فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فضل العشاء


[ قــ :551 ... غــ :566]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا الليْثُ عَن عقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أنَّ عائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قالَتْ أعْتَمَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةً بالعِشَاءِ وذَلِكَ قَبْلَ أنْ يَفْشُوَ الإسْلاَمُ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَالَ عُمَرُ نامَ النِّسَاءُ والصِّبْيَانُ فَخَرَجَ فَقَالَ لأِهْلِ المَسْجِدِ مَا يَنْتَظِرُها أحَدٌ مِن أهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ.
.


قَالَ بَعضهم: لم أر من تكلم على هَذِه التَّرْجَمَة، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثين اللَّذين ذكرهمَا الْمُؤلف فِي هَذَا الْبابُُ مَا يَقْتَضِي اخْتِصَاص الْعشَاء بفضيلة ظَاهِرَة، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذ من قَوْله: (مَا ينتظرها أحد من أهل الأَرْض غَيْركُمْ) ، فعلى هَذَا فِي التَّرْجَمَة حذف تَقْدِيره: بابُُ فضل انْتِظَار الْعشَاء قلت: هَذَا الْقَائِل نفى أَولا كَلَام النَّاس على هَذِه التَّرْجَمَة.
ثمَّ ذكر شَيْئا ادّعى أَنه تفرد بِهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْء لِأَن كَلَامه آل إِلَى الْفضل لانتظار الْعشَاء لَا للعشاء، والترجمة فِي أَن الْفضل للعشاء.
فَنَقُول: مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ (إِن الْعشَاء عبَادَة قد اخْتصّت بالانتظار لَهَا من بَين سَائِر الصَّلَوَات، وَبِهَذَا ظهر فَضلهَا فَحسن قَوْله: بابُُ فضل الْعشَاء.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة كلهم ذكرُوا غير مرّة، وَاللَّيْث: هُوَ ابْن سعد، وَعقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بتأنيث الْفِعْل الْمُفْرد من الْمَاضِي.
وَفِيه: القَوْل.
وَفِيه: عَن عُرْوَة، وَعند مُسلم فِي رِوَايَة: يُونُس عَن ابْن شهَاب أَخْبرنِي عُرْوَة.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بابُُ النّوم قبل الْعشَاء لمن غلب عَلَيْهِ، وَهُوَ الْبابُُ الَّذِي يَلِي الْبابُُ الَّذِي قبل الْبابُُ الَّذِي نَحن فِيهِ.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا بِإِسْنَاد الْبابُُ.
وَلَفظ مُسلم: (أعتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة من اللَّيَالِي بِصَلَاة الْعشَاء وَهِي الَّتِي تدعى: الْعَتَمَة) .
قَالَ ابْن شهَاب: (وَذكر لي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَمَا كَانَ لكم أَن تبْرزُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصَّلَاة، وَذَلِكَ حِين صَاح عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ ابْن شهَاب، وَلَا يُصَلِّي يَوْمئِذٍ إلاَّ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: وَكَانُوا يصلونَ فِيمَا بَين أَن يغيب الشَّفق إِلَى ثلث اللَّيْل الأول، وَأخرج مُسلم من حَدِيث أم كُلْثُوم عَن عَائِشَة: (أعتم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَات لَيْلَة حَتَّى ذهب عَامَّة اللَّيْل، وَحَتَّى نَام أهل الْمَسْجِد ثمَّ خرج فصلى،.

     وَقَالَ : إِنَّه لوَقْتهَا لَوْلَا أَن يشق على أمتِي) .

