فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب غزوة خيبر

( بابُُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ) أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان غَزْوَة خَيْبَر، وَهِي مَدِينَة كَبِيرَة ذَات حصون ومزارع على ثَمَانِيَة برد من الْمَدِينَة إِلَى جِهَة الشَّام، وَذكر الْبكْرِيّ أَنَّهَا سميت باسم رجل من العماليق نزلها.



[ قــ :3985 ... غــ :4195 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ بُشَيْرِ بنِ يَسارٍ أنَّ سُوَيْدَ بنَ النُّعْمَانِ أخْبَرَهُ أنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ خَيْبَرَ حتَّى إذَا كُنَّا بالصَّهْبَاءِ وهْيَ مِنْ أدْنَى خَيْبَرَ صلَّى العَصْرَ ثُمَّ دَعَا بالأزْوَادِ فلَمْ يُؤْتَ إلاَّ بالسَّوِيقِ فأمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فأكَلَ وأكَلْنَا ثُمَّ قامَ إلَى المَغْرِبِ فمَضْمَضَ ومَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى ولَمْ يَتَوَضَّأ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ، وَبشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن يسَار ضد الْيَمين وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الْوضُوء فِي: بابُُ من مضمض من السويق.

قَوْله: ( إِنَّه خرج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَكَانَ خُرُوجهمْ إِلَى خَيْبَر فِي جمادي الأولى سنة سبع، وَأبْعد من قَالَ: إِنَّهَا فِي سنة سِتّ،.

     وَقَالَ  مُوسَى ابْن عقبَة: لما رَجَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْحُدَيْبِيَة مكث بِالْمَدِينَةِ عشْرين يَوْمًا أَو قَرِيبا من ذَلِك.
ثمَّ خرج إِلَى خَيْبَر وَهِي الَّتِي وعده الله إِيَّاهَا، وَحكى مُوسَى عَن الزُّهْرِيّ أَن افْتِتَاح خَيْبَر فِي سنة سِتّ، وَالصَّحِيح أَن ذَلِك فِي أول سنة سبع،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: ثمَّ أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ حِين رَجَعَ من الْحُدَيْبِيَة ذَا الْحجَّة وَبَعض الْمحرم ثمَّ خرج فِي بَقِيَّة الْمحرم إِلَى خَيْبَر.
قَوْله: ( بالصهباء) هُوَ مَوضِع على رَوْحَة من خَيْبَر.
قَوْله: ( فثري) على صِيغَة الْمَجْهُول من ثريت السويق، إِذا بللته.





[ قــ :3986 ... غــ :4196 ]
- ( حَدثنَا عبد الله بن مسلمة حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن يزِيد بن أبي عبيد عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرجنَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى خَيْبَر فسرنا لَيْلًا فَقَالَ رجل من الْقَوْم لعامر يَا عَامر أَلا تسمعنا من هنياتك وَكَانَ عَامر رجلا شَاعِرًا فَنزل يَحْدُو بالقوم يَقُول
( اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا ... وَلَا تصدقنا وَلَا صلينَا)

( فَاغْفِر فدَاء لَك مَا أبقينا ... وَثَبت الْأَقْدَام إِن لاقينا)

( وألقين سكينَة علينا ... إِنَّا إِذا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا)

