فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وإنه ليس بخارج من الملة

( بابُُ مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ شارِبِ الخَمْرِ وإنَّهُ لَيْسَ بِخارجٍ مِنَ المِلَّةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يكره من لعن شَارِب الْخمر، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة وَجه التَّوْفِيق بَين حَدِيث الْبابُُ الَّذِي فِيهِ النَّهْي عَن لعن الشَّارِب وَبَين قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يشرب الْخمر وَهُوَ مُؤمن، وَقد مر عَن قريب، وَهُوَ أَن المُرَاد بِحَدِيث: لَا يشرب الْخمر وَهُوَ مُؤمن نفي كَمَال الْإِيمَان لَا أَنه يخرج عَن الْإِيمَان، وَهُوَ معنى قَوْله: ( وَإنَّهُ) أَي: إِن شَارِب الْخمر لَيْسَ بِخَارِج عَن الْملَّة، فَإِذا لم يكن خَارِجا عَن الْملَّة لَا يسْتَحق اللَّعْن.
فَإِن قلت: قد لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَارِب الْخمر وَكَثِيرًا من أهل الْمعاصِي مِنْهُم: المصورون وَمن ادّعى إِلَى غير أَبِيه وَغير ذَلِك.

قلت: أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، باللعنة الملازمين لَهَا غير التائبين مِنْهَا ليرتدع بذلك من فعلهَا، وَالَّذِي نهى عَن لَعنه هَهُنَا قد كَانَ أَخذ مِنْهُ حد الله تَعَالَى الَّذِي جعله مطهراً لَهُ من الذُّنُوب فَنهى عَن ذَلِك خشيَة أَن يُوقع الشَّيْطَان فِي قلبه أَن من لعن بِحَضْرَتِهِ وَلم يُغير ذَلِك وَلَا نهى عَنهُ أَنه مُسْتَحقّ الْعقُوبَة فِي الْآخِرَة، وَأَنه يقره على ذَلِك ويقويه، وَقيل: الَّذِي لعن الشَّارِع إِنَّمَا لعن الْجِنْس على معنى الإرداع وَلم يعين أحدا، وَمِنْهُم من منع مُطلقًا فِي الْمعِين وَجوز فِي حق غير الْمعِين لِأَن فِيهِ زجرا عَن تعَاطِي ذَلِك الْفِعْل وَفِي حق الْمعِين أَذَى وَسَب وَقد ثَبت النَّهْي عَن أَذَى الْمُسلم.



[ قــ :6427 ... غــ :6780 ]
- حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ قَالَ: حدّثني خالِدُ بنُ يَزِيدَ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي هِلالٍ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ أبِيهِ عنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: أنَّ رَجُلاً كانَ عَلَى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ اسْمُهُ عَبْدَ الله وَكَانَ يُلَقَّبُ حِماراً.
وَكَانَ يُضْحِكُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرابِ، فأُتِيَ بِهِ يَوْماً فأمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا تَلْعَنُوهُ فَوَالله مَا عَلِمْتُ إلاّ أنَّهُ يُحِبُّ الله ورسُولَهُ) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَيحيى بن بكر مصغر بكير هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، وخَالِد بن يزِيد من الزِّيَادَة البَجلِيّ الْفَقِيه، وَسَعِيد بن أبي هِلَال اللَّيْثِيّ الْمدنِي، وَزيد بن أسلم مولى عمر بن الْخطاب يروي عَن أَبِيه أسلم مولى عمر الحبشي البُخَارِيّ كَانَ من سبي عين التَّمْر ابتاعه عمر بن الْخطاب بِمَكَّة سنة إِحْدَى عشر لما بَعثه أَبُو بكر الصّديق ليقيم للنَّاس الْحَج والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( وَكَانَ يلقب حمارا) لَعَلَّه كَانَ لَا يكره ذَلِك اللقب وَكَانَ قد اشْتهر بِهِ، وَجوز ابْن عبد الْبر أَنه ابْن النُّعْمَان الْمُبْهم فِي حَدِيث عقبَة بن الْحَارِث،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَكَانَ يهدي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، العكة من السّمن والعكة من الْعَسَل، فَإِذا جَاءَ صَاحبهَا يتقاضاه جَاءَ بِهِ،.

