فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يكره من التبتل والخصاء

( بابُُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّبَتُّلِ والخِصاءِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يكره من التبتل وَأَصله الِانْقِطَاع من قَوْلهم تبتلت الشَّيْء اتبتله من بابُُ ضرب يضْرب إِذا قطعته، وَالْمرَاد بالتبتل الْمنْهِي عَنهُ فِي الحَدِيث الِانْقِطَاع عَن النِّسَاء وَترك التَّزْوِيج، وَأما معنى قَوْله تَعَالَى: { وتبتل إِلَيْهِ تبتيلاً} ( المزمل: 8) فَالْمُرَاد بِهِ الِانْقِطَاع إِلَيْهِ والتعبد لَا ترك التَّزْوِيج فَإِنَّهُ لم يَأْمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل قَالَ ابْن عَبَّاس: خير هَذِه الْأمة أَكْثَرهَا نسَاء، وَيُرِيد بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: ( والخصاء) بِكَسْر الْخَاء وبالمد: مصدر خصيت الْفَحْل، إِذا سللت خصيتيه، وَالرجل خصي وَالْجمع خصيان وخصية.



[ قــ :4803 ... غــ :5073 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حَدثنَا إبْرَاهِيم بنُ سَعْد أخبرنَا ابنُ شِهابٍ سَمِعَ بن سَعيدَ بن المُسَيِّبَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بنَ أبي وقَّاصٍ يَقُولُ: رَدَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، علَى عُثْمانَ ابنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، ولوْ أذِنَ لهُ لاخْتَصَيْنا.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَبُو عبد الله التَّيْمِيّ الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن عبد لرحمن بن عَوْف، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي النِّكَاح عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن الْحسن بن عَليّ الْحَلَال.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبيد.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي مَرْوَان مُحَمَّد بن عُثْمَان العثماني.

قَوْله: ( رد رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، على عُثْمَان بن مَظْعُون التبتل) أَي: لم يَأْذَن لَهُ فِيهِ حِين اسْتَأْذن فِي ذَلِك، وَيُقَال: معنى: رد، نهي عَن التبتل وَقد ذكرنَا مَعْنَاهُ الْآن.
قَوْله: ( وَلَو أذن لَهُ) أَي: لَو أذن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم.
لعُثْمَان بن مَظْعُون ( لاختصينا) من اختصيت، إِذا فعلت ذَلِك بِنَفْسِك.
وَكَانَ مناسبا أَن يَقُول: أذن لَهُ لتبتلنا، فَعدل إِلَى: اختصينا، إِرَادَة الْمُبَالغَة أَي: لَو أذن لَهُ لبالغنا فِي التبتل حَتَّى الاختصاء، وَكَانَ التبتل من شَرِيعَة النَّصَارَى فَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته عَنهُ ليكْثر النَّسْل ويدوم الْجِهَاد.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ يُقَال: يلْزم من جَوَاز التبتل عَن النِّسَاء جَوَاز الخصاء، وَهُوَ قطع عضوين بهما قوام النَّسْل، وَفِيه ألم عَظِيم لِأَنَّهُ رُبمَا يُفْضِي إِلَى الْهَلَاك.
وَهُوَ محرم بالِاتِّفَاقِ، ثمَّ أجَاب بِأَن ذَلِك لَازم من حَيْثُ إِن مُطلق التبتل يتضمنه، فَكَأَن هَذَا الْقَائِل ظن أَن التبتل الْحَقِيقِيّ الَّذِي يُؤمن مَعَه شَهْوَة النِّسَاء وَهُوَ الخصاء، وَأخذ بِأَكْثَرَ مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم، وَقَوله: فِيهِ ألم عَظِيم، مُسلم لَكِن يصغر فِي جنب صِيَانة الدّين، كَقطع الْيَد للأكلة والكي والبط وَنَحْوهَا.
وَقَوله: رُبمَا يُفْضِي إِلَى الْهَلَاك، غير مُسلم لِأَن وُقُوع الْهَلَاك مِنْهُ نَادِر، وخصاء الْحَيَوَان يشْهد لذَلِك.
وَأجَاب النَّوَوِيّ عَن ذَلِك بِأَن مَعْنَاهُ: لَو أذن فِي الِانْقِطَاع عَن النِّسَاء وغيرهن من ملاذ الدُّنْيَا لاختصينا لدفع شَهْوَة النِّسَاء لتمكننا من التبتل، قَالَ: وَهَذَا مَحْمُول على أَنهم كَانُوا يظنون جَوَاز الاختصاء باجتهادهم وَلم يكن ظنهم هَذَا مُوَافقا، فَإِن الاختصاء فِي الْآدَمِيّ حرَام مُطلقًا.
.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: وَفِي كل من جوابي الْقُرْطُبِيّ وَالنَّوَوِيّ نظر، بل الْجَواب الصَّحِيح أَنه: لَو وَقع إِذن من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا سَأَلَهُ عَنهُ عُثْمَان بن مَظْعُون من التبتل لجَاز لَهُم الاختصاء، لِأَن اسْتِئْذَان عُثْمَان فِي التبتل كَانَت صورته استئذانا فِي الاختصاء كَمَا هُوَ مُبين فِي حَدِيث عَائِشَة بنت قدامَة بن مَظْعُون عَن أَبِيهَا عَن أَخِيه عُثْمَان بن مَظْعُون، أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله { إِنَّه ليشق علينا الْعزبَة فِي الْمَغَازِي، أفتأذن لي يَا رَسُول الله فِي الخصاء فأختصى؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا وَلَكِن عَلَيْك يَا ابْن مَظْعُون بالصيام فَإِنَّهُ مجفر) ذكره ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب وَذكر أَيْضا أَن عُثْمَان بن مَظْعُون وعليا وَأَبا ذَر هموا أَن يختصوا ويبتلوا فنهاهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ تَعَالَى وَسلم، عَن ذَلِك.
وَنزلت فيهم: { لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعَلمُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} ( الْمَائِدَة: 39) الْآيَة.
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عُثْمَان بن مَظْعُون نَفسه أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله}
إِنِّي رجل يشق عَليّ الْعُزُوبَة فاذن لي فِي الخصاء، قَالَ: لَا وَلَكِن عَلَيْك بالصيام.