( وبالصياح عولوا علينا ... )
فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من هَذَا السَّائِق قَالُوا عَامر بن الْأَكْوَع قَالَ يرحمه الله قَالَ رجل من الْقَوْم وَجَبت يَا نَبِي الله لَوْلَا أمتعتنا بِهِ فأتينا خَيْبَر فحاصرناهم حَتَّى أصابتنا مَخْمَصَة شَدِيدَة ثمَّ إِن الله تَعَالَى فتحهَا عَلَيْهِم فَلَمَّا أَمْسَى النَّاس مسَاء الْيَوْم الَّذِي فتحت عَلَيْهِم أوقدوا نيرانا كَثِيرَة فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا هَذِه النيرَان على أَي شَيْء توقدون قَالُوا على لحم قَالَ عَليّ أَي لحم قَالَ لحم حمر الإنسية قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أهريقوها واكسروها فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله أونهريقها ونغسلها قَالَ أَو ذَاك فَلَمَّا تصاف الْقَوْم كَانَ سيف عَامر قَصِيرا فَتَنَاول بِهِ سَاق يَهُودِيّ ليضربه وَيرجع ذُبابُُ سَيْفه فَأصَاب عين ركبة عَامر فَمَاتَ مِنْهُ قَالَ فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلمَة رَآنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ آخذ بيَدي قَالَ مَالك قلت لَهُ فدَاك أبي وَأمي زَعَمُوا أَن عَامِرًا حَبط عمله قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كذب من قَالَه إِن لَهُ لأجرين وَجمع بَين أصبعيه إِنَّه لجاهد مُجَاهِد قل عَرَبِيّ مشي بهَا مثله)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الله بن مسلمة بِفَتْح الميمين هُوَ القعْنبِي شيخ مُسلم أَيْضا وحاتم بِالْحَاء الْمُهْملَة مر عَن قريب وَمضى الحَدِيث مُخْتَصرا فِي الْمَظَالِم فِي بابُُ هَل تكسر الدنان الَّتِي فِيهَا الْخمر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي عَاصِم عَن يزِيد بن أبي عبيد عَن سَلمَة قَوْله " فَقَامَ رجل من الْقَوْم " لم يعرف اسْم الرجل قَوْله " لعامر " هُوَ عَم سَلمَة بن الْأَكْوَع وَاسم الْأَكْوَع سِنَان وَهُوَ اسْم جد سَلمَة وَأَبُو سَلمَة هُوَ عَمْرو وَهُوَ سَلمَة بن عَمْرو بن الْأَكْوَع وعامر هُوَ ابْن الْأَكْوَع اسْتشْهد يَوْم خَيْبَر على مَا ذكر فِي الحَدِيث قَوْله " من هنياتك " بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق الْمَكْسُورَة هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره " هنيهاتك " بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا هَاء أُخْرَى جمع هنيهة وَهُوَ مصغر هنة كَمَا قَالُوا فِي مصغر سنة سنيهة وأصل هنة هنو كَمَا أَن أصل سنة سنو مصغره هنيَّة وَقد تبدل من الْيَاء الثَّانِيَة هَاء فَيُقَال هنيهة وَالْجمع هنيهاة وَجمع الأول هنيات وَوَقع فِي الدَّعْوَات من وَجه آخر عَن يزِيد بن أبي عبيد لَو أسمعتنا من هناتك بِفَتْح الْهَاء وَالنُّون وَبعد الْألف تَاء مثناة من فَوق فَيكون جمع هنة.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي أما هن على وزن أَخ فكلمة كِنَايَة عَن الشَّيْء وَأَصله هنو وَتقول للمؤنث هنة وتصغيرها هنيَّة وَالْمرَاد بالهنيات الأراجيز جمع الأرجوزة.

     وَقَالَ  السُّهيْلي الهنة كِنَايَة عَن كل شَيْء لَا يعرف اسْمه أَو تعرفه فتكنى عَنهُ.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ كِنَايَة عَن شَيْء لَا تذكره باسمه وَلَا تخص جِنْسا من غَيره.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش كَمَا تَقول هَذَا فلَان بن فلَان تَقول هَذَا هن بن هن وَهَذِه هنة بنت هنة وَهُوَ نَص بِأَن يكنى بهَا عَن الْأَعْلَام.

     وَقَالَ  ابْن عُصْفُور وَهُوَ الصَّحِيح قَوْله " يَحْدُو بالقوم " من الحدو وَهُوَ سوق الْإِبِل والغناء لَهَا يُقَال حدوت الْإِبِل حدوا وحداء وَيُقَال للشمال حدواء لِأَنَّهَا تحدو السَّحَاب وَالْإِبِل تحب الحداء وَلَا يكون الحداء إِلَّا شعرًا أَو رجزا وَأول من سنّ حداء الْإِبِل مُضر بن نزار لما سقط عَن بعيره فَكسرت يَده فَبَقيَ يَقُول وايداه وايداه قَوْله " اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا " إِلَى آخِره رجز وَأَكْثَره تقدم فِي الْجِهَاد وَاخْتلف فِي الرجز أَنه شعر أم لَا فَقيل أَنه شعر وَإِن لم يكن قريضا وَقد قيل أَن هَذَا لَيْسَ بِشعر وَإِنَّمَا هُوَ أشطار أَبْيَات وَإِنَّمَا الرجز الَّذِي هُوَ شعر هُوَ سداسي الْأَجْزَاء أَو رباعي الْأَجْزَاء قَوْله " فدَاء لَك " بِكَسْر الْفَاء وبالمد وَحكى ابْن التِّين فدى لَك بِفَتْح الْفَاء مَعَ الْقصر وَزعم أَنه هُنَا بِكَسْر الْفَاء مَعَ الْقصر لضَرُورَة الْوَزْن وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ لَا يتزن إِلَّا بِالْمدِّ على مَا لَا يخفى.

