شُعْبَة: صَدُوق فِي الحَدِيث.
وَأخرج لَهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقد رُوِيَ مثله عَن أبي بكرَة، رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَادِهِ الْجيد عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَنهُ نَحوه، وَعَن عبد الله بن مَسْعُود.
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَنهُ، وَلَفظه: لَا قَود إِلَّا بِالسِّلَاحِ، وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ مُعلى بن هِلَال عَن أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَنهُ، وَلَفظه: لَا قَود إلاَّ بحديدة، وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي عَازِب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي قَالَ: الْقود بِالسَّيْفِ وَالْخَطَأ على الْعَاقِلَة.

وَهَؤُلَاء ستتة أنفس من الصَّحَابَة رووا عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم: أَن الْقود لَا يكون إلاَّ بِالسَّيْفِ، ويشد بعضه بَعْضًا.
وَأَقل أَحْوَاله أَن يكون حسنا، فصح الِاحْتِجَاج بِهِ.