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أعتم) : أَي: دخل فِي الْعَتَمَة، وَمَعْنَاهُ: أخر صَلَاة الْعَتَمَة، وَذكر ابْن سَيّده: الْعَتَمَة ثلث اللَّيْل الأول بعد غيبوبة الشَّفق، وَقيل: عَن وَقت صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة، وَقيل: هِيَ بَقِيَّة اللَّيْل.
وَفِي (المُصَنّف) : حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا شريك عَن أبي فَزَارَة عَن مَيْمُون بن مهْرَان، قَالَ: قلت لِابْنِ عمر: مَن أول من سَمَّاهَا الْعَتَمَة؟ قَالَ: الشَّيْطَان.
قَوْله: (وَذَلِكَ قبل أَن يفشو الْإِسْلَام) ، أَي: قبل أَن يظْهر، يَعْنِي: فِي غير الْمَدِينَة، وَإِنَّمَا فَشَا الْإِسْلَام فِي غَيرهَا بعد فتح مَكَّة.
قَوْله: (حَتَّى قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) .
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ، تَأتي من رِوَايَة صَالح عَن ابْن شهَاب: (حَتَّى ناداه عمر الصَّلَاة) ، بِالنّصب بِفعل مُضْمر تَقْدِيره: صل الصَّلَاة وَنَحْوهَا.
قَوْله: (نَام النِّسَاء وَالصبيان) ، أَرَادَ بهم الْحَاضِرين فِي الْمَسْجِد لَا النائمين فِي بُيُوتهم، وَإِنَّمَا خص هَؤُلَاءِ بِالذكر لأَنهم مَظَنَّة قلَّة الصَّبْر على النّوم، وَمحل الشَّفَقَة وَالرَّحْمَة.
قَوْله: (مَا ينتظرها) أَي: الصَّلَاة فِي هَذِه السَّاعَة، وَذَلِكَ إِمَّا أَنه لَا يُصَلِّي حينئذٍ إلاَّ بِالْمَدِينَةِ، وَإِمَّا لِأَن سَائِر الأقوام لَيست فِي أديانهم صَلَاة فِي هَذَا الْوَقْت.
قَوْله: (غَيْركُمْ) ، بِالرَّفْع: صفة لأحد، وَوَقع صفة للنكرة لِأَنَّهُ لَا يتعرف بِالْإِضَافَة إِلَى الْمعرفَة لتوغله فِي الْإِبْهَام، أللهم إلاَّ إِذا أضيف إِلَى المشتهر بالمغايرة، وَيجوز أَن يكون بَدَلا من لفظ: أحد، وَيجوز أَن ينْتَصب على الِاسْتِثْنَاء.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن قَوْله: (أعتم لَيْلَة) ، يدل على أَن غَالب أَحْوَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ تَقْدِيم الْعشَاء.
وَفِيه: جَوَاز النّوم قبل الْعشَاء، وَهُوَ الَّذِي بوب عَلَيْهِ البُخَارِيّ: بابُُ النّوم قبل الْعشَاء لمن غلب.
وَفِيه: الدّلَالَة على فَضِيلَة الْعشَاء كَمَا بيناها فِي أول الْبابُُ.
وَفِيه: جَوَاز الْإِعْلَام للْإِمَام بِأَن يخرج للصَّلَاة إِذا كَانَ فِي بَيته.
وَفِيه: لطف النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وتواضعه حَيْثُ لم يقل شَيْئا عِنْد مناداة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.





[ قــ :55 ... غــ :567]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ قَالَ أخبرنَا أبُو أسامةَ عنْ بُرَيْدٍ عنْ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى قَالَ كُنْتُ أَنا وأصْحابِي الَّذِين قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِينَةِ نُزُولاً فِي بَقِيعِ بُطْحَانَ والنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَ صَلاَةِ العِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ فَوَافَقْنَا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا وأصْحَابِي وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ فِي بَعْضِ أمْرِهِ فأعْتَمَ بِالصَّلاَةِ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا قضَى صَلاتَهُ قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ عَلَى رِسْلِكُمْ أبْشِرُوا إنَّ مِنْ نِعْمَةِ الله عَلَيْكُمْ أنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ أوْ قَالَ مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أحَدٌ غٍ يْرُكُمْ لاَ نَدْرِي أيَّ الكَلِمَتَيْنِ قَالَ.
قَالَ أبُو موسَى فَرَجَعْنَا فَفَرِحْنَا بِمَا سَمِعْنَا منْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق.

ذكر رِجَاله: كلهم تقدمُوا، وَمُحَمّد بن الْعَلَاء هُوَ أَبُو كريب، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد ابْن أُسَامَة، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَأَبُو بردة اسْمه: عَامر، وَهُوَ جد بريد، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل.
وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَن جده.
وَفِيه: ثَلَاثَة بالكنى.
وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن أَبِيه.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومدني، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مضى فِي بابُُ من أدْرك من الْعَصْر رَكْعَة، غير أَن هُنَاكَ ذكر مُحَمَّد بن الْعَلَاء، بكنيته وَهَهُنَا باسمه.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعبد الله بن براد وَأبي كريب، ثَلَاثَتهمْ عَن أبي أُسَامَة عَنهُ بِهِ، وروى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَغَيرهم، من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (صلينَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْعَتَمَة فَلم يخرج حَتَّى مضى نَحْو من شطر اللَّيْل، فَقَالَ: إِن النَّاس قد صلوا وَأخذُوا مضاجعهم، وَإِنَّكُمْ لن تزالوا فِي صَلَاة مَا انتظرتم الصَّلَاة، وَلَوْلَا ضعف الضَّعِيف وسقم السقيم وحاجة ذِي الْحَاجة لأخرت هَذِه الصَّلَاة إِلَى شطر اللَّيْل) .
وَأخرجه ابْن ماجة عَن أبي سعيد: (إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الْمغرب ثمَّ لم يخرج حَتَّى ذهب شطر اللَّيْل، ثمَّ خرج فصلى بهم،.

