فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من تكفل عن ميت دينا، فليس له أن يرجع

( بابُُ مَنْ تَكَفَّلَ عنْ مَيِّتٍ دَيْنالله فلَيْسَ لَهُ أنْ يَرْجِعَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من تكفل عَن ميت دينا كَانَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع عَن الْكفَالَة لِأَنَّهَا لَزِمته وَاسْتقر الْحق فِي ذمَّته.
قيل يحْتَمل أَن يُرِيد فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع فِي التَّرِكَة بِالْقدرِ الَّذِي تكفل بِهِ.
قلت: قد ذكرنَا أَن فِيهِ اخْتِلَاف الْعلمَاء، فَقَالَ ابْن أبي ليلى: الضَّمَان لَازم سَوَاء ترك الْمَيِّت شَيْئا أم لَا.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: لَا ضَمَان عَلَيْهِ، فَإِن ترك الْمَيِّت شَيْئا ضمن بِقدر مَا ترك، وَإِن ترك وَفَاء ضمن جَمِيع مَا تكفل بِهِ.
وَلَا رُجُوع لَهُ فِي التَّرِكَة لِأَنَّهُ مُتَطَوّع.
.

     وَقَالَ  مَالك: لَهُ الرُّجُوع إِذا ادَّعَاهُ.
وَبِه قالَ الحَسَنُ
أَي: بِعَدَمِ الرُّجُوع قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور من الْعلمَاء.



[ قــ :2201 ... غــ :2295 ]
- حدَّثنا أَبُو عاصِمٍ عنْ يَزِيدَ بنِ أبِي عُبَيْدٍ عنْ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَع رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بِجَنازَةٍ لِيُصَلِّي عَلَيْهَا فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ قَالُوا لَا فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ قَالُوا نَعَمْ قَالَ صَلُّوا عَلى صاحِبِكُمْ.
قَالَ أبُو قَتَادَةَ علَيَ دَيْنُهُ يَا رَسُول الله فَصَلَّى عليْهِ.
( انْظُر الحَدِيث 9822) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( قَالَ أَبُو قَتَادَة عَليّ دينه) ، والْحَدِيث قد مضى بأتم مِنْهُ فِي: بابُُ إِذا أحَال دين الْمَيِّت على رجل جَازَ، قبل هَذَا الْبابُُ ببابُين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن الْمَكِّيّ بن إِبْرَاهِيم عَن يزِيد بن أبي عُبَيْدَة عَن سَلمَة إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه: عَن أبي عَاصِم وَهُوَ الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل، قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا الحَدِيث ثامن ثلاثيات البُخَارِيّ.
قلت: هَذَا الحَدِيث قد مر مرّة كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن فَلَا يكون هَذَا ثامنا، بل سابعا، وَذكر هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ فِي الْحِوَالَة وَذكره هَهُنَا فِي الْكفَالَة لِأَنَّهُمَا متحدان عِنْد الْبَعْض أَو متقاربان، ثمَّ إِنَّه اقْتصر فِي هَذَا الطَّرِيق على ذكر جنازتين من الْأَمْوَات، وَهنا ذكر ثَلَاثَة، وَقد سَاقه الْإِسْمَاعِيلِيّ هُنَا أَيْضا تَاما وَزَاد فِيهِ: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ثَلَاث كيات، وَكَأَنَّهُ ذكر ذَلِك لكَونه كَانَ من أهل الصّفة فَلم يُعجبهُ أَن يدّخر شَيْئا.





[ قــ :01 ... غــ :96 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عبدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ حدَّثنا عَمْرٌ ووقال سَمِعَ محَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ عنْ جابرِ ابنِ عَبدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْ قدْ جاءَ مالُ البَحْرَيْنِ قَدْ أعْطَيْتُكَ هَكَذَا وهَكذَا فَلَمْ يَجِيءْ مالُ البَحْرَيْنِ حتَّى قبِضَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا جاءَ مالُ البَحْرَيْنِ أمَرَ أبُو بَكْرٍ فنَادَى منْ كانَ لَهُ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِدَةٌ أوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فأتَيْتُهُ فَقُلْتُ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لي كَذَا وكذَا فَحَثَى لِي حَثْيَهُ فَعَدَدْتُها فإذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ.