     وَقَالَ  الْمَازرِيّ لَا يُقَال لله فدى لَك لِأَنَّهُ إِنَّمَا يسْتَعْمل فِي مَكْرُوه يتَوَقَّع حُلُوله بالشخص فيختار شخص آخر أَن يحل ذَلِك بِهِ ويفديه مِنْهُ فَهُوَ إِمَّا مجَاز عَن الرِّضَا كَأَنَّهُ قَالَ نَفسِي مبذولة لرضاك أَو هَذِه الْكَلِمَة وَقعت فِي الْبَيْت خطابا لسامع الْكَلَام وَقيل هَذِه لَا يُرَاد ظَاهرهَا بل المُرَاد بهَا الْمحبَّة والتعظيم مَعَ قطع النّظر عَن ظَاهر اللَّفْظ وَقيل الْمُخَاطب بِهَذَا الشّعْر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْمعْنَى لَا تُؤَاخِذنَا بتقصيرنا فِي حَقك ونصرك وَقَوله اللَّهُمَّ لم يقْصد بهَا الدُّعَاء وَإِنَّمَا افْتتح بهَا الْكَلَام والمخاطب بقوله لَوْلَا أَنْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى آخِره ( قلت) فِي هذَيْن الجوابين نظر لَا يخفى خُصُوصا فِي الْجَواب الثَّانِي فَإِن قَوْله
( فأنزلن سكينَة علينا ... وَثَبت الْأَقْدَام إِن لاقينا)
يرد هَذَا وينقضه وَالَّذِي قَالَه الْمَازرِيّ أقرب إِلَى التَّوْجِيه قَوْله " مَا أبقينا " فِي مَحل النصب على أَنه مفعول لقَوْله فَاغْفِر وَقَوله " فدَاء لَك " جملَة مُعْتَرضَة وَلَفظ أبقينا بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْقَاف هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ والنسفي وَمَعْنَاهُ مَا خلفنا وَرَاءَنَا مِمَّا اكتسبناه من الآثام وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين مَا اتقينا من الاتقاء بتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالقاف وَمَعْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ من الْأَوَامِر وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ " مَا لَقينَا " بِفَتْح اللَّام وَكسر الْقَاف من اللِّقَاء وَمَعْنَاهُ مَا وجدنَا من المناهي وَوَقع فِي رِوَايَة قُتَيْبَة عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَدَب مَا اقتفينا من الاقتفاء بِالْقَافِ وَالْفَاء أَي مَا تبعنا من الْخَطَايَا من قَفَوْت أَثَره إِذا تَبعته وَكَذَا وَقع لمُسلم عَن قُتَيْبَة وَهِي أشهر الرِّوَايَات فِي هَذَا الرجز قَوْله " وألقين " أَمر مُؤَكد بالنُّون الْخَفِيفَة وسكينة مَفْعُوله وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ " وألق السكينَة " بِحَذْف النُّون وبالألف وَاللَّام فِي السكينَة قَوْله " إِنَّا إِذا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا " من الْإِتْيَان أَي إِذا دعينا لِلْقِتَالِ أَو إِلَى الْحق جِئْنَا.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي " أَبينَا " فِي بعض الرِّوَايَات من الإباء وَمَعْنَاهُ إِذا دعينا إِلَى غير الْحق أَبينَا أَي امتنعنا عَنهُ قيل هَذِه رِوَايَة النَّسَفِيّ قَوْله " وبالصياح " عولوا علينا أَي وبالصوت العالي قصدونا واستغاثوا يُقَال عولت على فلَان وعولت بفلان أَي استعنت بِهِ وَوَقع عِنْد أَحْمد من الزِّيَادَة فِي هَذَا الرجز فِي حَدِيث إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه وَهُوَ قَوْله
( إِن الَّذين قد بغوا علينا ... إِذا أَرَادوا فتْنَة أَبينَا)