     وَقَالَ : لَوْلَا الضَّعِيف والسقيم لأحببت أَن أؤخر هَذِه الصَّلَاة إِلَى شطر اللَّيْل) .
وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم أَن يؤخروا الْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل أَو نصفه) .
وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: (بَقينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْعَتَمَة فَتَأَخر حَتَّى ظن ظان أَنه لَيْسَ بِخَارِج، وَالْقَائِل منا يَقُول: صلى وَأَنا كَذَلِك حَتَّى خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا لَهُ كَمَا قَالُوا، فَقَالَ: أعْتِمُوا بِهَذِهِ الصَّلَاة فَإِنَّكُم قد فضلْتُمْ بهَا على سَائِر الْأُمَم، وَلم تصلها أمة قبلكُمْ) .
قَوْله: (بَقينَا) بِفَتْح الْقَاف أَي انتظرناه، يُقَال: بقيت الرجل أبقيته إِذا انتظرته.
وَأخرج أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن عبد الله بن عمر: (مكثنا ذَات لَيْلَة نَنْتَظِر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لصَلَاة الْعشَاء: فَخرج إِلَيْنَا حِين ذهب ثلث اللَّيْل أَو بعده، فَلَا نَدْرِي أَشَيْء شغله أم غير ذَلِك؟ فَقَالَ حِين خرج: أتنتظرون هَذِه الصَّلَاة؟ لَوْلَا أَن تثقل على أمتِي لصليت بهم هَذِه السَّاعَة، ثمَّ أَمر الْمُؤَذّن فَأَقَامَ الصَّلَاة) .
وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (نزولا) ، جمع: نَازل، كشهود جمع شَاهد.
قَوْله: (فِي بَقِيع بطحان) البقيع، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة، وَهُوَ من الأَرْض: الْمَكَان المتسع، وَلَا يُسمى بقيعا، إلاَّ وَفِيه شجر أَو أُصُولهَا، و: بطحان، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة، غير منصرف: وَاد بِالْمَدِينَةِ،.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: بطحان، بِضَم الْبَاء، يرويهِ المحدثون أَجْمَعُونَ، وَحكى أهل اللُّغَة فِيهِ بطحان، بِفَتْح الْبَاء وَكسر الطَّاء، وَلذَلِك قَيده أَبُو الْمَعَالِي فِي (تَارِيخه) ، وَأَبُو حَاتِم.
.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: بِفَتْح أَوله وَكسر ثَانِيه، على وزن: فعلان، لَا يجوز غَيره.
قَوْله: (نفر) مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: يتناوب، و: النَّفر، عدَّة رجال من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة.
قَوْله: (فَوَافَقنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِلَفْظ الْمُتَكَلّم.
قَوْله: (وَله بعض الشّغل) ، جملَة حَالية، وَجَاء فِي تَفْسِير: بعض الشّغل، فِي (مُعْجم الطَّبَرَانِيّ) ، من وَجه صَحِيح: عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر: (كَانَ فِي تجهيز جَيش) ، قَوْله: (فاعتم بِالصَّلَاةِ) أَي: أَخّرهَا عَن أول وَقتهَا.
قَوْله: (حَتَّى ابهار اللَّيْل) ، بتَشْديد الرَّاء على وزن: إفعال، كإحمار.
وَمَعْنَاهُ: انتصف.
وَعَن سِيبَوَيْهٍ: كثرت ظلمته، وابهار الْقَمَر، كثر ضوؤه، ذكره فِي (الموعب) وَفِي (الْمُحكم) : إبهار اللَّيْل إِذا تراكمت ظلمته، وَقيل: إِذا ذهبت عامته.
وَفِي كتاب (الواعي) : ابهيرار اللَّيْل: طُلُوع نجومه.
وَفِي (الصِّحَاح) : إبهار اللَّيْل ابهيرارا: إِذا ذهب معظمه وَأَكْثَره، وإبهار علينا اللَّيْل أَي: طَال.
قَالَ الدَّاودِيّ: انهار اللَّيْل، يَعْنِي بالنُّون، مَوضِع الْبَاء، تَقول: كسر مِنْهُ وَانْهَزَمَ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { فانهار بِهِ فِي نَار جَهَنَّم} (التَّوْبَة: 109) .