     وَقَالَ  خُذْ مِثْلَيْهَا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَمَا قَامَ مقَام النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تكفل بِمَا كَانَ عَلَيْهِ من وَاجِب أَو تطوع، فَلَمَّا الْتزم ذَلِك لزمَه أَن يُوفي جَمِيع مَا عَلَيْهِ من دين وعدة، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب الْوَفَاء بالوعد، وَنفذ أَبُو بكر ذَلِك.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ.
الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّالِث: عَمْرو بن دِينَار.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
الْخَامِس: جَابر بن عبد الله.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه مدنيان وسُفْيَان وَعَمْرو مكيان.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ وَعَمْرو بن دِينَار روى كثيرا عَن جَابر، وَهَهُنَا كَانَ بَينهمَا وَاسِطَة هُوَ: مُحَمَّد بن عَليّ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي الْخمس عَن عَليّ بن عبد الله أَيْضا، وَفِي الْمَغَازِي عَن قُتَيْبَة وَفِي الشَّهَادَات عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى.
وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن مُحَمَّد بن يحيى وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( لَو قد جَاءَ) ، وَمعنى: قد، هَهُنَا لتحَقّق الْمَجِيء.
قَوْله: ( مَال الْبَحْرين) ، وَالْمرَاد بِالْمَالِ مَال الْجِزْيَة، والبحرين على لفظ تَثْنِيَة الْبَحْر، مَوضِع بَين الْبَصْرَة وعمان، وَكَانَ الْعَامِل عَلَيْهَا من جِهَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ.
قَوْله: ( قد أَعطيتك هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) وَفِي الشَّهَادَات: فَبسط يَده ثَلَاث مَرَّات.
قَوْله: ( عدَّة) أَي: وأصل عدَّة وعد، فَلَمَّا حذفت الْوَاو عوضت عَنْهَا الْيَاء فِي آخِره فوزنه على هَذَا عِلّة.
قَوْله: ( فَحثى لي حثية) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، والحثية ملْء الْكَفّ،.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: هِيَ الحفنة.
.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: هِيَ ملْء الْكَفَّيْنِ وَالْفَاء فِي: فَحثى، عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره: خُذ هَكَذَا، وَأَشَارَ بيدَيْهِ، وَفِي الْوَاقِع هُوَ تَفْسِير لقَوْله: خُذ هَكَذَا.
قَوْله: ( وَقَالَ خُذ مثليها) ، أَي: قَالَ أَبُو بكر: خُذ أَيْضا مثلي خَمْسمِائَة، فالجملة ألف وَخَمْسمِائة، وَذَلِكَ لِأَن جَابِرا لما قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لي: كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: لَو قد جَاءَ مَال الْبَحْرين أَعطيتك هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، ثَلَاث مَرَّات، حثى لَهُ أَبُو بكر حثية، فَجَاءَت خَمْسمِائَة، ثمَّ قَالَ: خُذ مثليها، ليصير ثَلَاث مَرَّات تنفيذا لما وعده النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بقوله: هَكَذَا، ثَلَاث مَرَّات، وَكَانَ ذَلِك وَعدا من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ من خلقه الْوَفَاء بالعهد، ونفذه أَبُو بكر بعد وَفَاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه: قبُول خبر الْوَاحِد الْعدْل من الصَّحَابَة وَلَو جر ذَلِك نفعا لنَفسِهِ، لِأَن أَبَا بكر لم يلْتَمس من جَابر شَاهدا على صِحَة دَعْوَاهُ.
انْتهى.
قلت: إِنَّمَا لم يلْتَمس شَاهدا مِنْهُ لِأَنَّهُ عدل بِالْكتاب وَالسّنة.
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى: { كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} ( آل عمرَان: 01) .
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} ( الْبَقَرَة: 341) .
فَمثل جَابر إِن لم يكن من خير أمة فَمن يكون.
وَأما السّنة: فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من كذب عَليّ مُتَعَمدا.
.
)
الحَدِيث، وَلَا يظنّ ذَلِك لمُسلم.
فضلا عَن صَحَابِيّ، فَلَو وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة الْيَوْم فَلَا تقبل إلاَّ بِبَيِّنَة.
.

     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَيحْتَمل أَن يكون أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، علم بذلك فَقضى لَهُ بِعِلْمِهِ فيستدل بِهِ على جَوَاز مثل ذَلِك للْحَاكِم.
انْتهى.

قلت: هَذَا الْبابُُ فِيهِ تَفْصِيل وَلَيْسَ على الْإِطْلَاق، لِأَن علم القَاضِي على أَنْوَاع.

مِنْهَا: مَا يعلم بِهِ قبل الْبلُوغ وَقبل الْولَايَة من الْأَقْوَال الَّتِي يسْمعهَا وَالْأَفْعَال الَّتِي يشاهدها.
وَمِنْهَا: مَا يعلمهَا بعد الْبلُوغ قبل الْولَايَة.
وَمِنْهَا: مَا يُعلمهُ بعد الْولَايَة وَلَكِن فِي غير عمله الَّذِي وليه.
وَمِنْهَا: مَا يُعلمهُ بعد الْولَايَة فِي عمله الَّذِي وليه.
فَفِي الْفَصْل الأول: لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ مُطلقًا.
وَفِي الْفَصْل الثَّانِي: خلاف بَين أبي حنيفَة وصاحبيه، فَعِنْدَ أبي حنيفَة: لَا يقْضِي، وَعِنْدَهُمَا: يقْضِي إلاَّ فِي الْحُدُود وَالْقصاص، وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، وَفِي الثَّانِي: لَا يقْضِي أَيْضا، وَفِي الرَّابِع: يقْضِي بِلَا خلاف.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: فِي الحَدِيث جَوَاز هبة الْمَجْهُول والآبق وَالْكَلب، وَفِي ( حاوي) الْحَنَابِلَة: وَتَصِح هبة الْمشَاع، وَإِن تَعَذَّرَتْ قسمته، وَفِي ( الرَّوْضَة) للشَّافِعِيَّة: تجوز هبة الْمشَاع سَوَاء المنقسم أَو غَيره، وساء وهبه للشَّرِيك أَو غَيره، وَيجوز هبة الأَرْض المزروعة مَعَ زَرعهَا وَدون زَرعهَا وَعَكسه.
انْتهى، وَعِنْدنَا: لَا تجوز الْهِبَة فِيمَا لَا يقسم إلاَّ محوزة أَي: مفرغة عَن أَمْلَاك الْوَاهِب حَتَّى لَا تصح هبة الثَّمر على الشّجر وَالزَّرْع على الأَرْض بِدُونِ الشّجر وَالْأَرْض، وَكَذَا الْعَكْس، وَهبة الْمشَاع فِيمَا لَا يقسم جَائِزَة.

وَفِيه: الْعدة، فجمهور الْعلمَاء مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد على أَن إنجاز الْعدة مُسْتَحبّ، وأوجه الْحسن وَبَعض الْمَالِكِيَّة، وَقد اسْتدلَّ بعض الشَّافِعِيَّة بِهَذَا الحَدِيث على وجوب الْوَفَاء بالوعد فِي حق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَنهم زَعَمُوا أَنه من خَصَائِصه، وَلَا دلَالَة فِيهِ أصلا لَا على الْوُجُوب وَلَا على الخصوصية.