( وَنحن عَن فضل الله مَا استغنينا ... )
قَوْله " من هَذَا السَّائِق " أَي من هَذَا الَّذِي يَسُوق الْإِبِل ويحدو قَالُوا عَامر بن الْأَكْوَع يَعْنِي عَم سَلمَة فَإِن قيل قد مضى فِي الْجِهَاد أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ الَّذِي كَانَ يَقُولهَا فِي حفر الخَنْدَق وَأَنَّهَا من أراجيز عبد الله بن رَوَاحَة وَأجِيب بِعَدَمِ الْمُنَافَاة بَينهمَا لاحْتِمَال التوارد قَوْله " قَالَ يرحمه الله " أَي قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يرحم الله عَامِرًا وَفِي رِوَايَة إِيَاس بن سَلمَة فَقَالَ غفر لَك رَبك قَالَ وَمَا اسْتغْفر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لإِنْسَان يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتشْهد قَوْله " قَالَ رجل من الْقَوْم " هَذَا الرجل هُوَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سَمَّاهُ مُسلم فِي رِوَايَة إِيَاس بن سَلمَة وَلَفظه فَنَادَى عمر بن الْخطاب وَهُوَ على جمل يَا نَبِي الله لَوْلَا متعتنا بعامر قَوْله " وَجَبت " أَي وَجَبت الْجنَّة لَهُ ببركة دعائك لَهُ وَقيل وَجَبت لَهُ الشَّهَادَة بدعائك قَوْله " لَوْلَا أمتعتنا بِهِ " أَي هلا أبقيته لنا لنتمتع بعامر يَعْنِي بشجاعته ويروى لَوْلَا متعتنا بِهِ من التَّمَتُّع وَهُوَ الترفه إِلَى مُدَّة وَمِنْه فِي الدُّعَاء يُقَال متعني الله بك قَوْله " فحصرناهم " أَي حصرنا أهل خَيْبَر ويروى فحاصرناهم.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَق أول حصون خَيْبَر فتحا حصن ناعم وَعِنْده قتل مَحْمُود بن سَلمَة ألقيت عَلَيْهِ رحى مِنْهُ فَقتلته قَوْله " مَخْمَصَة " بِفَتْح الْمِيم أَي مجاعَة قَوْله " على لحم " أَي توقد النيرَان على لحم قَوْله " على أَي لحم " أَي على أَي لحم من أَنْوَاع اللحوم توقدونها قَوْله " قَالُوا لحم حمر " يجوز فِي لفظ لحم الرّفْع وَالنّصب فالرفع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره هُوَ لحم حمر وَالنّصب بِنَزْع الْخَافِض وَالتَّقْدِير على لحم حمر والحمر بِضَمَّتَيْنِ جمع حمَار قَوْله " الإنسية " بِالْجَرِّ صفة حمر وَهُوَ بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَكسر السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف نِسْبَة الْحمر إِلَى الْإِنْس وَمَعْنَاهُ الْحمر الْأَهْلِيَّة وَفِي الْمطَالع الأنسية بِفَتْح الْهمزَة وَفتح النُّون كَذَا ذكره البُخَارِيّ عَن ابْن أبي أويس وَكَذَا قيدناه عَن الشَّيْخ أبي بَحر فِي مُسلم وَكَذَا قَيده الْأصيلِيّ وَابْن السكن وَأَبُو ذَر وَأكْثر رِوَايَات الشُّيُوخ فِيهِ بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَكِلَاهُمَا صَحِيح وَأما الْأنس بِفَتْح الْهمزَة وَالنُّون فهم النَّاس وَكَذَلِكَ الْإِنْس قَوْله " أهريقوها " أَي أريقوها وَالْهَاء فِيهِ زَائِدَة ويروى بِدُونِ الْهمزَة هريقوها قَوْله " واكسروها " وَقد تقدم فِي الْمَظَالِم قَالَ اكسروها واهريقوها قَوْله أَو نهريقها ونغسلها وَفِي الْمَظَالِم قَالُوا أَلا نهريقها ونغسلها قَالَ اغسلوها وَهنا قَالَ أَو ذَاك أَي أَو الْغسْل وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله سيف عَامر وَهُوَ عَامر بن الْأَكْوَع الْمَذْكُور فِيهِ وَفِي رِوَايَة إِيَاس بن سَلمَة قَالَ فَلَمَّا قدمنَا خَيْبَر خرج ملكهم مرْحَبًا يخْطر بِسَيْفِهِ يَقُول
( قد علمت خَيْبَر أَنِّي مرحب ... شاكي السِّلَاح بَطل مجرب)

( إِذا الحروب أَقبلت تلهب ... )
قَالَ فبرز لَهُ عَامر فَقَالَ
( قد علمت خَيْبَر أَنِّي عَامر ... شاكي السِّلَاح بَطل مغامر)
قَالَ فاختلفنا ضربتين فَوَقع سيف مرحب فِي ترس عَامر فَذهب عَامر يسفل لَهُ أَي يضْربهُ من أَسْفَل فَرجع سَيْفه على نَفسه قَوْله ذُبابُُ سَيْفه وَهُوَ طرفه الَّذِي يضْرب بِهِ وَقيل ذُبابُُ السَّيْف حَده قَوْله عين ركبة عَامر أَي رَأس ركبته فَمَاتَ مِنْهُ قَوْله فَلَمَّا قَفَلُوا أَي رجعُوا من خَيْبَر قَوْله وَهُوَ آخذ بيَدي هَكَذَا هُوَ رِوَايَة الْكشميهني بيَدي بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي رِوَايَة غَيره يَدي بِدُونِ الْبَاء قَوْله حَبط عمله أَي عمل عَامر لِأَنَّهُ قتل نَفسه قَوْله أَن لَهُ لأجرين وهما أجر الْجهد فِي الطَّاعَة وَأجر المجاهدة فِي سَبِيل الله وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره أَجْرَيْنِ بِدُونِ اللَّام قَوْله لجاهد مُجَاهِد اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وجاهد اسْم فَاعل من جهد وَمُجاهد اسْم فَاعل أَيْضا من جَاهد وروى أَبُو ذَر عَن الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي لجاهد وجاهد بِلَفْظ الْمَاضِي قَوْله " قل عَرَبِيّ مَشى بهَا مثله " حَاصِل الْمَعْنى من الْعَرَب قَلِيل مَشى فِي الدُّنْيَا بِهَذِهِ الْخصْلَة الحميدة الَّتِي هِيَ الْجِهَاد مَعَ الْجهد أَي الْجد وَكَذَا وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة مَشى بِلَفْظ الْمَاضِي من الْمَشْي قَوْله " بهَا " أَي بِالْأَرْضِ أَو الْمَدِينَة أَو الْحَرْب أَو الْخصْلَة قَوْله " مثله " أَي مثل عَامر
( حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا حَاتِم قَالَ نَشأ بهَا) أَي حَدثهُ قُتَيْبَة بن سعيد عَن حَاتِم بِالْحَاء الْمُهْملَة ابْن إِسْمَاعِيل الْكُوفِي نَشأ بالنُّون وبالهمزة فِي آخِره أَي شب وَكبر وَحكى السُّهيْلي أَنه وَقع فِي رِوَايَة مشابها بِضَم الْمِيم اسْم فَاعل من المشابهة وَحَاصِل مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ مشابه فِي صفة الْكَمَال فِي الْقِتَال وانتصابه يكون على الْحَال أَو بِفعل مَحْذُوف وَالتَّقْدِير قل عَرَبِيّ رَأَيْته مشابها قَالَ السُّهيْلي وروى قل عَرَبيا نَشأ بهَا مثله وَالْفَاعِل مثله وعربيا مَنْصُوب على التَّمْيِيز لِأَن فِي الْكَلَام معنى الْمَدْح فَهُوَ على حد قَوْلهم عظم زيد رجلا وَقتل زيد أدبا



