فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من حمل معه الماء لطهوره

(بابُُ من حمل مَعَه المَاء لطهوره)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان من حمل مَعَه المَاء لِأَن يتَطَهَّر بِهِ وَالطهُور هَهُنَا بِضَم الطَّاء لِأَن المُرَاد بِهِ هُوَ الْفِعْل الَّذِي هُوَ الْمصدر وَأما الطّهُور بِفَتْح الطَّاء فَهُوَ اسْم للْمَاء الَّذِي يتَطَهَّر بِهِ وَقد حكى الْفَتْح فيهمَا وَكَذَا حكى الضَّم فيهمَا وَلَكِن بِالضَّمِّ هَهُنَا كَمَا ذكرنَا على اللُّغَة الْمَشْهُورَة وَفِي بعض النّسخ لطهور بِدُونِ الضَّمِير فِي آخِره.
وَالطَّهَارَة فِي اللُّغَة النَّظَافَة والتنزه.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ ظَاهر لَا يخفى (وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء أَلَيْسَ فِيكُم صَاحب النَّعْلَيْنِ وَالطهُور والوساد) هَذَا تَعْلِيق أخرجه مَوْصُولا فِي المناقب حَدثنَا مُوسَى عَن أبي عوَانَة عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة دخلت الشَّام فَصليت رَكْعَتَيْنِ فَقلت اللَّهُمَّ يسر لي جَلِيسا صَالحا فَرَأَيْت شَيخا مُقبلا فَلَمَّا دنا قلت أَرْجُو أَن يكون اسْتَجَابَ قَالَ مِمَّن أَنْت قلت من أهل الْكُوفَة قَالَ أفلم يكن فِيكُم صَاحب النَّعْلَيْنِ والوساد والمطهرة الحَدِيث وَأَرَادَ بِإِخْرَاج طرف هَذَا الحَدِيث هَهُنَا مَعَ حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ التَّنْبِيه على مَا ترْجم عَلَيْهِ من حمل المَاء إِلَى الكنيف لأجل التطهر وَأَبُو الدَّرْدَاء اسْمه عُوَيْمِر بن مَالك بن عبد الله بن قيس وَيُقَال عُوَيْمِر بن زيد بن قيس الْأنْصَارِيّ من أفاضل الصَّحَابَة وَفرض لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ رزقا فألحقه بالبدريين لجلالته وَولي قَضَاء دمشق فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ مَاتَ سنة إِحْدَى أَو اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وقبره بِالْبابُُِ الصَّغِير بِدِمَشْق قَوْله أَلَيْسَ فِيكُم الْخطاب فِيهِ لأهل الْعرَاق وَيدخل فِيهِ عَلْقَمَة بن قيس قَالَ لَهُم حِين كَانُوا يسألونه مسَائِل وَأَبُو الدَّرْدَاء كَانَ يكون بِالشَّام أَي لم لَا تسْأَلُون من عبد الله بن مَسْعُود هُوَ فِي الْعرَاق وَبَيْنكُم لَا يحْتَاج الْعِرَاقِيُّونَ مَعَ وجوده إِلَى أهل الشَّام وَإِلَى مثلي قَوْله صَاحب النَّعْلَيْنِ أَي صَاحب نَعْلي رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَن عبد الله كَانَ يَلْبسهُمَا إِيَّاه إِذا قَامَ فَإِذا جلس أدخلهما فِي ذِرَاعَيْهِ وَإسْنَاد النَّعْلَيْنِ إِلَيْهِ مجَاز لأجل الملابسة وَفِي الْحَقِيقَة صَاحب النَّعْلَيْنِ هُوَ رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَوْله وَالطهُور هُوَ بِفَتْح الطَّاء لَا غير قطعا إِذْ المُرَاد صَاحب المَاء الَّذِي يتَطَهَّر بِهِ رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَوْله والوساد بِكَسْر الْوَاو وبالسين الْمُهْملَة وَفِي آخِره دَال وَفِي الْمطَالع قَوْله صَاحب الوساد والمطهرة يَعْنِي عبد الله بن مَسْعُود كَذَا فِي البُخَارِيّ من غير خلاف فِي كتاب الطَّهَارَة وَفِي رِوَايَة مَالك بن إِسْمَاعِيل ويروي الوسادة أَو السوَاد بِكَسْر السِّين وَكَانَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ يمشي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ انْصَرف ويخدمه وَيحمل مطهرته وسواكه ونعليه وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فَلَعَلَّهُ أَيْضا كَانَ يحمل وسَادَة إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَأما أَبُو عمر فَإِنَّهُ يَقُول كَانَ يعرف بِصَاحِب السوَاد أَي صَاحب السِّرّ لقَوْله آذنك على أَن ترفع الْحجاب وَتسمع سوَادِي انْتهى كَلَامه.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَلَعَلَّ السوَاد والوسادة هما بِمَعْنى وَاحِد وكأنهما من بابُُ الْقلب وَالْمَقْصُود مِنْهُ أَنه رَضِي الله عَنهُ صَاحب الْأَسْرَار يُقَال ساودته مساودة وسوادا أَي ساررته وَأَصله إدناء سوادك من سوَاده وَهُوَ الشَّخْص وَيحْتَمل أَن يحمل على معنى المخدة لكنه لم يثبت قلت تصرف اللَّفْظ على احْتِمَال مَعَاني لَا يحْتَاج إِلَى الثُّبُوت.

     وَقَالَ  الصغاني ساودت الرجل أَي ساررته وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ آذنك على أَن ترفع الْحجاب وَتسمع سوَادِي حَتَّى أَنهَاك أَي سراري وَهُوَ من إدناء السوَاد من السوَاد أَي الشَّخْص من الشَّخْص.