( بابُُ جُوَارِ أبِي بَكْرٍ فِي عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَقْدِهِ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جوَار أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِضَم الْجِيم وَكسرهَا وَالْمرَاد بِهِ: الزِّمَام والأمان.
قَوْله: ( فِي عهد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: فِي زَمَنه.
قَوْله: ( وعقده) أَي: عقد أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.



[ قــ :0 ... غــ :97 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابنُ شِهابٍ فأخبَرَنِي عُرْوَةُ ابنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ لَمْ أعْقل أبَوَيَّ إلاَّ وهُمَا يَدِينانِ الدِّين.
.

     وَقَالَ  أَبُو صالحٍ حدَّثني عبدُ الله عنْ يُونُسَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبِيْرِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ لَمْ أعْقَلْ أبَوَيَّ قَطُّ إلاَّ وهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ ولَمْ يَمُرَّ عَلَيْنا يَوْمٌ إلاَّ يأتِينَا فيهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَرَفَيِّ النَّهَارِ بُكْرَةً وعَشيَّةً فَلَمَّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ خرَجَ أبُو بَكْرٍ مُهَاجِرا قِبَلَ الحَبَشَةِ حتَّى إِذا بلَغَ بَرُكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابنُ الدَّغِنَةِ وهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ فَقَالَ أيْنَ تريدُ يَا أبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أخْرَجَنِي قَوْمِي فَأَنا أُرِيدُ أنْ أسِيحَ فِي الأرْضِ فأعْبُدَ رَبِّييي قَالَ ابنُ الدَّغِنَةِ إنَّ مِثْلَكَ لاَ يَخْرُجُ ولاَ يَخْرُجُ فإنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ وتصِلْ الرَّحِمَ وتَحْمِلُ الْكَلَّ وتَقْرِي الضَّيْفَ وتُعينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ وَأَنا لَكَ جارٌ فارْجِعْ فاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلادِكَ فارْتَحَلَ ابنُ الدَّغِنَةِ فرَجَعَ معَ أبِي بَكْرٍ فَطافَ فِي أشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ إنَّ أبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلَهُ ولاَ يخْرَجُ أتُخْرِجُونَ رجُلاً يَكْسِبُ المَعْدُومَ ويَصِلُ الرَّحِمَ ويَحْمِلُ الْكَلَّ ويقْرِي الضَّيْفَ ويُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ فأنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جوَارَ ابنِ الدَّغِنَةِ وآمَنُوا أبَا بَكْرٍ وقالُوا لابنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فلْيُصلِّ ولْيَقْرأ مَا شاءَ ولاَ يْؤْذِينا بِذَلِكَ ولاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ فإنَّا قَدْ خَشِينَايي أنْ يَفْتَنَ أبْناءَنا ونساءَنا قَالَ ذَلِكَ ابنُ الدَّغِنَةِ لأِبِي بَكْرٍ فطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلاةِ ولاَ القِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دارِهِ ثُمَّ بدَا لأبِي بكْرٍ فابْتَنى مَسْجِدا بِفِناءِ دَارِهِ وبَرَزَ فَكانَ يُصَلِّي فِيهِ ويَقْرَأُ القُرْآنَ فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِساءُ المُشْرِكِينَ وأبْناؤُهُمْ يَعْجَبُونَ ويَنْظُرُونَ إلَيْهِ وكانَ أبُو بَكْرٍ رَجلاً بَكَّاءً لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يقرَأُ القُرآنَ فأفْزعَ ذَلِكَ أشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ فأرْسَلُوا إِلَى ابنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِم عَلَيْهِمْ فقالُوا لَهُ إنَّا كُنَّا أجرْنا أبَا بَكْرٍ عَلَى أنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وإنَّهْ جاوَزَ ذَلِكَ فابْتَنَى مَسْجِدا بِفناءِ دَارِهِ وأعْلَنَ الصَّلاَةَ والْقِراءَةَ وقدْ خَشِينا أنْ يَفْتِنَ أبْنَاءَنا ونِسَاءَنا فأْتِهِ فإنَّ أحَبَّ أنْ يَقْتَصِرَ علَى أنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فَي دَارِه فَعلَ وإنْ أبَى إلاَّ أَن يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أنْ يَرُدِّ إلَيْكَ ذِمَّتِكَ فإنَّا كَرِهْنَا أنْ نُخْفِرَكَ ولَسْنا مُقِرِّينَ لأِبِي بَكْرٍ الاسْتِعْلانَ قالتْ عائِشَةُ فأتَى ابنُ الدَّغِنَةِ أبَا بَكْرٍ فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ فإمَّا أنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وإمَّا أنْ تَرُدَّ إلَيَّ ذِمَّتِي فإنِّي لَا أُحِبُّ أنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ قَالَ أبُو بَكْرٍ إنِّي أرُدُّ إلَيْكَ جِوَارَكَ وأرْضِي بِجَوَارِ الله ورَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أُريتُ دارَ هِجْرَتِكُمْ رَأيْتُ سَبْخَةً ذاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ وهُما الحَرَّتَانِ فَهاجَرَ منْ هاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورَجَعَ إِلَى المَدِينَةِ بَعْضُ منْ كانَ هاجَرَ إلَى أرْضِ الحَبَشَةِ وتَجَهَّزَ أبُو بَكْرٍ مُهاجِرا فَقَالَ لَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى رِسْلِكَ فإنِّي أرْجُو أَن يُؤْذَنَ لِي قَالَ أبُو بَكْرٍ هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بأبِي أنْتَ قَالَ نَعَمْ فحَبَسَ أبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ علَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِيَصْحَبَهُ وعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كانَتَا عِنْدَهُ ورقَ السَّمُرِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن المجير مُلْتَزم للمجار أَن لَا يُؤْذِي من جِهَة من أَجَارَ مِنْهُ وَكَانَ ضمن لَهُ أَن لَا يُؤْذِي وَأَن تكون الْعهْدَة فِي ذَلِك عَلَيْهِ، وَبِهَذَا يحصل الْجَواب عَمَّا قيل، كَانَ الْمُنَاسب أَن يذكر هَذَا فِي كَفَالَة الْأَبدَان كَمَا ناسب { وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} ( النِّسَاء: 33) .
كَفَالَة الْأَمْوَال.

