فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: صدقة الفطر صاع من طعام

(بابُُ صَدَقَةِ الفِطْرِ صَاعا مِنْ طَعَامٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إِخْرَاج صَدَقَة الْفطر صَاعا من طَعَام ويروى صَاع بِالرَّفْع وَوَجهه مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْبابُُ السَّابِق.



[ قــ :1446 ... غــ :1506 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ عِيَاضِ بنِ عَبْدِ الله بنِ سَعْدِ بنِ أبي سَرْحٍ العَامِرِيِّ أنَّهُ سَمِعَ أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعا مِنْ طَعَامٍ أوْ صَاعا مِنْ شَعيرٍ أوْ صَاعا مِن تَمْرٍ أوْ صَاعا منْ أقِطٍ أوْ صَاعا مِنْ زَبِيبٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (صَاعا من طَعَام) .

وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع وَالْقَوْل فِي مَوضِع.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (زَكَاة الْفطر) أَي: صَدَقَة الْفطر، وَيسْتَعْمل كل مِنْهُمَا فِي مَوضِع الآخر.
قَوْله: (من طَعَام) الطَّعَام هُوَ الْبر بِدَلِيل ذكر الشّعير مَعَه، وَقيل: أَرَادَ بِهِ التَّمْر لِأَن الْبر كَانَ قَلِيلا عِنْدهم لَا يَتَّسِع لإِخْرَاج زَكَاة الْفطر.
قلت: هَذَا لَا يَتَأَتَّى إلاَّ فِي الرِّوَايَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذكر التَّمْر، وَذَلِكَ أَن حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَذَا قد رُوِيَ بِوُجُوه مُخْتَلفَة: فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ من تسع طرق بأسانيد مُخْتَلفَة وَأَلْفَاظه متباينة.
الأول: مثل طَرِيق البُخَارِيّ: عَن عَليّ بن شيبَة عَن قبيصَة عَن سُفْيَان عَن زيد بن أسلم عَن عِيَاض بن عبد الله (عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كُنَّا نعطي زَكَاة الْفطر من رَمَضَان صَاعا من طَعَام أَو صَاعا من شعير أَو صَاعا من أقط) ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ذكر التَّمْر، وَبَقِيَّة طرقه فِيهَا ذكر التَّمْر، فَلَا يَتَأَتَّى أَن يُفَسر الطَّعَام بِالتَّمْرِ، وَالطَّعَام فِي أصل اللُّغَة عَام فِي كل مَا يقتات بِهِ من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَغير ذَلِك، وسنبسط الْكَلَام فِيهِ عَن قريب مَعَ بَيَان اخْتِلَاف الْأَئِمَّة فِيهِ.
قَوْله: (من أقط) ، بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْقَاف وَفِي آخِره طاء مُهْملَة، وَهُوَ: لبن مجفف يَابِس مستحجر يطْبخ بِهِ، وَرُبمَا تسكن قافه فِي الشّعْر، يُقَال: ايتقطت، أَي اتَّخذت الأقط، وَهُوَ افتعلت، وأقط طَعَامه يأقطه أقطا: عمله بالأقط، وَهُوَ مأقوط، وَيُقَال لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: ماستينه، وبالتركية: قراقرط، وبالتركمانية: قرط، بِضَم الْقَاف وَالرَّاء، بِلَا لفظ: قرا.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: احْتج بِهِ الشَّافِعِي على أَن صَدَقَة الْفطر من الْقَمْح صَاع،.

     وَقَالَ : المُرَاد بِالطَّعَامِ الْبر فِي الْعرف،.

