فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا أكره حتى وهب عبدا أو باعه لم يجز

( بابٌُ إِذا أُكْرِهَ حتَّى وهَبَ عَبْداً أوْ باعَهُ لَمْ يَجُزْ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا أكره الرجل حَتَّى وهب عَبده لشخص أَو بَاعه لَهُ لم يجز، أَي: لم يَصح لَا الْهِبَة وَلَا البيع، وَالْعَبْد بَاقٍ على ملكه.

وبِهِ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ.

أَي: بالحكم الْمَذْكُور قَالَ بعض النَّاس وَهُوَ: عدم جَوَاز هبة الْمُكْره عَبده، وَكَذَا بَيْعه.
قلت: إِن أَرَادَ بِبَعْض النَّاس الْحَنَفِيَّة فمذهبهم لَيْسَ كَذَلِك، فَإِن مَذْهَبهم أَن شخصا إِذا أكره على بيع مَاله أوهبته لشخص أَو على إِقْرَاره بِأَلف مثلا لشخص وَنَحْو ذَلِك، فَبَاعَ أَو وهب وَأقر، ثمَّ زَالَ الْإِكْرَاه فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أمضى هَذِه الْأَشْيَاء وَإِن شَاءَ فَسخهَا، لِأَن الْملك ثَبت بِالْعقدِ لصدوره من أَهله فِي مَحَله إلاَّ أَنه قد شَرط الْحل، وَهُوَ التَّرَاضِي، فَصَارَ كَغَيْرِهِ من الشُّرُوط الْمفْسدَة، حَتَّى لَو تصرف فِيهِ تَصرفا لَا يقبل النَّقْض: كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِير وَنَحْوهمَا، لَا ينفذ وَتلْزَمهُ الْقيمَة، وَإِن، أجَازه جَازَ لوُجُود التَّرَاضِي، بِخِلَاف البيع الْفَاسِد لِأَن الْفساد لحق الشَّرْع.

فإنْ نذَرَ المُشْتَرِي فِيهِ نَذْراً فَهْوَ جائِزٌ بِزَعْمِهِ.

أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَام التشنيع على هَؤُلَاءِ الْبَعْض من النَّاس، وَإِثْبَات تناقضهم فِي كَلَامهم أَي: قَالَ هَؤُلَاءِ الْبَعْض: فَإِن نذر المُشْتَرِي يَعْنِي: المُشْتَرِي من الْمُكْره فِي الَّذِي اشْتَرَاهُ نذرا فَهُوَ جَائِز قَوْله: بِزَعْمِهِ، أَي: بقوله.

وكَذَلِكَ إنْ دَبَّرهُ.

أَي: وَكَذَلِكَ قَالَ هَؤُلَاءِ الْبَعْض: إِن دبر المُشْتَرِي من الْمُكْره العَبْد الَّذِي اشْتَرَاهُ، وَبَيَان التَّنَاقُض الَّذِي زَعمه البُخَارِيّ فِيمَا قَالَه الْكرْمَانِي: قَالَ: قَالَ الْمَشَايِخ: إِذا قَالَ البُخَارِيّ بعض النَّاس يُرِيد بِهِ الْحَنَفِيَّة، وغرضه أَن يبين أَن كَلَامهم متناقض لِأَن بيع الْإِكْرَاه هَل هُوَ ناقل للْملك إِلَى المُشْتَرِي أم لَا، فَإِن قَالُوا: نعم، فصح مِنْهُ جَمِيع التَّصَرُّفَات، وَلَا يخْتَص بِالنذرِ وَالتَّدْبِير، وَإِن قَالُوا: لَا، فَلَا يصحان هما أَيْضا، وَأَيْضًا فِيهِ تحكم وَتَخْصِيص.
قلت: أَولا لَيْسَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فِي هَذَا كَمَا زَعمه البُخَارِيّ كَمَا ذكرنَا، وَثَانِيا: إِنَّا نمْنَع هَذَا الترديد فِي نقل الْملك وَعَدَمه بل الْملك يثبت بِالْعقدِ لصدوره من أَهله فِي مَحَله، إلاَّ أَنه قد شَرط الْحل وَهُوَ التَّرَاضِي، فَصَارَ كَغَيْرِهِ من الشُّرُوط الْمفْسدَة حَتَّى لَو تصرف فِيهِ تَصرفا لَا يقبل النَّقْض: كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِير وَنَحْوهمَا، ينفذ وَتلْزَمهُ الْقيمَة، وَإِن أجَازه جَازَ لوُجُود التَّرَاضِي، بِخِلَاف البيع الْفَاسِد لِأَن الْفساد لحق الشَّرْع.



[ قــ :6581 ... غــ :6947 ]
- حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ، عنْ جابِرٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رجُلاً مِنَ الأنْصارِ دَبَّرَ مَمْلُوكاً ولَمْ يكُنْ لهُ مالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رسولَ الله فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فاشْتَرَاهُ نعَيْمُ النَّحَّامُ بِثَمَانِمائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ: فَسَمِعْتُ جابِراً يَقُولُ: عَبْداً قِبْطِيّاً ماتَ عامَ أوَّلَ.

قَالَ الدَّاودِيّ مَا حَاصله: أَنه لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَنَّهُ لَا إِكْرَاه فِيهِ، ثمَّ قَالَ: إلاَّ أَن يُرَاد أَنه، بَاعه وَكَانَ كالمكره لَهُ على بَيْعه.

وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل والْحَدِيث مضى فِي الْعتْق.

قَوْله: أَن رجلا اسْمه أَبُو مَذْكُور، والمملوك اسْمه يَعْقُوب، وَالْمُشْتَرِي نعيم بِضَم النُّون وَفتح الْعين الْمُهْملَة، وَقد وَقع فِي بعض النّسخ: نعيم بن النحام، وَالصَّوَاب: نعيم النحام، بِدُونِ لفظ الابْن لِأَنَّهُ قَالَ سَمِعت فِي الْجنَّة نحمة نعيم، أَي: سعلته فَهُوَ صفته لَا صفة أَبِيه.
قَوْله: عبدا قبطياً أَي: من قبط مصر.

وَفِيه: جَوَاز بيع الْمُدبر، قيل: هُوَ حجَّة على الْحَنَفِيَّة فِي منع بيع الْمُدبر، وَأَجَابُوا بِأَن هَذَا مَحْمُول على الْمُدبر الْمُقَيد، وَهُوَ يجوز بَيْعه إلاَّ أَن يثبتوا أَنه كَانَ مُدبرا مُطلقًا، وَلَا يقدرُونَ على ذَلِك، وَكَونه لم يكن لَهُ مَال غَيره لَيْسَ عِلّة لجَوَاز بَيْعه، لِأَن الْمَذْهَب فِيهِ أَن يسْعَى فِي قِيمَته، وَجَوَاب آخر: أَنه مَحْمُول على بيع الْخدمَة وَالْمَنْفَعَة لَا بيع الرَّقَبَة، لما روى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي جَعْفَر أَنه قَالَ: شهِدت الحَدِيث من جَابر إِنَّمَا أذن فِي بيع خدمته، وَأَبُو جَعْفَر ثِقَة.