ذكر رِجَاله وهم تِسْعَة: الأول: يحيى بن بكير، هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا المَخْزُومِي.
الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد.
الثَّالِث: عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
السَّادِس: أَبُو صَالح، وَاخْتلف فِي اسْمه، فَقَالَ أَبُو نعيم والأصيلي والجياني وَآخَرُونَ: إِنَّه سُلَيْمَان ابْن صَالح ولقبه سلمويه.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ هُوَ أَبُو صَالح عبد الله بن صَالح كَاتب اللَّيْث.

     وَقَالَ  الدمياطي: هُوَ أَبُو صَالح مَحْبُوب بن مُوسَى الْفراء.
قيل: الْمُعْتَمد على الأول لِأَنَّهُ وَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن عَن الْفربرِي عَن البُخَارِيّ، قَالَ: قَالَ أَبُو صَالح سلمويه: حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك.
السَّابِع: عبد الله بن الْمُبَارك.
الثَّامِن: يُونُس بن يزِيد.
التَّاسِع: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي سِتَّة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بنسبته إِلَى جده، وَأَنه وَاللَّيْث وَأَبا صَالح على قَول من يَقُول: إِنَّه كَاتب اللَّيْث مصريون، وَعقيل إيلي وَالزهْرِيّ وَعُرْوَة مدنيان وَعبد الله بن الْمُبَارك وَأَبُو صَالح، على قَول من يَقُول: إِنَّه سلمويه، مروزيان، وَعبد الله على قَول من يَقُول: أَبُو صَالح كَاتب اللَّيْث، هُوَ عبد الله بن وهب، مصري.

وَقد مضى صدر هَذَا الحَدِيث فِي أَبْوَاب الْمَسَاجِد فِي: بابُُ الْمَسْجِد يكون فِي الطَّرِيق، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة زوج النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَت: لم أَعقل أَبَوي إِلَّا وهما يدينان ... الحَدِيث مُخْتَصرا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( قَالَ ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي عُرْوَة) ، فِيهِ مَحْذُوف.
وَقَوله: ( فَأَخْبرنِي) ، عطف عَلَيْهِ تَقْدِيره: قَالَ ابْن شهَاب: أَخْبرنِي كَذَا وَكَذَا، وعقيب ذَلِك أَخْبرنِي بِهَذَا.
قَوْله: ( قَالَ أَبُو عبد الله) ، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه.
قَوْله: ( وَقَالَ أَبُو صَالح: حَدثنِي عبد الله) ، هَذَا تَعْلِيق سقط من رِوَايَة أبي ذَر، وسَاق الحَدِيث عَن عقيل وَحده.
قَوْله: ( لم أَعقل أَبَوي) ، أَي: لم أعرف، يَعْنِي مَا وجدتهما مُنْذُ عقلت إلاَّ متدينين بدين الْإِسْلَام.
قَوْله: ( قطّ) ، بتَشْديد الطَّاء الْمَضْمُونَة للنَّفْي فِي الْمَاضِي، تَقول مَا رَأَيْته قطّ.
.

     وَقَالَ  أَبُو عَليّ: وَقد تجزم إِذا كَانَت بِمَعْنى التَّعْلِيل، وتضم وتثقل إِذا كَانَت فِي معنى الزَّمن والحين من الدَّهْر، تَقول: لم أر هَذَا قطّ، وَلَيْسَ عِنْدِي إلاَّ هَذَا فَقَط.
قَوْله: ( وهما يدينان الدّين) ، أَي: يطيعان الله، وَذَلِكَ أَن مولدها بعد الْبَعْث بِسنتَيْنِ، وَقيل: بِخمْس، وَقيل: بِسبع، وَلَا وَجه لَهُ لإجماعهم أَنَّهَا كَانَت حِين هَاجر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بنت ثَمَان، وَأكْثر مَا قيل أَن مقَامه بِمَكَّة بعد الْبَعْث ثَلَاث عشرَة سنة، وَإِنَّمَا يَصح خمس على قَول من يَقُول: أَقَامَ ثَلَاث عشرَة سنة، وسنتين على قَول من يَقُول: أَقَامَ عشرا بهَا، وَتَزَوجهَا وَهِي بنت سِتّ، وَقيل: سبع، وَبنى بهَا وَهِي بنت تسع، وَمَات عَنْهَا وَهِي بنت ثَمَانِي عشر سنة، وَعَاشَتْ بعده ثَمَان وَأَرْبَعين سنة.
قَوْله: ( فَلَمَّا ابتلى الْمُسلمُونَ) أَي: بإيذاء الْمُشْركين.
قَوْله: ( خرج أَبُو بكر مُهَاجرا) أَي: حَال كَونه مُهَاجرا.
.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: أصل المهاجرة عِنْد الْعَرَب خُرُوج البدوي من الْبَادِيَة إِلَى المدن، يُقَال: هَاجر البدوي إِذا حضر وَأقَام كَأَنَّهُ ترك الأولى للثَّانِيَة.
قَوْله: ( حَتَّى إِذا بلغ برك الغماد) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة على الْأَكْثَر، ويروى بِكَسْرِهَا وبسكون الرَّاء وبالكاف، وَفِي ( الْمطَالع) : وبكسر الْبَاء، وَقع للأصيلي وَالْمُسْتَمْلِي وَأبي مُحَمَّد الْحَمَوِيّ، قَالَ: وَهُوَ مَوضِع بأقاصي هجر، والغماد، بِكَسْر الْغَيْن وَضمّهَا.
كَذَا ذكره ابْن دُرَيْد.
وف ( مُعْجم) الْبكْرِيّ، قَالَ أَحْمد بن يَعْقُوب الْهَمدَانِي: برك الغماد فِي أقْصَى الْيمن.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد: برك ونعام موضعان فِي أَطْرَاف الْيمن.
.