     وَقَالَ  أَصْحَابه، لَا سِيمَا فِي رِوَايَة الْحَاكِم: صَاعا من حِنْطَة، أخرجهَا فِي (مُسْتَدْركه) من طَرِيق أَحْمد بن حَنْبَل عَن ابْن علية عَن أبي إِسْحَاق عَن عبد الله بن عبد الله بن عُثْمَان بن حَكِيم بن حزَام (عَن عِيَاض بن عبد الله قَالَ: قَالَ أَبُو سعيد وَذكر عِنْده صَدَقَة الْفطر، فَقَالَ: لَا أخرج إلاَّ مَا كنت أخرجه فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَاعا من تمر أَو صَاعا من حِنْطَة أَو صَاعا من شعير، فَقَالَ لَهُ رجل من الْقَوْم: أَو مدّين من قَمح؟ فَقَالَ: لَا، تِلْكَ قيمَة مُعَاوِيَة لَا أقبلها وَلَا أعمل بهَا) .
وَصَححهُ الْحَاكِم، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) من حَدِيث يَعْقُوب الدَّوْرَقِي عَن ابْن علية سندا ومتنا كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَمن الشَّافِعِيَّة من جعل هَذَا الحَدِيث حجَّة لنا من جِهَة أَن مُعَاوِيَة جعل نصف صَاع من الْحِنْطَة عدل صَاع من التَّمْر وَالزَّبِيب.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هَذَا الحَدِيث مُعْتَمد أبي حنيفَة، ثمَّ أجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ فعل صَحَابِيّ، وَقد خَالفه أَبُو سعيد وَغَيره من الصَّحَابَة مِمَّن هُوَ أطول صُحْبَة مِنْهُ وَاعْلَم بِحَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد أخبر مُعَاوِيَة بِأَنَّهُ رأى لَا قَول سَمعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قُلْنَا: أما قَوْلهم: إِن الطَّعَام فِي الْعرف هُوَ الْبر فَمَمْنُوع، بل الطَّعَام يُطلق على كل مَأْكُول، كَمَا ذَكرْنَاهُ، بل أُرِيد بِهِ هَهُنَا غير الْحِنْطَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (صَاعا من طَعَام صَاعا من أقط) .
فَإِن قَوْله: (صَاعا من أقط) بدل من قَوْله: (صَاعا من طَعَام) أَو بَيَان عَنهُ، وَلَو كَانَ المُرَاد من قَوْله: (صَاعا من طَعَام) هُوَ الْبر لقَالَ: أَو صَاعا من أقط بِحرف: أَو، الفاصلة بَين الشَّيْئَيْنِ.
فَإِن قلت: فِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ بِأَو الفاصلة بَين الشَّيْئَيْنِ كَمَا مر؟ قلت: كفى لنا حجَّة رِوَايَة أبي دَاوُد على مَا ادعينا مَعَ صِحَة حَدِيثه بِلَا خلاف، وَمِمَّا يُؤَيّد مَا ذَكرْنَاهُ مَا جَاءَ فِيهِ عِنْد البُخَارِيّ: (عَن أبي سعيد، قَالَ: كُنَّا نخرج فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفطر صَاعا من طَعَام.
قَالَ أَبُو سعيد: وَكَانَ طعامنا: الشّعير وَالزَّبِيب والأقط وَالتَّمْر) .
وَأما مَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِيهِ (أَو صَاعا من حِنْطَة) ، فقد قَالَ أَبُو دَاوُد: إِن هَذَا لَيْسَ بِمَحْفُوظ،.

     وَقَالَ  ابْن خُزَيْمَة فِيهِ: وَذكر الْحِنْطَة فِي هَذَا الْخَبَر غير مَحْفُوظ، وَلَا أَدْرِي مِمَّن الْوَهم، وَقَول الرجل لَهُ: أَو مَدين من قَمح؟ دَال على أَن ذكر الْحِنْطَة فِي أول الْخَبَر خطأ، وَوهم، لَو كَانَ صَحِيحا إِذْ لم يكن لقَوْله: أَو مَدين من قَمح؟ معنى.
وَقد عرف تساهل الْحَاكِم فِي تَصْحِيح الْأَحَادِيث المدخولة، وَأما قَول النَّوَوِيّ: إِنَّه فعل صَحَابِيّ، قُلْنَا: قد وَافقه غَيره من الصَّحَابَة الجم الْغَفِير بِدَلِيل قَوْله فِي الحَدِيث: (فَأخذ النَّاس بذلك) ، وَلَفظ: النَّاس، للْعُمُوم، فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَالله أعلم.

وَاعْلَم أَن مَذْهَب مَالك وَأحمد وَإِسْحَاق مثل مَذْهَب الشَّافِعِي فِي تَقْدِيره بالصاع فِي الْبر،.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ: يُؤَدِّي كل إِنْسَان مَدين من قبح بِمد أهل بَلَده،.

     وَقَالَ  اللَّيْث: مَدين من قَمح بِمد هِشَام وَأَرْبَعَة أَمْدَاد من التَّمْر وَالشعِير والأقط.
.

     وَقَالَ  أَبُو ثَوْر: الَّذِي يخرج فِي زَكَاة الْفطر صَاع من تمر أَو شعير أَو طَعَام أَو زبيب أَو أقط إِن كَانَ بدويا، وَلَا يُعْطي قيمَة شَيْء من هَذِه الْأَصْنَاف، وَهُوَ يجدهَا.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: سكت أَبُو ثَوْر، رَحمَه الله تَعَالَى، عَن ذكر الْبر، وَكَانَ أَحْمد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يسْتَحبّ إِخْرَاج التَّمْر.
وَالْأَصْل فِي هَذَا الْبابُُ اعْتِبَار الْقُوت وَأَنه لَا يجوز إلاَّ الصَّاع مِنْهُ.
وَالْوَجْه الآخر: اعْتِبَار التَّمْر وَالشعِير وَالزَّبِيب أَو قيمتهَا على، مَا قَالَه الْكُوفِيُّونَ،.