     وَقَالَ  والوساد والوسادة المخدة وَالْجمع وسد ووسائد

[ قــ :149 ... غــ :151 ]
- (حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي معَاذ هُوَ عَطاء بن أبي مَيْمُونَة قَالَ سَمِعت أنسا يَقُول كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرج لِحَاجَتِهِ تَبعته أَنا وَغُلَام منا مَعنا إداوة من مَاء مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة (بَيَان رِجَاله) وهم أَرْبَعَة ذكرُوا جَمِيعًا وَحرب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والعنعنة وَالسَّمَاع وَمِنْهَا أَن رُوَاته كلهم بصريون وَمِنْهَا أَنه من رباعيات البُخَارِيّ وَقد ذكرنَا فِي الْبابُُ السَّابِق تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره (بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب وَالْمعْنَى) قَوْله تَبعته قَالَ ابْن سَيّده تبع الشَّيْء تبعا وتباعا وَأتبعهُ وَاتبعهُ وَتَبعهُ قَفاهُ وَقيل اتبع الرجل سبقه فَلحقه وَتَبعهُ تبعا وَاتبعهُ مر بِهِ فَمضى مَعَه وَفِي التَّنْزِيل { ثمَّ أتبع سَببا الْكَهْف و 92} وَمَعْنَاهُ تبع وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو { ثمَّ أتبع سَببا} الْكَهْف و 92 يُرِيد لحق وَأدْركَ واستتبعه طلب إِلَيْهِ أَن يتبعهُ وَالْجمع تبع وتباع وتبعة وَحكى الْقَزاز أَن أَبَا عَمْرو وَقَرَأَ { ثمَّ أتبع سَببا} وَالْكسَائِيّ { ثمَّ أتبع سَببا} يُرِيد الْحق وَأدْركَ وَذكر أَن تبعه وَاتبعهُ بِمَعْنى وَاحِد وَكَذَا ذكر فِي الغريبين وَفِي الْأَفْعَال لِابْنِ طريف الْمَشْهُور تَبعته سرت فِي أَثَره واتبعته لحقته وَكَذَلِكَ فسر فِي التَّنْزِيل { فأتبعوهم مشرقين} أَي لحقوهم وَفِي الصِّحَاح تبِعت الْقَوْم تباعا وتباعا وتباعة بِالْفَتْح إِذا مشيت أَو مروا بك فمضيت مَعَهم.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش تَبعته واتبعته بِمَعْنى مثل ردفته وأردفته قَوْله يَقُول جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال وَإِنَّمَا ذكر بِلَفْظ الْمُضَارع مَعَ أَن حق الظَّاهِر أَن يكون بِلَفْظ الْمَاضِي لإِرَادَة استحضاره صُورَة القَوْل تَحْقِيقا وتأكيدا لَهُ كَأَنَّهُ يبصر الْحَاضِرين ذَلِك قَوْله إِذا خرج أَي من بَيته أَو من بَين النَّاس لِحَاجَتِهِ أَي للبول أَو الْغَائِط فَإِن قلت إِذا للاستقبال وَإِن دخل للمضي فَكيف يَصح هَهُنَا إِذْ الْخُرُوج مضى وَوَقع قلت هُوَ هَهُنَا لمُجَرّد الظَّرْفِيَّة فَيكون مَعْنَاهُ تَبعته حِين خرج أَو هُوَ حِكَايَة للْحَال الْمَاضِيَة قَوْله تَبعته جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا خبر كَانَ وَقد مر الْكَلَام فِي بَقِيَّة الْإِعْرَاب فِي الْبابُُ السَّابِق قَوْله منا أَي من الْأَنْصَار وَبِه صرح فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي أَي من قَومنَا أَو من خَواص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن جملَة الْمُسلمين قلت الْكل بِمَعْنى وَاحِد لِأَن قوم أنس هم الْأَنْصَار وهم من خَواص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن جملَة الْمُسلمين.

     وَقَالَ  بَعضهم وإيراد المُصَنّف لحَدِيث أنس مَعَ هَذَا الطّرف من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء يشْعر إشعارا قَوِيا بِأَن الْغُلَام الْمَذْكُور فِي حَدِيث أنس هُوَ ابْن مَسْعُود وَلَفظ الْغُلَام يُطلق على غير الصَّغِير مجَازًا وعَلى هَذَا قَول أنس وَغُلَام منا أَي من الصَّحَابَة أَو من خدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت فِيمَا قَالَه محذوران أَحدهمَا ارْتِكَاب الْمجَاز من غير دَاع وَالْآخر مُخَالفَته لما ثَبت فِي صَرِيح رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ وَمن أقوى مَا يرد كَلَامه أَن أنسا رَضِي الله عَنهُ وصف الْغُلَام بالصغر فِي رِوَايَة أُخْرَى فَكيف يَصح أَن يكون المُرَاد هُوَ ابْن مَسْعُود وَلَكِن روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَى الْخَلَاء أَتَيْته بِمَاء فِي ركوة فاستنجى فَيحْتَمل أَن يُفَسر بِهِ الْغُلَام الْمَذْكُور فِي حَدِيث أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمَعَ هَذَا هُوَ احْتِمَال بعيد لمُخَالفَته رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ لِأَنَّهُ نَص فِيهَا أَنه من الْأَنْصَار وَأَبُو هُرَيْرَة لَيْسَ مِنْهُم وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عَاصِم بن عَليّ عَن شُعْبَة فَأتبعهُ وَأَنا غُلَام بِصُورَة الْجُمْلَة الاسمية الْوَاقِعَة حَالا بِالْوَاو وَلَكِن الصَّحِيح أَنا وَغُلَام بواو الْعَطف وَالله أعلم