     وَقَالَ  الهجري: برك من الْيَمَامَة.
وَقيل: إِن البرك والبريك مُصَغرًا لبني هِلَال بن عَامر.
قَوْله: ( ابْن الدغنة) ، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح النُّون المخففة، على مِثَال الْكَلِمَة، وَيُقَال: بِضَم الدَّال والغين وَتَشْديد النُّون، وَيُقَال: بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الْغَيْن، وَفِي الْمطَالع عِنْد الْمروزِي: الدغنة، بِفَتْح الدَّال وبفتح الْغَيْن.
قَالَ الْأصيلِيّ: كَذَا قرأناه، وَعند الْقَابِسِيّ: الدغنة، بِفَتْح الدَّال وَكسر الْغَيْن وَتَخْفِيف النُّون، وَحكى الجياني فِيهِ الْوَجْهَيْنِ، وَيُقَال: ابْن الدثنة أَيْضا، وتسكن الثَّاء أَيْضا، والدغنة: اسْم أمه، وَمَعْنَاهُ لُغَة: الْغَيْم الممطر، والدثنة الْكَثِيرَة اللَّحْم المسترخية.
.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: واسْمه ربيعَة بن رفيع.
قَوْله: ( وَهُوَ سيد القارة) ، بِالْقَافِ وَتَخْفِيف الرَّاء: قَبيلَة مَوْصُوفَة بجودة الرَّمْي.
وَفِي ( الْمطَالع) : القارة بَنو الْهون بن خُزَيْمَة.
قلت: خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر، سموا بذلك لأَنهم فِي بعض حربهم لبني بكر صفوا فِي قارة،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: القارة أكمة سَوْدَاء فِيهَا حِجَارَة.
قَوْله: ( أَن أسيح) ، أَي: أَن أَسِير، يُقَال: ساح فِي الأَرْض يسيح سياحة إِذا ذهب فِيهَا، وَأَصله من السيح، وَهُوَ المَاء الْجَارِي المنبسط على الأَرْض.
قَوْله: ( لَا يَخرُج) ، على بِنَاء الْفَاعِل ( وَلَا يُخرج) ، على بِنَاء الْمَفْعُول.
قَوْله: ( تكسب الْمَعْدُوم) أَي: تكسب معاونة الْفَقِير، وتحقيقه مر فِي كتاب الْإِيمَان.
قَوْله: ( وَتحمل الْكل) ، بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد اللَّام، وَهُوَ الثّقل، أَي: ثقل العجزة، كَذَا فسره الْكرْمَانِي.
وَفِي ( الْمغرب) : الْكل الْيَتِيم، وَمن هُوَ عِيَال وَثقل على صَاحبه.
قَوْله: ( وتقرى الضَّيْف) ، بِفَتْح التَّاء من: قرى يقري، من بابُُ: ضرب يضْرب، تَقول: قريت قرى، مثل: قليته قلى، وقراءً: أَحْسَنت إِلَيْهِ، إِذا كسرت الْقَاف قصرت، وَإِذا فتحت مددت.
وَفِي ( الْمطَالع) : الْقرى، بِالْكَسْرِ مَقْصُورا مَا يهيأ للضيف من طَعَام، وَنزل.
.

     وَقَالَ  القالي: إِذا فتحت أَوله مددته.
قَوْله: ( على نَوَائِب الْحق) ، النوائب: جمع نائبة.
وَهِي مَا يَنُوب الْإِنْسَان، أَي: ينزل بِهِ من الْمُهِمَّات والحوادث، من نابه ينوبه شَيْء إِذا نزل بِهِ واعتراه.
قَوْله: ( وَأَنا لَك جَار) ، أَي مجير، وَفِي ( الصِّحَاح) : الْجَار الَّذِي أجرته من أَن يَظْلمه ظَالِم.
.