     وَقَالَ  صَاحب (الْهِدَايَة) رَحمَه الله تَعَالَى: الْفطْرَة نصف صَاع من بر أَو دَقِيق أَو سويق أَو زبيب، أَو صَاع من تمر أَو شعير.
.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: الزَّبِيب بِمَنْزِلَة الشّعير، وَهُوَ رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة، وَالْأول رِوَايَة مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة، وَهِي رِوَايَة (الْجَامِع الصَّغِير) وَنصف صَاع من بر مَذْهَب أبي بكر الصّديق وَعمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود وَجَابِر بن عبد الله وَأبي هُرَيْرَة وَابْن الزبير وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة وَأَسْمَاء بنت أبي بكر الصّديق وَسَعِيد بن الْمسيب وَعَطَاء وَمُجاهد وَسَعِيد بن جُبَير وَعمر بن عبد الْعَزِيز وطاووس وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ وعلقمة وَالْأسود وَعُرْوَة وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأبي قلَابَة عبد الْملك بن مُحَمَّد التَّابِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَابْن الْمُبَارك وَعبد الله بن شَدَّاد وَمصْعَب بن سعيد.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَهُوَ قَول الْقَاسِم وَسَالم وَعبد الرَّحْمَن ابْن قَاسم وَالْحكم وَحَمَّاد، وَرِوَايَة عَن مَالك ذكرهَا فِي الذَّخِيرَة، وَاحْتج أَصْحَابنَا فِي هَذَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ثَعْلَبَة بن أبي صعير عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صَاع من بر أَو قَمح على كل اثْنَيْنِ صَغِير أَو كَبِير حر أَو عبد ذكر أَو أُنْثَى، أما غنيكم فيزكيه الله، وَأما فقيركم فَيرد الله عَلَيْهِ أَكثر مِمَّا أعطَاهُ) .
وَأَبُو صعير، بِضَم الصَّاد وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء، وَيُقَال: ثَعْلَبَة بن عبد الله بن صعير العذري، حَلِيف بني زهرَة.
.

     وَقَالَ  ابْن معِين: ثَعْلَبَة ابْن عبد الله بن أبي صعير، وثعلبة بن أبي مَالك جَمِيعًا رَأيا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي (الْكَمَال) : روى ثَعْلَبَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي زَكَاة الْفطر، روى عَنهُ ابْنه عبد الله، وَفِيه اضْطِرَاب كثير عِنْد الروَاة، وَرُوِيَ عَن ثَعْلَبَة بن عبد الله بن صعير عَن أَبِيه، ويروى: ثَعْلَبَة ابْن عبد الله بن أبي صعير عَن أَبِيه، ويروى: عبد الله بن ثَعْلَبَة بن صعير.
.

     وَقَالَ  صَاحب (الإِمَام) : فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن يحيى الْجَزْم بقوله: عبد الله بن ثَعْلَبَة بن صعير، وَكَذَا رِوَايَة ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ،.

     وَقَالَ  ابْن مَاكُولَا: صَوَابه: ثَعْلَبَة بن صعير العذري، أَو ابْن أبي صعير.
فَإِن قلت: قَالَ مهنَّا: ذكرت لِأَحْمَد حَدِيث ثَعْلَبَة بن أبي صعير فِي صَدَقَة الْفطر نصف صَاع من بر، فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيح إِنَّمَا هُوَ مُرْسل، يرويهِ معمر وَابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا.
قلت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد شيخ البُخَارِيّ عَن حَمَّاد ابْن زيد، روى لَهُ الْجَمَاعَة، عَن النُّعْمَان بن رَاشد قَالَ البُخَارِيّ هُوَ فِي الْأَمر صَدُوق روى لَهُ الْجَمَاعَة وَالْبُخَارِيّ مستشداً عَن الزُّهْرِيّ روى لَهُ الْجَمَاعَة وعَلى كل حَال الحَدِيث خبر الْوَاحِد يثبت بِهِ الْوُجُوب.

وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث حميد أخبرنَا عَن الْحسن، قَالَ: خطب ابْن عَبَّاس فِي آخر رَمَضَان على مِنْبَر الْبَصْرَة، فَقَالَ: أخرجُوا صَدَقَة صومكم، فَكَأَن النَّاس لم يعلمُوا، قَالَ: من هَهُنَا من أهل الْمَدِينَة؟ قومُوا إِلَى إخْوَانكُمْ فعلموهم فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ، فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الصَّدَقَة، صَاعا من تمر أَو شعير أَو نصف صَاع قَمح) الحَدِيث.
فَإِن قلت: قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت أبي يَقُول: الْحسن لم يسمع ابْن عَبَّاس قلت: جَاءَ فِي (مُسْند أبي يعلى الموصلى) فِي حَدِيث عَن الْحسن، قَالَ: أَخْبرنِي ابْن عَبَّاس، وَهَذَا أَن ثَبت دلّ على سَمَاعه مِنْهُ،.

     وَقَالَ  الْبَزَّار فِي (مُسْنده) بعد أَن رَوَاهُ: لَا نعلم روى الْحسن عَن ابْن عَبَّاس غير هَذَا الحَدِيث، وَلم يسمع الْحسن من ابْن عَبَّاس.
قلت: وَلَئِن سلمنَا هَذَا فَالْحَدِيث مُرْسل وَهُوَ حجَّة عندنَا، وَيُؤَيِّدهُ طَرِيق آخر عَن ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من حَدِيث ابْن جريج عَن عَطاء، (عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث صَارِخًا بِمَكَّة صَاح: إِن صَدَقَة الْفطر حق وَاجِب مدَّان من قَمح أَو صَاع من شعير أَو تمر) ، وَصَححهُ الْحَاكِم، وَرَوَاهُ الْبَزَّار بِلَفْظ: (أَو صَاع مِمَّا سوى ذَلِك من الطَّعَام) .
وَطَرِيق آخر عَن ابْن عَبَّاس أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن الْوَاقِدِيّ: حَدثنَا عبد الله بن عمرَان بن أبي أنس عَن أَبِيه عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن (عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِزَكَاة الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير أَو مَدين من قَمح) .
وَأعله بالواقدي، فَمَا لِلْوَاقِدِي؟ وَهُوَ إِمَام مَشْهُور وَأحد مَشَايِخ الشَّافِعِي؟ وَطَرِيق آخر عَن ابْن عَبَّاس أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ.
عَن سَلام الطَّوِيل عَن زيد الْعمي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صَدَقَة الْفطر عَن كل صَغِير وكبير ذكر أَو أُنْثَى نصف صَاع من بر) الحَدِيث وَأعله بِسَلام.

وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن سَالم بن نوح عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث مناديا يُنَادي فِي فجاج مَكَّة: أَلا إِن صَدَقَة الْفطر وَاجِبَة على كل مُسلم، وَفِيه مدَّان من قَمح) ،.

     وَقَالَ : حسن غَرِيب وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ بسالم بن نوح، قَالَ: قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء، وَتعقبه صَاحب (التَّنْقِيح) فَقَالَ: صَدُوق، روى لَهُ مُسلم فِي (صَحِيحه) ،.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة: صَدُوق ثِقَة، وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان.
وَطَرِيق آخر أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَليّ بن صَالح عَن ابْن جريج (عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر صائحا فصاح: إِن صَدَقَة الْفطر حق وَاجِب على كل مُسلم مدّان من قَمح) .
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: عَليّ بن صَالح ضَعَّفُوهُ قَالَ صَاحب (التَّنْقِيح) : هَذَا خطأ مِنْهُ وَلَا نعلم أحدا ضعفه لكنه غير مَشْهُور الْحَال، وَقيل: هُوَ مكي مَعْرُوف، وَهُوَ أحد الْعباد، وكنيته أَبُو الْحسن.

وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ حَدِيث آخر رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) من طَرِيق ابْن الْمُبَارك أخبرنَا ابْن لَهِيعَة عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نَوْفَل عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر (عَن أَسمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَت: كُنَّا نُؤَدِّي زَكَاة الْفطر على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مدّين من قَمح بِالْمدِّ الَّذِي نقتات بِهِ) ، وَضَعفه ابْن الْجَوْزِيّ بِابْن لَهِيعَة.
.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّنْقِيح) : وَحَدِيث ابْن لَهِيعَة يصلح للمتابعة سِيمَا إِذا كَانَ من رِوَايَة إِمَام مثل ابْن الْمُبَارك عَنهُ.

وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ حَدِيث آخر أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي بكر بن عَيَّاش عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث (عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: فِي صَدَقَة الْفطر نصف صَاع من بر أَو صَاع من تمر والْحَارث مَعْرُوف) .
.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: وَالصَّحِيح مَوْقُوف.
وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ فِي حَدِيث زيد بن ثَابت قَالَ: (خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من كَانَ عِنْده شَيْء فليتصدق بِنصْف صَاع من بر.
.
) الحَدِيث، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِيه سُلَيْمَان ابْن أَرقم وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَحَدِيث جَابر بن عبد الله رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صَدَقَة الْفطر على كل إِنْسَان مدّان من دَقِيق أَو قَمح، وَمن الشّعير صَاع، وَمن الحلو زبيب أَو تمر صَاع صَاع) .
وَفِيه اللَّيْث ابْن حَمَّاد وَهُوَ ضَعِيف.

الْوَجْه الثَّانِي: فِي قَوْله: (أَو صَاعا من شعير أَو صَاعا من تمر) ، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ غير أَن ابْن حزم لم يجوز صَدَقَة الْفطر إلاَّ من الشّعير وَالتَّمْر، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ.

الْوَجْه الثَّالِث: فِي قَوْله: (أَو صَاعا من أقط) قَالَ النَّوَوِيّ: اخْتلفُوا فِي الأقط، قيل: لَا يجْزِيه لِأَنَّهُ لَا يجب فِيهِ الْعشْر،.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيّ: الْخلاف فِيهِ فِي أهل الْبَادِيَة أما أهل الْحَضَر فَلَا يجزيهم قولا وَاحِدًا.
.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله تَعَالَى: وَقد اختالف فِي قَول الشَّافِعِي فِي الأقط،.

     وَقَالَ  الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي (شرح الْعُمْدَة) : قد صَحَّ الحَدِيث بِهِ.
وَهُوَ يرد قَول الشَّافِعِي،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : وَيجْزِي الأقط على الْمَذْهَب وَعِنْدنَا: تجوز صَدَقَة الْفطر بالأقط، وَفِي (التُّحْفَة) : فِي الأقط تعْتَبر الْقيمَة.
.

     وَقَالَ  مَالك: تجب صَدَقَة الْفطر من تِسْعَة أَشْيَاء، وَهِي: الْقَمْح وَالشعِير والسلت والذرة والدخن والأرز وَالتَّمْر وَالزَّبِيب والأقط، وَزَاد ابْن حبيب: العلس، فَصَارَت عشرَة.

الْوَجْه الرَّابِع: فِي قَوْله: (أَو صَاعا من زبيب) وَهَذَا أَيْضا لَا خلاف فِيهِ أَن الصَّدَقَة مِنْهُ صَاع، قيل: هَذَا حجَّة على أبي حنيفَة حَيْثُ اكْتفى فِي إِخْرَاج الزَّبِيب بِنصْف صَاع، كَمَا قَالَ فِي الْقَمْح.
قلت: هَذَا رِوَايَة عَن أبي حنيفَة وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى صَاع.

الْوَجْه الْخَامِس: احْتج بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور بَعضهم على أَن صَدَقَة الْفطر فَرِيضَة كَالزَّكَاةِ بِظَاهِر اللَّفْظ وَالْجُمْهُور على أَنَّهَا وَاجِبَة، والْحَدِيث يخبر عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَالْوُجُوب ثَبت بدلائل أُخْرَى.

الْوَجْه السَّادِس: أَنه يدل على أَنهم كَانُوا يخرجُون صَدَقَة الْفطر عَن أنفسهم فَلَا يجب إخْرَاجهَا عَن الْجَنِين، واستحبه أَحْمد فِي رِوَايَة، وأوجبه فِي رِوَايَة وَهِي مَذْهَب دَاوُد وَأَصْحَابه، وَرُوِيَ عَن عُثْمَان أَنه كَانَ يُعْطي عَن الْحمل.
.

     وَقَالَ  أَبُو قلَابَة: كَانُوا يخرجُون عَن الْحمل، وَقد أدْرك الصَّحَابَة.
وَفِي (الإِمَام) كَانَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
يُعْطي صَدَقَة رَمَضَان عَن الْخَيل،.

     وَقَالَ  أَبُو قلَابَة: كَانُوا يُعْطون عَن الْخَيل، وَفِي (الوبري) : لَا يجب عَن فرسه وَلَا عَن غَيره من سَائِر الْحَيَوَانَات غير الرَّقِيق، وَمَا رُوِيَ عَن عُثْمَان وَغَيره مَحْمُول على التَّطَوُّع، وَالله أعلم.