     وَقَالَ : يَا رَسُول الله! أعْط هَذَا ثمن مَتَاعه، فَمَا يزِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على أَن يتبسم وَيَأْمُر بِهِ فَيعْطى ثمنه.

قلت: هَذَا رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي من طَرِيق هِشَام بن سعد عَن زيد بن أسلم.
قَوْله: ( وَكَانَ يضْحك) بِضَم الْيَاء من الإضحاك.
وَفِيه: جَوَاز إضحاك الإِمَام والعالم بنادرة من الْحق لَا من الْبَاطِل.
قَوْله: ( فَقَالَ رجل) قيل: هُوَ عمر بن الْخطاب.
لِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: فَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ أَيْضا: لَا تفعل يَا عمر فَإِنَّهُ يحب الله وَرَسُوله، وَذَلِكَ عِنْد قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا تلعنوه) .
قَوْله: ( ماأكثر مَا يُؤْتى بِهِ) فِيهِ دلَالَة على تكرره مِنْهُ.
قَوْله: ( فوَاللَّه مَا علمت إلاَّ أَنه) أَي: الملقب بِحِمَار ( يحب الله وَرَسُوله) ويروى: فوَاللَّه مَا علمت أَنه يحب الله وَرَسُوله.
قَالَ الْكرْمَانِي: مَا، مَوْصُولَة لَا نَافِيَة فَكيف وَقع جَوَابا بالقسم.
ثمَّ أجَاب بقوله: ( أَنه يحب الله وَرَسُوله) وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ مَا علمت مِنْهُ، وَالْجُمْلَة مُعْتَرضَة بَين الْقسم وَجَوَابه، أَو: مَا، نَافِيَة ومفعول: علمت، مَحْذُوف.

قلت: إِذا كَانَ: مَا، نَافِيَة يكون همزَة أَنه مَفْتُوحَة مَعَ أَن رِوَايَة الْأَكْثَرين أَن الْهمزَة مَكْسُورَة إلاَّ على رِوَايَة ابْن السكن فَإِنَّهُ جوز الْفَتْح وَالْكَسْر.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمطَالع) : مَا مَوْصُولَة وَإنَّهُ بِكَسْر الْهمزَة مُبْتَدأ، وَقيل: بِفَتْحِهَا وَهُوَ مفعول: علمت،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ شيخ شَيْخي: فعلى هَذَا علمت بِمَعْنى عرفت، وَأَنه خبر الْمَوْصُول، وَقيل: مَا، زَائِدَة أَي: فوَاللَّه علمت والهمزة على هَذَا مَفْتُوحَة وَقيل يحْتَمل أَن يكون الْمَفْعُول محذوفاً أَي مَا علمت عَلَيْهِ أَو فِيهِ سوءا ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ إِنَّه يجب الله وَرَسُوله، وَقيل: مَا زَائِدَة للتَّأْكِيد وَالتَّقْدِير: علمت، وَقد جَاءَ هَكَذَا فِي بعض الرِّوَايَات وعَلى هَذَا فالهمزة مَفْتُوحَة.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: جعل: مَا، نَافِيَة أظهر لاقْتِضَاء الْقسم أَن يتقى بِحرف النَّفْي وَبِأَن وباللام بِخِلَاف الموصولة، وَيُؤَيِّدهُ أَنه وَقع فِي ( شرح السّنة) : فوَاللَّه مَا علمت إلاَّ أَنه.
قَالَ: فَمَعْنَى الْحصْر فِي هَذِه الرِّوَايَة بِمَنْزِلَة تَاء الْخطاب فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى لإِفَادَة مزِيد الْإِنْكَار على الْمُخَاطب، وَقيل: قد وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني مثل مَا وَقع فِي ( شرح السّنة) .





[ قــ :648 ... غــ :6781 ]
- حدّثنا عَلِيٌّ بنُ عَبْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ حدّثنا أنَسُ بنُ عِياض حدّثنا ابنُ الهادِ عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْراهِيمَ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَكْرَانَ فأمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ، ومنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، ومِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَجُلٌ: مالَهُ أخْزاهُ الله؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطانِ عَلَى أخِيكُمْ) .
( انْظُر الحَدِيث 7776) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَابْن الْهَاد هُوَ عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد وَاسم الْهَاد أُسَامَة اللَّيْثِيّ الْكُوفِي، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.

والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بابُُ الضَّرْب بِالْجَرِيدِ وَالنعال، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.