فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه

( بابٌُ لَا تَأذن المَرْأةُ فِي بيْتِ زَوْجِها لأحدٍ إلاّ بإذْنهِ) 2.

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: لَا تَأذن الْمَرْأَة إِلَى آخِره، وَالْمرَاد بِبَيْت زَوجهَا مَسْكَنه سَوَاء كَانَ ملكه أم لَا.



[ قــ :4918 ... غــ :5195 ]
- حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ حَدثنَا أبُو الزِّنادِ عَن الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يحلّ للْمَرْأةِ أنْ تصُومَ وزَوْجُها شاهِدٌ إلاّ بإذْنِهِ، وَلَا تأذَنَ فِي بيْتِهِ إِلَّا بإذْنِهِ، وَمَا أنْفَقَتْ مِنْ نَفَقةٍ عنْ غيْرِ أمره فإِنّهُ يُؤَدَّى إليْهِ شطْرُهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَلَا تَأذن فِي بَيته إلاَّ بِإِذْنِهِ) وَهَذَا السَّنَد بِعَيْنِه قد مر غير مرّة لمتون مُخْتَلفَة.

وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة دِينَار الْحِمصِي، وَأَبُو الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف النُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرحمان بن هُرْمُز.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّوْم عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن مَيْمُون عَن أبي الْيَمَان بِقصَّة الصَّوْم.

وَهَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على ثَلَاثَة أَحْكَام: الأول: فِي صَوْم الْمَرْأَة تَطَوّعا وَقد مر عَن قريب.
الثَّانِي: قَوْله: ( وَلَا تَأذن فِي بَيته) أَي: لَا تَأذن الْمَرْأَة فِي بَيت زَوجهَا لَا لرجل وَلَا لامْرَأَة يكرهها زَوجهَا، لِأَن ذَلِك يُوجب سوء الظَّن وَيبْعَث على الْغيرَة الَّتِي هِيَ سَبَب القطيعة، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق همام عَن أبي هُرَيْرَة: وَهُوَ شَاهد إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَهَذَا الْقَيْد لَا مَفْهُوم لَهُ، بل خرج مخرج الْغَالِب وإلاَّ فغيبة الزَّوْج لَا تَقْتَضِي الْإِبَاحَة للْمَرْأَة أَن تَأذن لمن يدْخل بَيته بل يتَأَكَّد حِينَئِذٍ عَلَيْهَا الْمَنْع لوُرُود الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي النَّهْي عَن الدُّخُول على المغيبات، أَي من غَابَ زَوجهَا، وَأما عِنْد الدَّاعِي للدخول عَلَيْهَا للضَّرُورَة كالإذن لشخص فِي دُخُول مَوضِع من حُقُوق الدَّار الَّتِي هِيَ فِيهَا أَو إِلَى دَار مُنْفَرِدَة عَن مَسْكَنهَا، أَو الْإِذْن لدُخُول مَوضِع معد للضيفان، فَلَا حرج عَلَيْهَا فِي الْإِذْن بذلك لِأَن الضرورات مُسْتَثْنَاة فِي الشَّرْع.
الثَّالِث: قَوْله: ( وَمَا أنفقت) أَي الْمَرْأَة ( من نَفَقَة عَن غير أَمر زَوجهَا فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَيْهِ شطرة) أَي: نصفه، وَالْمرَاد بِهِ نصف الْأجر، وَقد جَاءَ وَاضحا فِي رِوَايَة همام عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا أنفقت الْمَرْأَة من كسب زَوجهَا من غير أمره فَلهُ نصف أجره، وَقد مر فِي أَوَائِل الْبيُوع فِي بابُُ قَول الله تَعَالَى: { أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} ( الْبَقَرَة: 762) وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: فلهَا نصف أجره،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ قَوْله: ( يُؤَدِّي إِلَيْهِ شطره) مَحْمُول على المَال الْمُنفق وَإنَّهُ يلْزم الْمَرْأَة إِذا أنفقت بِغَيْر أَمر زَوجهَا زِيَادَة على الْوَاجِب لَهَا أَن تغرم الْقدر الزَّائِد، وَأَن هَذَا هُوَ المُرَاد بالشطر فِي الْخَبَر، لِأَن الشّطْر يُطلق على النّصْف وعَلى الْجُزْء.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَكل مَا أنفقت على نَفسهَا من مَاله وَبِغير إِذْنه فَوق مَا يجب لَهَا من الْقُوت بِالْمَعْرُوفِ غرمت شطره، يَعْنِي: قدر الزِّيَادَة على الْوَاجِب لَهَا.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : معنى ( يُؤَدِّي إِلَيْهِ شطره) يتَأَدَّى إِلَيْهِ من أجر الصَّدَقَة مثل مَا يتَأَدَّى إِلَى البمتصدقة من الْأجر ويصيران فِي الْأجر نِصْفَيْنِ سَوَاء، وَيشْهد لَهُ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الدَّال على الْخَيْر كفاعله، وَهَذَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاة.
.

