فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إدخال البعير في المسجد للعلة

( بابُُ إدْخال البَعِيرِ فِي المَسجِدِ لِلْعِلَّةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إِدْخَال الْبَعِير فِي الْمَسْجِد لِلْعِلَّةِ أَي: للْحَاجة، وَهِي أَعم من أَن تكون للضعف أَو غَيره، وَقيل: المُرَاد بِالْعِلَّةِ الضعْف، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن هَذَا ظَاهر فِي حَدِيث أم سَلمَة دون حَدِيث ابْن عَبَّاس.
وَأجِيب: بِأَن أَبَا دَاوُد رُوِيَ عَنهُ أَن النَّبِي قدم مَكَّة وَهُوَ يشتكي، فَطَافَ على رَاحِلَته، وَمَعَ هَذَا كُله تَقْيِيد الْعلَّة بالضعف، لَا وَجه لَهُ لأَنا قُلْنَا: إِنَّهَا أَعم، فتتناول الضعْف وَإِن يكون طَوَافه على بعيره ليراه النَّاس، كَمَا جَاءَ عَن جَابر: أَنه إِنَّمَا طَاف على بعيره ليراه النَّاس وليسألوه، فَإِن النَّاس غشوه.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاس طَافَ النبيُّ عَلَى بَعِيرٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ إِدْخَال الْبَعِير فِي الْمَسْجِد لِلْعِلَّةِ لِأَنَّهُ لما قدم مَكَّة كَانَ يشتكي على مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنهُ، فَذكره البُخَارِيّ مُعَلّقا، وَذكره مُسْندًا فِي بابُُ: من أَشَارَ إِلَى الرُّكْن فِي كتاب الْحَج.


[ قــ :454 ... غــ :464]
- ( حَدثنِي عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نَوْفَل عَن عُرْوَة عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة قَالَت شَكَوْت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنِّي أشتكي قَالَ طوفي من وَرَاء النَّاس وَأَنت راكبة فطفت وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي إِلَى جنب الْبَيْت يقْرَأ بِالطورِ وَكتاب مسطور) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " طوفي من وَرَاء النَّاس وَأَنت راكبة " وَفِيه جَوَاز إِدْخَال الْبَعِير فِي الْمَسْجِد لعِلَّة الضعْف ( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة.
الأول عبد الله بن يُوسُف التنيسِي.
الثَّانِي الإِمَام مَالك.
الثَّالِث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود بن نَوْفَل بِفَتْح النُّون وَالْفَاء يعرف بيتيم عُرْوَة بن الزبير تقدم ذكره فِي بابُُ الْجنب يتَوَضَّأ ثمَّ ينَام.
الرَّابِع عُرْوَة بن الزبير.
الْخَامِس زَيْنَب بنت أبي سَلمَة وَهِي بنت أبي سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي وَكَانَ اسْمهَا برة فسماها رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زَيْنَب.
السَّادِس أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد والإخبار كَذَلِك وَفِيه العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل وَفِيه رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ وهما مُحَمَّد وَعُرْوَة وَرِوَايَة عُرْوَة عَن صحابية وَهِي زَيْنَب لِأَنَّهَا سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد البُخَارِيّ وَفِيه رِوَايَة صحابية عَن صحابية وهما زَيْنَب وَأم سَلمَة وَفِيه أَن رُوَاة إِسْنَاده مدنيون مَا خلا شيخ البُخَارِيّ ( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة وَفِي التَّفْسِير عَن عبد الله بن يُوسُف وَأخرجه فِي الْحَج عَن إِسْمَاعِيل والقعنبي وَفِيه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَرْب وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين وَفِيه وَفِي التَّفْسِير عَن عبيد الله بن سعيد وَأخرجه ابْن ماجة فِي الْحَج عَن اسحق بن مَنْصُور وَأحمد بن سِنَان وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن مُعلى بن مَنْصُور عَن مَالك بِهِ ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَنِّي أشتكي " فِي مَحل النصب فَإِنَّهُ مفعول شَكَوْت يُقَال اشتكي عضوا من أَعْضَائِهِ إِذا توجع مِنْهُ وشكوت فلَانا إِذا أخْبرت عَنهُ بِسوء فعله بك قَوْله " فطفت " أَي راكبة على الْبَعِير حَتَّى يدل الحَدِيث على التَّرْجَمَة قَوْله " إِلَى جنب الْبَيْت " أَي الْكَعْبَة لِأَن الْبَيْت علم للكعبة شرفها الله وعظمها.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي ( فَإِن قلت) الصَّلَاة إِلَى الْبَيْت فَمَا فَائِدَة ذكر الْجنب ( قلت) مَعْنَاهُ أَنه كَانَ يُصَلِّي مِنْهَا إِلَى الْجنب يَعْنِي قَرِيبا من الْبَيْت لَا بَعيدا مِنْهُ انْتهى.

