فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب القران في التمر بين الشركاء حتى يستأذن أصحابه

( بابُُ القِرَآنِ فِي التَّمْرِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ حتَّى يَسْتَأْذِنَ أصْحَابَهُ)

هَذِه التَّرْجَمَة هَكَذَا مَوْجُودَة فِي النّسخ المتداولة بَين النَّاس، قيل: لَعَلَّ، حَتَّى، بِمَعْنى: حِين، فتحرفت أَو سقط من التَّرْجَمَة شَيْء، أما لفظ النَّهْي من أَولهَا أَو: لَا يجوز، قبل: حَتَّى.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى ظن التحريف فِيهِ، بلَى فِيهِ حذف، وَبابُُ الْحَذف شَائِع ذائع تَقْدِيره: هَذَا فِي بَيَان حكم القِران الْكَائِن فِي التَّمْر الْكَائِن بَين الشُّرَكَاء، لَا يَنْبَغِي لأحد مِنْهُم
أَن يقرن حَتَّى يسْتَأْذن أَصْحَابه، وَذَلِكَ من بابُُ حسن الْأَدَب فِي الْأكل، لِأَن الْقَوْم الَّذين وضع بَين أَيْديهم التَّمْر كالمتساوين فِي أكله، فَإِن اسْتَأْثر أحدهم بِأَكْثَرَ من صَاحبه لم يجز لَهُ ذَلِك، وَمن هَذَا الْبابُُ جعل الْعلمَاء النَّهْي عَن النهبة فِي طَعَام الأعراس وَغَيرهَا، لما فِيهِ من سوء الْأَدَب والاستئثار بِمَا لَا يطيب عَلَيْهِ نفس صَاحب الطَّعَام،.

     وَقَالَ  أهل الظَّاهِر: إِن النَّهْي عَنهُ على الْوُجُوب، وفاعله عَاص إِذا كَانَ عَالما بِالنَّهْي، وَلَا نقُول: إِنَّه أكل حَرَامًا، لِأَن أَصله الْإِبَاحَة، وَدَلِيل الْجُمْهُور أَنه إِنَّمَا وضع بَين أَيدي النَّاس للْأَكْل، فَإِنَّمَا سَبيله سَبِيل المكارمة لَا على التشاح، لاخْتِلَاف النَّاس فِي الْأكل، فبعضهم يَكْفِيهِ الْيَسِير، وَبَعْضهمْ لَا يَكْفِيهِ أضعافه، وَلَو كَانَت سُهْمَانهمْ سَوَاء لما سَاغَ لمن لَا يشبعه الْيَسِير أَن أكل أَكثر من مثل نصيب من يشبعه الْيَسِير، وَلما لم يتشاح النَّاس فِي هَذَا الْمِقْدَار علم أَن سَبِيل هَذِه المكارمة، لَا على معنى الْوُجُوب.



[ قــ :2384 ... غــ :2489 ]
- حدَّثنا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ حدَّثنا جَبَلَةُ بنُ سُحَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقُولُ نهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعاً حتَّى يَسْتَأْذِنَ أصْحابَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وخلاد بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام: ابْن يحيى بن صَفْوَان أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْكُوفِي، سكن مَكَّة.
وَهُوَ من أَفْرَاده، وَقد مر فِي الْغسْل، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وجبلة، بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَاللَّام المفتوحات: ابْن سحيم، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: التَّيْمِيّ، وَيُقَال: الشَّيْبَانِيّ، مر فِي كتاب الصَّوْم فِي بابُُ: إِذا رَأَيْتُمْ الْهلَال.
وَهَذَا الحَدِيث وَالَّذِي بعده عَن جبلة عَن ابْن عمر، فَالْأول: عَن سُفْيَان عَن جبلة، وَالثَّانِي: عَن شُعْبَة عَن جبلة، وَقد ذكره فِي الْمَظَالِم فِي: بابُُ إِذا أذن إِنْسَان لآخر شَيْئا جَازَ، عَن شُعْبَة أَيْضا عَن جبلة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.





[ قــ :385 ... غــ :490 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ جَبَلَةَ قَالَ كُنَّا بالْمَدِينَةِ فأصابَتْنَا سَنَةٌ فَكانَ ابنُ الزُّبَيْر يَرْزُقنا التَّمْرَ وكانَ ابنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا فيَقُولُ لَا تَقْرُنُوا فإنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عنِ الإقْرَانِ إلاَّ أَن يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنْكُم أخاهُ.

أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.
قَوْله: ( سنَة) ، أَي جَدب وَغَلَاء.
( وَابْن الزبير) هُوَ عبد الله بن الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَوْله: ( يرزقنا التَّمْر) ، أَي: يقوتنا بِهِ يُقَال: رزقته رزقا فارتزق، كَمَا يُقَال: قته فاقتات، والرزق اسْم لكل مَا ينْتَفع بِهِ حَتَّى الدَّار وَالْعَبْد، وَأَصله فِي اللُّغَة: الْحَظ والنصيب، وكل حَيَوَان يَسْتَوْفِي رزقه حَلَالا أَو حَرَامًا.
قَوْله: ( لَا تقرنوا) ، من قرن يقرن من بابُُ ضرب يضْرب، ويروى عَن جبلة قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فِي بعث الْعرَاق، فَكَانَ ابْن الزبير يرزقنا التَّمْر، وَكَانَ ابْن عمر يمر وَيَقُول: لَا تقارنوا إلاَّ أَن يسْتَأْذن الرجل أَخَاهُ، هَذَا لأجل مَا فِيهِ من الْغبن، وَلِأَن ملكهم فِيهِ سَوَاء، ويروى نَحوه عَن أبي هُرَيْرَة فِي أَصْحَاب الصّفة.
قَوْله: ( نهى عَن الإقران) ، ويروى: ( عَن القِران) ، وَالنَّهْي فِيهِ للتنزيه،.

     وَقَالَ ت الظَّاهِرِيَّة: للتَّحْرِيم.