     وَقَالَ  ابْن الرابط: وَهَذِه النَّفَقَة هِيَ الْخَارِجَة عَن الْمَعْرُوف الزَّائِدَة على الْعَادة بِدَلِيل قصَّة هِنْد بِالْمَعْرُوفِ، وَحَدِيث: أَن للخازن فِيمَا أنْفق أجرا وللزوجة أجرا يَعْنِي بِالْمَعْرُوفِ، وَهَذَا النّصْف يجوز أَن يكون النّصْف الَّذِي أُبِيح لَهَا أَن تَتَصَدَّق بِهِ بِالْمَعْرُوفِ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَأما مَا روى البُخَارِيّ أَعنِي حَدِيثا آخر، فيخالف مَعْنَاهُ وَهُوَ أَنه قَالَ: إِذا أنفقت الْمَرْأَة من كسب زَوجهَا من غير أمره فَلهُ نصف أجره، فَهُوَ إِنَّمَا يتَأَوَّل على أَن تكون الْمَرْأَة قد خلطت الصَّدَقَة من مَاله بِالنَّفَقَةِ الْمُسْتَحقَّة لَهَا حَتَّى كَانَا شطرين.
قلت: هَذَا لَا يدْفع أَن يكون غَرَامَة زِيَادَة مَا أنفقت لَازِمَة لَهَا أَن لم تطب نفس الزَّوْج بهَا، وروى ابْن الْجَوْزِيّ من حَدِيث لَيْث عَن عَطاء عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: لَا تَتَصَدَّق الْمَرْأَة من بَيته بِشَيْء إلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِن فعلت كَانَ لَهُ الْأجر وَعَلَيْهَا الْوزر، وَلَا تَصُوم يَوْمًا إلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِن فعلت أثمت وَلم تؤجر وَعَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه سُئِلَ: الْمَرْأَة تَتَصَدَّق من مَال زَوجهَا؟ قَالَ لَا إلاَّ من قوتها وَالْأَجْر بَينهمَا وَأما من مَاله فَلَا.

ورَواهُ أبُو الزِّناد أَيْضا عنْ مُوسى عَن أبِيهِ عَن أبي هُرَيْرَةَ فِي الصَّوْمِ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان عَن مُوسَى بن أبي عُثْمَان الَّذِي يُقَال لَهُ التبَّان بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْبَاء الْمُوَحدَة الثَّقِيلَة، واسْمه سعيد، وَيُقَال لَهُ: عمرَان، وَهُوَ مولى الْمُغيرَة بن شُعْبَة لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن رِوَايَة شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج اشْتَمَلت على ثَلَاثَة أَحْكَام كَمَا ذكرنَا، وَأَن لأبي الزِّنَاد أَيْضا إِسْنَادًا آخر عَن مُوسَى الْمَذْكُور فِي الصَّوْم خَاصَّة، وَهُوَ معنى قَوْله: ( فِي الصَّوْم) وَوصل هَذِه الرِّوَايَة أَحْمد وَالنَّسَائِيّ والدارمي وَالْحَاكِم من طَرِيق الثَّوْريّ عَن أبي الزِّنَاد عَن مُوسَى بن أبي عُثْمَان بِقصَّة الصَّوْم.
<

( بابٌُ)

أَي: هَذَا بابُُ، كَذَا وَقع مُجَردا فِي رِوَايَة الْكل، وَقد قُلْنَا غير مرّة إِن هَذَا كالفصل لما قبله، وَسقط لفظ: بابُُ، فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ.