[ قــ :3987 ... غــ :4197 ]
- ( حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله أَتَى خَيْبَر لَيْلًا وَكَانَ إِذا أَتَى قوما بلَيْل لم يغر بهم حَتَّى يصبح فَلَمَّا أصبح خرجت الْيَهُود بِمساحِيهِمْ وَمَكَاتِلهمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّد وَالله مُحَمَّد وَالْخَمِيس فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خربَتْ خَيْبَر إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي بابُُ دُعَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْإِسْلَام فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك إِلَى آخِره قَوْله عَن أنس وَفِي رِوَايَة أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن حميد سَمِعت أنسا كَمَا تقدم فِي الْجِهَاد قَوْله أَتَى خَيْبَر لَيْلًا أَي فِي اللَّيْل وَمَعْنَاهُ قرب مِنْهَا.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق أَنه نزل بواد يُقَال لَهُ الرجيع بَينهم وَبَين غطفان لَيْلًا يمدوهم وَكَانُوا حلفاءهم قَالَ فبلغني أَن غطفان تجهزوا وقصدوا خَيْبَر فَسَمِعُوا حسا خَلفهم فظنوا أَن الْمُسلمين خلفوهم فِي ذَرَارِيهمْ فَرَجَعُوا فأقاموا وخذلوا أهل خَيْبَر قَوْله لم يغر بهم بِضَم الْيَاء وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة من الإغارة هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي لم يقربهُمْ بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْقَاف من الْقرب وَتقدم فِي الْجِهَاد بِلَفْظ لَا يُغير عَلَيْهِم وَفِي الْأَذَان من وَجه آخر عَن حميد بِلَفْظ كَانَ إِذا غزا لم يغز بِنَا حَتَّى نصبح وَنَنْظُر فَإِن سمع أذانا كف عَنْهُم وَإِلَّا أغار قَوْله خرجت الْيَهُود بِمساحِيهِمْ يَعْنِي طَالِبين زرعهم وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يخرجُون فِي كل يَوْم متسلحين مستعدين فَلَا يرَوْنَ أحدا حَتَّى إِذا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي قدم فِيهَا الْمُسلمُونَ نَامُوا فَلم تتحرك لَهُم دَابَّة وَلم يَصح لَهُم ديك وَخَرجُوا بِالْمَسَاحِي طَالِبين مَزَارِعهمْ فوجدوا الْمُسلمين وَفِي رِوَايَة أَحْمد خرجت يهود بِمساحِيهِمْ إِلَى زرعهم والمساحي جمع مسحاة وَهِي آلَة الْحَرْث والمكاتل جمع مكتل وَهِي القفة الْكَبِيرَة الَّتِي يحول فِيهَا التُّرَاب وَغَيره قَوْله مُحَمَّد أَي هَذَا مُحَمَّد قَوْله وَالْخَمِيس أَي الْجَيْش سمي خميسا لِأَنَّهُ خَمْسَة أَقسَام الميمنة والميسرة وَالْقلب والمقدمة والساقة وَيجوز فِي الْخَمِيس الرّفْع وَالنّصب فالرفع على الْعَطف وَالنّصب على أَنه مفعول مَعَه قَوْله بِسَاحَة قوم الساحة الفضاء وَأَصلهَا الفضاء بَين الْمنَازل قَوْله فسَاء من أَفعَال الذَّم والمنذرين بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة فَإِن قلت كَيفَ قَالَ خربَتْ خَيْبَر قبل وُقُوعه قلت هَذَا من جملَة معجزاته علم بطرِيق الْوَحْي أَنَّهَا تخرب وَقيل أَخذه من لفظ المسحاة لِأَنَّهُ من سحوت إِذا قشرت وَفِيه أَخذ التفاؤل من حَيْثُ الِاشْتِقَاق