     وَقَالَ  تَعَالَى: { وَإِنِّي جَار لكم} ( الْأَنْفَال: 84) .
وَالْمعْنَى هُنَا: أَنا مؤمنك مِمَّن أخافك مِنْهُم، وَفِي ( الْمغرب) : أجاره يجيره إِجَارَة: إغاثة، والهمزة للسلب، وَالْجَار المجير والمجار.
قَوْله: ( فَرجع مَعَ أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) ، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: رَجَعَ أَبُو بكر مَعَه، عكس الْمَذْكُور، وَلَكِن هَذَا من إِطْلَاق الرُّجُوع وَإِرَادَة لَازمه الَّذِي هُوَ الْمَجِيء، أَو: هُوَ من قبيل المشاكلة، لِأَن أَبَا بكر كَانَ رَاجعا، وَأطلق الرُّجُوع بِاعْتِبَار مَا كَانَ قبله بِمَكَّة.
قَوْله: ( فَطَافَ) ، أَي: ابْن الدغنة ( فِي أَشْرَاف كفار قُرَيْش) أَي: ساداتهم، وهم جمع شرِيف، وشريف الْقَوْم سيدهم وَكَبِيرهمْ.
قَوْله: ( أتخرجون؟) ، بِضَم التَّاء: من الْإِخْرَاج، والهمزة للاستفهام على سَبِيل الأنكار.
قَوْله: ( يكْسب الْمَعْدُوم) جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا صفة لقَوْله: رجلا، وَمَا بعده عطف عَلَيْهَا.
قَوْله: ( فانفذت) ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَي: امضوا جواره وَرَضوا بِهِ ( وآمنوا أَبَا بكر) أَي: جَعَلُوهُ فِي أَمن ضد الْخَوْف قَوْله: ( مُر) ، أَمر من: يَأْمر.
قَوْله: ( فليعبد) ، قيل: الْفَاء، لَا معنى لَهَا هُنَا، وَقيل: تَقْدِيره: مر أَبَا بكر ليعبد ربه، فليعبد ربه، قَالَه الْكرْمَانِي قلت: هَذَا الَّذِي ذكره أَيْضا لَا معنى لَهُ، لِأَنَّهُ لَا يُفِيد زِيَادَة شَيْء، بل تصلح الْفَاء أَن تكون جَزَاء شَرط، تَقْدِيره: مر أَبَا بكر إِذا قبل مَا تشْتَرط عَلَيْهِ فليعبد ربه فِي دَاره.
قَوْله: ( بذلك) ، إِشَارَة إِلَى مَا ذكر من الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة.
قَوْله: ( وَلَا يستعلن بِهِ) ، أَي: بالمذكور من الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة، والاستعلان: الْجَهْر، وَلَكِن مُرَادهم الْجَهْر بِدِينِهِ وَصلَاته وقراءته.
قَوْله: ( أَن يفتن) ، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف من الْفِتْنَة، يُقَال: فتنته أفتنه فتنا وفتونا.
وَيُقَال: أفتنه، وَهُوَ قَلِيل، والفتنة تسْتَعْمل على معانٍ كَثِيرة، وَأَصلهَا الامتحان، وَالْمرَاد هُنَا أَن يخرج أَبْنَاءَهُم ونساءهم مِمَّا هم فِيهِ من الضلال إِلَى الدّين.
وَقَوله: ( أبناءنا) مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول لقَوْله: أَن يفتن ( قَالَ ذَلِك) أَي: قَالَ ابْن الدغنة: وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى مَا شرطت أَشْرَاف قُرَيْش عَلَيْهِ.
قَوْله: ( فَطَفِقَ أَبُو بكر) ، بِكَسْر الْفَاء، يُقَال: طفق يفعل كَذَا، مثل جعل يفعل كَذَا، وَهُوَ من أَفعَال المقاربة، وَلكنه من النَّوْع الَّذِي يدل على الشُّرُوع فِيهِ، وَيعْمل عمل كَانَ،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : يُقَال: طفق يفعل كَذَا، مثل: ظلّ.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَن ظلّ من الْأَفْعَال النَّاقِصَة،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْأَفْعَال) : طفق مَا نسي طفوقا إِذا دَامَ فعله لَيْلًا وَنَهَارًا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { فَطَفِقَ مسحا} ( ص: 33) .
الْآيَة، وَفِيه نظر ( ثمَّ بدا لأبي بكر) ، أَي: ظهر لَهُ رَأْي فِي أمره بِخِلَاف مَا كَانَ يَفْعَله.
قَوْله: ( فابتنى مَسْجِدا بِفنَاء دَاره) ، بِكَسْر الْفَاء، وَهُوَ مَا امْتَدَّ من جَوَانِب الدَّار وَهُوَ أول مَسْجِد بني فِي الْإِسْلَام، قَالَه أَبُو الْحسن.
قَالَ الدَّاودِيّ: بِهَذَا يَقُول مَالك وفريق من الْعلمَاء إِن من كَانَت لداره طَرِيقا متسعا لَهُ أَن يرتفق مِنْهَا بِمَا لَا يضر بِالطَّرِيقِ.
قَوْله: ( وبرز) ، أَي: ظهر من البروز.
قَوْله: ( فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ) ، أَي: فِي الْمَسْجِد الَّذِي بناه بِفنَاء دَاره.
قَوْله: ( فيتقصف) ، أَي: يزدحم حيضا حَتَّى يكسر بَعضهم بَعْضًا بالوقوع عَلَيْهِ، وأصل القصف الْكسر وَمِنْه ريح قاصفة، أَي: شَدِيدَة تكسر الشّجر.
قَوْله: ( بكَّاء) ، مُبَالغَة باكي من الْبكاء.