     وَقَالَ  أَبُو عَمْرو صلَاته إِلَى جنب الْبَيْت من أجل أَن الْمقَام كَانَ حِينَئِذٍ مُلْصقًا بِالْبَيْتِ قبل أَن يَنْقُلهُ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من ذَلِك الْمَكَان إِلَى صحن الْمَسْجِد انْتهى.
وَالْوَجْه فِي ذَلِك أَن الْبَيْت كُله قبْلَة فَحَيْثُ صلى الْمُصَلِّي مِنْهُ إِذا جعله أَمَامه كَانَ مستحسنا جَائِزا قَوْله " يقْرَأ بِالطورِ " أَي بِسُورَة الطّور ولعلها لم تذكر وَاو الْقسم لِأَن لفظ الطّور كَأَنَّهُ صَار علما للسورة ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) قَالَ ابْن بطال فِيهِ جَوَاز دُخُول الدَّوَابّ الَّتِي يُؤْكَل لَحمهَا وَلَا ينجس بولها الْمَسْجِد إِذا احْتِيجَ إِلَى ذَلِك وَأما دُخُول سَائِر الدَّوَابّ فَلَا يجوز وَهُوَ قَول مَالك وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الحَدِيث دلَالَة على عدم الْجَوَاز مَعَ الْحَاجة بل ذَلِك دائر مَعَ التلويث وَعَدَمه فَحَيْثُ يخْشَى التلويث يمْتَنع الدُّخُول وَفِيه نظر لِأَن قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " طوفي وَأَنت راكبة " لَا يدل على أَن الْجَوَاز وَعَدَمه دائران مَعَ التلويث بل ظَاهره يدل على الْجَوَاز مُطلقًا عِنْد الضَّرُورَة وَقيل أَن نَاقَته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَت مدربة معلمة فَيُؤمن مِنْهَا مَا يحذر من التلويث وَهِي سائرة ( قلت) سلمنَا هَذَا فِي نَاقَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَكِن مَا يُقَال فِي النَّاقة الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا أم سَلمَة وَهِي طَائِفَة وَلَئِن قيل أَنَّهَا كَانَت نَاقَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قيل لَهُ يحْتَاج إِلَى بَيَان ذَلِك بِالدَّلِيلِ.
وَمن فَوَائده أَن النِّسَاء يَنْبَغِي لَهُنَّ أَن يطفن من وَرَاء الرِّجَال لِأَن بِالطّوافِ شبها بِالصَّلَاةِ وَمن سنة النِّسَاء فِيهَا أَن يكن خلف الرِّجَال فَكَذَلِك فِي الطّواف.
وَمِنْهَا أَن رَاكب الدَّابَّة يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَجَنَّب ممر النَّاس مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يخالط الرجالة.
وَمِنْهَا أَن فِيهِ جَوَاز الطّواف رَاكِبًا للمعذور وَلَا كَرَاهَة فِيهِ فَإِن كَانَ غير مَعْذُور يعْتَبر عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة " وَلنَا إِطْلَاق قَوْله تَعَالَى { وليطوفوا} وَهُوَ مُطلق والْحَدِيث للتشبيه فَلَا عُمُوم لَهُ وبقولنا قَالَ ابْن الْمُنْذر وَجَمَاعَة.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ الْجُمْهُور على كَرَاهَة ذَلِك قُلْنَا نَحن أَيْضا نقُول بِالْكَرَاهَةِ حَتَّى أَنه يُعِيدهُ مَا دَامَ بِمَكَّة وَسَيَجِيءُ مزِيد الْكَلَام فِيهِ فِي بابُُ الْحَج إِن شَاءَ الله تَعَالَ