[ قــ :4803 ... غــ :5074 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِي قَالَ: أَخْبرنِي سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنهُ سَمِعَ سَعْدَ بنَ أبي وقَّاصٍ يَقُولُ: لقَدْ رَدَّ ذَلِكَ يَعْنِي النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى عُثْمانَ بن مَظْعُونٍ ولوْ أجازَ لهُ التَّبَتُّلَ لاخْتَصَيْنا.

( انْظُر الحَدِيث 3705) .

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور وَأخرجه عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ: إِلَى آخِره.





[ قــ :4804 ... غــ :5075 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا جُرَيرٍ عنْ إسْماعِيلَ عنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: كُنَّا نَغْزُو مَع رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولَيْسَ لَنا شَيّءٌ، فَقُلْنا: أَلا نَسْتحْصِي؟ فَناهانا عنْ ذالِكَ، ثُمَّ رخصَ لَنا أنَّ نَنْكحَ المَرْأَةَ بالثَّوْبِ، ثمَّ قَرأ علَيْنا ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُو اْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (الْمَائِدَة: 78) .

(انْظُر الحَدِيث 5164 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد البَجلِيّ، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، وَقد مر هَذَا الحَدِيث عَن قريب إِلَى قَوْله: (فنهانا عَن ذَلِك) فَإِنَّهُ أخرجه عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى عَن إِسْمَاعِيل إِلَى آخِره.