قَوْله: ( فأفزع ذَلِك) ، من الْفَزع وَهُوَ الْخَوْف، وَذَلِكَ فِي مَحل الرّفْع، فَاعله: وَهُوَ إِشَارَة إِلَى مَا فعله أَبُو بكر من قِرَاءَة الْقُرْآن جَهرا وبكائه.
وَقَوله: ( أَشْرَاف قُرَيْش) ، كَلَام إضافي مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول أفزع.
قَوْله: ( وَإِن جَاوز ذَلِك) ، أَي: مَا شرطنا عَلَيْهِ.
قَوْله: ( وَإِن أَبى إلاَّ أَن يعلن ذَلِك) ، أَي: وَإِن امْتنع إلاَّ أَن يجْهر بِمَا ذكر من الصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن.
قَوْله: ( ذمنك) ، أَي: عَهْدك، قَوْله: ( أَن نخفرك) ، بِضَم النُّون وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالفاء: من الإخفار، بِكَسْر الْهمزَة، وَهُوَ نقض الْعَهْد، يُقَال: خفرته إِذا أجرته وحميته، وأخفرته إِذا نقضت عَهده وَلم تف بِهِ، والهمزة فِيهِ للسلب.
قَوْله: ( إِنِّي أخفرت) على بِنَاء الْمَجْهُول.
قَوْله: ( أرْضى بجوار الله) ، أَي: حماه.
قَوْله: ( قد أريت) ، على بِنَاء الْمَجْهُول.
قَوْله: ( سبخَة) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهِي الأَرْض تعلوها الملوحة وَلَا تكَاد تنْبت شَيْئا إلاَّ بعض الشّجر.
قَوْله: ( بَين لابتين) ، اللابتان تَثْنِيَة لابة بِالتَّخْفِيفِ وَهِي أَرض فِيهَا حِجَارَة سود كَأَنَّهَا احترقت بالنَّار، وَكَذَلِكَ الْحرَّة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء.
قَوْله: ( مُهَاجرا) حَال، أَي: طَالب الْهِجْرَة من مَكَّة.
قَوْله: ( على رسلك) ، بِكَسْر الرَّاء: على هينتك من غير عجلة، يُقَال: إفعل كَذَا على رسلك، أَي اتئد، وَفِي ( التَّوْضِيح) : الرُّسُل، بِفَتْح الرَّاء: السّير السهل، وَضَبطه فِي الأَصْل بِكَسْر الرَّاء، وَبَعض الرِّوَايَات بِفَتْحِهَا.
قَوْله: ( أَن يُؤذن) على بِنَاء الْمَجْهُول من الْإِذْن.
قَوْله: ( بِأبي) ، أَي: مفدى بِأبي.
قَوْله: ( أَنْت) مُبْتَدأ وَخَبره: بِأبي، أَو: أَنْت، تَأْكِيد لفاعل ترجو، و: بِأبي، قسم.
قَوْله: ( ورق السمر) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَضم الْمِيم، قَالَ الْكرْمَانِي: شجر الطلح،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: هُوَ ضرب من شجر الطلح، الْوَاحِد سَمُرَة.
وَفِي ( الْمغرب) : السمر من شجر العضاه، وَهُوَ كل شجر يعظم وَله شوك وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ: خَالص وَغير خَالص، فالخالص: الغرف والطلح وَالسّلم والسدر والسيال والسمر والينبوت والقتاد الْأَعْظَم والكهنبل والغرب والعوسج، وَمَا لَيْسَ بخالص: فالشوحط والنبع والشريان والسراء والنشم والعجرم والتالب، وَوَاحِد العضاه عضاهة وعضهة وعضة، بِحَذْف الْهَاء الْأَصْلِيَّة، كَمَا فِي الشّفة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْجَوَاز، وَكَانَ مَعْرُوفا بَين الْعَرَب، وَكَانَ وُجُوه الْعَرَب يجيرون من لَجأ إِلَيْهِم واستجار بهم، وَقد أَجَارَ أَبُو طَالب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يكون الْجوَار إلاَّ لمن ظلم.
وَفِيه: أَنه إِذا خشِي الْمُؤمن على نَفسه من ظَالِم أَنه مُبَاح لَهُ وَجَائِز أَن يستجير بِمن يمنعهُ ويحميه من الظُّلم، وَإِن كَانَ يجيره كَافِرًا، إِن أَرَادَ الْأَخْذ بِالرُّخْصَةِ، وَإِن أَرَادَ الْأَخْذ بالشدة فَلهُ ذَلِك، كَمَا رد الصّديق الْجوَار وَرَضي بجوار الله وَرَسُوله، وَالصديق يَوْمئِذٍ كَانَ من الْمُسْتَضْعَفِينَ، فآثر الصَّبْر على مَا ناله من الْأَذَى محتسبا على الله تَعَالَى وإيفاء بِهِ فوفاه الله لَهُ مَا وثق بِهِ فِيهِ وَلم ينله مَكْرُوه حَتَّى أذن لَهُ فِي الْهِجْرَة فَخرج مَعَ حَبِيبه ونجاهما الله من كيد أعدائهما حَتَّى بلغ مُرَاده من الله من إِظْهَار النُّبُوَّة وإعلاء الدّين.
وَفِيه: مَا كَانَ للصديق من الْفضل والصدق فِي نصْرَة رَسُوله وبذله نَفسه وَمَاله فِي ذَلِك مِمَّا لم يخف مَكَانَهُ وَلَا جهل مَوْضِعه.
وَفِيه: أَن كل من ينْتَفع بإقامته لَا يخرج من بَلَده وَيمْنَع مِنْهُ إِن أَرَادَهُ، حَتَّى قَالَ مُحَمَّد بن سَلمَة: إِن الْفَقِيه لَيْسَ لَهُ أَن يَغْزُو لِأَن ثمَّة من يَنُوب عَنهُ فِيهِ وَلَيْسَ يُوجد من يقوم مقَامه فِي التَّعْلِيم، وَيمْنَع من الْخُرُوج أَن أَرَادَهُ وَاحْتج بقوله تَعَالَى: { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} الْآيَة.