[ قــ :3987 ... غــ :4197 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنَا مالِكٌ عنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتَى خَيْبَرَ لَيْلاً وكانَ إذَا أتَى قوْمَاً بِلَيْلٍ لَمْ يُغْرِبِهِمْ حتَّى يُصْبِحَ فلَمَّا أصْبَحَ خَرَجَتِ اليَهُودِ بِمَساحِيهِمْ ومَكاتِلِهِمْ فلَمَّا رَأوْه قالُوا مُحَمَّدٌ وَالله محَمَّدٌ والخَمِيسُ فَقال النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قوْمٍ فَساءَ صَباحُ المُنْذِرِينَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى الْإِسْلَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك إِلَى آخِره.

قَوْله: ( عَن أنس) وَفِي رِوَايَة أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ: عَن حميد سَمِعت أنسا، كَمَا تقدم فِي الْجِهَاد.
قَوْله: ( أَتَى خَيْبَر لَيْلًا) أَي: فِي اللَّيْل، وَمَعْنَاهُ: قرب مِنْهَا.
.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: إِنَّه نزل بواد يُقَال لَهُ الرجيع بَينهم وَبَين غطفان لَيْلًا يمدوهم وَكَانُوا حلفاءهم، قَالَ: فبلغني أَن غطفان تجهزوا وقصدوا خَيْبَر فَسَمِعُوا حسا خَلفهم، فظنوا أَن الْمُسلمين خلفوهم فِي ذَرَارِيهمْ فَرَجَعُوا فأقاموا وخذلوا أهل خَيْبَر.
قَوْله: ( لم يغر بهم) بِضَم الْيَاء وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة: من الإغارة، هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي: لم يقربهُمْ، بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْقَاف، من الْقرب، وَتقدم فِي الْجِهَاد بِلَفْظ، لَا يُغير عَلَيْهِم، وَفِي الآذان من وَجه آخر، عَن حميد بِلَفْظ: كَانَ إِذا غزا لم يغز بِنَا حَتَّى نصبح وَنَنْظُر فَإِن سمع أذانا كف عَنْهُم وإلاَّ أغار، قَوْله: ( خرجت الْيَهُود بِمساحِيهِمْ) ، يَعْنِي: طَالِبين زرعهم، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يخرجُون فِي كل يَوْم متسلحين مستعدين فَلَا يرَوْنَ أحدا حَتَّى إِذا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي قدم فِيهَا الْمُسلمُونَ نَامُوا فَلم تتحرك لَهُم دَابَّة وَلم يَصح لَهُم ديك، وَخَرجُوا بِالْمَسَاحِي طَالِبين مَزَارِعهمْ فوجدوا الْمُسلمين، وَفِي رِوَايَة أَحْمد: خرجت يهود بِمساحِيهِمْ إِلَى زرعهم، والمساحي جمع مسحاة وَهِي آلَة الْحَرْث، والمكاتل جمع مكتل وَهِي القفة الْكَبِيرَة الَّتِي يحول فِيهَا التُّرَاب وَغَيره.
قَوْله: ( مُحَمَّد) أَي: هَذَا مُحَمَّد.
قَوْله: ( وَالْخَمِيس) أَي: الْجَيْش، سمى خميساً لِأَنَّهُ خَمْسَة أَقسَام: الميمنة والميسرة وَالْقلب والمقدمة والساقة، وَيجوز فِي الْخَمِيس الرّفْع وَالنّصب، فالرفع على الْعَطف، وَالنّصب على أَنه مفعول مَعَه.
قَوْله: ( بِسَاحَة قوم) الساحة الفضاء، وَأَصلهَا الفضاء بَين الْمنَازل.
قَوْله: ( فسَاء) من أَفعَال الذَّم ( والمنذرين) بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة.
فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ: خربَتْ خَيْبَر قبل وُقُوعه؟ قلت: هَذَا من جملَة معجزاته، علم بطرِيق الْوَحْي أَنَّهَا تخرب، وَقيل: أَخذه من لفظ المسحاة، لِأَنَّهُ من سحوت إِذا قشرت، وَفِيه أَخذ التفاؤل من حَيْثُ الِاشْتِقَاق.





[ قــ :3988 ... غــ :4198 ]
- (أخبرنَا صَدَقَة بن الْفضل أخبرنَا ابْن عُيَيْنَة حَدثنَا أَيُّوب عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ صبحنا خَيْبَر بكرَة فَخرج أَهلهَا بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا بصروا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالُوا مُحَمَّد وَالله مُحَمَّد وَالْخَمِيس فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الله أكبر خربَتْ خَيْبَر إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين فأصبنا من لُحُوم الْحمر -



[ قــ :3988 ... غــ :4198 ]
- أخْبَرَنَا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ أخبرَنَا عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً فخَرَجَ أهْلُهَا بالمَساحِي فلَمَّا بَصُرُوا بالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالُوا مُحَمَّدٌ وَالله مُحَمَّدٌ والخَمِيسُ فَقال النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله أكْبرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فسَاءَ صَبَاحُ المُنْذِرِينَ فأصَبْنَا مِنْ لُحُومِ الحُمْرِ فَنَادَي مُنَادي النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الله ورَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عنْ لُحُومِ الْحُمْرِ فإنَّهَا رِجْسٌ.
.


هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس الْمَذْكُور أخرجه عَن صَدَقَة بن الْفضل الْمروزِي عَن صَدَقَة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ.

قَوْله: ( الله أكبر) هَذِه اللَّفْظَة مَوْجُودَة فِي أَكثر الطّرق.
قَوْله: ( صبحنا) بتَشْديد الْبَاء.
قَوْله: ( ينهيانكم) فِيهِ دَلِيل على جَوَاز جمع اسْم الله مَعَ غَيره فِي ضمير وَاحِد، فَيرد بِهِ على من منع ذَلِك، قيل: فِي رِوَايَة سُفْيَان للْأَكْثَر: يَنْهَاكُم بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة عبد الْوَهَّاب، بالتثنية، قَوْله: ( فَإِنَّهَا) أَي: قَالَ: فَإِن لُحُوم الْحمر ( رِجْس) أَي: قذر ونتن، وَقيل: الرجس الْعَذَاب، فَيحْتَمل أَن يُرِيد: أَنَّهَا تُؤَدِّيه إِلَى الْعَذَاب، وَالنَّهْي عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة للتَّحْرِيم عِنْد الْجُمْهُور.





[ قــ :3989 ... غــ :4199 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوهَّابِ حدَّثَنَا عَبْدُ الوهَّابِ حدَّثَنا أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جاءَهُ جاءٍ فَقال أُكِلَتِ الحُمُرُ فسَكَتَ ثُمَّ أتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقالَ أُكِلَتِ الحُمُرُ فسَكَتَ ثُمَّ أتَاهُ الثَّالِصَةَ فَقَالَ أفْنِيَتِ الْحُمُرُ فأمَرَ مُنَادِيَاً فَنادَى فِي النَّاسِ إنَّ الله ورَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ فأُكْفِئَتِ القُدُورِ وإنَّهَا لتَفُورُ باللَّحْمِ.
.


هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب أبي مُحَمَّد الحَجبي الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، عَن عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين.

قَوْله: ( فأكفئت) ، قَالَ ابْن التِّين: صَوَابه، فكفئت، قَالَ الْأَصْمَعِي: كفأت الْإِنَاء: قلبته، وَلَا يُقَال: أكفأته، قيل: يحْتَمل أَن يُرِيد: أمالوها حَتَّى أزالوا مَا فِيهَا، فَيكون: ( أكفئت) صَحِيحا لِأَن الْكسَائي قَالَ: أكفأت الْإِنَاء أملته.
قَوْله: ( لتفور) ، من فارت الْقدر إِذا اشْتَدَّ غليانها.





[ قــ :3990 ... غــ :400 ]
- حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثَنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ ثَابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْحَ قَرِيبَاً مِنْ خَيْبَرَ بِغَلسٍ ثُمَّ قالَ الله أكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَساءَ صَبَاحُ الْمُنْذِرِينَ فخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ فقَتَلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المُقَاتِلَةَ وسَبَى الذُّرِّيَّةَ وكانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصارَتْ إلَى دِحْيَةَ الكَلْبِيِّ ثُمَّ صارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَقال عَبْدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ يَا أبَا مُحَمَّدٍ آنْتَ قُلْتَ لأِنَسٍ مَا أصْدَقَهَا فَحَرَّكَ ثابِتٌ رَأسَهُ تَصْدِيقَاً لَهُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث مر فِي صَلَاة الْخَوْف فِي: بابُُ التَّكْبِير والغلس بالصبح، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، وثابت الْبنانِيّ عَن أنس ... إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.

قَوْله: ( فَقتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، فِيهِ حذف لَا بُد مِنْهُ، لِأَن ظَاهر الْعبارَة يُوهم أَن ذَلِك وَقع عقيب الدُّعَاء عَلَيْهِم، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن ابْن إِسْحَاق قد ذكر أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَقَامَ على محاصرتهم بضع عشرَة لَيْلَة، وَقيل: أَكثر من ذَلِك، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا وَقع فِي الحَدِيث الْمَاضِي: ( أَصَابَتْهُم مَخْمَصَة شَدِيدَة) ، فَإِنَّهُ يدل على طول مُدَّة الْحصار، إِذْ لَو وَقع الْفَتْح من يومهم لم يَقع لَهُم ذَلِك.





