فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار

( بابٌُ السُّؤَال والفُتْيا عِنْدَ رَمْيِ الجِمارِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان السُّؤَال والفتيا، فالسؤال من جِهَة المستفتي والفتيا من جِهَة الْمُفْتِي، وَقد ذكرنَا أَن الْفتيا، بِضَم الْفَاء، وَالْفَتْوَى بِفَتْحِهَا إسم من: استفتيت الْفَقِيه فأفتاني، وَهِي جَوَاب الْحَادِثَة، والجمار جمع جَمْرَة وَهِي: الْحَصَاة.
وَالْمرَاد جمرات الْمَنَاسِك.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: معنى هَذَا الْبابُُ أَنه يجوز أَن يُسأل الْعَالم عَن الْعلم، ويجيب وَهُوَ مشتغل فِي طَاعَة الله لَا يتْرك الطَّاعَة الَّتِي هُوَ فِيهَا، إلاَّ إِلَى طَاعَة أُخْرَى.
فَإِن قلت: لَيْسَ فِيهِ معنى مَا ترْجم لَهُ.
فَإِن قَوْله فِي الحَدِيث: ( عِنْد الْجَمْرَة) لَيْسَ فِيهِ إلاَّ السُّؤَال، وَهُوَ بِموضع الْجَمْرَة وَلَيْسَ فِيهِ أَنه فِي خلال الرَّمْي.
قلت: لَا نسلم ذَلِك.
فَإِن قَوْله: ( عِنْد رمي الْجمار) أَعم من أَن يكون مُقَارنًا بشروعه فِي رمي الْجمار، أَو فِي خلال رميه، أَو عقيب الْفَرَاغ مِنْهُ.

فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ؟ قلت: الْمُنَاسبَة بَينهمَا ظَاهِرَة لِأَن كلا مِنْهُمَا مُشْتَمل على السُّؤَال عَن الْعَالم وَهُوَ ظَاهر لَا يخفى.



[ قــ :123 ... غــ :124 ]
- حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حدّثنا عَبْدُ العَزِيز بنُ أبي سَلَمَةَ عَن الزُّهْرِيِّ عَنْ عِيسَى ابنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرِو قَالَ: رأيْتُ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَ الجَمْرَةِ وَهُوَ يُسألُ فقالَ رَجُلٌ: يَا رسولَ اللَّهِ { نَحَرْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ.
قالَ: ( ارْمِ ولاَ حَرَجَ) قالَ آخَرُ: يَا رسولَ اللَّهِ}
حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أنْحَر.
قَالَ: ( انْحَرْ ولاَ حَرَجَ) فَمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلاَّ قالَ: ( افْعَلْ ولاَ حَرَج) ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( عِنْد الْجَمْرَة) وَهُوَ يسْأَل وَهَذَا من جَانب المستفتي، وَقَوله: ( ارْمِ وَلَا حرج وَافْعل وَلَا حرج) .
من جِهَة الْمُفْتِي فطابق التَّرْجَمَة بجزئيها.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة.
الأول: أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن.
الثَّانِي: عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي سَلمَة، نسب إِلَى جده أبي سَلمَة الْمَاجشون، بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا: أَبُو عبد الله الْمدنِي الْفَقِيه التَّيْمِيّ، سكن بَغْدَاد وَمَات بهَا سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَصلى عَلَيْهِ الْمهْدي وَدفن فِي مَقَابِر قُرَيْش.
قَالَ يحيى بن معِين: كَانَ يَقُول بِالْقدرِ ثمَّ أقبل إِلَى السّنة وَلم يكن من شَأْنه الحَدِيث، فَلَمَّا قدم بَغْدَاد كتبُوا عَنهُ،.

     وَقَالَ : جعلني أهل بَغْدَاد مُحدثا،.

     وَقَالَ  بشر بن السّري: لم يسمع الْمَاجشون من الزُّهْرِيّ،.

     وَقَالَ  أَحْمد بن سِنَان: مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنه عرض.
.

     وَقَالَ  ابْن أبي خَيْثَمَة: أَنه كَانَ من أصفهان فَنزل الْمَدِينَة، وَكَانَ يلقى النَّاس فَيَقُول: جَوْنِي جَوْنِي.
وَسُئِلَ أَحْمد بن حَنْبَل، فَقَالَ: تعلق بِالْفَارِسِيَّةِ بِكَلِمَة إِذا لَقِي الرجل يَقُول: شوني شوني، فلقب بِهِ.
.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: الْمَاجشون فَارسي، وَإِنَّمَا سمي بِهِ لِأَن وجنتيه كَانَتَا حمراوين، فَسُمي بِالْفَارِسِيَّةِ: الماي كَون، ثمَّ عرب أهل الْمَدِينَة بذلك، وَهُوَ: بِفَتْح الْجِيم وَضم الْمُعْجَمَة وبالنون.
.

     وَقَالَ  الغساني: الْمَاجشون اسْمه يَعْقُوب بن أبي سَلمَة، وَابْن أبي سَلمَة: مَيْمُون، والماجشون بِالْفَارِسِيَّةِ: ماه كَون، فعرب.
وَمَعْنَاهُ الْورْد.
وَيُقَال: الْأَبْيَض الْأَحْمَر.
.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ فِي ( التَّارِيخ الْأَوْسَط) : الْمَاجشون هُوَ يَعْقُوب بن أبي سَلمَة أَخُو عبد الله بن أبي سَلمَة، فَجرى على بنيه وعَلى بني أَخِيه.
.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّمَا لقب الْمَاجشون لحمرة فِي وَجهه،.

     وَقَالَ : إِن سكينَة، بِضَم الْمُهْملَة: بنت الْحُسَيْن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، لقبت بذلك.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الرَّابِع: عِيسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله الْقرشِي التَّيْمِيّ.
الْخَامِس: عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومدني ومصري، وَقد مر الْكَلَام فِي هَذَا الحَدِيث مُسْتَوفى فِي بابُُ: الْفتيا وَهُوَ وَاقِف على الدَّابَّة.
قَوْله: ( عِنْد الْجَمْرَة) اللَّام: إِمَّا للْجِنْس فَيشْمَل كل جَمْرَة كَانَت من الجمرات الثَّلَاث، للْعهد فَالْمُرَاد جَمْرَة الْعقبَة لِأَنَّهَا إِذا أطلقت كَانَت هِيَ المرادة.