( بابُُ الدَّيْنِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الدّين، هَذَا هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْوَقْت لَا بابُُ وَلَا تَرْجَمَة، وَسقط الحَدِيث أَيْضا من رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَابْن شبويه: بابُُ، بِغَيْر تَرْجَمَة وَبِه جزم الْإِسْمَاعِيلِيّ وَذكر ابْن بطال هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور هُنَا فِي آخر: بابُُ من تكفل عَن ميت بدين، وَهَذَا هُوَ اللَّائِق، لِأَن الحَدِيث لَا تعلق لَهُ بترجمة جوَار أبي بكر حَتَّى يكون مِنْهَا أَو يثبت: بابُُ، بِلَا تَرْجَمَة لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون كالفصل مِنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِك، وَأما التَّرْجَمَة: بِبابُُ الدّين فمحلها أَن يكون فِي كتاب الْفَرْض.
فَافْهَم.

[ قــ :03 ... غــ :98 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُؤْتَى بالرَّجل المُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَسْألَ هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلا فإنْ حُدِّثَ أنَّهُ تَرَكَ لِدِينِهِ وَفَاء صلَّى وإلاَّ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ صلُّوا على صاحِبِكُمْ فلَمَّا فَتَحَ الله عَليْهِ الفُتُوحَ قَالَ أَنا أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِم فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْمؤْمِنِينَ فَتُرِكَ دَيْنا فعَلَيَّ قَضاؤُهُ ومنْ تَرَكَ مَالا فَلِوَرَثَتِهِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهِي أَنه فِي بَيَان حكم الدّين.
وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم وَلَا سِيمَا بِهَذَا السَّنَد.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النَّفَقَات عَن يحيى بن بكير.
وَأخرجه: مُسلم فِي الْفَرَائِض عَن عبد الْملك بن شُعَيْب، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجَنَائِز عَن أبي الْفضل مَكْتُوم بن الْعَبَّاس.

قَوْله: ( عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة) ، هَكَذَا رَوَاهُ عقيل، وَتَابعه يُونُس وَابْن أخي ابْن شهَاب وَابْن أبي ذِئْب، كَمَا أخرجه مُسلم، وَخَالفهُم معمر فَرَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن جَابر، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ.
قَوْله: ( الْمُتَوفَّى) ، أَي: الْمَيِّت.
قَوْله: ( عَلَيْهِ الدّين) ، جملَة حَالية.
قَوْله: ( فَيسْأَل) أَي: رَسُول الله.
قَوْله: ( هَل ترك لدينِهِ فضلا) أَي: قدرا زَائِدا على مؤونة تَجْهِيزه، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: قَضَاء، بدل: فضلا، وَكَذَا هُوَ عِنْد مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن.
قَوْله: ( وَفَاء) أَي: مَا يُوفي بِهِ دينه.
قَوْله: ( وإلاَّ) أَي: وَإِن لم يتْرك وَفَاء، قَالَ إِلَى آخِره، قَوْله: ( الْفتُوح) ، يَعْنِي: من الْغَنَائِم وَغير ذَلِك.
قَوْله: ( أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم) ، لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تكفل بدين من مَاتَ من أمته معدما.
وَهُوَ قَوْله: ( فعلي قَضَاؤُهُ) ، قَوْله: ( فَترك دينا) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة: ( فَترك دينا أَو ضَيْعَة) ، أَي: عيالاً، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: ( ضيَاعًا) ، وَأَصله مصدر: ضَاعَ يضيع ضيَاعًا، بِفَتْح الضَّاد فَسمى الْعِيَال بِالْمَصْدَرِ، كَمَا يُقَال: من مَاتَ وَترك فقرا أَي فُقَرَاء.
قَوْله: ( فعلي قَضَاؤُهُ) ، أَي: مِمَّا أَفَاء الله تَعَالَى عَلَيْهِ من الْغَنَائِم وَالصَّدقَات.
قَوْله: ( فلورثته) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( فَهُوَ لوَرثَته) ، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عمْرَة: ( فليرثه عصبته) .

وَفِيه من الْفَوَائِد: تحريض النَّاس على قَضَاء الدُّيُون فِي حياتهم والتوصل إِلَى الْبَرَاءَة مِنْهَا، وَلَو لم يكن أَمر الدّين شَدِيدا لما ترك النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الصَّلَاة على الْمَدْيُون، وَاخْتلف فِي أَن صلَاته على الْمَدْيُون كَانَت حَرَامًا عَلَيْهِ أَو جَائِزَة؟ حكى فِيهِ وَجْهَان،.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ: الصَّوَاب الْجَزْم بِجَوَازِهِ مَعَ وجود الضَّامِن،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: قَوْله: ( من ترك دينا فعلي) ، نَاسخ لتَركه الصَّلَاة على من مَاتَ وَعَلِيهِ دين.
وَفِيه: إِن الإِمَام يلْزمه أَن يفعل هَكَذَا فِيمَن مَاتَ وَعَلِيهِ دين، فَإِن لم يَفْعَله وَقع الْقصاص مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة وَالْإِثْم عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا إِن كَانَ حق الْمَيِّت فِي بَيت الْمَيِّت بَقِي بِقدر مَا عَلَيْهِ من الدّين وإلاَّ فبقسطه.

بِسم الله الرحمان الرَّحِيم

( كَتابُ الوكالَةِ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَنْوَاع الْوكَالَة وأحكامها وَفِي بعض النّسخ: كتاب فِي الْوكَالَة، وَوَقعت التَّسْمِيَة عِنْد أبي ذَر بعدكتاب الْوكَالَة، بِفَتْح الْوَاو، وَجَاء بِكَسْرِهَا وَهِي التَّفْوِيض، يُقَال: وكلت الْأَمر إِلَيْهِ وكلا ووكولاً إِذا فوضته إِلَيْهِ، وَجَعَلته نَائِبا فِيهِ، وَالْوكَالَة هِيَ الْحِفْظ فِي اللُّغَة، وَمِنْه الْوَكِيل فِي أَسمَاء الله تَعَالَى، وَالتَّوْكِيل تَفْوِيض الْأَمر وَالتَّصَرُّف إِلَى الْغَيْر، وَالْوَكِيل الْقَائِم بِمَا فوض إِلَيْهِ، وَالله أعلم.