[ قــ :3991 ... غــ :401 ]
- حدَّثنا آدَمُ حدَّثَنا شُعْبَةُ عنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يقُولُ سَبَى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّةَ فأعْتَقَهَا وتَزَوَّجَهَا فَقال ثابِتٌ لأِنَسٍ مَا أصْدَقَهَا قَالَ أصْدَقَهَا نَفْسَها فأعْتَقَهَا.
.
[/ نه

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( سبى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَفِيَّة) ، فَإِن سبيهَا كَانَ فِي غَزْوَة خَيْبَر، والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( فَأعْتقهَا وَتَزَوجهَا) ، ظَاهِرَة أَن العتنق تقدم النِّكَاح، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن الْوَاو لَا تدل على التَّرْتِيب، على أَن فِي الحَدِيث الآخر: ( وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا) ، وَمِنْهُم من جعل ذَلِك من خَصَائِصه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمِنْهُم من أجَازه.





[ قــ :399 ... غــ :40 ]
-
حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثَنا يَعْقُوبُ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْتَقَى هُوَ والمُشْرِكُونَ فاقْتَتَلُوا فلَمَّا مالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى عَسْكَرِهِ ومالَ الآخَرُونَ إلَى عَسْكَرِهِم وَفِي أصْحَابِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شاذَّةً ولاَ فاذَّةً إلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ مَا أجْزَأ مِنَّا اليَوْمَ أحَدٌ كَما أجْزأ فُلانٌ فَقال رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَا إنَّهُ مِنْ أهْلِ النَّارِ فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ أنَا صاحِبُهُ قَالَ فخَرَجَ معَهُ كُلَّمَا وقَفَ وقَفَ مَعَهُ وإذَا أسْرَعَ أسْرَعَ معَهُ قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحَاً شَدِيدَاً فاسْتَعْجَلَ المَوْتَ فوَضَعَ سَيْفَهُ بالأرْضِ وذُبابَُُهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ علَى سَيْفِهِ فقَتَلَ نَفْسَهُ فخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أشْهَدُ أنَّكَ رسُولُ الله قَالَ وَمَا ذَاكَ قالَ الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفَاً أنَّهُ مِنْ أهْلِ النَّارِ فأعْظَمَ النَّاسُ ذالِكَ فقُلْتُ أنَا لَكُمْ بِهِ فخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحَاً شَدِيدَاً فاسْتَعْجَلَ المَوْتَ فوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأرْضِ وذُبابَُُهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ علَيْهِ فقَتَلَ نَفْسَهُ فَقالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَ ذَلِكَ إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أهْلِ الجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وهْوَ مِنْ أهْلِ النَّارِ وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عمَلَ أهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وهْوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ.
.


لَا وَجه لذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تعلق مَا بغزوة خَيْبَر ظَاهرا، وَقد تعسف بَعضهم، فَقَالَ: يتحد هَذَا الحَدِيث بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي يَلِيهِ فِي الْقِصَّة، وَصرح فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن ذَلِك كَانَ بِخَيْبَر، فبينهما بون بعيد فِي أَلْفَاظ الْمَتْن، يعرف ذَلِك من يقف عَلَيْهِمَا.

وَيَعْقُوب هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن الإسكَنْدَرَانِي، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بابُُ لَا تَقول فلَان شَهِيد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ نَحْو هَذَا سنداً ومتناً، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( فَلَمَّا مَال رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد فرَاغ الْقِتَال فِي ذَلِك الْيَوْم.
قَوْله: ( وَفِي أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رجل) قَالُوا: إِن اسْمه قزمان، بِضَم الْقَاف وَسُكُون الزَّاي: الظفري، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَالْفَاء: نِسْبَة إِلَى بني ظفر، بطن من الْأَنْصَار، وَكَانَ يكنى: أَبَا الغيداق، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة وَفِي آخِره قَاف.
قَوْله: ( لَا يدع) ، أَي: لَا يتْرك.
قَوْله: ( شَاذَّة) ، بالشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة، وَهِي الَّذِي ينْفَرد عَن الْجَمَاعَة.
قَوْله: ( وَلَا فاذة) ، بِالْفَاءِ مثله، وَهُوَ الَّذِي لَا يخْتَلط بهم، وهما صفتان لمَحْذُوف أَي: لَا يدع نسمَة شَاذَّة وَلَا نسمَة فاذة، وَيجوز أَن تكون التَّاء فيهمَا للْمُبَالَغَة، كَمَا فِي: علاَّمة ونسَّابة، وَقيل: المُرَاد مَا كبر وَصغر، وَقيل: الشاذ الْخَارِج، والفاذ الْمُنْفَرد.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَالثَّانِي اتِّبَاع.
قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى.
قَوْله: ( فَقيل: مَا أَجْزَأَ) ويروى: فَقَالَ، وَقَالُوا: وفقلت.
قَوْله: ( فَقَالَ رجل من الْقَوْم) قيل: هُوَ أَكْثَم بن أبي الجون.
قَوْله: ( وذبابُه) ، بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة أَي: طرفه الْحَد.