قَوْله: (ثمَّ رخص لنا أَن ننكح الْمَرْأَة بِالثَّوْبِ) هَذَا نِكَاح الْمُتْعَة، وَهَذَا يدل على أَن ابْن مَسْعُود يرى بِجَوَاز الْمُتْعَة.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: لَعَلَّه لم يكن حِينَئِذٍ بلغه النَّاسِخ ثمَّ بلغه فَرجع، وَيدل على ذَلِك مَا ذكر الْإِسْمَاعِيلِيّ أَنه وَقع فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة عَن إِسْمَاعِيل ابْن أبي خَالِد: فَفَعَلْنَا، ثمَّ ترك ذَلِك.
قَالَ: وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عُيَيْنَة عَن إِسْمَاعِيل، ثمَّ جَاءَ تَحْرِيمهَا بعد وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد: فَفَعَلْنَا، ثمَّ ترك ذَلِك.
قَالَ: وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عُيَيْنَة عَن إِسْمَاعِيل، ثمَّ جَاءَ تَحْرِيمهَا بعد.
وَفِي رِوَايَة معمر عَن إِسْمَاعِيل ثمَّ نسخ.
قَوْله: (ثمَّ قَرَأَ علينا {يَا أيهاالذين آمنُوا لَا تحرموا} (الْمَائِدَة: 78) الْآيَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: ثمَّ قَرَأَ علينا عبد الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَرُوِيَ الواحدي فِي أَسبابُُ النُّزُول من رِوَايَة عُثْمَان بن سعد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي إِذا أكلت من هَذَا اللَّحْم انتشرت إِلَى النِّسَاء، وَإِنِّي حرمت عَليّ اللَّحْم.
فَنزلت: {لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} (الْمَائِدَة: 78) فعلى هَذَا لَا يجوز لأحد من الْمُسلمين تَحْرِيم شَيْء مِمَّا أحل الله لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ على نَفسه من طَيّبَات المطاعم والملابس والمناكح بإحلال ذَلِك لَهَا بعض الْمَشَقَّة، أَو أَمنه، وَلَا فضل فِي ترك شَيْء مِمَّا أحله الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ وَالْفضل وَالْبر فِيمَا هُوَ فعل مَا ندب الله عباده إِلَيْهِ، وَعمل بِهِ رَسُوله وسنه لأمته وَتَبعهُ على هَذَا الْمِنْهَاج الْأَئِمَّة الراشدون، فَإِذا كَانَ ذَلِك تبين خطأ من آثر لِبَاس الشّعْر وَالصُّوف على لِبَاس الْقطن والكتان إِذا قدر على لبس ذَلِك من حلّه، وآثر أكل الفول والعدس على خبز الْبر وَالشعِير، وَترك أكل اللَّحْم والودك حذرا من عَارض الْحَاجة إِلَى النِّسَاء، وَالْأولَى بالأجسام إصلاحها لتعينه على طَاعَة ربه، وَلَا شَيْء أضرّ بالجسم من المطاعم الرَّديئَة لِأَنَّهُ مُفسد لعقله ومضغة لأدواته الَّتِي جعلهَا الله تَعَالَى سَببا إِلَى طَاعَته، وَمن ذَلِك التبتل وَالتَّرَهُّب لِأَنَّهُ دَاخل فِي معنى الْآيَة الْمَذْكُورَة.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: إِنَّمَا نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك من أجل أَنه مُكَاثِر رَبهم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة وَأَنه فِي الدُّنْيَا يُقَاتل بهم طوائف الْكفَّار، وَفِي آخر الزَّمَان يُقَاتلُون الدَّجَّال فَأَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكثر النَّسْل، وَلَا الْتِفَات إِلَى مَا رُوِيَ خَيركُمْ بعد الْمِائَتَيْنِ الْخَفِيف الحاذ الَّذِي لَا أهل لَهُ وَلَا ولد، فَإِنَّهُ ضَعِيف بل مَوْضُوع، وَكَذَلِكَ قَول حُذَيْفَة: إِذا كَانَ سنة خمسين وَمِائَة فَلِأَن يُربي أحدكُم جرو كلب خير لَهُ من أَن يُربي ولدا.





[ قــ :4804 ... غــ :5076 ]
- حدَّثنا.

     وَقَالَ  أصْبَغُ: أَخْبرنِي ابنُ وَهْبٍ عنْ يُونسَ بنِ يَزيدَ عنِ ابنِ شِهاب عنْ أبي سلَمَة عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رضيَ الله عَنهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله { إنِّي رجُلٌ شابَّ وَأَنا أخافُ علَى نَفْسِي العَنَتَ وَلَا أجِدُ مَا أتَزَوَّجُ بِهِ النِّساءَ، فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ: مِثْلَ ذالِكَ فَسَكَتَ غَنِّي، ثُمَّ.

قُلْتُ مِثْلَ ذالِكَ فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ.

قُلْتُ مِثْلَ ذَلك فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ}
جَفَّ القَلَمُ بِما أنْتَ لاقٍ فاخْتَصِ علَى ذَلِكَ أوْ ذَرْ.