وَفِيه نظر، وَلم يقلهُ أحد غَيره.
قَوْله: (على رسلكُمْ) ، بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا أَي: على هيئتكم، وَالْكَسْر أفْصح.
قَوْله: (أَبْشِرُوا) من: أبشر، إبشارا، يُقَال: بشرت الرجل وأبشرته وبشرته بِالتَّشْدِيدِ، ثَلَاث لُغَات بِمَعْنى، وَيُقَال: بَشرته بمولود فأبشر إبشارا أَي: سر.
قَوْله: (إِن من نعْمَة الله) كلمة: من، للتَّبْعِيض وَهُوَ اسْم: إِن.
وَقَوله: إِنَّه، بِالْفَتْح لِأَنَّهُ خَبره.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: أَنه: بِالْفَتْح للتَّعْلِيل.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك على مَا لَا يخفى.
قَوْله: (ففرحنا) بِلَفْظ الْمُتَكَلّم، عطف على قَوْله: فرجعنا) ، هَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (فرجعنا فرحى) ، على وزن: فعلى.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: إِمَّا جمع فريح على غير قِيَاس، وَإِمَّا مؤنث الأفرح، وَهُوَ نَحْو: الرِّجَال فعلت.
قلت: بل هُوَ جمع: فرحان، كعطشان يجمع على: عطشى، وسكران على سكرى، ويروى (فرجعنا فَرحا) ، بِفَتْح الرَّاء مصدرا بِمَعْنى الفرحين، وَهُوَ نَحْو: الرِّجَال فعلوا، وعَلى الْوَجْهَيْنِ أَعنِي: فرحى وفرحا، نصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي رَجعْنَا فَإِن قلت: الْمُطَابقَة بَين الْحَال وَذي الْحَال شَرط فِي الْوَاحِد والتثنية وَالْجمع والتذكير والتأنيث، وَفِي رِوَايَة: (فَرحا) ، غير مَوْجُود.
قلت: الْفَرح مصدر فِي الأَصْل وَيَسْتَوِي فِيهِ هَذِه الْأَشْيَاء.
قَوْله: (بِمَا سمعناه) ، الْبَاء: تتَعَلَّق (بفرحنا) ، وَكلمَة: مَا، مَوْصُولَة، والعائد مَحْذُوف تَقْدِيره: بِمَا سمعناه.
فَإِن قلت: مَا سَبَب فَرَحهمْ؟ قلت: علمت باختاصهم بِهَذِهِ الْعِبَادَة الَّتِي هِيَ نعْمَة عظمى مستلزمة للمثوبة الْحسنى، هَذَا الْوَجْه ذكره الْكرْمَانِي، وَعِنْدِي وَجه آخر، وَهُوَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ كَونه مَشْغُولًا بِأَمْر الْجَيْش، خرج إِلَيْهِم وَصلى بهم، فَحصل لَهُم الْفَرح بذلك.
وازدادوا فَرحا ببشارته بِتِلْكَ النِّعْمَة الْعَظِيمَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز الحَدِيث بعد صَلَاة الْعشَاء.
وَفِيه: إِبَاحَة تَأْخِير الْعشَاء إِذا علم أَن بالقوم قُوَّة على انتظارها ليحصل لَهُم فضل الِانْتِظَار، لِأَن المنتظر للصَّلَاة فِي الصَّلَاة.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَهَذَا لَا يصلح الْيَوْم لأئمتنا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَمر الْأَئِمَّة بِالتَّخْفِيفِ.

     وَقَالَ : (إِن فيهم الضَّعِيف والسقيم وَذَا الْحَاجة) ، كَانَ ترك التَّطْوِيل عَلَيْهِم فِي انتظارها أولى.

     وَقَالَ  مَالك: تَعْجِيلهَا أفضل للتَّخْفِيف،.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة يسْتَحبّ تَأْخِيرهَا للمنفرد، ولجماعة يرضون بذلك، وَإِنَّمَا نقل التَّأْخِير عَنهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مرّة أَو مرَّتَيْنِ لشغل حصل لَهُ.
قلت: قَالَ أَصْحَابنَا: إِن كَانَ الْقَوْم كسَالَى يسْتَحبّ التَّعْجِيل، وَإِن كَانُوا راغبين يسْتَحبّ التَّأْخِير.
وَفِيه: أَن التأني فِي الْأُمُور مَطْلُوب.
وَفِيه: أَن التبشير لأحد بِمَا يسره مَحْبُوب لِأَن فِيهِ إِدْخَال السرُور فِي قلب الْمُؤمن.