[ قــ :4919 ... غــ :5196 ]
- حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا إسْماعِيلُ أخبرنَا التَّيْمِي عَن أبي عثْمانَ عنْ أُسامَةَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قُمْتُ على بابُِ الجَنَّةِ فكانَ عامّة مَنْ دَخَلَها المَساكِينُ.
وأصْحابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ غَيْرَ أنَّ أصْحابَ النّارِ قدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النّار، وقُمْتُ عَلَى بابُُِ النّارِ فَإِذا عامّةُ مَنْ دَخَلَها النِّساء.

مطابقته للتَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة من حَيْثُ إِن الحَدِيث الْمَذْكُور فِيهَا يشْتَمل على أَحْكَام مُتَعَلقَة بِالنسَاء وأنهن يرتكبن النَّهْي الْمَذْكُور فِيهِ غَالِبا، فَلذَلِك كن أَكثر من يدْخل النَّار، وَأما لفظ بابُُ الْمُجَرّد فَإِنَّهُ دَاخل فِي التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة.

وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية، والتيميم هُوَ سُلَيْمَان بن طرخان الْبَصْرِيّ، وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْهَاء، وَأُسَامَة هُوَ ابْن زيد حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر كتاب الدَّعْوَات عَن هدبة بن خَالِد وَغَيره.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن قُتَيْبَة بن سعيد وَفِي المواعظ وَالرَّقَائِق عَن عبد الله بن سعيد.

قَوْله: ( الْجد) بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الدَّال وَهُوَ الْغنى والحظ، وَيَجِيء بِمَعْنى الْقطع وَأب الْأَب، وبالكسر: الِاجْتِهَاد قَوْله: ( محبوسون) أَي: على بابُُ الْجنَّة أَو على الْأَعْرَاف، كَذَا وَقع لفظ محبوسون بِالْحَاء الْمُهْملَة فِي الْأُصُول من الْحَبْس، وَكَذَا عِنْد أبي ذَر،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَكَذَا عِنْد الشَّيْخ أبي الْحسن وَلَعَلَّه بِفَتْح التَّاء وَالْوَاو: محتوشون، اسْم مفعول من قَوْلهم: احتوش فلَان بِالْمَكَانِ إِذا قَامَ بِهِ، يَعْنِي موقوفون لَا يَسْتَطِيعُونَ الْفِرَار،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: أَرْجُو أَن يكون المحبوسون أهل التفاخر، لِأَن أفاضل هَذِه الْأمة كَانَ لَهُم أَمْوَال ووصفهم الله تَعَالَى بِأَنَّهُم سَابِقُونَ.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: إِنَّمَا صَار أَصْحَاب الْجد محبوسين لمنعهم حُقُوق الله تَعَالَى الْوَاجِبَة للْفُقَرَاء فِي أَمْوَالهم فحبسوا لِلْحسابِ كَمَا منعُوهُ، فَأَما من أدّى حُقُوق الله تَعَالَى فِي مَاله فَإِنَّهُ لَا يحبس عَن الْجنَّة إلاَّ أَنهم قَلِيل، وَإِذا كثر المَال تضيع حُقُوق الله فِيهِ لِأَنَّهُ محنة وفتنة.
قَوْله: ( غير أَن أهل النَّار) وهم الَّذين استحقوا دُخُول النَّار، وَقد أَمر بهم أَي: أَمر الله بهم إِلَى النَّار.
قَوْله: ( فَإِذا) كلمة المفاجأة أضيفت إِلَى الْجُمْلَة لِأَن قَوْله: ( عَامَّة من دَخلهَا) مُبْتَدأ أَو قَوْله: ( النِّسَاء) خَبره.