أَي قَالَ أصبغ بن الْفرج وراق عبد الله بن وهب، كَذَا وَقع فِي عَامَّة الْأُصُول: قَالَ أصبغ، وَكَذَا ذكره أَبُو مَسْعُود وَخلف وَخَالف ذَلِك الحافظان أَبُو نعيم والطرقي فَقَالَا: رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أصبغ، وَلَئِن سلمنَا صِحَة مَا وَقع فِي الْأُصُول وَأَنه رَوَاهُ عَنهُ مُعَلّقا فقد رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنَا ابْن الْهَاد حَدثنَا أصبغ أَخْبرنِي ابْن وهب، وَقد وَقع فِي كتاب الطرقي: رَوَاهُ البُخَارِيّ ابْن مُحَمَّد وَهُوَ غير صَحِيح لِأَنَّهُ لَيْسَ للْبُخَارِيّ شيخ اسْمه أصبغ بن مُحَمَّد، وَلَا فِي الْكتب السِّتَّة.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( إِنِّي رجل شَاب وَأَنا أَخَاف) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَإِنِّي أَخَاف، وَكَذَا فِي رِوَايَة حَرْمَلَة.
قَوْله: ( الْعَنَت) بِفَتْح النُّون وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهُوَ الْحمل على الْمَكْرُوه.
وَقد عنت يعنت من بابُُ علم يعلم، والعنت الْإِثْم، وَقد عنت اكْتسب إِثْمًا، والعنت الْفُجُور وَالزِّنَا وكل شاقٍ ذكره فِي الْمُنْتَهى وَفِي التَّهْذِيب: الإعنات تَكْلِيف غير الطَّاقَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي: أصل الْعَنَت التَّشْدِيد، وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا الزِّنَا.
قَوْله: ( جف الْقَلَم بِمَا أَنْت لاقٍ) أَي: نفذ الْمُقدر بِمَا كتب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَبَقيَ الْقَلَم الَّذِي كتب بِهِ جافا لَا مداد فِيهِ لفراغ مَا كتب بِهِ.
قَوْله: ( فاختص) صورته صُورَة أَمر من الاختصاء، وَلَكِن هَذَا من قبيل قَوْله تَعَالَى: { فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر} ( الْكَهْف: 9) وَلَيْسَ الْأَمر فِيهِ لطلب الْفِعْل بل هُوَ للتهديد، وَحَاصِل الْمَعْنى: إِن فعلت أَو لم تفعل فَلَا بُد من نُفُوذ الْقدر، وَوَقع فِي بعض الْأُصُول اقْتصر، مَوضِع اخْتصَّ.
وَكَذَا وَقع فِي المصابيح فَإِن صحت فَلَا حَاجَة إِلَى تَأْوِيل الأول.
قَوْله: ( على ذَلِك) كلمة: على، مُتَعَلقَة بمقدر مَحْذُوف أَي: اخْتصَّ حَال استعلائك على الْعلم بِأَن الْكل بِتَقْدِير الله عز وَجل قَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: الْمَعْنى أَن الِاقْتِصَار على التَّقْدِير وَالتَّسْلِيم لَهُ وَتَركه الْإِعْرَاض عَنهُ سَوَاء.
فَإِن مَا قدر لَك من خير أَو شَرّ فَهُوَ لَا محَالة يَأْتِيك، وَمَا لم يكْتب فَلَا طَرِيق لَك إِلَى حُصُوله.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: أَي اقْتصر على مَا ذكرت لَك وَارْضَ بِقَضَاء الله تَعَالَى أَو ذَر مَا ذكرته وامضلشأنك واختص، فَيكون تهديدا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي:.

     وَقَالَ  بَعضهم: مَعْنَاهُ قد سبق فِي قَضَاء الله تَعَالَى جَمِيع مَا يصدر عَنْك ويلاقيك فاقتصر على ذَلِك، فَإِن الْأُمُور مقدرَة أودعهُ فَلَا تخض فِيهِ.
قَوْله: ( أَو ذَر) ، أَي: أَو اترك، وَهُوَ أَمر من يذر،.

     وَقَالَ ت: الصرفيون، أماتوا ماضي يذر ويدع.
قلت: قد جَاءَ ماضي يدع فِي قَوْله تَعَالَى: { مَا وَدعك} ( الضُّحَى: 3) قرىء بِالتَّخْفِيفِ فَإِن قيل: لم يُؤمر أَبُو هُرَيْرَة بالصيام لكسر شَهْوَته كم أَمر بِهِ غَيره، وَأجِيب بِأَن لغالب من حَال أبي هُرَيْرَة كَانَ الصَّوْم لِأَنَّهُ منأهل الصّفة وَكَانُوا مستمرين على الصَّوْم، وَقيل: وَقع ذَلِك فِي الْغَزْو كَمَا وَقع لِابْنِ مَسْعُود، وَكَانُوا فِي الْغَزْو يؤثرون الْفطر على الصّيام للتقوي على الْقِتَال فأداه اجْتِهَاده فِي حسم مَادَّة الشَّهْوَة بالاختصاء، كَمَا ظهر لعُثْمَان بن مَظْعُون فَمَنعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.